الثلاثاء، 23 يونيو 2009

ويل للمصلين


"ويل للمصلين" في طهران

بادئ ذي بدء نسجل مزيدا من اتضاح طبيعة الصراع في إيران, ومن غير لف ودوران والغرق في الملابسات, نقول إن الصرا ع بين طرفين هما: السلطة الثورية القائمة وقوى الثورة المضادة, ذلك أن الإصلاح لا يمكن أن يبلغ بطبيعته درجة الصراع على السلطة, ما لم يغير وجهته لوضع مؤهل للصراع, مثل الثورة المضادة التي اختار القيام بها, أو استُدرج لذلك. وقبل الخوض في الوضع - كما يبدو من بعيد- نشير إلى افتقارنا للمعطيات الحقيقية والموضوعية التي تسمح بإبداء الرأي الأكيد, لذلك نتحفظ من هذه الناحية على موضوعية الأحكام التي قد يصل إليها المعتمد على التقارير الصحفية, والمفتقر إلى المعلومات الواقعية التي يصعب الوصول إليها باعتبارها أسرارا دفينة عند أصحابها. أما الملاحظة الخارجية التي يعتمدعليها هذا الحديث, فتشهد على تنامي الصراع وخطورته, ذلك أن الفريق المعارض لم يستمع إلى خطاب المرشد الأعلى يوم الجمعة, أو رفضه عمليا, حيث غاب موسوي وكروبي عن اجتماع مجلس صيانة الدستور المخصص للطعون, لأنهما يرفضان الخوض في الموضوع قانونيا, بل يطالبان بإلغاء نتائج الانتخابات وإعادتها، أما إعادة الفرز لنسبة قليلة من الصناديق, بل حتى لكل الصناديق فيرفضانها, لأنها ليست في صالحهما, فهما على قناعة تامة بأن ما حصلا عليه من الأصوات لا يقربهما من الفوز, بحيث يمكن الجدال في الأمر, فيكون الحل المرضي بالنسبة إليهما هو الإلغاء والإعادة, وحتى هذا المطلب التعجيزي لو افترضنا -جدلا- وقوعه, فإنهما يرفضانه في نهاية المطاف, لأن المطلب الحقيقي هو السلطة, وليس السلطة عن طريق الانتخاب أبدا, ومن هنا يكون الطريق هو زعزعة الأوضاع والاعتماد على التأييد الخارجي من الأوساط المعادية المعروفة, والتي عبرت عن تجاوبها السريع والقوي, قالأمر بالنسبة إليها هو فرصة من ذهب, لا ينبغي أن تضيع سدى. لذلك فإن التجاوب الكبير الملاحظ بين الداخل المحتج والمعارض, أو لنقل المصارع على السلطة والخارج الإمبريالي والصهيوني والاعتدالي, يتلخص التعبير عنه بالعبارة المعروفة, لمن يريد الادعاء الباطل, وهو بتر الآية الكريمة, والاكتفاء بنصفها الأول, الذي هو: "ويل للمصلين", والبيت الشعري لأبي نواس شاعر الفسق والمجون أوضح تعبير عن مثل هذا الموقف:

ما قال ربك ويل للأولى سكروا وإنما قال ويل للمصلين

ومن باب المحاولة الصعبة لفهم الوضع, بسبب غياب المعطيات الموضوعية الكافية, نحاول التجرد من أي اعتبارات ذاتية إلى أبعد الحدود الممكنة, لقد انطلق الصراع فعلا, وحصلت بداية الشرخ في الطبقة الحاكمة والقيادة السياسية, لأن المعترضين من داخلها, وفيهم من هم في مواقع حساسة, قد يكون الأمر مجرد صراع على السلطة, مما يفيد ضعف أو إضعاف القيادة العليا المتمثلة في مرشد الثورة, حيث صار التمرد عليها واضح بإعلان الاحتجاج أولا, ثم برفض توجيه القائد الأعلى ثانيا, ربما كذلك يكون أحد أسباب هذا التمرد هو رفض حكم الرئيس نجاد, بسبب أداء حكومته المبالغة في الصراع مع الغرب والجيران, كما ذهبت إلى ذلك الأخت الكريمة "حورية النيل" في أحد تعليقاتها, وقد يعترض أيضا المعترضون على تحمل إيران مسؤولية القضايا العربية أكثر من العرب, أو في الوقت الذي يتخلى عنها العرب أنفسهم أو حتى الفلسطينيون, وذلك بنصرة المقاومة في العراق ولبنان وخاصة في فلسطين, وما يكلف إيران ذلك من تضحيات مادية كبيرة, ومواقف تدفع ثمنها في احتدام الصراع مع أمريكا وإسرائيل والغرب والجيران من العرب "المعتدلين" خاصة. وقد تكون من أسباب رفض رئاسة نجاد كذلك بعض الملفات الاقتصادية، كما تفضلت الأخت المحترمة كذلك, وغير هذه من الأسباب الكثيرة التي يمكن أن تكون سببا حقيقيا في الاحتجاجات, لكن ما هو الحل؟ هل هناك طريقة أخرى يمكن استعمالها لحسم الأمور غير الانتخاب؟ إن المعارضة تعرف ذلك, وعليه فإنها عمدت إلى ما هي فيه من ممارسة غير قانونية بهدف الوصول إلى السلطة بهذه الطريقة, وبتأييد تام ومتنام من الغرب وأتباعه. مما يفضي في النهاية إلى القضاء نهائيا على الثورة الإيرانية, وحسم الأمور في المنطقة للصالح المشروع الأمريكي الذي تلقى ضربات قاصمة على يد إيران والمقاومة والممانعة, ووقع في الفشل الذريع, في عهد الطاغية السفاح بوش, وربما بسببه, إذ أنه لا يمكن التعاون معه, بسبب تطرفه وإعلانه الحرب على العرب والمسلمين جهارا نهارا. إن الكثير في المنطقة, يتمنون أن يقوم في إيران حكم مدني, والكثير حتى من المخلصين يرون أن الحكم الديني لا يمكن أن يعمر طويلا لتناقضه مع العصر, لكن كيف يمكن ضمان استمرارية الثورة ومهما كانت إيديولوجيتها في إيران؟ إن ما يُسمى بالإصلاح والذي يبدو من خلال مواقفه أنه ينسجم تماما مع الغرب في نظرته للأحداث, ويصرح تصريحات من نفس طبيعة التصريحات الغربية، وهي مثلها من نوع "ويل للمصلين", ولننظر في ذلك. الرئيس خاتمي، يقول: ما زال باب معالجة الاحتقان مفتوحا -كيف؟ لا ندري. كما يضيف: التحذير من عواقب منع الاحتجاج. مما يعني أنه يعارض المرشد الأعلى صراحة, ويطلب المستحيل, وإلا لماذا لم يطلب من المتظاهرين الكف عن التظاهر, كما فعل آخرون من الزعماء الذين أعلنوا مواقفهم؟ وفي ذات السياق يطالب السيد خاتمي بإطلاق سراح المعتقلين فورا. وهل هذا معقول بعد إعلان لا قانونية التظاهر وعدم الترخيص له؟ وبعد وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات, وقد يكون بعض هؤلاء المعتقلين ممن تسببوا فيها؟ وينتهي الرئيس خاتمي إلى اقتراح تشكيل لجنة محايدة لمعالجة الأزمة القائمة. هل هذا الاقتراح عملي وممكن التحقيق؟ فمن يا ترى تتكون هذه اللجنة المحايدة؟ وهل يقبل الطرفان بما تنتهي إليه من أحكام؟ ربما كان من المقبول عمليا لو اقترح السيد خاتمي لجنة مشتركة من الطرفين المتصارعين, ربما كانت معقولة نظريا على الأقل إن السيد خاتمي كما نرى يقف عند "ويل للمصلين" ولا يقصد الوصول إلى تسوية, بل يعلن عن نفسه كزعيم للاحتجاج والمعارضة تحسبا لنجاحها, وبالتالي بلوغ سدة الحكم, بعد أن ابتعد عنه, وتردده في الترشح مجددا هذه المرة, ذلك لأنه - ربما - لم يحصل على ضمانات من قيادة الثورة, ولذلك انسحب من الترشح, لكنه الآن أظن يسعى إلى الرئاسة من هذا الطريق, وبأي ثمن. فهو كما عرفناه أثناء فترة رئاسته رجل سلطة وليس رجل دولة, وشتان بين الأمرين. كما ظهر اليوم على مسرح الأحداث زعيم جديد, هو آية الله منتظري, وقد بدا بتصريحاته منافسا للسيدين خاتمي وموسوي, حيث اقترح إعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام على ضحايا المظاهرات, ثم أفتى بأن رفض مطالب الشعب الانتخابية محرم شرعا. لكن أي شعب؟ شعب الأقلية البورجوازية التي يقف معها أو ينافس على تزعمها؟ أم شعب الأغلبية الساحقة من الفقراء وأشباه الفقراء الذين انتخبوا الرئيس نجاد؟ أيهما يحرم رفض مطالبه الانتخابية؟ إنه منطق "ويل للمصلين". أما الحداد الذي يطالب بإعلانه, ويعني بذلك اتهام السلطة بالقتل، وليكن ذلك, لكن لمن ينتمي الانتحاري الذي قتل نفسه وجرح آخرين عند ضريح الإمام الخميني رحمه الله؟ ومن الذي يتسبب في القتل؟ هل هو الذي يحفظ النظام, أو الذي يزعزعه بدعوة الناس إلى التظاهر والشغب؟ أما الشيخ رفسنجاني الذي أعلن عن عزمه على إصدار بيان اليوم الأحد, فإنه لم يفعل, والمعروف أنه يحتل منصبا كبيرا حتى الآن, وأنه من المحافظين, لكن أعضاء خمسة من عائلته بمن فيهم ابنته قد اعتقلوا أثناء مظاهرات أمس غير المرخص بها, فهل كان الشيخ سيدعي أنهم لم يستشيروه؟ إن مثل هذا الكلام - إن قيل - لا ينطلي على أحد, ثم إن مشاركتهم في التطاهر تعني أن الشيخ المسؤول والمحافظ يسير في ركب المعترضين, وهو محافظ وفي الفريق الحاكم, مما يؤشر بوضوح أن الصراع على السلطة ليس بين المحافظين والإصلاحيين بل بين الثورة والثورة المضادة, وإن تصريحات لاريجاني توضح أن هؤلاء ليسوا منطلقين من تحالف مسبق مع الغرب وأتباعه, وإنما الإمبريالية هي التي تستثمر بانتهازيتها _ كما قال _ في الأحداث الجارية في إيران, هذا التوضيح مهم من رجل في موقع مناسب لمعرفة خبايا ما يجري, لكن رغم ذلك فإن الثورة المضادة إذا نجحت - لا قدر لها - وحتى أثناء محاولتها الاستيلاء على السلطة, سوف تقع حتما في أحضان الإمبريالية والصهيونية, وعندها - لاقدر الله - سوف تدفع الشعوب الثمن غاليا, وخاصة منها الشعوب العربية, والشعب الفلسطيني منها خاصة, والتحركات السياسية هذه الأيام تشير بوضوح إلى المساعي السائرة في هذا الاتجاه, إلا أن الأمل معقود على الشعب الإيراني, وعلى طلائعه الثورية القادرة على إحباط المساعي الطامحة والطامعة الداخلية منها والخارجية، "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض", وإنه الصراع الأبدي بين الخير والشر, والله ينصر من يشاء. لقد انتهى الرئيس الأمريكي بعد تردد وتناقض إلى دعوة السلطات الإيرانية, بمعنى أمرها بالتخلي عن قمع الشعب, لكنه لم يطلب من الطرف الآخر الكف عن الدعوة إلى التظاهر, ولم يطلب من الشعب الذي يتحدث عنه التزام الهدوء, وعدم السير وراء المغامرين, إنه منطق "ويل للمصلين " الذي يجمع بين قادة الاحتجاج والأوساط الغربية والسائرين في فلكها, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ليست هناك تعليقات: