الخميس، 15 يناير 2009

من دفاتر الأيام/ اليوم العشرون من العدوان الإجرامي على غزة

غزة تربك أنظمة العرب

كان اليوم أكثر دموية في غزة, فقد قصف الصهاينة مستشفى في غزة وآخر في تل الهوى قيل أن به 300 مريضا وعددا كبيرا من الجرحى وأطقم طبية, كما قصفوا مقر وكالة غوث اللاجئين الأممية بقذائف فوسفورية, وقصفوا برج الشروق الذي يحتوي على مكاتب لمحطات تلفزيونية وجرحوا ثلاثة صافيين, وقاموا عن طريق القصف باغتيال القيادي في حماس وزير الداخلية "سعيد صيام" في منزله صحبة ولده وأخيه, وقاموا بالقصف المدفعي والجوي العنيف المكثف للمناطق الآهلة بالسكان وبصورة عشوائية لمختلف المدن الغزاوية المدمرة الصامدة, وبالجملة فإن الإجرام يبلغ ذروته والعدو الأرعن يفقد أعصابه, ويتصرف بهستيرية وجنون, هلعا من فشله العسكري الثاني أمام المقاومة, بعد فشله الأول المهين أمامها في لبنان, كيف يحصل هذا وهو الذي اعتاد على إلحاق الهزائم النكراء بجيوش الأنظمة العربية في معارك خاطفة لا يكاد يخسر فيها أي شيء, لأنها تتم دائما من الجو بطيرانه الأمريكي الصنع والتمويل, لهذا تملكه الرعب كيف يهزم, وهو الذي ظل ينتصر بكل سهولة لمدة 60 عاما بالتمام والكمال؟؟؟ فلم يجد أمامه إلا أهل غزة الآمنين يصب عليهم حمم قنابله ويزهق أرواح أطفالهم ونسائهم ويدمر البيوت وكل المرافق بدون تمييز ولا استثناء, بما في ذلك المستشفيات والمدارس, ومنها مدارس وكالة غوث اللاجئين الأممية وكذا المكاتب الصحافية, وكل شيء في غزة يتعرض للقصف الكثيف المدمر المركز, إنه عدو شرس مجنون, وزاده جنون على جنون تململ عالمي بدأ يعترض على سلوكه الهمجي الإجرامي, مما قد يفرض عليه في أي لحظة وقف العدوان, لهذا فهو في عجلة من أمره لينتقم لفشله العسكري المهين أمام المقاومة الصامدة من الأطفال والنساء, ومن غزة كلها بما فيها من بشر وأحياء وجماد.
أما في الجانب السياسي, فإن الأنظمة العربية "المعتدلة "!!! تواصل موقفها المتجاهل لما يحدث في غزة وبعضها يشارك في الحرب بطريقة أو بأخرى إلى جانب الصهاينة, وهؤلاء قد أصابهم الارتباك الذي أصاب العدو, لأنهم شركاء معه في المجزرة بغية القضاء على المقاومة, بل أرادوا أن يهزموا المقاومة المنتصرة عسكريا عن طريق مبادرة الاستسلام التي يريدون فرضها عليها, وها هم يرفضون قمة الدوحة غدا الجمعة, وتعقد السعودية قمة خليجية طارئة من أجل غزة, اليوم الخميس, لكنها تقرر تأجيل بحث ملف غزة ليبحث في القمة الاقتصادية المقررة في الكويت؟؟؟ فماذا درست هذه القمة الخليجية التي دعيت لدراسة الوضع في غزة؟؟؟ لا ندري, فقد اقتصر البيان الصادر عنها على تأجيل دراسة ملف غزة إلى قمة الكويت لتعقد جلسة تشاورية بشأنه كما أعلن النظامان السعودي والمصري منذ ثلاثة أيام في سياق إعلان معارضتهما لقمة الدوحة غدا, لكن لماذا عقدت القمة الخليجية؟ ولماذا تراجعت عن دراسة موضوع غزة الذي دعيت للانعقاد من أجله؟؟؟ إنه ارتباك النظام العربي وخاصة منه الشق "المعتدل"!!! الذي يتلخص سلوكه في تنفيذ الأوامر الصهيونية الأمريكية دون أي نقاش ومهما كانت هذه الأوامر مقابل حماية استمرار وجوده الهدد من شعوبه المقهورة المسحوقة المتحفزة للانقضاض عليه في أي لحظة لافتكاك حقوقها منه, بل والتخلص منه نهائيا للالتفات إلى بناء مستقبلها وضمان أمنها ومنعتها وازدهارها, وهي واثقة كل الوثوق بأنه لا أمل لها في الحياة الكريمة ما دامت ترزح تحت نير هذه الأنظمة الغريبة الأطوار. إن الأوامر الصهيونية الأمريكية تقول لا قمة خاصة بغزة, فيقول "المعتدون" والمشاركون منهم في العدوان خاصة لا قمة, ثم يعقدون, أو بعض منهم قمة جهوية موضوعها غزة, وفي النهاية يقولون إنهم أجلوا بحث هذا الملف ليدرس في قمة الكويت!!! إنه الارتباك الذي وضعتهم فيه القاومة الشريفة العفيفة, لقد أدركوا أنها كشفت الاتفاق السري بينهم وبين الصهاينة والأمريكان, الطاعة العمياء مقابل ضمان الاستمرار في الحكم بلجم الشعوب وتشديد القهر عليها وتهديدها بالفتك والبطش, إنهم يطبقون الأوامر كما تعودوا وكما تقتضيه مصالحهم الخاصة, ثم إن انتصار المقاومة على المستوى العربي العام يهدد وجود نظمهم الهزيلة الذليلة, فإذا انتصرت المقاومة على العدو الخارجي حليفهم, فمعنى ذلك أنها سوف تستلم السلطة منهم طوعا أو كرها, وهذا السبب أو الخطر كاف لأن يجعلهم يتحالفون مع الشيطان الرجيم من أجل القضاء على المقاومة وشعب المقاومة في غزة وفي فلسطين كلها وفي لبنان وفي العراق وفي العالم العربي باسره بل وفي العالم قاطبة, إنهم لا يستطيعون تصور أنفسهم خارج السلطة, وسيبقون فيها بأي ثمن ولو كان هذا الثمن هو التحالف مع الصهاينة وكل اعداء الأمة, أو تدمير غزة بل كل الأوطان وإبادة كل الشعوب, وهذا وحده هو المبرر المنطقي لتصرفاتهم الخطيرة على أمن شعوبهم وعلى الأمن القومي كله, وهو ما أخفاه "هيكل" عندما ادعي بأنه عجز عن فهم تصرفات النظام المصري في موضوع غزة خاصة, إنه يعرف جيدا هذا السبب المنطقي الواضح لتصرفات "المعتدلبن" وخاصة منهم المتواطئين مباشرة على قتل أطفال غزة ونسائها والقضاء على المقاومة فيها وتدمير غزة وإبادة شعبها بالكامل, "هيكل " يفهم هذا الامر أحسن من غيره, ولكن لاعتبارات ذاتية وغيرها لا يريد التصريح به, فيقول إنه عاجز عن فهمه, وكأنه سر مكنون لايعرفه إلا الراسخون في العلم, مع أنه معلوم بشكل أو بآخر لدى عامة الناس بمن فيهم أبسط البسطاء.
ستعقد قمة الدوحة غدا, وهي تعقد مثل القمة الخليجية الغريبة خارج الجامعة العربية التي صرح أمينها العام بشأنها بالنفي, أي لا قمة في الدوحة لأن النصاب لم يكتمل, وهو بذلك يعلن عن دق آخر مسمار في نعش جامعته المهزلة, ولعل هذه القمة تمثل اهمية خاصة كونها تؤسس لنظام عربي جديد, لأنها تعقد خارج الجامعة البريطانية المنشأ بهدف تضامن النظام العربي ضد شعوبه وتمييع قضايا العرب وتعطيلها وقتلها, لعل هذه القمة التي لها شرف الانعقاد خارج هذه الجامعة الاستعمارية المنشأ والتوجه تعلن عن نظام عربي جديد, يكون محور وجوده مصالح الأمة ورقيها وازدهارها, ولم لا؟ وهي تعقد رغم الأوامر الصهيونية الغربية بعدم انعقادها, فهي قصدت او لم تقصد تقع في هذا السياق التحرري البناء, يبقى أنها سوف تكون مؤسسة لهذا الاتجاه ومصممة على السير فيه كإستراتيجية سليمة لهذا القسم من النظام العربي, هذا هو السؤال الكبير, ومهما يكن فإن مجرد انعقاد هذه القمة هو أمر إيجابي بالنسبة إلى موضوع غزة كما يقول "المعتدلون", والعدوان الإجرامي الهمجي على غزة بقصد الإبادة والتدمير كما تقول هذه القمة التي تنعقد بدعوة من قطر التي كبرت حتى جعلت الكبار يتصاغرون فيبلغون درك الهوان والعار, فعلى بركة الله تنعقد هذه القمة التي أحيت في نفوسنا بعض الأمل, فلعلها تمثل فجرا جديدا يطل على الأمة ويبشر بأحياء أمجادها التليدة وببعث فيها روح الدفاع عن حقها في الحياة الكريمة آمنة مطمئنة ومزدهرة, لعل المقاومة العبقرية التي أربكت النظام العربي وأحدثت به شرخا عميقا, ومارست الفرز فيه بين الصالح والطالح, أو بين الذي يريد إصلاح أمره ومن يصر على الضلال المبين والعياذ بالله, لعل هذه المقاومة الخلاقة تكون قد نبهت الأمة إلى الدرك الأسفل الذي هوت إليه, فاستجابت للنداء, وانبرى نفر من حكام العرب ليحمل مشعل الأمل في الحياة الحرة الكريمة من الدوحة الشامخة ويستمر دون توقف إلى أبد الآبدين, وما ذلك على الله بعزيز.
بلغ عدد الشهداء الأبرار 1190, وعدد الجرحى تجاوز 5130 جريحا, والمقاومة لا زالت تجابه العدوان الإجرامي بكل صرامة وبطولة, وهي الأن تكبده خسائر أكبر من السابق, وصواريخها تسقط على مستوطناته ومدنه القريبة والبعيدة, ولذلك جن جنونه, فزاد من سفك دماء النساء والأطفال الذين حاربهم وحدهم منذ البداية, وراح يقصف كل شيء, لكن قصفه اليوم لم يكن كله عشوائيا, فقد انتقى بعض الأهداف النوعية منها اغتيال القيادي في "حماس" "سعيد صيام", في محاولة يائسة للنيل من معنويات المقاومة بعد الفشل في مواجهتها عسكريا, كما قصف المستشفيات لتهديد الأطباء العرب والأجانب الوافدين تضامنا مع غزة, ولإرهاب المرضى والجرحى والحط من معنويات شعب غزة الصامد, وقصف المقر الرئيسي لوكالة غوث اللاجئين ومخازن المساعدات التي وصلت إلى غزة لإرهاب موظفي وكالة الغوث الأممية, ولمحاولة منع تخفيف العاناة والتجويع على شعب غزة المنيعة, ولإرهاب أمين عام الأمم المتحدة "بان كيمون" الذي جاء إلى المنطقة ليحاول إيقاف إطلاق النار, وجعله متهيبا من مواجهة الصهاينة عندما يتباحث معهم ومع غيرهم, فيتبنى أطروحاتهم الإجرامية باسم الأمم المتحدة!!!
رحم الله الشهداء الأبرار والشفاء العاجل إن شاء الله للجرحى المظلومين, وعاشت فلسطين حرة أبية, والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
بن سي رابج
أستاذ منقاعد من عاصمة الجزائر

ليست هناك تعليقات: