الثلاثاء، 13 يناير 2009

من دفاتر الأيام/ غزة تعري وتفضح

غزة تعري وتفضح

"أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع فيمكث في الأرض", هذا هو اليوم الثامن عاشر من العدوان الهمجي على غزة, ولكن هناك من يسميه "الحرب على غزة", ولم نفهم لم هذه التسمية؟ لقد اختلط الحابل بالنابل, فقد أرادت غزة أن تلعب بالمكشوف, ونورها الساطع كاشف وفاضح, إن الجهاد حقيقة لا تطمس, وبطولة غزة الأسطورية هي التي سجلت على سبيل المثال في يومنا هذا موقفا, مفاده رفض المقاومة رفضا صريحا وحازما للمبادرة التي تسمي الاستسلام سلاما, ورأت بعقبريتها الفذة, ألا سبيل للمجاملة في جوهر القضية, وأن طبيعة الأمور, مهما كان حجم التهديد والوعيد والضغط الآثم فرضت الرفض القاطع لمخطط الاستسلام, الذي رفعوا حجم القصف من أجله, وضاعفوا من استعمال الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا, من ذلك القنبلة الفسفورية التي يضربون بها بلا تمييز بيوت غزة الكريمة, فيجعلونها ركاما, وسكانها وخاصة منهم الأطفال, وبالأخص الرضع الذين لا يغادرون المنازل شهداء تحت الركام, قد يبقون هناك لمدة قد تطول أو تقصر, اليوم ليس ككل أيام الحرب المجرمة التي يباشرها الصهاينة ضد غزة, لقد ارتفعت حصيلة الشهداء الأبرار, لتصل 971 شهيدا وارتفع عدد الجرحى إلى 4431 جريحا, نسبة كبيرة منهم من الأظفال والنساء. رفضت فصائل القاومة الباسلة مبادرة الاستسلام المخطط لها بين واشنطن وتل أبيب, وازداد القصف اليائس البائس المدمر للبيوت الآمنة للضغط من أجل فرض مبادرته التي يسوقها بيادقه في المنطقة. في هذا اليوم الحاسم أبان الصهاينة عن وجههم القبيح, وراحوا يستعملون أقوى وأفتك ما لديهم من أسلحة أمريكا المتطورة جدا, آخر صيحة في عالم السلاح, اليوم دخل إلى غزة أطباء عرب بمقدار ما سمحت به قيادة النظام المصري61 طبيبا, اليوم دخل إلى غزة عدد من الأطباء اليونان والفرنسيين, ويبدو أنهم دخلوا عن طريق العدو, وربما يكون عددهم أكثر مما سمحت به قيادة النظام المصري, اليوم تحدثت الأخبار عن رفض عن منع النظام المصري دخول الصحافيين إلى غزة, لتمارس إسرائيل ذبح الأطفال في الظلام, ولا يعلم أحد بما تفعل, إنهم يسترون الصهاينة ويتسترون على جرائمهم, اليوم تحدثت الأخبار عن رفض رئيس السلطة بلا وطن, الموافقة على رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد زعماء الصهاينة, وقال بكل وضوح إنه يدين العدوان, لكنه يرفض الموافقة على رفع دعوى ضد مجرمي الحرب من الصهاينة الأشرار, اليوم وصل رئيس لجنة الصليب الأحمر الدوليإلى غزة, وقال بعد تجواله في المستشفيات أن الوضع محزن وخطير, وقد صدرت تصريحات أخرى من هذا القبيل في العالم. اليوم اشتد غضب الشعوب فراحت تتظاهر بقوة في العالم بأسره, اليوم صدرت دعوة قطر إلى قمة عربية طارئة في الدوحة يوم الجمعة, فقبلتها حتى الآن 13 دولة عربية, ورفضتها كل من مصر والسعودية لحد الآن, ; وفيما بعد في نفس السهرة التحقت دولة أخرى, فصار العدد14, وقد أفلحت المقاومة بعبقريتها من فرض هذا الفرز والفضح للمواقف, لتعرف الشعوب العربية كلها والعالم قاطبة حقيقة المواقف عارية تماما, ولا يبقى هناك أي مجال للدجل والنفاق والمناورة والمراوغة, ويكفي المقاومة شرفا هذا الإنجاز العظيم, فقد سقطت كل الأعذار, وصدق زعماء الصهاينة فيما يرددونه من أن أنظمة عربية طلبت منهم التخلص نهائيا من المقاومة لما تسببه لهم من صعوبات وحرج في مواقفهم الاستسلامية المتحالفة مع العصابة الصهيونية, والخاضعة تماما لإدارة السفاح "بوش" والمنفذة لما يأمر به حرفيا بل وتزيد من عندها الكثير بإحكام الحصار على المقاومة, وتجويع شعب غزة ومنع الدواء والحركة عليه نهائيا أكثر مما يفعل الصهاينة أنفسهم, إن العقل ليحتار في هذا السقوط الحر لهذه الأنظمة التي تعجز اللغة العربية ذاتها وما أدراك ما اللغة العربية عن التعبير عما تمثله مواقفهم هذه!!! المهم أن المقاومة أنجزت هذا الإنجاز العبقري, الذي لم يدر بخلد هذه الأنظمة المستسلمة الراكعة للعصابة الإجرامية في تل أبيب, دون قيد أو شرط, ومما يمكن للعقل أن يدركه هو ما تمثله هذه المواقف من استسلام, نعم يمكن أن يقع الاستسلام لأسباب موضوعية أو مفتعلة, كما يمكن أن يكون من نتائج الاستسلام عدم نصرة المقاومة بما يعززها عسكريا حتى لا تقع هذه الأنظمة في المحظور الذي تفرضه عليها مقتضيات الاستسلام الموثقة, وإذا عجز المرء عن قبول هذه التصرفات التي تؤازر العدو المجرم سلبيا, فإن أي عقل طبيعي أو صناعي يقف عاجزا عن الفهم أمام الاصطفاف في صف العدو الغاصب المتوحش عند الحرب, أن تعلن دولة عربية الحرب على دولة عربية أخرى, فرغم فظاعته, فإنه ممكن الحدوث, أما أن يتحالف أي نظام عربي مع إسرائيل بالذات لمحاربة مقاومة شعبية وفي فلسطين بالذات, فهذا ما يعجز أي عقل مهما بلغت قوة إدراكه أن يتقبله!!! ويكفي المقاومة النليلة هذا الفضح المعمق لهذه التصرفات الغريبة, لقد وضعت بهذه التعرية الشعوب المعنية أمام مسؤولياتها التاريخية والوطنية, وها هو النظام التونسي يعلن انضمامه لقمة الدوحة الجمعة, والشيء من مأتاه لا يستغرب. يمكن تفهم المبدا الوحيد لهذه الأنظمة وهوالمحافظة على بقائها بأي ثمن, والاستمرار من أجل ذلك في ممارسة الاستبداد والقمع, لكن التحالف مع إسرائيل ضد المقاومة لا يدخل في مفهوم بأي ثمن هذا, إنه هنا ضد المنطق وضد الدين وضد الوطن وضد الإنسانية وضد الطبيعة ذاتها, ولا يمكن تصنيفه في أي سلوك عرفته البشرية منذ نشأتها. المهم هو أن الشعوب المبتلاة بهكذا نظم لم يبق لها عذر أي عذر في الرضوخ للأمر الواقع المرفوض بكل المقاييس والمعايير, فعليها أن تتصرف بما تراه مناسبا لحفظ بقائها ومصالحها ووجودها ذاته, لأن هذه النظم الكسيحة مستعدة تمام الاستعداد لبيع الأوطان والشعوب بثمن بخس مع سبق الإصرار والترصد, ولله در المقاومة الشهمة التي استطاعت بلوغ هذا المستوى الرفيع من كشف الحقيقة رغم كونها مطلبا عزيز المنال, وها هي تقدمه على طبق من دماء أطفالها الزكية إلى كل من يهمه الأمر في العالم العربي والإسلامي بل وفي العالم بأسره, وهذا ما يفسر إلى جانب اليأس الصهيوني والخيبة العسكرية المهزومة أمام بطولات أطفال غزة وتضحياتهم السخية, لماذا جن جنون الصهاينة هذين اليومين الأخيرين, وراحوا يقصفون غزة بكل وسائل الدمار والتخريب التي وفرتها لهم أمريكا والغرب لمحو غزة بشرا وشجرا وحجرا من الخارطة نهائيا, ذلك لأنهم يتمتعون بالتغطية المطلقة على المستوى العالمي وعلى المستوى العربي بالذات مع التشجيع والمباركة والتوسل الملح لحذف غزة من فوق الأرض تماما!!! يبقى أن نتساءل عما يمكن لقمة غزة في الدوحة أن تفعله واقعيا؟ الجواب هو أنها سوف تصدر إعلانا يستنكر ويدين العدوان ويؤيد المقاومة ويؤازرها ماديا وإنسانيا في الجوانب غير العسكرية, لكن هل يمكن تنفيذ قرار المساعدات الإنسانية؟؟؟ وكيف يمكن إيصالها إلى شعب غزة الصامد؟؟؟ أليس الحصار المحكم من جانب النظام المصري أعتى من حصار إسرائيل ذاتها؟؟؟ إنه بالإمكان تصور فتح إسرائيل لأحد معابرها, فذلك أيسر من فتح معبر رفح لمثل هذه المساعدات الإنسانية التي تقررها قمة قطر لا ريب!!! نعم قد يتعذر على قمة غزة أن تفعل شيئا عمليا خاصة في الوضع الذي أصبح فيه الانقسام العربي معلنا, لكن يكفي هذه القمة أضعف الإيمان وهو أنها انعقدت وترفض العدوان وتستنكره وتدينه علنا, وتقرر مساعدات إنسانية ولو بقيت معلقة, في رفح, وربما أن ذلك هو أحد أسباب رفض النظام المصري الحضور, نعم إن أضعف الإيمان في هذا الزمن الأسود أشرف من الكفر الصراح, ولله الأمر من قبل ومن بعد, ويكفي المقاومة هذه التعرية وهذا الفضح التام للمواقف والمهازل التي بلغت ذروتها في هذا الزمن الأغبر, والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار, وعاشت فلسطين حرة أبيت عزيزة.


بن سي رابح/أستاذ من عاصمة الجزائر
http://video.msn.com/?mkt=fr-fr&playlist=videoByUuids:uuids:df2e66f7-6c71-4e4d-9e14-05fdf0b89650,6a53a150-7885-4dfd-9c16-08b83b3eb299,885fc3db-3fc9-4a85-83c5-f05c8e147f8e,d18c4a03-b708-45b1-9435-206d998fb4d2&showPlaylist=true&from=IV2_fr-fr_actualites_monde_articles&fg=gtlv2

ليست هناك تعليقات: