أوباما ...قلقيلية 2
كانت قلقيلية1 مباشرة بعد عودة عباس من أمريكا، ثم قلقيلية2 بعيد خطاب أوباما المصفق له كثيرا في القاهرة، دون إنصات، بسبب الاستغراق في التصفيق، لماذا؟ فقط لأنه أوباما، فيكفي أن يتكرم أوباما بزيارة حتى يستحق كل شيء، ولكي لا نسترسل فيما لا طائل من ورائه، فإن أي رئيس يأتي بعد بوش السفاح، يمكن أن يرحب به العالم كله، لأنه يبشر بانقضاء عهد هولاكو العصر، وبئس ما هو، لكن أيمكن أن نتجاهل علاقة أوباما بقلقيلية الأولى والثانية؟ وهل يمكن لغلاة الصهاينة أن يرحبوا بخطاب أوباما، لولا أنهم في غاية الاطمئنان من مقاصده؟ ثم لماذا أعلنت السلطة الحرب بمجرد عودة عباس من واشنطن عبورا بالقاهرة ثم عمان، فالرياض عبر الهاتف؟ لنكن واقعيين ولا نحمل الأمور أكثر من طاقتها، فأوباما قبل كل شيء هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حليفة إسرائيل الأولى كدولة، بغض النظر عن هذا الرئيس أو ذاك، سواء أكان من الذين يستعملون القوة الخشنة أو الناعمة، والحلف بين الجانبين لا يعني شيئا آخر غير ترابط وثيق وحتمي للمصالح، وهنا مربط الفرس، فكيف تكون إسرائيل أهم من العرب مجتمعين، بل العرب والمسلمين، في ميزان المصالح الأمريكية؟ ما هو السر العجيب في هذه النقطة بالذات؟ لقد أكد أوباما في خطابه للمسلمين من جامعة القاهرة على أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل غير قابلة للاهتزاز والزعزعة؟ بمعنى لا تطمعوا أيها العرب والمسلمون في تفضيلكم مجتمعين على إسرائيل، فهذا من قبيل المستحيلات في قاموس المصلحة الأمريكية، ما دامت الصداقة والعداوة غير دائمين، في مفهوم السياسة، بل الدائم الوحيد هو المصلحة، وعلى هذا الأساس تنشأ العلاقات وتترعرع. ولفهم هذا الذي يبدو أنه لغز محير، نذكر أن اللوبي الصهيوني في أمريكا له رأي فاصل في انتخاب الرئيس والبرلمان، واللوبي اليهودي في الغرب كله هو صاحب الإعلام والعلم والمال، بمعنى أنه لا أحد في أمريكا بالذات يمكن أن يحلم ببلوغ عرش البيت الأبيض إذا لم يحظ بتأييد اللوبي اليهودي، حيث إن الطريق المؤدي إلى الرئاسة الأمريكية معبد بالمال والإعلام، وهذان لا يستغنيان عن خدمات العلم، ومن هنا تنبع المصلحة الأولى للرئيس وحزبه، مصلحة انتخابية سياسية لا غنى عنها، فكيف يمكن لأوباما أن يستغني عنها، ومقابل ماذا؟ ما هو المقابل الذي يجعله يرجح كفة العرب والمسلمين؟ إن ما لدى هؤلاء مسخر له ولأمريكا مجانا، فلماذا يبحث عن التبرع بدفع ثمن فيما هو مجاني؟ لا نعتقد أن أوباما مجنون إلى هذا الحد، كما يريد المرحبون بزيارته بحرارة منقطعة النظير أن يفهمونا. إن عباس لم يسبق له أن أعلن الحرب بطريقة مباشرة وسافرة في الضفة الغربية، كما فعل هذه المرة، بمجرد قدومه من ضيافة أوباما، ما ذا يجب أن نفهم من هذا؟ أقل شيء هو أن الرئيس الجديد قد أفلح حيث فشل ولو إلى حد ما سلفه السفاح بوش. إن أوباما يعمل لصالح نفس المصالح لبلاده كسلفه وكأي رئيس آخر يستمد وجوده من الانتخابات الديمقراطية، مما يعني أن الرئيس الجديد قد استطاع أن يقنع زائره ويدفعه إلى تفجير الحرب الأهلية في فلسطين بدعوى محاربة الإرهاب أو العدو المشترك بين السلطة وإسرائيل وأمريكا، والذي هو المقاومة في المقام الأول، إن لم تكن العدو الوحيد لهذه الأطراف المتحالفة حلفا غير مقدس على الظلم والعدوان والإبادة والتدمير. إن أوباما لم يقل لحد الآن أي شيء جديد من حيث الجوهر، مجرد القول، فما بالك العمل لتجسيد القول ميدانيا، وما عاصفة الترحيب الهوجاء التي قوبل بها سوى وهم تروج له النظم الدائرة في الفلك الأمريكي، من أجل تخدير شعوبها، والتعبير عن الولاء لحاميها ومستخدمها لصالحه مقابل السكوت عنها والموافقة على استمرارها في الجلوس على كراسي الحكم في بلدانها، ما دامت علاقة عدم الثقة هي الرابطة الوحيدة بينها وبين شعوبها. وحتى لو تصورنا أن أوباما مثالي للغاية، فإنه لا يمكن أن يضحي بمصالحه السياسية ومصالح بلاده المتشعبة والكبيرة في المنطقة، من أجل إقامة العدل وإنصاف الإنسانية في فلسطين وفي العالم الإسلامي كله، وحتى لو أراد ذلك، فلا نظنه يستطيع جر إدارة بلاده لتنفيذه، لمجرد أنه يريد ذلك، وربما قد يصل حد تعريض حياته ذاتها للخطر، لو سولت له نفسه بالوقوف في وجه مصالح لوبيات بلاده، والانتصار للحق والإنسانية، وما شابه ذلك من القيم التي لا وجود لها في قاموس السياسة الأمريكية والغربية بالخصوص. إن القادر على تغيير سياسة أمريكا هم العرب والمسلمون والفلسطينيون دون غيرهم، عندما يجبرون حكوماتهم على التعامل مع أمريكا من قاعدة تبادل المصالح الوطنية والشعبية، وليس على قاعدة المصالح الأمريكية، مقابل مصالح الحكام المناقضة لمصالح الشعوب، في هذه الحالة تكون أمريكا مجبرة على تغيير سياستها فورا، ما دامت السياسة في خدمة المصالح، ولا شيء غير المصالح. أما الآن فإن انتظار الكثير من أي رئيس أمريكي أو غربي هو نوع من السذاجة يقترب من الخبل، ومن ينظر إلى الطريقة الهوجاء التي قوبل بها أوباما في زيارته للشرق الأوسط، وكأنما تلك الزيارة هي ليلة القدر المنتظرة، كما تروج لها الأساطير الشعبية الحالمة، يدرك مدى بعدنا عن الوعي المطلوب لرعاية شؤوننا، وتأمينها من عبث العابثين في الداخل والخارج. أما أوباما فقد فهم واقعنا المزري وراح يطلب الغفران ويؤكد الود في الوقوف على آثار المحرقة المزعومة في ألمانيا، وكأنما يكفر عن ذنب الزيارة التي قام بها دون أي داع أصلا، مجرد الزيارة، إذ أن مصالح بلاده في مأمن لا يتطرق إليه الخوف من أي جانب، والولاء قائم لمجرد تأييد الحكام في البقاء على عروشهم، وقد كلف رئيس أمريكا نفسه كثيرا عندما تواضع بزيارتهم، ولله في خلقه شؤون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق