الجمعة، 3 أبريل 2009

النوم

في المسجد
أدخل المسجد يوم الجمعة - عادة - عند منتصف النهار لأسباب معروفة, وفي الجمعة الماضية وجدت إعلانا كتبوا فيه: "ممنوع النوم في المسجد", وفي ذلك المكان بالذات, كنت أجد دائما شخصا نائما, لست أدري إن كان هو نفسه في كل مرة أم هناك تناوب على المكان؟ وعلى أي حال ففي هذا اليوم عاد أحدهم إلى النوم في ذات المكان, ولم أنتبه إن كان الإعلان لا زال ملصقا أم لا؟ ويبدو أن أولئك الذين يأتون باكرا ليناموا في المسجد أنهم يعانون من مشكل متصل بهذا السلوك, إما انعدام السكن, أو ضيقه وكثرة سكانه, أو شيء من هذا القبيل, فلا بد من الناحية النظرية أنهم يكابدون أزمة نوم, لكن الأهم من هذا هو أنهم عندما يحين وقت الصلاة يؤدونها دون إعادة وضوء إن كانوا قد توضأوا أصلا, فهل أتى مثل هؤلاء ليناموا فقط, وما حضورهم الصلاة إلا لرفع الحرج وحتى لا يعرضون أنفسهم للطرد المحتمل في المرة القادمة, ربما! لكن لنبحث الأمر وفقا لفرضية حسن النية, بمعنى أن الشخص المعني يعاني من نقص النوم لسبب اجتماعي قاهر, وهو يأتي للمسجد قصد النوم والصلاة أيضا, وفي هذه الحالة إما أن يكون جاهلا بأن النوم يستوجب تجديد الوضوء, أو أنه يتساهل مع نفسه وربما يفتي لذاته بأنه على صواب ولا داعي لمشقة هذا التجديد, وعلى الأرجح فإن هذا الحوار الذاتي يتم في شيء من الغموض والتردد والأخذ والرد الخافت مما يجعل المسألة غير ملحة, وهو يواصل ممارسته للعبادة بطريقته ويعتبر مجرد الدخول إلى المسجد كاف لتسجيل القيام بالواجب, هو مؤمن لا جدال في ذلك, ويأتي إلى المسجد لهدف مزدوج, النوم والصلاة التي تأخد شكل الحضور إلى المسجد فقط, ولا يهم بعد ذلك ماذا يتم عمليا في فترة البقاء داخل بيت الله, بطبيعة الحال المسألة مرتبطة بدرجة الوعي التي تعود إلى مستوى التعلم والثقافة والتكوين السياسي أيضا, وقد لمسنا بوضوح في تجربتنا التاريخية كيف أن الوعي قد حصل وارتقى إلى درجات سامية عن طريق أحد هذه العوامل, وبطبيعة الحال يكون أكثر سموا لو اجتمعت العوامل كلها, أو أكثر من واحد منها, يظهر هذا الأمر بوضوح في الحركة الوطنية الجزائرية, وفي الثورة العظيمة التي فجرتها, وقادتها بمهارة عالية إلى النصر المبين الذي كان في ذلك العهد معتبرا من المستحيلات. إن هذا النائم يأتي إلى المسجد على الأرجح بنية حسنة ولا يدرك بوضوح أن النوم ينافس العبادة أو يشوشها, ثم يزيد الطين بلة عدم تجديد الوضوء بعد النوم لأكثر من ساعتين في الغالب, ربما أنه يعاني شيئا من الوخز الخفيف للضمير, الذي لا يبلغ درجة الاستجابة العملية, ذلك لأنه في الواقع قد لا يبتعد كثيرا في أدائه الديني عن أولئك الذين يتقنون مظاهر التعبد, ويقومون في فضاء المسجد بتلك التمثيلية التي يريدون بها الإيحاء بالتقوى عن قصد أو بدون قصد, وربما أن هذا النائم يعتبر نفسه أكثر تعبدا من هؤلاء المتمظهرين, وقد يكون على حق إلى حد بعيد, وما الفرق بينه وبين أولئك إلا في كونه أبسط منهم في الوقوع تحت طائلة الاعتبارات الاجتماعية المعقدة, وأكثر صراحة في سلوكه العام والديني منه, وهو وغيره سواء في درجة الوعي العام ومن ثم فممارساتهم الدينية في جوهرها لا تختلف كثيرا, فإنه إن كان ينام في المسجد ولا يجدد الوضوء, فهم أيضا ينشغلون بالأحاديث فيما بينهم, وكثير منهم لا يتوقف عنها حتى أثناء الدرس الذي يسبق خطبة الجمعة عادة, مما يجعلهم يتجاوزون عدم احترام المسجد إلى مضايقة الذين يجلسون بالقرب منهم, خاصة أولئك الذين يقرأون في المصاحف, أو الذين يرغبون في متابعة الدرس, لكنهم لا يستطيعون تركيز السمع بسبب كلام هؤلاء المتمظهرين فيما بينهم, وهناك نوع آخر يلوذ بالصمت مرغما بغية إحكام تمثيلية ادعاء التقوى, وهناك أصناف كثيرة من رواد المساجد الذين يضايقون إخوانهم بشكل أو بآخر حتى أثناء الوقوف للصلاة, منهم من يفعل ذلك لقلة وعيه وبساطة تعبده وسطحيته, ومنهم من يضايق الآخرين عن قصد ولا يربط بين ممارساته السيئة تلك ومقام الوقوف بين يدي الله أو الحضور في بيته سبحانه, وبطبيعة الحال فإن مثل هذه الخواطر لا تكون واضحة في ذهن النائم لأنها تتجاوز درجة وعيه, ولكنه يحس بها بشكل أو بآخر, بل ويتخذ من شعوره الضبابي بها مبررا لنومه وعدم تجديده الوضوء بعد النوم الطويل في المسجد, لكن الصورة العامة لدى رواد المساجد, وهي الصورة التي تنسحب على المجتمعات المسلمة كلها بتفاوت بين هذا المجتمع وذاك, وبين هذا الفرد وذاك في ذات المجتمع, هي هذه الثنائية الخطيرة بين العبادة والسلوك العام, وإن شئنا الذهاب أبعد نقول بين السلوك المتخلف وبين العبادة التي تتناقض معه تناقضا تاما, تجد ذلك حيثما اجتمع المسلمون واضحا, سواء في دور العبادة أو حتى في الأماكن المقدسة كما يحدث في الحج, حيث يصل الأمر إلى درجة الموت, ومن الحب ما قتل, كما يقال, والعجيب أن الوعي بهذا التناقض يبقى متدنيا للغاية, وتلك هي المشكلة, حيث إن الذي لا يعي لا يسعى إلى التغيير, ومن ثم الجمود والتخلف, وإلا كيف ينام صاحبنا في المسجد؟ وكيف يتخذ منه غيره مكانا لتجاذب أطراف الحديث, بل ويذهب بعض البؤساء إلى درجة مضايقة إخوانهم المصلين عن قصد, وذلك هو العجب العجاب, وهنا يمكن أن نستنتج أن ما يمارسه أغلب هؤلاء هو من قبيل الانقياد للعادة, وليس من قبيل التعبد الذي يشبه في كل أحواله الحقيقية حالات الوجد الصوفي, حيث يشعر المعني بأنه في بيت الله وأنه في حضرة خالقه وأنه يسعى إلى الاتصال المباشر به في تلك الفترة من الممارسة التعبدية, هذا المستوى منعدم تماما إلا لدى من رحم ربك من نخبة المصلين إن جاز التعبير, وهم أولئك الذين يتمتعون بوعي رفيع ودراية كافية بقواعد الشرع ومقاصده إلى جانب الالتزام العميق الصادق المخلص, وهم يعدون على أصابع اليد الواحدة في مثل هذه التجمعات التعبدية, إنه وضع يدعو إلى الشفقة والرثاء, لا سيما إذا كان من يفترض فيهم ترقية الممارسة التعبدية منشغلين بدنياهم ولا يبذلون أدنى جهد في هذا الاتجاه الاستراتيجي الذي يدخل ربما في صميم واجباتهم المهنية التي كلفهم بها مجتمعهم ومنحهم مقابلا قد يكون كبيرا عليها, لكنهم لا يفعلون لا بسبب انحدار وعيهم, ولكن بسبب الإهمال والاهتمام بالمكاسب والمغانم إلى درجة الاستغراق فيها وحدها والعياذ بالله, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جميع الحقوق محفوظة

ليست هناك تعليقات: