الخميس، 9 يوليو 2009

عن الديمقراطية1

عن الديمقراطية1

شكرا على المساهمة والتعليقات الهامة

- منكم من بارك العملية وشجع على المضي فيها مشكورا

- وهناك من يفضل استعمال مصطلح الشورى ويرفض كلمة الديمقراطية, ووجهة نظري أن جوهر المسألة هو حكم الشعب لنفسه, أي كانت التسمية, الجوهر هو الحصانة من استبداد فرد أو جماعة أو فئة, وهذه الحصانة إنما تكون بارتفاع الوعي, وبقيام وضع سياسي في صالح الشعب وحده, وليكن اسمه كما نشاء, فتلك مسألة أخرى تماما.

- وهناك بعض المشاركين رأوا في الديمقراطية مجرد شعار, ووجهة نظري هي أن السياسي حتى في أعرق البلدان ديمقراطية يرغب في الاستبداد, وإذا وجد الفرصة مناسبة كما هو الوضع في أوطاننا, فإن ذلك هو المبتغى والمثالي ليحكم بما شاء. الذي يمنع السياسي من الاستبداد هو شعبه, بارتفاع وعيه, وبإنشائه لمؤسسات قوية سياسية وثقافية وغيرها, بحيث لا يستطيع الرئيس, أي كان, بل الملك, كما هو الأمر في بريطانيا, ولا جماعة معينة أن يتجاوزها, أو يتصرف كما يحلو له, أو كما تملي عليه مصالحه, ومصالح محيطه وشركائه من الجماعات المستفيدة, وليكن اسم هذا الوضع السياسي القائم على السيادة الشعبية شورى أو ديمقراطية, أو أي اسم آخر, المهم هو الجوهر, والمناعة والعزة والحياة الكريمة والتقدم والنمو والعصرنة والحداثة وقبلها الأصالة, إن هذه الغايات وغيرها, لا يمكن أن تقوم وتزدهر إلا في مثل هذا الوضع السياسي, الذي بلغته الشعوب المتطورة بفضل تضحيات جسام قدمتها خلال تاريخها، جيلا بعد جيل دون هوادة إلى أن بلغت مرادها وتربعت على قمة المجد والكرامة.
وقبل أن أمضي لا يفوتني أن أفتح قوسا لاستثناء كبار الزعماء التاريخيين والمصلحين,الذين يشكلون استثناء, ويعملون لصالح شعوبهم دون إلزام من مؤسسات ديمقراطية أو جماعات ضاغطة أو غاير ذلك من أدوات الرقابة والإلزام.
============================================

أنقل لكم هذه المرة نصا لأستاذ جامعي من الجزائر, هو إحدى مساهماته الدورية في صحيفة الخبر الجزائرية, ثاني أكبر صحيفة بعد الشروق, وقصدي هو نموذج عن ممارسة حرية التعبير التي فيها ما يقال, في إطار شكوانا من الديمقراطية المنقوصة, أو الشكلية, والتي هدفها تبرير الوضع القائم, وعلى أي حال فهناك هامش معتبر لحرية الكلام, مقارنة بالوضع الذي كان قبل إعلان التعددية في الجزائر, ذات يوم من عام 1989, كنتيجة لأحداث أكتوبر الأليمة والغامضة حتى الآن, ومقال الأستاذ/ بوزيد بومدين, هو محاولة تنظيرية لتفسير الوضع القائم بصفة عامة, ومنه الديمقراطية كممارسة عملية وواقعية, لا كشعارات يقصد بها أشياء أخرى للاستهلاك المحلي والعالمي:

الاستقلال الجديد والمعرفة المنتظرة

منذ عشرين سنة خلت (يقصد انتفاضة أكتوبر 1988), يسعي البعض منا إلى التسفيه والحط من قيم مشتركة, هي سمة وجودنا المعاصر, وتشكل الخصوصية الحضارية لتاريخنا البعيد, فقد كان الهجوم على المالكية كمذهب وفقه في منابر المساجد (يقصد الإسلاميين) أولا... وقبل هذا كان السطو على الإدارة والسلطة من طرف مستعمر جديد غير محدد الملامح ويلبس أقنعة متعددة (يقصد الفرانكوفيليين خاصة والتغريبيين عامة), ما زال يؤخر استقلالنا الكامل اللغوي والمعرفي, يسمى "القوة الثالثة", (هذه القوة من اختراع الجنرال دوغول, هو الذي أنشأها ونصبها, ووهب لها الإدارة الجزائرية أمانة في عنقها لصالح فرنسا, يعني بها قوة وسطا ظاهريا بين القوى الاستعمارية الفرنسية وجبهة التحرير الوطني)، التي من سماتها الفساد الإداري والسياسي, وسعيها المستمر من أجل بقاء مصالحها ونفوذها, ومن أجل مقاومتها نحتاج لشهداء جدد, على المستوى السياسي والإعلامي والمعرفي. هذه القوة الأخطبوطية، هي عامل أساسي في ظهور هؤلاء المسفهين للثورة, ولقيم جهاد آبائنا, وإشاعة خطاب الحنين للمرحلة الكولونيالية. وهو حنين موجه ومدروس, يأخذ أشكالا متنوعة من عقد المقارنات غير السوية, إلى الاحتفاء بمدننا التي تعود إلى الثلاثينيات والأربعينيات (من القرن الماضي)، في المحلات والمؤسسات الإدارية إلى جانب هؤلاء, سواء الذين عارضوا السلطة بمرجعيات خارج الثورة, أو الذين ورثوا استقلالا واستحوذوا عليه مؤولين بطريقتهم الخاصة الذاكرة والشرعية, واختبأت وراءهم القوة الثالثة. وجماعات أخرى ترى نفسها استمرارا وورثة للثورة, أفسدت بسلوكها وسعيها المصلحي الضيق, عند الرأي العام, حلاوة الحديث وقيمته عن تاريخنا الوطني المعاصر, من هنا نحتاج اليوم إلى لغة جديدة ونصوص تاريخية شيقة ومعاصرة، تقدم تاريخ الحركة الوطنية والثورة لأجيال جديدة, هي ما بعد جيل الاستقلال عبر خرائط معرفية متطورة, وإدراك جديد, تكون الصورة واللون والإيجاز هي عناصره. ولعلنا مستقبلا بإصدارنا لقوانين تمنع الاستغلال السياسي للثورة ولشهدائنا (ممارسات استبدادية معادية للديمقراطية)كما هو الحال في منع استغلال الدين والهوية (القوانين الحالية), نحرر أرواح شهدائنا من "البزنسة السياسية", ويحتفي بهم أجيال جدد, يحتاجون لصمام أمان أمام عولمة جارفة واكتساح لقيم وثقافات لا ترى في الاستقلال تدشينا لدولة جزائرية معاصرة...إن الثورة الجزائرية شكلت تدشينا جديدا نحي فيه اليوم العنصر الإنساني والحضاري, في معناها, ولم تكن ثورة من أجل الشهادة فقط, فيراها البعض بداية تشكل العنف في التاريخ الجزائري... ترى هل نستطيع اليوم تقديم ثورتنا وتاريخنا بصورة جديدة مقنعة لأجيال جديدة؟ هل نفلح في إعادة تدفق روح وطنية تلتف حول مهام حضارية وطنية؟ بعد نصف قرن تقريبا (من الاستقلال), نحتاج من مؤرخينا والمشتغلين بالذاكرة والباحثين في حقول المعرفة الاجتماعية والإنسانية إدراك مهمة تجديد القراءة والتأويل لذاكرتنا ولقيمنا الوطنية, وأن إشاعة المعرفة التاريخية بين المواطنين في أشكال جديدة, وعبر وسائط معرفية معاصرة في مناخ تتوفر فيه الحرية, يساهم في قوة الذاكرة الوطنية أمام أشكال التسفيه والتيئيس والتسخيف لكل ما هو إيجابي في هذا البلد.

مساهمات الأستاذ بومدين عبر جريدة الخبر أسبوعية في الغالب, وهي مساهمات نوعية معتبرة في اتجاه رفع الوعي الشعبي, الأمر الذي يساعد- بتكاثف جهود المثقفين من هذا النوع- على الاقتراب شيئا فشيئا من الممارسة الديمقراطية, التي لا يمكن أن تكون إلا في جو مشبع بالوعي, مما يجعل الجمهور الواسع يفرض على السلطة المسيرة سلوك طريق الديمقراطية بتدريج مناسب مع ارتفاع الوعي الوطني الشعبي الواسع.

أعرض هذا النص في إطار استمرار المناقشة والحوار في موضوع الديمقراطية, وخاصة عند ربطها بممارسات سياسية واقعية ميدانية, كهذا المثال الذي يعرضه الأستاذ بومدين في محاولة لتحليل الوضع السياسي في الجزائر, وبالتالي مقدار الممارسة الديمقراطية المطبقة فعليا على أرض الواقع, وتقييمها من أجل الوقوف على النقائص وتشخيص الوضع, والبحث عن الحلول المناسبة, والنضال بطرق مختلفة, ومنها طريقة البحث والتنظير كما يفعل هذا الأستاذ الفاضل, من أجل إحراز تقدم ما على مستوى الحياة الاجتماعية, هذه هي المعركة المصيرية التي لا محيد عنها, من أجل استرجاع الشعوب حقوقها, والمضي بعدها بكل سرعة وثبات في طريق النهضة والنمو وترقية العيش الكريم, واللحاق بركب الشعوب والأمم السيدة المتطورة المنيعة في عصر الناس هذا. رجائي أن يكون هذا النص مناسبا لعرض جانب من الممارسة الديمقراطية المنقوصة, وتوضيح بعض أسباب النقص ميدانيا في تجربة محددة ووضعية معيشة هي الوضعية الجزائرية, التي يعكسها هذا المقال التحليلي التنظيري بشكل يقترب من الموضوعية الممكنة, ويعبر عن واقع الحال إلى حد بعيد. لعل هذا المثال يساعدنا على تعميق النقاش من أجل تعميق التفكير في هذه الظاهرة الإستراتيجية المصيرية لأمتنا المجيدة الواعدة.

ليست هناك تعليقات: