الثلاثاء، 16 يونيو 2009

نتنياهو منطقي جدا


نتنياهو منطقي جدا

أحلام العرب عجيبة, حتى النخب تحلم وتنتظر الهدايا الجميلة من العدو الشرس, نتنياهو معروف لدى الجميع بتطرفه, وقد انتختبه الشعب الصهيوني على هذا الأساس, وقد ترشح هو ذاته لذات المهمة, فهل تنتظرون منه أن يتراجع بعد أن أصبحت السلطة بين يديه؟ إنه انتظار أبله، اسحوا لي بهذا التعبير، فليس هناك عبارة أخرى يمكن أن تفي بالمعنى المراد غير البلاهة. وأكثر من هذا لماذا يتنازل نتنياهو للفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ هل يفعل لسواد عيونهم؟ إن ما يحصل الآن في المنطقة هو النتيجة الحتمية لهزيمة 05/06/1967م, وما تبعها من استسلام وبيع فلسطين والقضية العربية في اصطبل داوود, ثم في وادي عربة وما شابه ذلك, والمطلوب من العرب الآن هو إعلان الاستسلام النهائي, وهو مطلب واقعي وطبيعي جدا, إنها شروط المنتصر, التي تفرض حسب طبيعة الأشياء, وإلا فهو قادر على أن يفرضها بالقوة الغاشمة التي يملكها وحلفاؤه, في جو من تخاذل العلماء وتأييدهم ومؤازرتهم لعدوانه على شعوبهم وأراضيهم, ثم إن هذه الشعوب لا زالت تتفرج ولا تحرك ساكنا, فلا تضغط على حكامها المتواطئين مع العدو, ولا تطيح بهم, ثم لا يعجبها خطاب نتنياهو! عجبا لطريقة القوم في الرؤية المقلوبة والحالمة للأشياء, وكأنهم ليسوا أمة من قال: " إنما تؤخذ الدنيا غلابا", إنه الضياع التام, ومن ثم الفرصة المناسبة للصهاينة وحلفاؤهم وأتباعهم وعملائهم, ليأخذوا الأرض ويدوسوا العرض ويحققوا أكثر مما يريدون في ظرف السبات العربي الذي لم يحصل له مثيل في تاريخهم, إنها فرصة العدو الذهبية ليخطف القدس ومسجدها الأقصى المبارك, ويضم من الأراضي الباقية في الضفة ما يعجبه, ومن الذي يعترض سبيله ما دام المجاهدون يموتون تحت التعذيب في سجون السلطة المزعومة؟ فإذا كانت السلطة الفلسطينية تتصرف بهذه الطريقة التي أستحي من وصفها, فكيف نلوم بقية سلطات العرب التي يندى الجبين أيضا لوصف ما تقوم به في مجال المصير العربي المهدد جديا بالفناء. نتنياهو يتحدث كمنتصر, ومهما كان فهو لا يتبرع كما يفعل القادة العرب الذين يستسلمون مجانا من أجل المحافظة على كراسي العار التي ينامون فوقها, نتنياهو يصرح بالحقيقة التي يملكها, يقول هاتوا كل شيء يا عرب ودون أي مقابل, إن أردتم أن تسلموا, هاتوا القدس, واحتفظوا باللاجئين لديكم, وأضيفوا إليهم عرب 48, إني سأطردهم, وسوف أواصل اقتطاع الأراضي في الضفة, والقدس واحدة موحدة عاصمة أبدية لدولتي المنتصرة عليكم, والجولان لا حديث عنها, فهي مضمومة منذ عقود من الزمن لبلادي, ولكم دولة فلسطينية على ما يمكن أن يبقى من الأرض منزوعة السلاح, أتصرف حيالها كما يحلو لي, بما في ذلك مواصلة الاستيطان داخل أراضيها, بمعنى أنها لا شيء, أي أن هذه مجرد أكذوبة منمقة, فلا دولة لكم إطلاقا, وكيف يمكن منح المهزوم دولة؟ ومن هو المعتوه السياسي الذي يفعل هذا في العالم بأسره؟ وفي التاريخ قاطبة؟ معنى هذا أن نتنياهو يريد توضيح الأمور، ويريد تسمية الأشياء بأسمائها, وفي هذا السياق يأمر العرب جميعا بإعلان الاستسلام بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية, أي بمباركة اغتصاب القدس والمسجد الأقصى المبارك وما حوله, وإعلان الاستسلام الحاصل فعلا على الملأ, مقابل لا شيء, ومتى كان المنهزم يأخذ المقابل؟ ولماذا لا يخرج نتنياهو على العالم بمثل هذا كلام؟ ما دام العرب يسمحون لأنفسهم بمحاربة آخر أمل لهم في الوجود؟ يحاربون المقاومة؟ وينضمون إلى معسكر الصهاينة وأمريكا والغرب في اعتبارها إرهابا؟ يستوجب المحاربة بكل الطرق ودون هوادة؟ إن نتنياهو على يقين من أن هذه الظاهرة المزعجة سيتكفل بها العرب أنفسهم, وذلك هو الحل الأمثل لدحرها, ودق آخر مسمار في نعش الوجود العربي بذلك. هذه هي الحقائق على الأرض, وماذا يمنع نتنياهو من إعلانها؟ والأمر بترسيمها علنا وعلى مشهد من العالم بأسره؟ أي حسم الأمور نهائيا ودفع العرب إلى إعلان الاستسلام والانتهاء من هذه المهزلة السخيفة, مهزلة المهزوم المستسلم سرا, والذي لا يرغب في إعلان الهزيمة والاستسلام الواقع بالفعل والمطبق في العلاقات والتعاملات القائمة إقليميا ودوليا. كل هذا وأنظمة العرب منقسمة على نفسها, بين مستسلم صامت, ومستسلم يحارب إلى جانب العدو بكل ما أوتي من قوة, وبين من يعلن التمسك بالمبادئ ولا يفعل شيئا في الواقع قصورا وتقصيرا وخوفا على الكرسي المهترئ, وما إلى هذا من أصناف الأنظمة, التي لا أمل يرجى منها. أما الشعوب فإنها تتفرج خائفة مذعورة ومخدرة, ولا تفعل هي الأخرى شيئا من أجل إيقاف المهزلة التاريخية الحاصلة, والمصير القومي المهدد بالزوال إلى الأبد, إن الشعوب مقهورة خائفة, وكأن هناك أسوأ مما هي فيه لتخاف عليه؟ أو أن الخوف مشروع عندما يتعلق الأمر بالوجود والمصير؟ فمتى تكون الانتفاضة إذن؟ ومتى يكون الغضب العاصف؟ ومتى تكون الثورة العارمة؟ نعم إن نتنياهو منطقي حتى النخاع ونحن الذين ننتظر الحلول منه ومن أوباما وبقية ساسة الغرب والعرب "المعتدلون" خاصة, ليس لنا أي منطق, بل نحن فاقدي القدرة على التفكير بالمرة, وإلا كيف يمكن أن نخطئ بعد ستين عاما كل هذا الخطأ؟ عفوا بل أكثر من ستين عاما, إن خطيئة بحجم انتظار الخير والحل من تحالف الصهاينة وأمريكا والغرب و"المعتدلين", لا يمكن أن يرتكبه غير فاقد العقل, فهل نحن أمة مجنونة؟ ربما أن هذا هو الوصف المناسب لمن يقع في مثل هذا الخطـأ الجسيم. وبعد هذا الكلام العلقم عن واقع أشد مرارة, ينبغي أن ننبه إلى أن الفسحة من الأمل الباقية هي المقاومة, فلنفعل المستحيل من أجل منعهم من اغتيال المقاومة, وإلا فعلى العرب السلام, فلن تقوم لهم بعد اليوم قائمة, وسيتحقق الشعار الصهيوني الشهير بكل يسر "من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل". هذا الشعار فيما يقال مكتوب فوق باب الكنيست, وما ذا يمنع من تجسيده على الأرض؟ بل ربما استبدلوه بشعار آخر "من المحيط إلى الخليج", ما ذا يمنع من ذلك حقا؟ ربما المانع الوحيد هو قلة اليهود في العالم, لكن ليجعلوا على ما لا يستطيعون سكناه وكلاء يديرونه لحسابهم, أي مستعمرات صهيونية يستغلونها عن طريق تشغيل أهلها أنفسهم فيها. المهم أن يتصرفوا فيها بما يروق لهم, وحسب استطاعتهم وإمكاناتهم البشرية, إننا اليوم في وضع يصدق عليه القول: "القابلية للاستعمار" كل الصدق, والعياذ بالله. نتنياهو يجد أمامه أوطانا شاسعة لا حامي لها, ولا مضحي من أجلها ولا غيور عليها, وهي غنيمة سهلة, لماذا لا يغنمها؟ فليقل لي من يرى العكس لماذا لا يفعل ذلك؟ والحال أن أقوى أقوياء العالم معه, لأنهم هم أيضا يريدون اقتسام الكعكة معه, ولهم نفس المطامع أو أكثر, وأن تأييدهم لنتنياهو يجعله أفضل حام لمصالحهم في المنطقة, يمثل القاعدة الاستعمارية المتقدمة, فلماذا لا يؤيدونه, ثم من هو الجدير بالأرض؟ القوي أم الضعيف؟ الصالح في تدبير أموره أم الفاسد؟ ألم يقل خالق البشر جلت كلمته: (إن الأرض يرثها عبادي الصالحون)؟ ومن هم الصالحون؟ هل هم اليهود سادة العالم أم العرب الذين لا أجد لهم وصفا يمكن التصريح به؟ أفيقوا يا قوم قبل فوات الأوان, إن لم يكن قد فات بالفعل, واقلعوا فورا عن انتظار خطب الأعداء والطمع في استرجاع حقوقكم السليبة عن طريقها. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ليست هناك تعليقات: