الثلاثاء، 23 يونيو 2009

ويل للعرب

ويل للعرب من سقوط طهران

اسمحوا لي أصدقائي وأحبائي وجيراني الكرام أن أذكر بوصف ذاكرة العرب بالقصر ويا للخطر الجسيم. أقول هذا لأن مشروع بوش السفاح لا زال سقوطه حديثا عل أيدي الثورة الإيرانية والمقاومة وبعض الممانعين, وإذا سقطت طهران – لا قدر الله – سوف يحيا هذا المشروع, لأنه ليس بوشيا وإنما هو أمريكي, وقد كان بوش قصير النظر, حيث أعمته عنصريته وتطرفه واستبداده عن الاهتداء إلى وسائل التنفيذ المناسبة, فانهزم شر هزيمة, وذهب غير مأسوف عليه إلى مزابل التاريخ. لكن أوباما أذكى بكثير, وهو متحفز لإنجاز المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط, وتمديده إلى كل الرقعتين العربية والإسلامية, لأن الإستراتيجية الأمريكية تسعى إلى غاية هي تشييد الإمبراطورية الأمريكية على مساحة جغرافية هي العالم كله, وقد تنيب عنها مندوبين جهويين وإقليميين, ففي الشرق الأوسط وربما العالم العربي كله, تنتدب إسرائيل للمهمة, وفي الشرق الأقصى ربما تتطلع إلى انتداب إيران ما بعد الثورة الإسلامية لهذه مهمة, ولتستطيع إسرائيل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط, نعود إلى مشروع بوش الذي كان يقوم على تقسيم العراق إلى كانطونات, وفعل نفس الشيء مع سوريا بعد احتلالها, الذي كان وشيكا, لولا المقاومة في العراق وفي غيره, بدعم إيراني كبير, وأيضا لبنان الذي وقع تكليف إسرائيل باحتلاله, وتجزئة السعودية إلى إمارات عديدة متفرقة صغير وضعيفة, وأيضا مصر, وكذلك السودان, الذي لا زال السعي فيه لإنجاز المشروع قائما, ثم شمال إفريقيا أو المغرب العربي الذي قد تكون له أدوات أخرى للتنفيذ, لكن السيناريو جاهز تماما. التقسيم الجهوي والعرقي, والتفتيت إلى أقصى حد, أو إلى الدرجة التي لا يمكن لتلك الكيانات المجهرية أن تدافع معها عن وجودها, وتنعدم القدرة على المقاومة لديها تماما, فتستسلم نهائيا, ويقع إرساء المشروع الإمبراطوري الأمريكي نهائيا في المنطقة, لهذه الأسباب يتكالبون على الإطاحة بالثورة الإيرانية, الحاجز الراهن الوحيد أمام طموحاتهم النيوكولونيالية, حيث إن سقوط طهران – لاقدر الله – سوف يؤدي مباشرة إلى هزيمة المقاومة في كل أقطارها, وسوف يجر إلى احتلال الكثير من البلدان وتقسيم أخرى طواعية, لتصبح إسرائيل هي الدولة الوحيدة الكبيرة والقوية في المنطقة, والتي تستطيع بكل سهولة السيطرة التامة على المنطقة وإخضاعها تماما, بحيث يمكن لها أن تلعب دور الوصي أو المندوب السامي الأمريكي في المنطقة بكل يسر, ومعنى ذلك أن ليل الاستعمار سيخيم من جديد بأقوى مما كان, وفي أبشع صورة على الإطلاق, وأكثرها سوادا, وهو وضع سيظل – لا قدر الله _ جاثما على الصدور العربية لفترة زمنية طويلة جدا, وليكون الأمر أكثر وضوحا أقول إن إسرائيل سوف تنفذ مخططها في الاستيلاء على كل فلسطين, وطرد فلسطينيي 48, وسكان غزة والضفة الغربية إلى شرق الأردن, وتقوم بهدم المسجد الأقصى الشريف تماما, وتقيم مكانه هيكل داوود المزعوم, بل إنها بمباركة أمريكية, وفي إطار العولمة التي تحارب الهويات والثقافات الخاصة, ولمحو القدرة على المقاومة نهائيا, سوف تهدم أيضا الحرمين الشريفين, لتغرق العرب والمسلمين في الذل والهوان والخضوع التام إلى ما لانهاية. هذه باختثصار شدبد خلاصة انعكاسات انتصارهم في طهران, والذين يسعون فيها للاستيلاء على السلطة, هم على علم تماما بهذه الأبعاد وغيرها, وهم على استعداد تماما للمضي فيها قدما كما تفعل أنظمة أخرى في المنطقة, مقابل حماية كراسي حكمها المهددة بالسقوط من قبل شعوبها المقهورة.

ولهذه الأسباب تحركت الآلة النيوكولونيالية تدعم حركة الاحتجاجات, وترمي بكل ثقلها في صالح المحتجين, ومن أجل هذا وقعت تحركات مشبوهة في المنطقة, من زيارات ولقاءات لم تكن في الحسبان, هذه الأمور كلها لا تقع مصادفة أو عبثا, فكلها تسعى لنصرة الاحتجاج المصطنع في طهران. وفي ذات السياق تقوم القوات الجوية الإيرانية بمناورات في الخليج وفي بحر عمان, في استعداد واضح لتحول التأييد الغربي والعربي لاحتجاجات إيران إلى دعم مادي وعسكري محتمل. لا أظن أن العام والخاص لا يفهم هذا, ولكن اللامبالاة هي التي ترعبنا, ألسنا معنيين بما يجري في طهران؟ أليس لدينا بعض الواجبات نحو مصيرنا وحاضرنا ووجودنا المعرض للضياع والمحو النهائي من فوق الخريطة العالمية؟ شخصيا أصارحكم بأني ملتاع ومرعوب جدا, وإني أتساءل عن سبب الصمت الرهيب الذي يخيم على العالم العربي حكومات وشعوبا حيال سيناريو الصراع في بؤرة الصراع الراهنة بين الشعوب والاستعمار الجديد، في طهران؟ ذلك الصمت المطبق ليس بريئا أبدا, وما هو إلا نوع من الإقبال على الانتحار يأسا أو خوفا أو جهلا أو هذه كلها بالنسبة إلى الشعوب, أما بالنسبة إلى الأنظمة فموضوع آخر.

مستجدات اليوم, أهمها تظاهر عدد من الناس في طهران, قدرته بعض العناصر بألف شخص, واستعمال الشرطة لخراطيم المياه في تفريقه, وتصريح كروبي بالدعوة إلى مواصلة الاحتجاج حتى إلقاء نتائج الانتخابات, وإلى جعل يوم الخميس القادم يوم حداد على ضحايا الاحتجاج, ومن المعروف أن هذا السيد قد حصل على نسبة بسيطة في الانتخابات, ولا أمل له يرجى عن طريق أي انتخابات محتملة, وإذن فهو يبحث عن طريق آخر للوصول إلى السلطة, وبأي ثمن. من الجانب الآخر صدر عن البرلمان طلب بإعادة النظر في العلاقات مع بريطانيا, وبأنه أعد ملف الاتهام بإثارة الشغب لموسوي, الذي يجب اعتقاله, وهو ما لا نتمناه, وإن كان متوقعا من موسوي ذاته, حيث دعا الشعب الإيراني – في الأيام الماضية - إلى الإضراب إذا وقع اعتقاله. كما تدخل الحرس الثورة – لأول مرة – على مستوى الخطاب, وتوعد بمواجهة المحتجين بطريقة ثورية – كما قال – وهو ما لا نتمناه أيضا. وفي الخارج صرح نتنياهو برفض إسرائيل لوجود إيران متطورة وقوية تكنولوجيا, وهدد بضرب منشئاتها النووية, وفي تحريض واضح للمحتجين ولزعمائهم, قال إننا على استعداد لإقامة علاقات مع النظام الإيراني القادم. ودخلت إيطاليا على الخط اليوم لتضع سفارتها في طهران تحت تصرف المحتجين, وعلى الأخص لاستقبال جرحاهم. والخلاصة أن التصعيد مستمر على جميع المستويات, وبالرغم من أن الأمور ميدانيا تميل إلى الهدوء, لكن الحسم النهائي لم يقع بعد, فما زال التصعيد مستمرا من الجانبين السلطة والمعارضة, وما زال التحريض والدعم الغربي والصهيوني المعلن يتصاعد, ودون شك فإن هناك أطراف تعمل في الخفاء لفائدة الساعين إلى الحكم في إيران. والغريب حقا أن الجانب الشرعي لم يتلق أي تأييد علني صريح إلا تأييد الزعيم الفينزويلي "تشافيز", هذا الذي تبعد بلاده عن إيران آلاف الكيلومترات, ومهما كانت علاقاته الثورية مع القيادة الإيرانية وهي علاقة نموذجية بين ثورة علمانية وأخرى إسلامية, غير أن النضال ضد الطغيان والهيمنة العالمية والمصالح المشتركة جمعت بينهما, إلى درجة أن "تشافيز " هو الزعيم الوحيد, والرئيس الوحيد الذي أبدى مؤازرته القوية للدولة الإيرانية ولرئيسها المنتخب, مفسرا الأحداث الجارية تفسيرا موضوعيا واضحا.

قال أحد المعلقين اليوم في صحيفة جزائرية, إن الصراع واقع في طهران بين ديمقراطية الملالي وديمقراطية البزنس, وقد يبدو الأمر كذلك مظهريا وسطحيا, لكن التمعن في الأمر يجعل مثل هذا القول بعيدا عن جوهر الصراع, فالذي يحدث هو صراع بين الثورة والثورة المضادة, وهو انقسام داخل نفس الطبقة السياسية الحاكمة, بين الملالي أنفسهم, هؤلاء الذين حكموا إيران مدة ثلاثين سنة, وقد تكونت منهم طبقة من الأثرياء البزنس كما يقول صاحبنا, ومن ثم فإن المصالح قد تباينت, ومن المعروف أن البورجوازية أنانية ولا تفكر إلا في نفسها, ولهذا استغلت مناسبة الانتخابات لتخرج إلى الصراع المعلن, ودون شك فإنها تضع الدعم الخارجي في حسابها. نعم إننا نتمنى أن يكون في إيران حكم ديمقراطي عادي, لا لون له من رجال الدين أو غيرهم, لكن في انتظار ذلك المجهول الذي نتمناه, هناك ملالي يحكمون في إيران, ويقومون بأعمال كبيرة, ينجزون التطور والتقدم والقوة, ويمضون بسرعة كبيرة في طريق التطور العلمي والتكنولوجي, ويناصرون المقاومة في البلدان العربية والإسلامية مناصرة قوية جدا, مما يجعلها تقف حجر عثرة في طريق مخططات الاحتلال والهيمنة, بمعنى أن ارتباطنا مع هذه الثورة مصيري, ولا خيار لنا فيه, إذا استمرت استمررنا, وإن هي اندثرت وقع محونا من الوجود نهائيا, فكيف نقعد – والحال هذه- عن مناصرة هذه الثورة ولو بالكلام؟ إننا لا نفعل – للأسف الشديد – وإننا نسلم أنفسنا للخطر القاتل القادم لا محالة إن وقع مكروه لطهران – لا قدر الله – غير أن ثقتنا في الشعب الإيراني كبيرة, وإنه دون شك سيقف سدا منيعا لثورته أمام أي تهديد محتمل مؤيدا بإيمانه ووعيه بمصالحه وبمتطلبات مصيره, وبوعد الخالق سبحانه بالنصر لعباده المؤمنين, وإنها لمناسبة جديدة لسقوط الكثير من الأقنعة, وارتفاع الوعي الشعبي درجات أكثر, مما يجعل المناعة أكبر, والخلاص أقرب, وما النصر إلا من عند الله.

ليست هناك تعليقات: