السبت، 6 فبراير 2010

المقاومة في خطر







المقاومة في خطر

شرعت إسرائيل في دق طبول الحرب على لبنان وغزة وسوريا أيضا, وتجاوب معها حلفاؤها العرب كما لم يحدث أبدا في الماضي حتى الآن, حيث أصبح التضامن مع إسرائيل معلنا, قولا وفعلا, وبطبيعة الحال فإن المسؤولية تقع على عاتق شعوب البلدان التي انخرطت حكوماتها في التعاون مع العدو الصهيوني جهارا نهارا من أجل القضاء على المقاومة في كل مكان من العالم العربي, وربما في العالم قاطبة, فلم يعد بالإمكان قبول عذر كون تلك الشعوب مغلوبة على أمرها ومسحوقة وممحوقة وغير ذلك من أوصاف الشفقة والتعاطف معها, ذلك أن مصيرها أصبح مهدًٌدا ومهدٌِدا للمصير العربي كله, ولم يعد هناك أي مجال للصبر والانتظار, فعليها أن تقوم بما هو ضروري لإيقاف حكوماتها أو الدخول في صراع وجودي معها, لأنها أصبحت اخطر من الصهيونية والاستعمار, ولا سبيل إلى التعايش معها, فعلى الأقل ينبغي للشعوب المعنية بهذا الوضع أن تشرع في تنظيم نفسها, وتأطير جماهيرها في تنظيمات سياسية ومدنية وطنية مخلصة وملتزمة, ليسهل عليها القيام بمواجهة سلطاتها المتورطة في خدمة الصهيونية والاستعمار من أجل حماية كراسيها واستمرارها في السلطة, مقابل التنازل تماما عن مصالح شعوبها وعن المصير العربي كله, بل الالتزام بخدمة مصالح الصهيونية والاستعمار بشكل سافر.
لماذا تحارب هذه الحكومات المقاومة العربية أينما كانت إلى جانب الصهيونية والاستعمار؟ الجواب واضح وهو أن هذه الحكومات غير منتخبة ولا تستمد سلطتها واستمرارها في الحكم من شعوبها, بل وصلت إلى السلطة بطريقة أو بأخرى غير شرعية, وراحت تبحث عن شريك لها يحمي استمرارها في السلطة المغتصبة واللاشرعية, والتي لا تثق في شعوبها بسبب الطريقة اللاشرعية لوصولها إلى الحكم ونيتها في الاحتفاظ به, فوجدت صديقا يشاركها نفس المصالح المتمثلة في الوجود والاستمرار, وهو الصهيونية والاستعمار, فكلاهما مغتصب ولا يمكن أن تكون هناك ثقة بينه وبين الشعوب العربية التي يتناقض معها وجودا ومصلحة, ومن ذلك كان التحالف المصيري بين تلك الحكومات والصهيونية والاستعمار, وهذا هو سبب تحالف هذا الثلاثي الشرير ضد المقاومة, كون المقاومة هي الجناح العسكري للشعوب, تدافع به عن مصالحها ووجودها ذاته, مما يجعلها نقيضا موضوعيا حادا لهذا الثلاثي البغيض, وفي هذا السياق وبهذا المعيار يمكن اختبار ما يصدر من أقوال وأفعال عن مختلف الجهات في البلدان العربية, فالذي يصرح في لبنان قائلا بأن الطرف المسلح يفرض نفسه على الآخرين, وأن فرص الحرب قائمة ما دامت المقاومة قد حلت محل الدولة, بل السلطة, لأن العرب لا زالوا يعيشون في مرحلة ما قبل الدولة, الذي يتفوه بمثل هذا الكلام ضد المقاومة, وبالتالي ضد مصلحة شعبه, هو بالتأكيد من المتحالفين مع الصهيونية والاستعمار, وبالتالي فهو يفضل احتلال إسرائيل للبنان على وجود مقاومة تحمي البلد من النوايا التوسعية الصهيونية, المقاومة التي حررت جنوب لبنان من الاحتلال البغيض, ومنعت الغزو الصهيوني من احتلال منابع المياه وأخصب الأراضي لضمها إلى الكيان الغاصب نهائيا, فمن يمنعها من ذلك؟ ولماذا لا تستولي عليها ما دام الأمر ممكنا وبتأييد من بعض اللبنانيين أنفسهم؟ المقاومة التي لا زالت واقفة كشوكة في حلق العصابة الصهيونية التي تريد إخضاع لبنان نهائيا وفرض الاستسلام عليه واغتصاب جزء منه, وقد كان المشروع الصهيوني الأمريكي للشرق الأوسط الكبير في عهد سيء الذكر بوش الصغير, هو تفتيت الكيانات السياسية في المنطقة, وتقسيم البلدان إلى كانطونات صغيرة لا حول لها ولا قوة, بينما يتم تضخيم إسرائيل ومساعدتها على الانتشار والاستيطان واغتصاب أراضي جديدة, لتصبح في النهاية هي الدولة الوحيدة الكبرى في المنطقة, ومن ثم تسيطر نهائيا عليها وتبسط هيمنتها بلا منازع, وتكون بذلك هي الحاكم المطلق للمنطقة لصالحها ولصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري كله. هذا المشروع أفشلته المقاومة والحكومات التي تدعمها والمتمسكة بالممانعة, وقد كان لسوريا في هذا السياق شرف الوقوف الأسطوري في وجه المشروع الاستعماري الصهيوني الجديد, وقد كانت هي ذاتها مرشحة للاحتلال الأمريكي الذي وقع التصريح به أمام الملأ, لولا المقاومة العراقية الباسلة التي حجمت المشروع ومرغت أنف أمريكا في الوحل وجعلتها تعض بنان الندم على اليوم المشئوم الذي قررت فيه غزو بلاد الرافدين واحتلالها خدمة للصهيونية, وطمعا في الاستيلاء على منابع أكبر احتياطي للنفط في المنطقة. ثم استمرت المحاولات الاستعمارية الصهيونية بطرق شتى, وبرز إلى الوجود مشروع الشرق الأوسط الجديد, وأوكل للعصابة الصهيونية أمر تنفيذ جانب منه بتأييد معلن من الحكومات العربية الحليفة للصهيونية والاستعمار, يتمثل في القضاء على المقاومة في لبنان, فكانت حرب تموز 2006, التي خرجت منها إسرائيل مهزومة مطأطأة الرأس, تجر أذيال الخيبة والفشل فاقدة هيبتها أمام شعوب المنطقة وخاسرة لخرافة الجيش الذي لا يقهر, فإذا به يهزم شر هزيمة من قبل حزب صغير لفئة وطنية مؤمنة من أصغر بلد عربي, ومنذ ذلك الوقت اشتدت الحرب بكل الوسائل على المقاومة في كل مكان بهدف القضاء عليها نهائيا, بعد أن تبين خطرها الجسيم على الصهيونية والاستعمار والحكومات العربية المتحالفة معهما, ووقعت حرب الإبادة على غزة, بنية القضاء على حماس المقاومة فيها, وبالرغم من الاستعمال المفرط للقوة الغاشمة واستعمال كل الوسائل والأسلحة الفتاكة المدرة المحرمة دوليا, فإن الصهاينة المؤيدين من قبل أمريكا والغرب وبعض حكومات العرب, خرجت مهزومة من حرب الإبادة القذرة, وبقيت المقاومة بالرغم من تشديد الحصار على غزة وحرمانها من كل شيء بما في ذلك الغذاء والدواء. فزاد غيظ الصهيونية وحلفاؤها, وجاء الصقور إلى حكم دولة الصهاينة, وها هم يدقون طبول الحرب مهددين المقاومة في غزة ولبنان بتأييد من أمريكا والغرب وحلفائهم العرب. غير أن المقاومة التي فشلوا في خنقها عسكريا, هم الآن بصدد إضعافها بالحصار وغيره من الإجراءات اللاإنسانية بل الإجرامية تمهيدا لإعادة الكرة عليها عسكريا أملا في القضاء النهائي عليها. إنهم في لبنان وفي غيره يرفضون سلاح المقاومة, سعيا لتجريدها منه والقضاء عليها نهائيا بذلك, هم قلقون من وجود هذا السلاح كل القلق, لأنه يمنعهم من التحالف مع إسرائيل في احتلالها لبلدهم أو أجزاء مهمة منها, وإنا لنحتار فعلا عند الحديث عن سلاح المقاومة من أطراف لبنانية مشبوهة, كون هذا السلاح يمثل دولة داخل الدولة, وكونه آت من إيران, وكون حامليه شيعة, وهي نفس الشعارات التي ترفعها الحكومات الصديقة للصهيونية والاستعمار في المنطقة, وقد راحوا يؤججون نار الطائفية من أجل سحب تأييد شعوبهم للمقاومة اللبنانية الباسلة. لكنهم لا يتحدثون إطلاقا عن كون هذه المقاومة الشريفة حررت لبنان من الاحتلال الصهيوني ومنعته من دخول أراضيه غازيا كما كان يفعل ذلك في الماضي متى بدا له أن يفعل دون أي عواقب أو مقاومة في طريقه حتى بيروت وما بعدها, إن هذه المقاومة العظيمة نشأت وترعرعت كرد فعل شعبي على الاحتلال, ولذلك هي شيعية لأن سكان المناطق المحتلة في جنوب لبنان هم شيعة احتلت إسرائيل معظم أراضيهم فنظموا أنفسهم في مقاومة وأخرجوا الاحتلال من ديارهم, وفي ذلك الوقت لم يتحدث أي واحد عنهم داخل لبنان أو خارجه على أنهم شيعة, فلماذا أشهرت بطاقة الشيعة بعد هزيمة الصهيونية وحلفائها الغربيين والعرب في حرب تموز المذلة لهم؟ لقد فعلوا ذلك بسبب فشلهم الذريع في الحرب فراحوا يبحثون عن سلاح آخر فعثروا على وسيلة قذرة هي إثارة الفتنة الطائفية من أجل محاصرة المقاومة في لبنان وفي غيرها بوسائل شعبية طائفية محلية, إنهم يريدون إشعال نار الفتنة البغيضة لحماية كراسيهم ومصالحهم المتحالفة مع المصالح الصهيونية الأمريكية الغربية. أما عن كون سلاح حزب الله أو حماس السنية إيراني؟ فلم لا؟ وهل كان للمقاومة في كل مكان أن تلجأ لإيران لولا أن حكومات البلدان العربية الكبيرة راحت تنضم إلى من يحاربها, فكيف تسلحها أو تعينها على مهمتها التحريرية النبيلة؟ وإني لأتذكر متألما أن إيران عرضت على حكومة لبنان السابقة تزويدها بأسلحة الدفاع الجوي لمنع عربدة الطيران الإسرائيلي اليومية فوق لبنان كله بما في ذلك عاصمته بيروت, حيث يحلو له فرقعة اختراق جدار الصوت فوق رؤوسهم, وغيرها من المناطق اللبنانية كلها, لكن الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت رفضت العرض الكريم وفضلت عليه العيش بشعبها تحت التهديد والإهانة الإسرائيلية اليومية, مما يعنيه من التخويف والاحتقار والاستهتار بالسيادة اللبنانية.
إن الحرب الطائفية التي أعلنت بعد الانتصارات العزيزة للمقاومة اللبنانية المجيدة إضافة إلى انتقال بعض الحكومات العربية إلى المشاركة العلنية في الحرب على المقاومة, تشكل تصعيدا خطيرا في الحرب عليها, وعلى الشعوب العربية أن تدرك بوضوح تام هذا الخطر الذي يمثله الدور العربي في محاربة المقاومة الأمل الوحيد الباقي في حفظ الوجود العربي وعرقلة المشاريع والمخططات العدوانية الصهيونية الاستعمارية, فعلى الشعوب المعنية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة, وتتصدى لكل من تسول له نفسه من الحكام حرمانها من خدمات جناحها العسكري البطل الحامي الوحيد لوجودها واستمرارها وكرامتها, إن الأحداث تتسارع بشكل رهيب, وها هي الاغتيالات تطال كوادر المقاومة العليا والنوعية, فقد تم اغتيال قائد النصر العزيز على إسرائيل في حرب تموز, أو بالأحرى مهندس تلك المقاومة البطولية للعدوان الصهيوني وهزيمته شر هزيمة الشهير القائد البطل الأسطوري "عماد مغنية" في دمشق بعد مدة ليست بالطويلة من النصر الحاسم على جيش العصابة الصهيونية, وبالطبع فإن المقاومة اللبنانية أدركت بالغريزة أن الفاعل هو المخابرات الصهيونية, لكن الأمر لم يكن بالوضوح الكافي كما هو هذه الأيام في جريمة اغتيال القائد العسكري في كتائب القسام "محمود المبحوح" في دبي, حيث ذكرت التقارير الصحفية وغيرها بوضوح تام أن الفاعل هو الموساد وقد سهلت له المهمة الإجرامية مخابرات بعض البلدان الحليفة للصهيونية والاستعمار في المنطقة, وقد قيل قديما إن العرب تخصي فحولها, الأمر الذي لم يعد يحتمل أي انتظار من شعوب العرب وخاصة منها تلك التي تقع تحت سلطة مثل هذه الحكومات الضالة. لكن ليكن واضحا على ضوء التجارب المؤلمة التي مررنا بها في العقدين الماضيين وما جاورهما أن المعارضة المطلوبة والواجبة لا يمكن أن تكون إلا سلمية, فالنزاع المسلح غير مقبول لما فيه من مآسي رهيبة يتعرض لها المواطنون الأبرياء, في أي بلد يقع فيه هذا النوع من الصراع أو الحرب الأهلية, إن الصراع المسلح لا يجوز إلا في حالة وجود احتلال أجنبي كما هو الأمر في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان إلخ... قد نتساءل عن نجاعة المعارضة والمقاومة السلمية, نعم إنها ممكنة وأكثر فعالية وأعمق من النزاع المسلح, وذلك بتأطير وقيادة الجماهير وتنظيمها بإحكام في أحزاب سياسية ومنظمات جماهيرية ومجتمع مدني حقيقية ومخلصة وممثلة لإرادة الشعب ومصالحه, فذلك هو السبيل الأمثل لإصلاح ما يمكن إصلاحه من نظم الحكم العربية القائمة أو استبدالها ولو بعد حين بغيرها, مما يضمن مصالح الشعوب ويمثلها أحسن تمثيل, ويقيم لها علاقات مع بلدان العالم ودوله على أساس الاحترام المتبادل وتبادل المصالح بعدل وإنصاف, لقد كان بالإمكان أن يكون هذا هو دور النخب وخاصة منها النخبة المثقفة, دور قيادة المعارضة الشعبية لتحرير الإرادة الوطنية من الهيمنة الصهيونية والغربية, لكن هذه النخب وواأسفاه خانت شعوبها, ووقعت في مستنقع الاسترزاق, فقيل عنها إنها جماعة من المرتزقة والمأجورين لدى النظم القائمة تمدحها وتنشر الضباب حول ممارساتها وتحالفها مع الصهيونية والاستعمار ضد شعوبها وأمتها, ولهذا وجب على الشعوب أن تعثر على قيادات ممكنة بين صفوفها, وقد يكون منها مثقفون نزهاء شرفاء لم ينضموا سابقا إلى فريق المرتزقة والمأجورين, وعلى بركة الله لتنطلق هذه الحركة المأمولة لإنقاذ المصير العربي من مؤامرات الصهيونية والاستعمار وحلفاؤهما من النظم العربية في المنطقة, وعلى الله قصد السبيل.