قمة العشرين المذهلة
الرؤساء أنفسهم ذهلوا, ربما أن حسين أوباما هو السر المكنون, لقد قال ساركوزي إن قرارت القمة أكثر مم كنا نتمنى, وقد كان قبل القمة يهدد ويتوعد, ويدعو إلى الحلول الجذرية بدل الحلول الوسطى التي لا تسمن ولا تغني من جوع, وقالت ميركل إن القمة عالجت الأزمة ووصفت نتائجها بالتسوية التاريخية, وقال براون إن العملة العالمية الجديدة لم تبحث بالتفصيل في اجتماع قمة اليوم, وأضاف إن الأزمة المالية ستتمخض عن نظام عالمي جديد, أما أوباما فقد تحدث عن الإجماع الذي لم يكن متوقعا, فقد كان يدعو هو نفسه قبل القمة إلى التركيز على نقاط الاتفاق وسبب الذهول هو المبلغ المالي الخيالي الذي رصدته القمة للتغلب على الأزمة العاصفة, ويبدو أن الاقتناع بأن الحل الصحيح قد تم إنجازه, لقد قرروا تدعيم البنك العالمي بألف مليار دولار! كما قرروا إنفاق خمسة تريليون حتى نهاية سنة 2010! وهو الموعد المتوقع لبداية الانتعاش الاقتصادي والعودة إلى الاستقرار المالي, لكن يبدو أن الوضع سيبدأ في التحسن منذ الآن بعد هذه القرارات التاريخية الحاسمة. إن أوباما يسير بخطى سريعة وعملاقة في اتجاه محو آثار السفاح بوش السيئة التي وضعت العالم على فوهة بركان, ثم إنه يريد إشاعة الاطمئنا في العالم, بدل الرعب الذي روج له سلفه سيء الذكر, فإلى جانب هذه القرارات المذهلة في قمة العشرين, ها هو الرئيس الأمريكي يهنئ رئيس الحكومة الصهيونية الجديد المتطرف اليميني "ناتنياهو", ويدعوه للشراكة في إقرار السلام على أساس الدولتين, وهو يعلم جيد العلم أن اليمين الحاكم في إسرائيل الآن, ورئيس حكومته بالذات, يرفضون حل الدولتين, وها هو وزير خارجية العصابة الجديد يصرح بأن نتائج مؤتمر " أنا بوليس ", لا تلزم إسرائيل, وهذا معناه أن سوء تفاهم جدي سوف يقع بين أمريكا والعصابة الصهيونية, الأمر الذي كان مستحيلا في عهد بوش الطاغية, مما يعني أن حكومة الصهاينة سوف تتعرض لضغط أمريكي منتظر, إن أوباما يصدر أوامر وتصريحات في اتجاه الوصول سريعا إلى الانفراج العالمي, على عكس ما كان يفعل سلفه المتهور تماما, والذي لو طالت إقامته في البيت الأبيض بعد ظهور الأزمة المالية والاقتصادية المدمرة لكان قد زاده تأجيجا, ولتسبب في كارثة عالمية حقيقية! وها هو أوباما يتفق مع الرئيس الروسي أثناء هذه القمة على خفض مخزونهما من الأسلحة النووية, ويتفق مع الرئيس الصيني على التعاون لتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية العالمية, وبفضله وقع الاتفاق في هذه القمة علة تسييل جزء من رصيد الذهب لدى البنك العالمي لمساعدة الدول الفقيرة, كما صرح بأنه سيضاعف من المساعدات الغذائية للبلدان التي تعاني أزمات في هذا المجال والفقيرة بصفة عامة. ولحد الآن لم يصدر أي تعليق مشكك في نتائج قمة العشرين الباهرة, ويبدو أن الكنوز التي قررت القمة صرفها من أجل محاصرة الأزمة وإجبارها على التراجع قد قطعت حبل الشك والتشكيك, والأهم من هذا هو المؤشرات التي بدأت ترتسم تباعا عن انبعاث زعيم تاريخي كاريزماتي أسطوري لأمريكا وللعالم قاطبة, هو هذا الشاب المتواضع الصادق بارك حسين أوباما, إن خطواته المتسارعة في اتجاه إصلاح ما أفسده بوش سوف تجعله يسترد مكانة الولايات المتحدة سريعا في العالم كله, بل سوف يتجاوز ذلك إلى انتزاع الاعتراف بزعامتها للعالم من الشعوب قبل الحكومات والدول. ما وقع في قمة العشرين لم يكن بالإمكان أن يقع لولا القرار الأمريكي المتعاون مع باقي القوى العالمية الكبرى دون غطرسة ولا تهديد ولا وعيد ولا إقصاء, وإذا كان هناك ما يوصف بالتاريخي فهو هذا الاتجاه الأمريكي الجديد بزعامة الرئيس أوباما, إنه مكسب استراتيجي عالمي لا ريب, لكن السؤال هو هل أن الهزة التاريخية العنيفة التي تعرضت الولايات المتحدة وعرضت لها العالم معها بسبب حكم المحافظين الجدد يمكن أن تظل ضمانة دائمة لعدم وقوع نفس المحنة في المستقبل؟ هذا هو السؤال الاستراتيجي الذي ينبغي لأبوما وإدارته وشعبه بل والعالم كله أن يجد الجواب عنه, ويضع الاستراتيجية الدائمة التي تحمي من مثل ذلك الخطر الداهم, وفي هذا السياق دعا أوباما إلى إحداث نظام مراقبة مالي يمنع وقوع نفس الزلزال المالي الحالي, وإن الأمل كبير في أوباما باعتباره زعيما تاريخيا, وفي الشعب الأمركي الذي قاسى من ويلات البوشية المغامرة والمدمرة, وأيضا في الرأي العام العالمي الذي سوف يتصدى بكل حزم لأي محاولات تطرف ستقبلية للايستيلاء على مقدرات العالم وتعرض المصير الإتساني للخطر الجسيم كما فعلت البوشية الرعناء البائدة والتي يجب أن تبقى بائدى إلى يوم يبعثون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق