الأحد، 26 يوليو 2009

من المخطئ

من المخطئ الكاتبة أم المعلقين؟

الفتنة ليست دائما أشد من القتل

نشرت الشاعرة والأديبة المصرية "فاطمة ناعوت" مقالا تحت عنوان "الفتنة ليست دائما أشد من القتل ", فأثارت بذلك موجة عارمة من ردود الفعل المعارضة والمؤيدة, عبر الوسائط الإعلامية, وقد كان الجدل حادا وإيديولوجيا عقيما في نظري بين الإسلاميين والعلمانيين, وأنصار هؤلاء وأولئك, مما دفعني إلى المساهمة في هذا النقاش من وجهة نظر غير إيديولوجية, بل موضوعية وشمولية لما في ذلك من خدمة الصالح العام, ودفع الوعي إلى الأمام, وهي مسألة في نظري ذات أهمية قصوى, فإليكم جيراني الأعزاء ردي على هذا المقال الهام:

أنا جديد هنا, لم أعرف الكاتبة من قبل, وقد اشتبهت في العنوان حقا؟ لكني لم أذهب إلى درجة سوء الظن كون صاحبة المقال, تقصد القرآن, والتأمل في المقال لا يوحي بهذا التأويل, وأنتم المعلقون الأكارم انقسمتم قسمين, من مؤيد للكاتبة ومعارض بناء - فيما يبدو - على معرفة سابقة بمن ينتمي إلى العلمانية وبمن هو ذو انتماء إسلامي, والكلام واضح أنه بين مصريين, فقلت وما دخلي أنا في الأمر لاسيما وأنا أجهل الخلفيات تماما, ما عدا خلفيات الانتماء الإيديولوجي الواضحة للعيان؟ ولا أكتمكم أنني أمقت هذا النوع من الانتماء وما ينجر عنه من نقاش عقيم, يراوح مكانه. من يكيد للقرآن الكريم إنما يكيد لنفسه, إن صح هذا الاعتداء في حقه, وللقرآن رب عظيم جدير برد العدوان بمجرد أمر بسيط منه تعالى "كن فيكون", ليس معنى هذا أن يترك المسلم الحبل على الغارب ويسمح بالإساءة لمعتقده ورموزه المقدسة, لا أبدا, لكن لماذا لم أفهم أنا هذا المقصد من المقال؟ وأنا الخالي البال من معرفة أي دوافع قد تكون من وراء عنوان المقال, العنوان فقط وليس المقال؟ لا أظن أن الكاتبة قصدت بالفعل في هذا المقال بالذات "ويل للمصلين". وقد كان الجدير بالنقاش أن يتخذ وجهة أخرى بأن يضيف ويثري ما تفضلت به صاحبة المقال, سواء بالزيادة الفعلية أو بتصحيح مسار الموضوع إن كان هناك غموض أو خلل. أما أن نناقش الإيديولوجية, إن كانت هناك إيديولوجية, ونترك الموضوع الذي هو بين أيدينا, فهذا هو العقم في ذاته. بالمناسبة أنا لا أعرف ديانة الكاتبة حتى اللحظة, ولم أتساءل عنها حتى قرأت التعليقات, التي فهمت منها أن صاحبة المقال ذات اتجاه علماني, إن كان هذا صحيحا بالطبع؟ وبالفعل هل مصدر التهجم المزعوم على عقيدة الإسلام مصدره ديانة الكاتبة إن كانت غير مسلمة؟ أم مصدره علمانيتها؟ أم الإثنين معا؟ هذا مع التحفظ الشديد كونها قصدت بالفعل التهجم على عقيدة الإسلام باتخاذها هذا العنوان لمقالها القيم في مجمله, حيث انتقدت التربية داخل المدرسة, وهنا ألاحظ بالفعل, لماذا جعلت المعلمة المخطئة في التأويل والتوجيه قبطية؟ بمعنى مسيحية ربما؟ ولماذا فعلا لم تقل ذلك بصراحة, أي تنسب الخطأ إلى المسيحية وليس القبطية؟ لا أدري بالضبط؟ ودون شك أنكم أنتم أدرى مني بما أرادت الكاتبة قوله. لقد كان الأجدر بها, إن كانت تريد نقد التربية المدرسية, أن تذكر المعلمة فقط, ولا داعي لذكر عرقها القبطي ولا ديانتها المسيحية, حتى لو كانت القصة واقعية, لأنها لا تخدم النقد الذي أرادته الكاتبة للتربية المدرسية, ولا تساهم فيه أبدا, بل قد يؤدي إلى اتهامات صحيحة أو غير صحيحة, فأنا لا أعلم الغيب, بإثارة النعرات العرقية والطائفية, وفي هذه الحالة، يكون الفعل شنيعا, وهو ما أستبعده شخصيا ببساطة لأنني لم أشعر به البتة أثناء قراءتي للمقال, ثم جاءت بأمثلة أخرى عن مواقف اجتماعية وفردية سلبية, وهي صحيحة, تحدث كثيرا في كل اللحظات في شوارعنا كلنا, ربما بتفاوت من بلد عربي إلى آخر, لكنها موجودة وهي خطيرة, وتساهم فعلا في تلويث بيئتنا ماديا أو معنويا. ما أستغربه من الكاتبة وأيضا من المعلقين الخصوم والأنصار, هو أنهم يحصرون النقاش في البيئة المصرية, وكأنهم يقومون بهذا في ناد معين داخل مدينة أو قرية مصرية, إنكم تفعلون هذا على صفحات فضائية مفتوحة على العالم كله, فلماذا تقتصرون في طرحكم على مصر, وأنتم ترون أن شركاءكم من الأصدقاء في هذه الواسطة الإعلامية الفضائية العالمية حاضرين بالفعل معكم؟ وأكثر من ذلك هناك ألوف بل عشرات الملايين من العالم العربي والإسلامي, وممن يعرفون العربية من كل أنحاء العالم,بقطع النظر عن المهاجرين العرب والمسلمين في كل بقاع العالم؟ كلهم يتابعونكم لا كمصريين, ولكن كمفكرين تطرحون قضايا يشاركونكم فيها, ويريدون المساهمة في الطرح والنقاش؟ هذا موضوع للنقد الموجه إلى الكاتبة والمعلقين معا. يبقى أن ما أفهمه من المقال محل الجدل, هو أن الكاتبة أرادت عكس ما يوحي به العنوان, أي أنها لم تقصد "ويل للمصلين", بل قصدت العكس, أي أننا لا نعمل بهذا التوجيه القرآني دوما, ونتستر على أشياء كثيرة, ولا نبالي بأفعال خطيرة واعتداءات يتعرض لها أشخاص أمام أعيننا, بل إن السلطة ذاتها عندما نذهب لنشتكي إلى رموزها من ظواهر سلبية خطيرة تسخر منا وتجزرنا بدل من حمايتنا والقيام بدورها في توفير الأمن ومحاربة الفساد والرذيلة, مما يجعلنا ننكفئ على أنفسنا, ونكف عن مناصرة الحق ومحاربة الباطل, ونبتعد ما أمكننا عن الوقائع السلبية نجاة بأنفسنا, متواطئين في ذلك مع الجناة والمفسدين والمسيئين, هذا هو ما يفهم من المقال بكل موضوعية ونزاهة, وبدون إضمار أي خلفيات إيديولوجية أو طائفية, التي قد تكون موجودة خارج هذا المقال, فذلك ما أجهله, ولا أعيره كبير اهتمام, لأن العبرة عندي بالمقال بحروفه وكلماته وجمله وفقراته, ولا شيء آخر خارج المقال, هذا ما يمليه عليه المنهج الموضوعي, الذي ينبغي أن نلتزم به جميعا, إذا أردنا أن تكون مساهماتنا بناءة. ما قصدته الكاتبة سليم لا غبار عليه, وهي تنتقد بوضوح الاستثناء الذي يلحقه سلوكنا السلبي بالآية الكريمة, بالطبع نحن كذلك لأننا متخلفون, وعلينا أن نتحد في محاربة العدو الأكبر الذي هو التخلف. كيف؟ هذا هو الغائب الأكبر في المقال, فيما عدا المقارنة العابرة التي ذكرتها الكاتبة في قضية عدم التبليغ عن التدخين في الأماكن العامة لدى بلد أوروبي معين. إن ذكر مثل من هذا القيل لا يؤدي وظيفة تربوية أو حتى الاعتبار. لأن المثل على دلالته جزئي منتزع من كل شامل لمجتمع ولقارة أو للغرب بأكمله, الغرب المتقدم الراسخ القدم في الحداثة والازدهار الشامل, كان من الأجدر بالكاتبة أن تلامس السياسة بوضوح, فما يحدث من ظواهر التخلف, هي نتاج طبيعي لمجتمع متخلف, وما ينقصنا هو اسراتيجية الخروج من التخلف وانعدام الإرادة السياسية في ذلك, والسبب هو غياب الديمقراطية, التي بها يستطيع الشعب أن يدافع عن مصالحه, ويفرض تلك المصالح على الحكام فرضا, ذلك لأنه هو الذي يعينهم بالانتخاب, وإن رأى منهم اعوجاجا أو تقصيرا عزلهم كما عينهم, بكل سهولة ويسر, ذلك هو الذي يجعل الظواهر السلبية عندهم في الغرب تضعف باستمرار, وتجعل الناس كلهم يقومون بواجب الترقية المستمرة لكل شيء, ذلك لأنهم قد تخلصوا بفعل التقدم والوعي الرفيع والديمقراطية السياسية من الطابوهات كلها, ولا شيء يجبرهم على السكوت, تحت طائلة الخوف بل الرعب السياسي أو الديني أو الجنسي, هذه هي المعاني التي كان على الكاتبة أن تتعامل معها, من أجل الوصول إلى الأسباب العميقة, ومن أجل المساهمة الفعالة في رفع وعي الشعب, ذلك الوعي الذي هو الشرط الضروري والكافي لحصول الطفرة الحضارية انطلاقا من الإطاحة بالديكتاتورية السياسية وبالطابوهات المرعبة, طابوهات السياسة والدين والجنس, ومع ذلك فإن الكاتبة قد قدمت لنا بداية هامة في مقالها القيم, مكنتنا من الاطلاع على ظاهرة الجدل الإيديولوجي العقيم, بين المعلقين, ودفعتنا إلى محاولة إضافة ما شعرنا بوجوب إضافته, شكرا لكم جميعا, كاتبة محترمة, ومعلقين أكارم, ومساهمين بالقراءة والمتابعة والتفاعل, شكرا لكم
.

ليست هناك تعليقات: