السبت، 13 يونيو 2009

بين جميلة بوحيرد وسوزان مبارك

بين جميلة بوحيرد وسوزان مبارك

بين جميلة بوحيرد وسوزان مبارك

تحت هذا العنوان الضخم كتب الدكتور أمين الزاوي مقاله الأسبوعي في جريدة الشروق الجزائرية

مقدما له بعنوان فرعي هو "بعض أحلامنا": بين المناضلة الأولى والسيدة الأولى

الشروق/ الخميس 11 جوان 2009/ الموافق لـ 17 جمادى الثانية 1430هـ/ العدد 2634- ص 21

أقلام الخميس- أقواس

خلاصة المقال: يتحدث الدكتور عن مشروع "مكتبة الأسرة" لسيدة مصر الأولى, ذاكرا بأن المثقفين العرب من كل الاتجاهات يذكرونه بخير "الإجماع على نبل المشروع". ثم ينعت المشروع بالاستراتيجي, رغم بعض التحفظات, كون المشرفة عليه في موقع مركز القرار السياسي. استراتيجية المشروع, تتمثل في السعي إلى جعل الكتاب والثقافة عموما ظاهرة شعبية يومية, وكون المواطنة الصلبة إنما تنشأ وتترعرع في أحضان الأسرة, وأنه "لا مواطن سعيد دون أسرة سعيدة". "أعتقد الآن أن هناك عودة واضحة في الغرب كما في الشرق إلى الأسرة كبنية أساسية للمواطنة". والروابط الأسرة يقول الدكتور لا تكون قوية إلا إذا قامت على أساس الكتاب خاصة والثقافة العميقة عامة "انطلاقا من ذلك بدا لي مشروع "مكتبة الأسرة" للسيدو سوزان مبارك فكرة نبيلة". في مواجهة بدايات تفكك الأسرة الشرقية. بعدها يتحدث الكاتب عن المشروع الذي ضم الكثير من أعمال المؤلفين المعاصرين من مختلف التيارات دون استثناء, وفي نفس الوقت فنشر وإعادة نشر "كتب التراث المعاصر أو القديم"، يمثل "إعادة التواصل بين الأسرة وماضيه", وفي هذا الشأن يثني الدكتور على المشرفين على النشر في المشروع, كونهم " يحملون هما ثقافيا نبيلا وألما لما وصل إليه حال الكتاب في بلداننا العربية". يذكر الكاتب بعد ذلك أن المشروع يمثل إنقادا للقدرة الشرائية المنهارة للأسرة المصرية, وخاصة في الطبقة الوسطى المعنية أكثر بالكتاب, ما دامت هذه الطبقة قد تدحرجت إلى حضيض الفقر وانعدمت اقتصاديا. ومن حيث الطبع يقول صاحب المقال إن المشروع قدم "طبعات جميلة محترمة وبسيطة وبأسعار رمزية", ثم يضيف عن المشروع أنه: "احترم القدرة الشرائية للمواطن وحماها" وأيضا "حمى حقوق المؤلف".

يتساءل الدكتور بعد تقديم المشروع عن إمكان النسج على منواله في الجزائر: " أما كان بإمكان امرأة عظيمة في بلادنا وهن كثيرات أن تقوم بمثل ذلك أو بصورة أخرى وربما أعمق". ويبرر ضرورة المكانة الاجاماعية للإشراف على مثل هكذا مشروع قائلا: "قيلدة مثل هذه المشاريع تتطلب شخصية رمزية قادرة على أن تحقق الإجماع ولا غبار على ماضيها ولا ندوب في سيرتها النضالية التاريخية". وهكذا يجد الدكتور نفسه بهذه المقاييس الذي حددها أمام اقتراح ينسجم معها، وليس أفضل من "جيلة بوحيرد" لهذه المهمة العظيمة " وهي أفضل من يمكنه أن يقود المشاريع الكبرى النبيلة إلى بر الأمان". ويدعم الدكتور اقتراحه لهذه الشخصية الرمز لقيادة المشروع الحلم بالإجماع المؤكد من حولها لدى كل الشرائح المثقفة وأصحاب رؤوس الأموال مما يخفف العبء على ميزانية الدولة, بل إن الأقطار العربية كلها شعوبا وحكومات سوف تدعم الشروع احتراما للشخصية الرمز المشرفة عليه. ومن هنا يتجاوز الدكتور مشروع السيدة سوزان مبارك القطري الناجح إلى مشروع عربي لكتاب الأسرة بإشراف المناضلة الكبيرة "جميلة ". "إن المناضلة الأولى قادرة على أن ترفع التحدي بقيادة مشروع عربي ونجاحه مضمون لما في شخصية جميلة بوحيرد من مزايا وأحلام العدالة والحرية". ويبدو أن الدكتور يحاول إقناع المعنية بقبول الاقتراح, وذلك بكون التحرير الذي ساهمت فيه بقسط كبير يبقى معلقا ما لم يتدعم ثقافيا "والمناضلة الأولى تعرف أن كل ما حققه جيلها من حرية وشهامة يظل مبتورا في غياب إنسان غير ثقافي، لأن "الإنسان اللاثقافي" هو أنسان مشوش المواطنة". ويختم الدكتور الزاوي مقاله بالمقارنة بين السيدة سوزان الناجحة في مشروعها لكونها تعتمد في التمويل على ميزانية الدولة وعلى الخواص وعلى المساعدات الخارجية، يقول وجميلة أيضا قادرة على أكثر من ذلك لما لها من رصيد تاريخي وثقافي لدى العرب وفي العالم كله إن من أنجحت ثورة نموذجية قادرة على إنجاح مشروع ثقافي- تربوي بعيدا عن كل شعبوية أو فروسية دونكيشوطية".

خلاصة مطولة، لكنها ضرورية للوقوف على تفاصيل مهمة, ولكون الموضوع استراتيجي خطير. نعم إن مشروع مكتبة الأسرة استراتيجي جدا, ويمثل حجر الزاوية ليس فقط في المواطنة السليمة الفعالة, بل في النهضة والتنمية الشاملة المستدامة المطلوبة, فكل شيء من الأسرة وإليها, كذلك فإن المناضلة الكبيرة قادرة مثل سيدة مصر الأولى أو أكثر على قيادة مشروع ثقافي استراتيجي قومي عربي وليس قطري فقط كما يحلم الدكتور, ولعل ذلك أهم ما صرح به, حيث ذكر في العنوان الفرع الذي استهل به مقاله عبارة "بعض أحلامنا". لكن هل من حق الدكتور أن يسوق لنا أحلاما؟ وماذا يريد بذلك؟ هل يريد تعليمنا الحلم؟ أو استراتيجية الحلم؟ أو ماذا بالضبط؟ نعم إن ما يتحدث عنه وهو أمر إستراتيجي من الطراز الأول, لا يمكن تصوره إلا على مستوى الحلم دون سواه, ذلك أن الدكتور بنى تصوره على أساس غير موضوعي وهو شخصية المشرف على المشروع, كما لو أن المشروع المصري كان سيلاقي الفشل لو لم تقده سيدة مصر الأولى, رغم ما في تلك القيادة من دعم كبير للمشروع, غير أن الأمر إذا كان استراتيجيا حقا وتتبناه الدولة أو الأمة بهذه الصفة, فإن نجاحه لا يتوقف على المشرف, وإن كان من الضروري اختيار المشرف الكفء لأي مشروع استراتيجي, الكفء فقط وليس شيئا آخر, إذا كان المشروع هو مشروع دولة, وبالطبع هو كذلك ما دام استراتيجيا. غريب حقا أن نضع تصورات على أسس واهية ونسوقها للناس على أنها مقترحات استراتيجية عبقرية, وما هي في واقع الحال سوى تهويمات لا أساس لها من الشروط الموضوعية القابلة للتجسيد على أرض الواقع, لأن القصد منها لا يعدو أن يكون مجرد الرغبة في ملء فراغ التزام أسبوعي مع جريدة لأسباب تهم الطرفين, دون احترام المتلقي وهو القارئ المسكين المغلوب على أمره. إن المعاهدات العربية الحيوية جدا والمصيرية معطلة ومجمدة ومداسة, فكيف يحلم الدكتور بمشروع ثقافي عربي ناجح بسبب الإشراف عليه من شخصية جزائرية وعربية وعالمية كبيرة؟ إن مثل هذا المشروع الاستراتيجي الخطير لا يمكن أن يرى النور في الظروف العربية والدولية الراهنة, ذلك أنه يتعارض مع المصالح الإقليمية والعالمية. لكنه ممكن على المستوى القطري نظريا, أما من الناحية العملية, فليست الشروط المادية والمعنوية المتوفرة في مصر موجودة لدى معظم البلدان العربية, ويمكن معاينة ذلك من خلال إحصائيات المقروئية, ومن خلال حجم النشر ونوعه, وما إلى ذلك من الشروط الغائبة أو شبه الغائبة لبعث مشروع من هذا القبيل. ومن البديهيات أن مركز القرار في المنطقة لا يوافق على مشروع مماثل, هذا المركز المتمثل في أمريكا والغرب وإسرائيل وساسة العرب, وخاصة منهم " المعتدلون", هؤلاء الحلفاء لا يوافقون مهما كانت الاعتبارات على نشر الكتاب بهذه الطريقة الشاملة والشعبية, لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج وخيمة على مصالحهم, حيث سيؤدي إلى رفع الوعي وتنامي سلطة الشعوب وتحكمها في مصائرها من خلال نمو قدرتها على تنظيم صفوفها والاستعداد التدريجي, الذي قد يكون سريعا للدفاع عن مصالحها, تلك المصالح المناهضة بالضرورة لمصالح الأطراف المتحكمة, بل المهيمنة على المنطقة حاليا, وقد يعترض معترض هنا بالتساؤل عن سماح هذه الأطراف عن قيام المشروع ونجاحه في مصر, وهو تساؤل مهم. والإجابة هي أن مصر حالة خاصة, وهي باب الأمل بالنسبة للعرب جميعا, ذلك أن الثقافة في مصر نامية إلى درجة أن مشروعا من هذا القبيل "مكتبة الأسرة", يكاد يكون حتمي التجسيد مهما كانت الظروف والقرارات المتخذة, إذ أن التطور الثقافي العام في البلد يجعل مشروعا مماثلا من باب تحصيل الحاصل, ولا يمكن لأي كان تعطيله, ومن هنا ينفتح باب الأمل, وليس من الغريب أن نرى المعارضة الحقيقية في مصر تبلغ مبلغا كبيرا, وهو ما لا يوجد في أي بلد عربي آخر عدا لبنان, وإن كان وضع البلدين يختلف, حيث إن تأثير مصر القوي يجعلها قادرة على رسم آفاق عربية, واعدة وهي تقترب من انتصار الديمقراطية فيها, ذلك الانتصار الذي سيكون حاسما ومعمما على المنطقة العربية كلها بمجرد حصوله في أرض الكنانة. كنا ننتظر من الدكتور الزاوي وما زلنا ننتظر التنوير الذي يسرع بوعينا وبثقافتنا في ذات الاتجاه المصيري, غير أنه - للأسف الشديد - لا يفعل, وهو تقصير يلام عليه, ما دام بإمكانه حمل مشعل التنوير, وهو المبرر الوحيد لحجزه مساحة أسبوعية قارة في جريدة هي الأوسع انتشارا على الساحة الجزائرية, مع العلم أن ظروف الدكتور المريحة لا تجعله في حاجة أبدا إلى مثل هذا الظهور السلبيي أسبوعيا, مما يلحق الضرر الجسيم بالجميع بمن فيهم الدكتور الذي ينزل من عليائه, حيث كان يحتل مكانة رفيعة في نفوس القراء, ولن يستطيع الاحتفاظ بها حتما إذا هو واصل السير في هذا الطريق غير السالك.

ليست هناك تعليقات: