غزة الأنوار الساطعة
هذا هو اليوم السابع عشر وأنا الأستاذ من عاصمة الجزائر أسهر مع غزة إلى ساعات متأخرة من الليل, كيف ينام المرء وآلة الدمار تزهق أرواح أطفال غزة وحرائرها تحت جنح الظلام؟ إنهم يتحدثون اليوم عن 923 شهيدا و4200 جريحا, كما أن غزة بدأت تكسر الطوق الخانق المتوحش من حولها, وقد طالعتنا الأخبار عن وصول الطلائع الأولى من أطباء الجزائر مرفقين بكميات من الدواء واللوازم الطبية, وقد شاهدناهم عبر التلفزيون وقد شرعوا فور وصولهم مهمتهم النبيلة, كما رأينا إخوانهم من أطباء غزة وممرضيها وقد استبشروا خيرا, وعلامات الفرح تعلو وجوههم بوصول إخوانهم, وقد بدأت العزلة تتبدد من حولهم, وكيف لا؟ وقد دفعوا الثمن الغالي من دماء أطفالهم ونسائهم وشيوخهم؟ ما كان ذلك ليذهب هدرا, وها هو سور رفح وقد بدأ يتهاوى أمام ضربات الفداء والبذل والصبر الجميل, وفي جنيف السويسرية أدانت اليوم منظمة حقوق الإنسان الأممية جرائم الحرب الصهيونية, وإنها غزة تشع على عصر الظلام البوشي الصهيوني فتكشف عن وجهه الإجرامي القبيح وتعريه وتفضحه بتسليط أنوارها الساطعة على خباياه المتوحشة, وتفرض على محفل الأمم الإدانة فرضا, فلم تنفع مع وهج الدم الزكي القاني دم أطفال غزة الميامين, خزعبلات "ليفني" ولا تلفيق "رايس", وأين هما من سماء مجد يكتب بدم الأطفال ما طاولتها سماء؟ لم يعد تهديد "رايس" يجدي ولا بهتان "ليفني", لقد كشف صمود غزة الأسطوري كل مستور, وسقطت الأقنعة بفعل بطولات المقاومة الشريفة الأسطورية, وظهر الحق على الباطل, وها هم زعماء النظم العربية يسارعون إلى عقد قمة بالدوحة يوم الجمعة كما أعلنوا هذا المساء, أي بعد ثلاثة أيام, وليسوا بذلك يبعثون أملا في النفوس, لكن ثبات غزة الرائع أجبرهم على عقد ما كانوا ممتنعين عن عقده, والأمل كل الأمل في أن إشعاع غزة الكاشف سوف يضطره إلى اتخاذ قرار إيجابي مستغلين فرصة انتقال السلطة من سيدهم "بوش" إلى سيدهم الجديد "أوباما" لعلهم يتراخون في شد الحبل حول رقابهم فيصدر عنهم شيئا ما تفرضه غزة فرضا, وها هو "المجرم بيريز" يصرح اليوم بأن زعماء العرب طلبوا منهم القضاء "حماس" لأنها تمثل كارثة بالنسبة إليهم!!! ولحد الساعة لم يرد عليه أي واحد منهم, ويا للفضائح الشنيعة!!! ألم يقل قائلهم إن المقاومة تدمر شعب فلسطين, وهو لا يريد المقاومة التي تدمر شعب فلسطين؟؟؟ وها هو يجبر مع أقرانه على الذهاب إلى الدوحة بعد ثلاثة أيام, قادته المقاومة إلى هناك ليقف ضد من يدمر شعب فلسطين مرغما, فهم أولياء نعمته المسمومة, ويا للعجب والابتذال!!! عصابة الصهاينة اختلطت عليها الأمور, وشعرت بدنو ساعة توقفها عن العدوان الشرس, فراحت اليوم تدمر بصورة عشوائية, وتقصف جوا وبرا وبحرا الأحياء السكنية في غزة, وها هي الأخبار تفيد بأنها قبل قليل قصفت برجا من 15 طابقا فطرحته أرضا, ولا ندري ما هي الحصيلة من الشهداء والجرحى الذين سقطوا في هذا الهجوم الآثم؟؟؟ إن عمى الهمجية يزيد الصهاينة من تضييق الفسحة الزمنية على عدوانهم الآثم, فكلما زادت جرائمهم, نمت معها أمواج الغضب والاستنكار والتحرك الفعلي لإيقافهم عن غيهم الذي هم فيه يعمهون, لقد أفقدهم صمود المقاومة صوابهم, فراحوا يفرغون يصبون حمم الدمار على بيوت غزة ومساجدها ومستشفياتها وحتى على مدارس وكالة غوث اللاجئين الأممية وسياراتها وعلى مقرات الصحافة المحلية والدولية التي تغطي عدوانهم البشع, فتسببوا بذلك في اقتراب نهاية عدوانهم, ففعلوا بأنفسهم مالا يفعله العدو بعدوه, وألبوا العالم من حولهم, حتى أن "بوش" و"رايس" لم يعودوا يستطيعون التفوه بباطلهم المعهود,لقد أجبرتهم أنوار غزة الساطعة على الصمت الذليل, لقد اخترقت أشعة غزة الباهرة كل الستر, وأماطت اللثام عن المستعمرين والمتآمرين والعملاء وكل أعداء الإنسان الرعاديد من أقصى الدنيا إلى أقصاها, إنه الحق يزهق الباطل, لكنه الحق ذو المهر الرفيع, شلال الدماء الذي جاد به شعب غزة بسخاء منقطع النظير, ومن ذا الذي يقهر من هانت عليه روحه وحمل قضيته على أسنة الرماح؟؟؟ لا طائرات أمريكا ولا دباباتها ولا ذخائرها وقنابلها الفسفورية والعنقودية ولا الأسلحة الفتاكة التي بعثتها لتجرب على أهل غزة الصابرين يمكن أن تداني من طلب الاستشهاد في سبيل وطنه وكرامته وحقه السليب!!! إن غزة اليوم وهي تنتفض بقوة لا تضاهيها قوة مهما كانت غاشمة, غزت اليوم التي فضحت كل المزيفين في العالم من حولها, غزت اليوم وقد أرسلت خيوط أشعتها لتنير الكون كله, لم تترك للمنافقين ولا للسماسرة ولا للمستبدين والجبابرة زاوية صغيرة يلجئون إليها, غزة سلطت أشعتها الكاشفة على العصر الرديء هذا, فلقنت الدنيا درسا وأي درس؟ علمت الناس كيف يكونون بشرا, وكيف يحترمون أنفسهم في كل إنسان أي إنسان, وإلا فلن يكونوا إلا من الوحوش الضارية والشياطين المريدة, وهم مهما بلغ طغيانهم وعظمت كنوزهم لا يطالون قدر قدم صغيرة من أقدام رضع غزة المتسامية إلى عنان السماء بفعل قنابل الجبناء الرعاديد وصواريخهم, فالمجرم يظل مجرما مهما بلغ جبروته, وها هي غزة المجد تنير العقول والضمائر وتعيد للإنسانية رشدها, فتدين الجريمة في هيأتها التي أسكتها طغيان الشر دهرا, وها هو محور الشر الحقيقي يفضح بأنوار غزة, التي ببركتها انكشف الإرهاب الحقيقي المهدد للبشر على كوكب الأرض وفي أجواز الفضاء, إنها تباشير الصباح الندي قد بدأت تضيء حنايا غزة الصامدة, غزة المجاهدة, غزة القيم الإنسانية النبيلة, غزة النور الساطع, غزة السمو والتضحية والفداء. هنيئا لك تمرات جهادك التي شرعت في النضج, وتباشير صبح النصر التي بدأت تلوح في الأفق. وعاشت فلسطين حرة عزيزة, والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق