الخميس، 30 أبريل 2009

من دفاتر الأيام/عن الأفلونزا

عن أفلونزا المكسيك

ربما أن العالم على عتبة الفناء، أو بالأحرى الإنسان! إنما علمها عند الله، لكن أولا هذه التسمية التي اقترحها نائب وزير الصحة الصهيوني، تستحق الوقوف عندها، حيث احتج على تسمية هذا المرض السريع الانتشار بأنفلونزا الخنازير، لكون هذا الحيوان محرم لحمه عند المسلمين واليهود، ومن ثم فهذه التسمية تسيء إليهم، أو تخدش مشاعرهم، لذلك يفضل نسبتها إلى البلد الذي ظهر فيه هذا المرض الخطير وحصد عشرات الأرواح، والخوف الآن هو تحوله إلى وباء عالمي، والسؤال هو أين كان هذا المرض في السنين والقرون الخوالي؟ هل هو جديد, مثل السيدا؟ ولماذا ظهوره الآن؟ هل هو طبيعي؟ أو هو من فعل فاعل؟ أسئلة لم تطرح، فالكل منشغل بهواجسه ومخاوفه أو رعبه، والكل مندرج في حمى الرعب والهلع، لكنهم لا يتوقفون لحظة للتحليل والفحص، (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا)، الأمر عادي بالنسبة إلى عامة الناس، يندرجون بطبعهم، في مجرى الحوادث، وليس من عادتهم البحث والفحص والتحليل، لكن أين النخبة المفكرة؟ لماذا لا تسلط الأضواء الكاشفة على الحدث، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، ويعرفون – على الأقل _ الأسباب المحتملة للبلوى التي أصابتهم؟ فقد يكون في ذلك سبيلا للتكيف والمقاومة وربما النجاة، واستغلال الطارئ إيجابيا في الراهن وفي المستقبل، هذه مجرد خواطر أو ردود أفعال على ما فاجأ الناس من تهديد لوجودهم ذاته، وليس ذلك بالأمر الهين. بعد هذا الانطباع العام، نعود إلى الاقتراح الصهيوني عن التسمية، وإلى الموقف العربي المستسلم للخطر، كما هو واقعه العام في هذا الزمن الأغبر.

فيما يتعلق بالاقتراح، علينا أن نعترف بوجاهته، بقطع النظر عن مصدره المشبوه، وذلك من باب فضيلة الاعتراف بالحق، مهما كان منبعه، ولا يهمنا القصد والنية، فذلك مطلب بعيد المنال، ثم إن القدوة مطلوبة حتى وإن صدرت عن العدو الغاشم، إن رد الفعل هذا طبيعي، وحيوي، وينم عن احترام الذات والاعتزاز بها، وفيه عدل طبيعي أو مصطنع عندما أشرك أعداءه المسلمين في الأمر، إما حقيقة أو استهزاءا وذما، بسبب صمتهم الذليل عما يصيبهم، وما لجرح بميت إيلام، ففي جو الرعب المخيم على العالم، لا ينسى هذا الصهيوني هويته، ولا يغفل عن عقيدته، بل ينبري للهجوم في قالب دفاع شرس عن خصوصياته، ويعلن عن وجوده الفاعل في العالم، بحيث لا يفوت أي حركة أو حادث إلا ويضع عليه بصمته، ليعلن عن حياته وحيويته، وعن موقفه، ما دام الإنسان موقفا، ولا شيء غير الموقف، كما يذهب إلى ذلك بعض المفكرين المعاصرين. حتى والعالم في رأي البعض مهدد – في هذه اللحظات – بالفناء، فإن هذه الواقعة الرهيبة لا تؤثر في النفس المليئة بالحياة والحيوية، والتي لا تخاف أن تزول حتى تزول، وهكذا فمن أراد الموت كتبت له الحياة، وإنهم كمشه من الصهاينة يؤثرون أقوى تأثير في مجرى حوادث العالم، بينما ما عداهم، خاصة ضحاياهم، لا حياة لمن تنادي، أو الألف منهم كأف، ولست هنا أمارس جلد الذات، كما تعودنا، أو أمارس عقدة النقص الحضارية، التي ابتلينا بها، منذ أن عرفنا القهر الاستعماري والانحطاط المهين، لكنها الحقائق علينا أن نؤولها موضوعيا، ولا ينبغي تغطية الشمس بالغربال، أو إخفاء الرأس في الرمال، علينا أن نتعود الإشادة بالمواقف الصحيحة الرائدة للعدو قبل الصديق، وذلك لرفع مستوى الوعي، وللاقتداء الواجب بما هو جدي وفعال. إن هذا الموقف المعبر عن حقيقة موضوعية لمجتمع نشيط متوثب، يلخص وضعا وجوديا برمته، منه يمكن استخلاص العبرة مما يدور حولنا إقليميا وعالميا، إنه موقف لا يهادن ولا يلين ولا يستسلم، موقف سيادة وريادة، موقف يعمل لدنياه كما لو كان سوف يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كما لو كان سيموت غدا، أليس هذا هو السلوك الجاهز لفرض إرادته على العالم، ليكون في خدمته؟ هو ذاك، وها هي حادثة خطيرة، لكنها في بدايتها، وقد تحاصر وتقبر في المهد، تكشف عن هذه الحيوية الجديرة بالاقتداء والتنويه، لأنها هي السبيل السالك إلى الرفاهية والمنعة والسيادة، تشهد على ذلك سجلات التاريخ، منذ أن كانت.

فماذا كان الموقف العربي مما يشغل العالم هذه الأيام؟ إنه الصمت المطلق وكأن شيئا لم يكن، وليس هذا من باب الجهل أو التجاهل، بل إنه الاستسلام، وهو أمر موضوعي، لأنه ينسجم مع السياق التاريخي العام، الذي يمر به عالمنا العربي، الاستسلام للعدو، الاستسلام للفقر، الاستسلام للجهل، الاستسلام للمرض، إن الجهات المختصة تدرك تماما عجزها عن مواجهة الوضعية الصحية المتدهورة لمواطنيها، فكيف لها أن تقدر على مواجهة وباء مفترض؟ ومن ثم موقف الصمت، فماذا عسى المستسلم أن يقول؟ وهل له من مبرر مقبول يبوح به؟ وحتى عندما يحاول التخبط العشوائي فإنه يقع – بطبيعة الحال – في تصرفات عدمها أحسن من وجودها، مثال ذلك أن مجلس الشعب للنظام المصري طالب من حكومته أمس إعدام الخنازير الموجودة في مصر، وصدر القرار فورا اليوم، ومن باب المقارنة فإن كندا وكوبا والأرجنتين قررت منع الرحلات الجوية من المكسيك وإليها، بينما منعت الصين استيراد الخنازير من المكسيك ومن الولايات المعنية بالمرض في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك مطالبات في أوروبا بمنع السفر إلى المكسيك ذهابا وإيابا، وأيضا مواقف متعدد عبر العالم، كلها منطقية وموضوعية، ومنها رصد المبالغ المالية، والاستعداد المادي وغيره لمواجهة الخطر، فيما لا يفعل العرب شيئا أو يتصرفون بطريقة النظام المصري الهزيلة، ففي حين أن الإصابتين الاثنتين في الكيان الصهيوني، ضحيتهما شخصين قادمين من المكسيك، ولذلك منع السفر من المكسيك وإليه في بعض البلدان، أو السعي إلى منعه، لأن الناقل للمرض – الآن – هم البشر، وبالطبع الخنازير المستوردة، لذلك منعت بعض الدول استيراد هذا الحيوان من المناطق المصابة بالمرض، بينما يعمد النظام المصري إلى إعدام الخنازير الموجودة على أرض مصر، ولا يتحدث عن منع استيرادها، ما دام هذا الحيوان يوجد لديهم ربما بسبب وجود عدد كبير من المسيحيين، أو يستعمل أيضا لأغراض سياحية، للاستهلاك في المطاعم وغيرها، لكن مهما يكن من أمر، فإن مثل هذا القرار لا يستند إلى منطق سليم، ما دامت العدوى قد أصبحت بين البشر، أو تنقلها الخنازير المستوردة من مناطق انتشار الداء، هذا المثال، يناقض تماما الموقف الصهيوني، ويسير في عكس اتجاهه، وربما أن هذا التصرف العشوائي هو الأفضل في المنطقة العربية، لأن الآخرين لاذوا بالصمت، فلم نسمع عنهم شيئا، مما يعني أنهم مصرون على استسلامهم العام لكل ما يطرأ على العالم من خير وشر، فلا يفعلون شيئا لا بالرفض ولا بالقبول، و:كأنهم غير معنيين تماما بما يحدث على وجه البسيطة، فيسجلون بذلك غيابهم عن الوجود والتفاعل على الساحة العالمية، وهو الموقف الذي يفسر كل شيء في الوضعية التي نحياها، والتي تهددنا – على الأقل – بالفناء الحضاري.

السبت، 25 أبريل 2009

إشهار

ينسب إلى فلاسفة, وخاصة منهم عمانويل كانط, قوله باستحالة تعليم الفلسفة, غير أنه بالإمكان تعلم أو حتى تعليم
التفلسف, ذلك لأن الفلسفة, ليست علما موضوعيا تجربيا, أو معرفة, يمكن التأكد من صدقها, أو الاتفاق على مبادئها, أو اعتماد معايير معينة لاختبار ما يرد فيها, إنها لا تتكرر, يأتي بها صاحبها, وتبقى خاصة به, ومن ثم فالفلسفة ليست واحدة, بل هي فلسفات كثيرة بنفس عدد الفلاسفة، عبر التاريخ. ثم إنه يتعذر الاختيار, أي فلسفة يمكن أن نعتمدها كمرجعية واحدة متفق عليها؟ مثل هذا الأمر مستحيل تماما. أما عن طرق التأمل الفلسفي, ومناهج التفكير المعتمدة, والتي يشترك فيها الكثير من الفلاسفة, إن لم يكونوا كلهم, فهو شيء ممكن التعرف عليه, وبالتالي تعلمه, وإعادة استعماله, وهو في نهاية المطاف عبارة عن القواعد المنطقية المتفق عليها - على الأقل - ضمن مجموعة معينة من الفلاسفة, أو في سياق مذهب فلسفي واحد, أو في حقبة زمنية محددة, وبالتالي يمكن حصر هذه الممارسات ذات الطبيعة المنطقية, والوقوف على النماذج المنطقية المستعملة في مذهب معين, أو في عصر من العصور, أي كيف فكر هذا الفيلسوف أو ذاك, بمعنى كيف استعمل القواعد المنطقية عندما كان بصدد وضع نظرياته, أو صياغة مذهبه؟ فبالإمكان الوقوف على تلك الآثار المنطقية المستعملة لدى كل الفلاسفة, ما هي الإشكاليات التي طرحوا؟ وما موقفهم منها؟ وكيف برهنوا على تلك المواقف؟ مثل هذا الأمر يمكن تعلمه وتعليمه, أو بالأحرى التدرب والتدريب عليه, ليصل الدارس في نهاية المطاف إلى اكتساب كفاءة الخوض في مثل هذه القضايا, ويصبح قادرا على التحليل والتركيب والنقد, باستعمال الأدوات المنطقية المناسبة, وهذا - إلى حد كبير- هو المقصود بالتفلسف, وإنها للمحة سريعة, لعلها تجد فرصة التوقف عندها, والغوص في أعماقها السحيقة, إذ التفلسف هو الطريق الذي لا مفر منه لتنمية الكفاءات الفكرية والرقي بالاستعمالات العقلية في شتى المجالات, وإلى قريب من هذا المعنى ذهب العلامة ابن خلدون في نقده للفلسفة, أو في موقفه منها. هل من تنوير في هذا المضمار؟

إشهار/pub





widgets

الجمعة، 24 أبريل 2009

رد أحدهم على الزاوي

رد أحدهم على الزاوي

رد أحدهم على الزاوي في جريدة الشروق ليوم الخميس 23/04/2009, العدد 2592,صفحة 18, وهو رد متزن ومنطقي, ويمثل دون تحيز الجانب المعرب من المثقفين الجزائريين, وقد بين بالبرهان ارتجال الزاوي وانحيازه اللامبرر للمفرنسين, في مقالاته الأسبوعية, أو حلقاته, كما يقول, تحت عنوان "كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", يكتبه في أقلام الخميس, بجريدة الشروق, ويتهجم فيه على العربية والمعربين والعرب, ويمجد الفرنسية والمفرنسين الجزائريين, وكان بودي أن يحمل هذا الناقد المبادر مسؤولية التسيير التيقنوقراطي الفاشل فشلا ذريعا, منذ الاستقلال وحتى الآن لمن يستحقها, وهم المفرنسون وحدهم, دون غيرهم, لقد حمدت الله على أن وجد في المعربين من يهش الذباب, هذا الناقد لم أقرأ له من قبل, إسمه المرافق للمقال, هو: مصطفى بوطرة-أبو أنس. فشكرا ألف شكر يا مصطفى على المبادرة الكريمة.

عن الترجمة


الترجمة في مفهوم الزاوي

يتابع الزاوي حلقاته الأسبوعية في جريدة الشروق
وقد أضاف اليوم الحلقة الثامنة من مشروعه
الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر
الشروق/ اليوم الخميس 23 أفريل 2009/ الموافق لـ 27 ربيع الثاني 1430هـ / العدد 2592
عنوان الحلقة: ماذا يترجم عند العرب وكيف يترجون؟
ارتجال وقرصنة وفوضى
بداية, نلخص المقال الحلقة: خلال الخمسين سنة الماضية, لم يترجم العرب سوى عشرة آلاف كتاب, في كل الطبوع والفنون, أربعة آلاف منها ترجمته هيئات أجنبية.
هذا العدد المخجل البئيس - كما يقول – تميز بالفوضى والارتجال والقرصنة.
هذا الحال يكشف عن العلاقة المبتورة والمتخلفة مع الآخر, ومع الفكر والإبداع, وعلاقة العرب بالكتاب.
الترجمة تكشف عن ذوق القارئ وأيضا عن الانشغالات الأساسية للأنتلجانسيا
مقياس التطور الشامل الترجمة, واللغة بدون ترجمة منها وإليها تموت
سبب عزوف العربي عن الترجمة, هو تدهور تعليم اللغات الأجنبية في البلدان العربية.
سبب هذا العزوف إحساس مريض, يسكن الذات العربية, هو" الشعور بالاكتفاء الذاتي", وثقافة النخوة الموروثة, من عهود "الفكر الفروسي"!, هي التي تتحكم في سلوكنا, وفي تعاملنا مع الآخر فكرا وإبداعا.
لا اكتفاء ذاتي في الفنون والآداب، حتى لدى الأمم المتطورة, لا بد من اكتشاف الآخر, مما ينقذ البشرية من أمرين: تخلفنا والتنميط عند الغرب.
ليدخل العرب التاريخ, عليهم بالترجمة.
الترجمة في حاجة إلى خطة, ويقدم صاحب المقال اقتراحا, يتمحور حول تشخيص واقع الترجمة لدى العرب حاليا, واقتراح حلول للمشكلة.
هناك مجهودات معتيرة بذلت, غير أنها غير كافية, لذلك لم تحدث النهضة الثانية.
والنتيجة هي: "تبدو صورة الترجمة عند العرب...رهينة العمل -الهاوي- والارتجالي ولم تدخل بعد عالم الاحترافية".
التعليق
نلاحظ أن مجمل مقالات الزاوي, تسودها وثوقية مفرطة, كما لو أنها فصل المقال, ثم إن علاقة ما يكتب, تدور حول دافعين ظاهرين, هما الانتقام لنفسه من الإقصاء التقنوقراطي, الذي لا زال يكابده, نتيجة إقالته من إدارة المكتبة الوطنية, ثم محاولة إظهار عبقريته بمناسبة التغيير الحكومي المرتقب, وقد كان هذا الأمر الثاني شديد الوضوح في الحلقة الماضية, حيث أطنب في مديح الدعم الثقافي الكبير, الذي قام به رئيس الجمهورية, وقد رأينا في الرد عليه, مدى التناقض الفاضح الذي وقع فيه نتيجة مبالغته في الإطراء والإشادة.
أما أهم ما يؤخذ عن مقاله اليوم, هو مفارقتان أساسيتان:
الأولى, هي أن الدكتور بصدد وضع كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر, فما الذي جعله يقحم الترجمة عند العرب كلهم في كتابه هذا؟ ربما أنه لم يجد معطيات جاهزة عن حال الترجمة في الجزائر, لكن هذا ليس عذرا, كان عليه أن يذكر هذا ضمن نقده, ولكن لا مبرر لخروجه عن الموضوع, وإدراج حال الترجمة الكارثي – كما قال – في البلدان العربية مجتمعة, اللهم إلا إذا أراد من خلال هذا إظهار قصور الثقافة العربية وتقصيرها, ومن ثم فلا مستقبل يرجى في سياق هذه الثقافة, والحل الحتمي هو الاندماج في الثقافة الفرنسية بالذات, هذا أمر وارد جدا, بدليل نعيه في إحدى مقالاته السابقة للغة العربية, وإظهار حزنه على ذلك, ثم هجومه الكاسح على المعرب, ووصفه بأبشع الأوصاف, وبكون الإنتاج الثقافي بالعربية رديء جدا في مقابل الإنتاج المفرنس الراقي جدا, هذا – طبعا – في الجزائر, لكنه هذه المرة يتجاوز الحدود, ليلحق اللغة والثقافة العربيتين بوضعهما في الجزائر, بمعنى أنه لا مفر من الاحتماء بثقافة وبلغة أخرى إذا أردنا الخروج من التخلف, هي بالضرورة اللغة والثقافة الفرنسية, دون سواها, وهذا معناه الدعوة مجددا إلى الاندماج, بعد فوات الأوان, وتبقى الأهداف الخفية التي لا نستطيع التكهن بها واردة كاستنتاج منطقي لا مفر منه.
الثانية, هي أن الدكتور, من جهة يحصر الترجمة في الفنون والآداب "كل الطبوع والفنون", ويمكن فهم هذا من اهتمامه الأدبي, لكنه من جهة أخرى, يتحدث عن النهضة الثانية, ولم يوضح لماذا هي ثانية؟ هل الأولى هي الحضارة العربية الإسلامية الميتة في اعتقاده؟ لكن الذي يعنينا هنا هو أن النهضة هدف التنمية شاملة, ولا تقتصر على الفنون والآداب, ولعل ما يعنينا أكثر, هو مجال العلم والتكنولوجيا, حجر الزاوية في الحضارة المعاصرة, غير أن الترجمة في هذه النقطة بالذات, بالرغم من ضرورتها القصوى - على الأقل - لتطوير اللغة, غير كافية, ذلك أن الأمم الأخرى المعتبرة متقدمة, عجزت عن الاعتماد على الترجمة وحدها, بسبب كون الإنتاج العلمي والتكنولوجي والتقني, يحدث بكميات هائلة يوميا, ومن ثم لا يمكن مواكبته واستيعابه للمتخصصين, بغير اللغة التي يصدر بها وهي اللغة الإنكليزية, لا في أمريكا أو بريطانيا وحدهما, بل في كل دول العالم حتى المتقدمة منها, فإن علماءها يساهمون ببحوثهم واكتشافاتهم باللغة الإنكليزية, وهذا لسببين على الأقل, أولهما أنه لا يمكن انتظار اللغة الوطنية الفرنسية أو الألمانية أو الروسية حتى تضبط مصطلحاتها, عن طريق الترجمة, لأسباب عملية, واحتراما لعامل الزمن, وغير ذلك من الاعتبارات ذات الأهمية القصوى. وثانيهما هو أن النخبة العالمية للعلم والتكنولوجيا, تتواصل فيما بينها, وتعرف بآخر المساهمات, ومن ثم فمن أراد من العلماء والتكنولوجيين أن يواكب المستجدات العلمية والتكنولوجية والتقنية، فعليه باللغة الإنكليزية لغة هذه النخبة على مستوى العالم, ومن هنا فإن بؤس الفرنسية ذاتها, ليس ببعيد عن بؤس العربية.
إن أهمية الترجمة لا جدال فيها, لكن هناك أولويات, والأولوية القصوى للعلم والتكنولوجيا, ولا يفوتنا ملاحظة كون الترجمة الآن, بالرغم من وسائل الإنجاز الهائلة في عصرنا, ليست بالسهولة التي كانت أيام الترجمة العربية للثرات العالمي, قبل الانطلاقة الحضارية الرائدة في وقتها, وهو القرون الوسطى الذهبية, التي يشتمنا بها الزاوي استلابا منه لواقع أوروبا آنذاك, واعتبارها اليوم لتلك القرون عنوانا للتخلف, إن الأمر عندنا معكوس تماما. لكن الذي لا جدال فيه أيضا, هو أن الحضارة لا يمكن أن تحط رحالها ببلد إلا بعد أن يكون قد استوعب التراث الحضاري الإنساني كله, ودور الترجمة هنا شديد الوضوح, وحيث إن إشكال الترجمة قائم حتى لدى المتقدمين كما وضحنا, فإن المسألة في حاجة إلى تفكير عالمي جاد في الموضوع, وقد وقع الخوض فيه بالفعل, وبرزت في وقت ليس ببعيد فكرة اللغة العالمية, والتي أطلق عليها اسم "السبيرينتو", غير أن الحديث عنها قد انقطع أو كاد مع التطورات العالمية الحالية, ومحاولات العولمة, بمعنى الأمركة محو كل الهويات الأخرى, وفرض الهوية الأمريكية, بما فيها اللغة, بكل الوسائل, ومنها القوة, وإذن فالإشكال عالمي, وبالمناسبة نقول للدكتور إن ترجمة الآداب إلى العربية ومنها, ليس بالأهمية المبالغ فيها, التي يذهب إليها, بدليل أن المأمون لم يفعل ذلك, وقد فسر الأمر كما تذكر "بالاكتفاء الذاتي", في مجال الأدب والشعر خاصة, لكن يبدو أن الأمر موضوعي, رغم عدم تشكيكنا في أهمية الترجمة في هذا المجال, نعم إن المأمون, ومن معه من مؤسسي الحضارة العربية الإسلامية, لم يقوموا بترجمة الآداب الإغريقية الرائعة, غير أن عملية النهضة انطلقت, والحضارة ترعرعت, وسادت العالم لقرون اقتربت من العشرة, ومن هنا فإن ما تتحدث عنه من ترجمة, إن كنت تقصد الفنون والآداب وحدها, فهي ليست بالأهمية إلى درجة أنها من شروط النهضة إن لم تكن هي الشرط الوحيد, كما يفهم من كلامك, اللهم إلا إذا كان غرضك من إخفاء الجانب الأهم في الترجمة بالنسبة لأي نهضة مأمولة, الترجمة العلمية والتكنولوجية, هو أنها تخرجك ضرورة من مجال العموميات, وتقصيك حتما عن الفرنسية, كون الترجمة في هذا الميدان الأهم مقصورة على الترجمة من الإنكليزية, وأكاد أقول وإليها, هذا هو الواقع, دون لف أو دوران, أو الوقوع في متاهات لا مخرج منها, أي الترجمة من الفرنسية, لما يترجم من الإنكليزية. أما كون الغرب يخاف من العرب وهؤلاء يخافون منه, فذلك ليس لضعف المستوى في اللغات, ولا لأن الترجمة كارثية كما تقول, بل لأن العلاقة القائمة منذ قرون, ولا زالت, هي علاقة استعمارية, وسبب الكراهية فيها والخوف واضح, لا يحتاج إلى أي بيان, والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

الأربعاء، 22 أبريل 2009

مؤتمر مكافحة العنصرية

الغرب العنصري

اليوم الثاني من مؤتمر مكافحة العنصرية

في دوربان2 السويسرية

دربان 2، يتواصل لليوم الثاني, بعد أن كشفت فيه غزة الملهمة عورات الغرب العنصري، حصلت اليوم المعجزة، عندما تجرأ وفد عربي على الجهر بحقيقة عنصرية الكيان الصهيوني، نعم معجزة في زمن الذل والهوان الذي تمر به الأنظمة العربية، هذا الوفد الشجاع ولو بعد فوات الأوان، هو الوفد الليبي، ربما أنه تلقى أوامر جديدة، بعد فضيحة الصمت العربي في دوربان 2، غزة كادت تفني وتدمر عن آخرها، والنظم العربية تخشى من مجرد الجهر بكلمة "عنصرية" ، وهي الحقيقة التي يمارسها الصهاينة على أرض الواقع يوميا، منذ أكثر من ستين عاما، وبالأمس انسحب الأوروبيون من الجلسة التي كان الرئيس الإيراني الأصيل، يلقي فيها خطابه، بسبب وصفه الصريح للكيان الصهيوني بالعدوان والاحتلال والعنصرية والإرهاب، وهو أقل ما يقال في حقه، واليوم أيضا ينسحب الأوروبيون، لأن الوفد الليبي قال ما قال, ويبدو أن دوره في الكلام، لم يحن بالأمس، أو أنه طلب الكلمة من جديد، إذا كان قد تلقى تعليمات، بسبب خطاب رئيس إيران، هذا الذي استقبله شعبه، عندما عاد بعد إلقاء خطابه المفخرة، استقبال الأبطال، تماما كما فعل الشعب التركي لرئيس حكومته الشهم، بعد الموقف المشرف، الذي وقفه في دافوس، عندما تصدي لرئيس العصابة الصهيونية "بيريز"، عندما كان يشوه الحقائق أمام المؤتمر بشأن حرب غزة، التي كانت جديدة آنذاك. ورغم كل شيء فشكرا للنظام الليبي الذي أنقذ ماء وجه الأنظمة العربية، ولو بأضعف الإيمان، لقد كان المفروض من العرب والمسلمين أن يتخذوا موقفا مؤازرا للرئيس الإيراني العظيم، بعد الهجومات العنيفة التي تعرض لها ولا زال، بسبب ذكره لحقائق يراها حتى العميان يوميا في الأرضي الفلسطينية المحتلة، لكن لماذا نذهب بعيدا؟ وهذا "ناتنياهو" رئيس حكومة الكيان العنصري الجديد، يصرح يوميا منذ أيام، بضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل وطنا قوميا لليهود، قبل الحديث عن التسوية النهائية لقضية فلسطين، أو كما يقال الوضع النهائي، ومعنى ذلك أن هذا المخلوق الغريب، لا يلغي حق العودة، الذي لا زالت المقاومة تتمسك به فقط، وإنما يتجاوز ذلك إلى اشتراط طرد الفلسطينيين الذين لم يغادروا وطنهم, من فلسطيني 1948، كما يقال، قبل أن يتفاوض على الوضع النهائي، الذي يحلم بجعله قريبا من الصفر بالنسبة إلى حقوق الشعب الفلسطيني.

رغم كل هذا التصريح العنصري لرئيس حكومة العدو، الذي يتصامم الغرب الديمقراطي الإنساني عن سماعه، يستنكر ويدان كل من يشير مجرد إشارة لحقيقة الكيان العدواني العنصري المتطرف ، الذي نصبه الغرب على أراضي فلسطين العربية، التي تحمل رموزا صميمية كثيرة ومتنوعة، مما جعل إيران تنتقد اليوم أمين عام الأمم المتحدة, الذي أدان واستنكر ما جاء في خطاب رئيس إيران عن الصهاينة، متقربا بذلك ومتزلفا للغرب الاستعماري الصليبي العنصري، لقد علقت إيران اليوم على " بان كيمون " واصفة تصريحه عن خطاب الرئيس الإيراني بالمتحيز وغير المنطقي، وهو أقل ما يقال فيه، إنه كلام غير مسؤول من أمين عام الأمم المتحدة، المعني بالعدالة والإنصاف، والقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت، إن الأمر اليوم زاد وضوحا وكشفا عن الأمس، وقد كشف الغرب بتصرفاته وانسحاباته المتكررة أمام الحقيقة المعلنة، برهن على عنصريته وصليبيته وانحيازه إلى جانب الظالم الذي بلغ مرتبة ارتكاب جرائم حديثة في غزة، وهو متعود على ارتكابها منذ أكثر من ستين عاما، مدعوما بصمت الغرب وتغاضيه ودفاعه عن هذا الكيان المصطنع المتضلع في الإجرام والإبادة والتدمير، ذلك لأن ممارسات هذا الكيان العدواني الشرس، تلقى هوى في نفس الغرب، المجبول على التعصب والصليبية والعنصرية والممارسات اللاإنسانية المشينة، و لو بالإنابة عن طريق تدعيم الكيان الصهيوني والصمت الرهيب عن جرائمه البشعة، كل هذا والأنظمة العربية جامدة هامدة، وكأنما هي جثث عبث بها التعفن وحامت حولها النسور والغربان، مم يخافون؟ ولماذا صمتهم الرهيب؟ وما بال الغرب يتغيب وينسحب من المؤتمر الدولي الثاني لمناهضة العنصرية، ويريد خلق الاستثناء الصهيوني بالقوة، فيحتج ويهدد ويتوعد كل من تسول له نفسه بذكر أفعال الكيان الصهيوني الإجرامية؟

لقد وضع الغرب إسرائيل في أعز الأراضي العربية وأقدسها، وحماها ورعاها وسلحها ووهب لها القنبلة النووية، وباقي أسلحة الدمار الشامل، وقد جاء بوش ليطلق يد العصابة الصهيونية، كما لم يحصل من قبل، فراحت تقتل وتدمر وتمارس المنكر، كما لم يعرفه التاريخ أبدا، ويكفي ذكر ردها العدواني الغاشم على أسر "شاليط"، فما كان منها إلا أن سارعت باعتقال النواب والوزراء التابعين لحركة حماس خاصة، ومنهم رئيس المجلس التشريعي المنتخب بكل شفافية وديمقراطية، بشهادة الغرب المذنب الأول قبل إسرائيل لأنها تفعل ما تفعله نيابة عنه في فلسطين المحتلة وفي دول عربية أخرى، وحرب لبنان الشرسة المدمرة المبيدة، لا زالت حديثة العهد. وبعد كل هذا تنتفض أوروبا بكل قواها احتجاجا على رئيس إيران، الذي لم يذكر أكثر من عناوين الممارسات الصهيونية البشعة، بل إنه لم يتعرض إلا لبعضها، ثم يكررون رد الفعل ذاته على كلمة الوفد الليبي، ولكنهم لم يردوا ولو بكلمة واحدة، على تصريحات "ناتنياهو" بفرض الاعتراف على الفلسطينيين بالدولة اليهودية، أي بطرد باقي الفلسطينيين الذين لا زالوا فوق أراضيهم، أو لاجئين داخل أراضي 48، والغرب يعرف جيدا أن معنى هذا الكلام لو طبق في بلدانه مثلا لما بقي إلا النزر اليسير من أفراد شعوبه فوق أرضهم، فلو طبق في فرنسا لما بقي فيها غير بعض السلالات البشرية النادرة، ولغادر هذا البلد فورا رئيسه، لأنه ليس غاليا ولا بروطونيا أو غير ذلك من قدماء فرنسا على الأقل كما يزعمون، بل هو مهاجر حديث العهد ببلاد فرنسا، ولو طبق هذا الكلام العنصري الخطير على أمريكا لوجد " أوباما " نفسه مطرودا خارج أمريكا, ولو طبق في فلسطين المحتلة ذاته على أساس اليهود القدامى في فلسطين، لوجد ناتنياهو نفسه خارج هذا البلد العربي الذي لا يتنكر لسكانه الأصليين من اليهود العرب الفلسطينيين، أما أن يأتي هذا اليهودي العنصري المتعصب من بلاد بعيدة غازيا، ويريد طرد سكان أهل البلد الأصليين، فهذه عنصرية ما بعدها عنصرية، ورغم ذلك لا يجد الغربيون أي غرابة في هذا الهذيان العنصري لرئيس حكومة العصابة الصهيونية، بل الأغرب من ذلك أن دلال هذا الكيان العدواني على الغرب قد جعله يتنطع ويستدعي سفيره من سويسرا بسبب مقابلة الرئيس السويسري لزميله الإيراني, وكأنما هو يقول أنا وحدي الذي أعطي أو أمنع التأشيرة لأي رئيس أو مسئول، يرغب في زيارة أي بلد غربي، وبطبيعة الحال فما كان بإمكانه أن يتصرف هكذا لولا أنه يعرف قبول الغرب لأي تصرف منه، بما فيها جرائم الحرب والإبادة التي تورط فيها، دون حساب ولا عقاب، بفضل الرعاية الغربية، وإذن فالمنطق السليم، يقضي بالحكم على أن الغرب هو العنصري الأكبر وهو الاستعماري الأكبر وهو المتطرف الأكبر وهو الظالم الظلوم الحقيقي، والفضل كل الفضل لغزة المجاهدة الصامدة في هذا الفضح التام لكل المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية والخارقين للقانون الدولي وللشرائع كلها سماوية كانت أو أرضية.


دوربان هو اسم المكان السويسري الذي عقد فيه المؤتمر, والرقم 2، يعني أن هذا المؤتمر انعقد مرة قبل هذه.

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

مؤتمر دوربان العالمي

الغرب المتصهين

مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية

اجتمعوا اليوم في "دوربان" بسويسرا, في غياب 7 دول كبرى إلى جانب حكومة الصهاينة بالطبع, ومن هؤلاء السبع, الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وإيطاليا وألمانيا, وهلم جرا, قالوا إنهم تغيبوا خوفا من أن تتحول جلسات المؤتمر إلى محاكمة للعصابة الصهيونية بسبب حرب الإبادة والدمار الشامل, التي قامت بها مؤخرا في غزة المجاهدة. انعقد المؤتمر بدون هؤلاء, وما أن قام الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" خطيبا في المؤتمر حتى انسحب الأوروبيون احتجاجا واستنكارا لاتهامه الكيان الصهيوني بالعنصرية, عفوا ليس الأمر اتهاما, بل هو حقيقة ثابتة وموثقة, والممارسات اليومية للعصابة الصهيونية خير شاهد حي على ذلك, لذلك أضاف الرئيس الإيراني البطل إلى جانب العنصرية أوصافا أخرى للصهاينة, مثل الاحتلال والإرهاب, وهي كلها تمارس على الأرض المحتلة يوميا, إذن لماذا يحتج المحتجون؟ ويغيب المتغيبون؟ وينسحب الحاضرون الأوروبيون؟ وتعلن "تشيكيا "انسحابها التام من المؤتمر؟ لله درك يا غزة العظيمة, لقد فضحت الجميع وعريت كل منافق جبان. أين هو النظام المصري الذي يهدد ويتوعد المقاومة؟ ويحاصر غزة الصمود والتضحية؟ لماذا لم يقل ولو كلمة واحدة في المؤتمر؟ أين الشجاعة التي يبديها أمام حزب الله المكلل بالنصر العزيز؟ بل أين هي النظم العربية كلها؟ لماذا أحمدي نجاد هو الذي يذكر الحقائق التي تكوي الفلسطينيين العرب, وتزهق أرواحهم يوميا؟ لماذا اليوم الرئيس الإيراني العظيم, وبالأمس القريب, وفي سويسرا أيضا, وبالتحديد في مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي, الذي يتحدث فقط هو رئيس الوزراء التركي البطل " طيب رجب أردوغان "؟ إن هذين الزعيمين البارزين لم يتكلما ولم يصدعا بالحق إلا تعبيرا عن إرادة شعبيهما العظيمين, وذلك لأن النظامين التركي والإيراني, قد قطعا شوطا طويلا على درب البناء والنهضة والتمثيل السياسي الحقيقي لشعبيهما, وإنهما إذ ينفذان إرادة شعبيهما إنما يفعلان إخلاصا, وأيضا من أجل مستقبلهما السياسي الشخصي, الذي لا يمكن أن يقوم بعيدا عن الإرادة الشعبية, وإننا لنتذكر استقبال الشعب التركي العريق لأردوغان عندما عاد من " دافوس " منسحبا, بعد أن لقن الرئيس الصهيوني " بيريز " ومن معه من ساسة الغرب درسا لن ينسوه على المباشر وأمام العالم برمته, لقد وصف الغرب آنذاك تلك الحفاوة الشعبية بأن الأتراك قد خصوا زعيمهم باستقبال هو من طراز " استقبال الأبطال ". بينما عمرو موسى أمين عام جامعة النظم العربية, لازم مكانه ولم يتحرك تضامنا مع البطل التركي المنسحب من المنصة, تاركا وراءه إلى جانب عمرو موسى "بيريز" و "بان كيمون" وسط الإعجاب الشديد حتى من ألد الأعداء, مما جعل الصهيوني " بيريز " يهاتفه معتذرا في ذات الليلة, إلى آخر القصة المعروفة, والتي لا يمل تكرار سماعها أو قراءتها, لقد تحدثوا عن الاستقبال الحافل الذي خص به الشعب التركي زعيمه بكل التفاصيل الحاقدة, حتى أنهم قالوا لقد كان ذلك الاستقبال الحاشد, بالرغم من أن رئيس الوزراء التركي وصل إلى مطار اسطنبول في ساعة متأخرة ليلا, وفي جو شديد البرودة. و على ذكر الحقد فإن البيت الأبيض قد وصف خطاب الرئيس الإيراني اليوم في المؤتمر بأنه مشين وحاقد, لكنهم ينسوا حقدهم المدمر حقيقة.

ولنعد لسؤالنا, هل ما يفعله الغرب مجرد تأييد للكيان الصهيوني؟ وقبل الجواب, لماذا يصرح " بان كيمون", وهو أمين عام الأمم المتحدة صاحبة المؤتمر, بل يدين وصف الرئيس الإيراني لدولة الصهاينة بالعنصرية؟ وإذا كان يعتقد فيما يقول, لماذا عقد المؤتمر للتصدي لهذا الموضوع؟ أم أن بان كيمون ينافق مع المنافقين خوفا من العصابة الصهيونية ومن الغرب, أو خوفا على منصبه وامتيازاته؟ وإذا كانت هذه هي الاعتبارات التي ينطلق منها بان كيمون, فالأمر في منتهى الخطورة, وعلى الأمم المتحدة السلام, ما دام أمينها العام يتصرف بهذه الطريقة المنافقة المتواطئة مع أبشع عنصرية عرفها التاريخ والجغرافيا؟ والغريب أن بان كيمون دعا بالمناسبة إلى محاربة معاداة السامية والخوف من الإسلام! أما الموقف الغربي فهناك احتمالات راجحة لتفسير نفاقه العجيب, فهم بطبيعة الحال, يريدون تكريس الاستثناء الصهيوني في كل المستويات, كما هو الأمر في موضوع الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل, وسكوتهم المذنب عن حرب الإبادة والتدمير على غزة, فعصابة الصهاينة فوق القانون الدولي, وتفعل ما تشاء ضد الإنسانية إلى درجة الجريمة وهم لا يتحركون, لماذا؟ لأن هناك الهدف المشترك, وهو السيطرة على المنطقة وثرواتها وموقعها الاستراتيجي, ثم مواصلة الحروب الصليبية العنصرية المتعصبة اللاإنسانية, من خلال العصابة الصهيونية, التي تقوم مقامهم وبتأييدهم المطلق, مع تزويدها بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة, لتقتل بها وتحرق وتدمر كما تشاء, وهم يتفرجون بكل رضى وغض للطرف, بل التأييد الضمني القوي, لكن ماذا يمكن أن نضيف, ما دام السفاح " بوش " لسذاجته قد أعلنها صراحة, وهو يستعد لاحتلال أفغانستان, عندما قال إنها حرب صليبية, ثم عبر في رسالة له إلى " شيراك " وهو يدعوه للمشاركة في حرب العراق, ويحاول إقناعه عن طريق أسطورة دينية مختلقة, عندما قال له ما معناه يجب علينا أن نتعاون على حرب " يأجوج ومأجوج", وقد قيل إن الرئيس الفرنسي قد جمع كبار مستشاريه طالبا منهم تفسير مراد بوش من هذه العبارة الغريبة, وقد صدر أخيرا كتاب في فرنسا عن هذه الحكاية العجيبة بالذات تحت عنوان " إني لا أصدق سمعي ", وربما تكون العبارة لشيراك, الذي اندهش لهذا المستوى من التفكير الخرافي المتخلف لدى بوش السفاح, وإذن فإن أي حرب ضد العرب والمسلمين هي حرب مقدسة في نظر الغرب. ويبقى السؤال: لماذا يعقدون مؤتمرا دوليا تحت إشراف الأمم المتحدة لمناهضة أو مكافحة العنصرية, ما داموا هم يمارسونها كلهم عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين؟ إنهم يعقدون المؤتمر العالمي للاستهلاك المحلي كما يقال, حتى يرسخوا دعواتهم الباطلة والمنافقة لحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة وغيرها من القيم التي ربما يطبقون الكثير منها في بلدانهم, لكنهم يعادونها حينما يتعلق الأمر – بصفة عامة – ببلدان جنوب الكرة الأرضية, وخاصة منها المجموعات الكبرى ذات الإمكانات الهائلة للنهضة والتقدم, مثل المجموعة العربية والإسلامية, لا لكونهم يعادونها فقط أو يطمعون في ثرواتها وموقعها الهام, ولكن خوفا على منافستها لهم في السيطرة على العالم إن هي انطلقت في نهضة حقيقية, ولهذا السبب – دون غيره – احتلوا العراق لأنه قطع شوطا بعيدا نحو امتلاك العلم والتكنولوجيا المعاصرين, وهو ما يحاولونه الآن مع إيران, فامتلاك أسباب القوة والمعرفة خاصة خط أحمر في عرف الغرب, وهي مسألة خطيرة ومعيبة تجاوزت الحقد الديني والعنصري البغيض. لكنهم عبثا يحاولون ثني الشعوب التي تقدم وعيها وعرفت طريقها المستقيم, طريق الخلاص والخروج من دائرة التخلف, فلن تقبل بغير المضي قدما في هذا السبيل بكل الوسائل والتضحيات, وما على الغرب الحاقد الظالم الطامع المنافق إلا أن يستعد للرحيل الأبدي من بلدان الآخرين, ويحول سلوكه المتغطرس المستغل إلى تصرفات ديمقراطية وتعاون صادق.

الاثنين، 20 أبريل 2009

من دفاتر الأيام

عن الانتخابات

تحدثوا كثيرا, وأعطوا وعودا كبيرة, وجالوا وصالوا على الساحة الوطنية الفسيحة, وهم يعلمون ألا حظ لهم في المنصب العظيم الذي ترشحوا له, ماذا كانوا يريدون؟ امرأة وأربعة رجال, نسبة غير مقبولة من وجهة نظر العدالة والديمقراطية, نسبة المرأة 1/5 منظورا إليها في إطار هؤلاء الذين نجهل أسباب ترشحهم, أما بالنسبة لعدد المرشحين جميعا, بمن فيهم المرشح الحقيقي, تكون نسبة ترشح المرأة1/6 وهي نسبة أكثر إجحافا, لكن مهلا فالأمر يعكس الواقع الموضوعي على الساحة الاجتماعية, سنعود لهذا الأمر لاحقا, ولنستمر فيما بدأنا قبلا, وهو حملة هؤلاء الخمسة بعد ترشحهم لمنصب لا طمع لهم فيه, هم متيقنون من هذا, والشعب كله على قناعة تامة بذلك, ربما أنهم قاموا بمقايضة ما, لكن ماذا عساها أن تكون؟ هل تلقوا وعودا بمناصب مثلا, مقابل ترشحهم الشكلي, الذي هو ضرورة فيما يتعلق بتنشيط حملة الانتخابات عامة لفائدة المر شح الموثوق بفوزه؟ هل فعلوا ما فعلوا مقابل المبلغ المالي المعتبر الذي يصرف لهم لتنشيط حملتهم الافتراضية؟ ربما, في الواقع أنهم ليسوا وجدهم في العالم الذين يترشحون, وهم واثقون من غياب أي حظ لهم في الفوز, حتى في الديمقراطيات العريقة, وفي الدول الكبرى, لكن الأمر هناك يختلف تماما, فالمرشحون لهم أهداف أخرى, يعمدون للترشح خدمة لها, منها تنشيط أحزابهم وتمرين مناضليهم على العمل السياسي والانتخابي, واكتشاف الكفاءات داخل صفوفهم, ومحاولة إقناع قطاعات من شعوبهم بالانضمام إليهم, وذلك عن طريق التعريف ببرامجهم وشرحها وبذل قصارى الجهد لإقناع ما أمكن من فئات الشعب بها, على أساس طرق كل الأبواب, للبرهنة لأكبر عدد من الناس على أن طموحاتهم إلى حياة أفضل, إنما تجد تلبيتها في تلك البرامج, التي يتحتم حينئذ مؤازرتها, وانتخاب المرشح باسمها مستقبلا, وغير هذا من الأهداف الكثيرة, التي يسعون إلى إنجازها بمناسبة الانتخابات, رئاسية أو تشريعية أو محلية أو سواها, وفي نهاية المطاف يقيمون نشاطهم في المناسبة تقييما موضوعيا دقيقا, ما أمكنهم ذلك, مما يسمح لهم بممارسة النقد الذاتي, وما يترتب عنه من الإثراء والتعديل وربما التغيير الشامل للخطط والتكتيك والاستراتيجيات, وما إلى ذلك من الأعمال الكثيرة, ذات الأهمية القصوى, التي من أجلها يترشح هؤلاء وهم على يقين من انعدام حظوظ الفوز أمامهم, يقدمون على الترشح لأسباب أخرى عظيمة الشأن بالنسبة للنضال السياسي وما يتصل به من وجود لأحزابهم ونموها على الساحة الوطنية والشعبية. قد يكون هناك الشيء القليل من هذه الأهداف لدى المرشحين المرافقين للمرشح الفائز دون نزاع عندنا, لكن ذلك الشيء البسيط لا يبرر الإقدام على الترشح, ولا يصلح لخدمة تلك الأهداف البسيطة التي قد يكونوا قصدوها, وربما أنهم لا ينوون بتاتا خدمة أي هدف يتعلق بانتشارهم السياسي, وتدريب مناضليهم على الممارسة السياسية الانتخابية خاصة, يبقى أن ننتظر من هؤلاء أن يقدموا لنا مبررات مقنعة لما أقدموا عليه, وإلا خسروا كثيرا مما قد يكون لهم من سمعة سياسية وتأييد شعبي, غير أنه لو كان لهم مثل هذا التأييد بدرجة معتبرة لما غامروا به بهذه السهولة, مما يجعل مبرراتهم سريالية, غير مفهومة سياسيا ومنطقيا, وهم مطالبون بالتوضيح المقنع لكل من يهمهم الأمر من مناضليهم ومن المواطنين عامة.

نعود الآن إلى قضية اختلال العدالة والديمقراطية في نسبة الترشح النسائي في هذه الانتخابات الرئاسية, ليوم التاسع من أبريل عام 2009م, إنها نسبة الخمس مع غيرها من المرشحين الثانويين, والسدس إذا نظرنا إلى مجموع المرشحين, وربما لو قارناها بغيرها لوجدناها مرتبة ممتازة, قد تكون أكثر بكثير من مرتبة المرأة في العمل بصفة عامة, ونسبة وجودها في مواقع المسؤولية, وفي الهيئات المنتخبة والتنفيذية والقضائية وغيرها, وربما تكون أكثر غيابا في قطاعات السيادة والاقتصاد, وقد تكون مثل هذه النسب موجودة لدى الهيئة الوطنية المكلفة بالإحصاء, وأيضا لدى المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي, ولدى جهات أخرى محتملة. لكن لنأخذ هذه النسبة مرجعية مؤقتة نمارس على أساسها بعض التأمل في الموضوع, ومنذ البداية نقول إن هذا الأمر بالغ الخطورة, ليس فقط لكونه يمثل اختلالا في العدالة والديمقراطية والمواطنة, وهي قيم تتطلب المساواة المطلقة, لكن إذا نظرنا إلى بعض القواعد الشرعية باعتبارها أقرب إلينا فكرا وسلوكا, فإننا نجد المرأة تتمتع بسبة النصف في الميراث وفي الشهادة, حيث إن الرجل يعوض بامرأتين, أي بنسبة 1/2, أو واحد مقابل اثنتين, بينما في واقعة الانتخابات الأخيرة, مثلت المرأة مرتبة أقل من هذه بثلاثة أضعاف, وهو واقع مختل وخطير, وذلك لمكانة المرأة المكينة في المجتمع, ولكون المسألة على مستوى العمل مثلا, تمثل بطالة وتبعية اقتصادية وما يترتب عن ذلك على المستوى الشخصي والأسري للمرأة ومحيطها القريب والبعيد, أما على المستوى الاقتصادي فإن هذه النسبة المتدنية تعكس مؤشرا مخيفا, كون المجتمع يعمل بما لا يزيد كثيرا عن نصف طاقته. وقديما كان ابن رشد إن لم تخني الذاكرة, قد ذكر هذه الظاهرة بكثير من الإلحاح على خطورتها, ما دامت المرأة تمثل عدديا نصف المجتمع أو أكثر في الغالب, خاصة بعد فترات الحروب وما شابه ذلك, وبالمناسبة نذكر ما هو أهم وأكثر تدنيا في الحضور لدى المرأة وهو المجالات العسكرية والأمنية. رغم هذا فإننا لا نسمع ولا نقرا الكثير حول هذه الظاهرة الخطيرة وكأنها غير موجودة, وتجدر الإشارة هنا إلى النسبة المرتفعة للبنات في الثانويات والجامعات, بسبب اجتهادهن وفوزهن في البكالوريا, ثم في الجامعة بأعداد أكبر بكثير من زملائهن الذكور, ومثل هذه النسبة لا شك موجودة لدى الجهات المشرفة على التربية والتعليم والتكوين, ورغم ذلك الفوز المستحق, فإنه لا يعكس التجسيد العملي العادل في مجال العمل مجرد العمل, ولا حديث عن مواقع المسؤولية بكل أنواعها, وفي كل قطاعات النشاط الوطني, ولا ندري ما هي نسبة مشاركة المرأة في التصويت؟ فقد كانت هناك عراقيل في هذا الموضوع وصعوبات, تتعلق خاصة بتخصيص مكاتب للنساء, وأظن أن هذه المعضلة قد حلت, وأيضا كان هناك موضوع الوكالة, وهذه مسألة أخرى, تمس – ربما – بحق الممارسة الديمقراطية, حيث إن الذي يقوم بالتصويت هو الوكيل, وهو يتصرف – عادة – كما يشاء, بمعنى أنه يمارس حق موكلته كما يحلو له, وهذه مسألة في منتهى الخطورة. وفي الختام نسجل أن هذا الموضوع الاستراتيجي, يتطلب العناية كل العناية من النواحي الدراسية العلمية, ومن جهات التطبيق العملي على أرض الواقع, لا من أجل تجسيد العدالة والإنصاف والديمقراطية فقط, ولكن من أجل أن يعمل المجتمع بكل طاقاته الإنتاجية والإبداعية التي تضاعف فرص لحاقه بمصاف التقدم والرفاهية والرقي.

السبت، 18 أبريل 2009

المطلوب الاستسلام

المطلوب الاستسلام
على كل شرفاء الأمة أن يموتوا غيظا, أو يركبوا المستحيل, إن هم رفضوا الاستسلام, لقد رفع النظام المصري المتداعي شعار السيادة في وجه المقاومة, وصرح أخيرا عندما ارتفعت أصوات الاحتجاج من كل جانب, بعد تهديده للمقاومة اللبنانية بالضربات الانتقائية لأهم ما لديها, صرح داعيا الأطراف التي تريد أن تناصر القضية الفلسطينية إلى أن تفعل ما شاءت لكن بشرط ألاتمس السيادة المصرية, بمعنى ألا تستخدم الأراضي المصرية, والمعروف أن المنفذ الوحيد إلى غزة هو هذه الأراضي, التي يحكم هذا النظام غلقها حتى في وجه المساعدات الضرورية للحياة اليومية في أبسط صورها, لقد أصر على منع دخول أغلب ما يأتي من الإعانات الضرورية جدا, مثل الغذاء والدواء والوقود, ودون ريب فإن الصهاينة يسمحون بدخول كميات من هذه الأشياء أكثر مما يسمح بها هذا النظام العدواني, فكيف يمكن للمقاومة اللبنانية أو غيرها أن تدخل السلاح إلى مجاهدي غزة, دون العبور على الأراضي التي يحكمها هذا النظام؟ كلام عجيب حقا والأعجب منه هو أنه لا أحد يرد على هذا التصريح المتهافت بكل صراحة ووضوح, ويقول له إنك تطلق حريتنا التي لا تملكها في التضامن مع أهلنا في غزة, لكنك تغلق كل المنافذ إليها, فمن أين نمرر مساعداتنا البسيطة لهذا الشعب الذي يتعرض للإبادة؟ إن ما تدعونا إليه هو الامتناع عن التضامن مع إخواننا حتما, ما دام الطريق إليهم مقطوعا تماما من طرفك, فلم يبق لنا إلا أن نستعمل الوسائل غير الشرعية في نظرك, وهي عبور أراضي إخواننا المصريين والتعاون معهم من أجل القيام بأبسط الواجبات نحو أشقائنا في غزة, وها أنت تهدد وتتوعد بضربنا في أهم قواعدنا لأننا ركبنا الصعب الذي اضطررتنا إليه, ومن المعروف في شريعتنا أن الضرورات تبيح المحضورات, وربما أن كل الشرائع الدينية والدنيوية تفعل نفس الشيء, ما دامت القاعدة المستقيمة هي أنه إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع, إن هذا الحصار الذي تتفنن في إحكامه على غزة وعلى من يريد الوقوف إلى جانبها, ولو بأضعف الإيمان, لا يمكن أن يستمر, لأنه يتنافى مع أبسط قواعد العدل والحق والخير والمنطق, وليس فقط لأن الغرب كله يزود إسرائيل يوميا بأحدث الأسلحة الفتاكة لتضرب بها شعبا أعزل مسالما محاصرا معدما محروما من أسباب الحياة بمساهمتك يا هذا النظام الظالم المتنصل من واجباتك كلها, لكن الشعب المصري الشقيق ذاته لا يمكن أن يوافق على هذه الممارسات الشنيعة, ولن يطول صبره على هذا المنكر, بل إن أبطال المقاومة اللبنانية وغيرهم ممن حملوا أرواحهم على أكفهم وقصدوا غزة لتقديم ما يستطيعون من الدعم البسيط لها, هؤلاء الأحرار لم يكن بإمكانهم أن يصلوا إلي سيناء ويتحركون فيها لولا مناصرة إخوانهم في مصر وفي سيناء خاصة, أولئك الذين يكابدون محنة حرمانهم من نجدة إخوانهم وجيرانهم, وتلبية واجب الأخوة ونداء الجهاد المجللجل, يا أيها النظام الأصم المتنكر لكل الأواصر والروابط المقدسة بل لأبسط القواعد الإنسانية الواجبة على كل البشر نحو كل البشر, مثل هذا السلوك المنافي لكل الأعراف والقواعد السليمة لا يمكن أن يذهب بعيدا وعلى من يقوم به أن يتدارك أمره قبل فوات الأوان, وإلا عرض نفسه للهلاك وبئس المصير, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الجمعة، 17 أبريل 2009

ضيافة سحرية

ضيافة الزاوي السحرية

الحلقة السابعة من الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر

في عدد الشروق اليوم, الخميس 16 أفريل 2009, الموافق لـ 20 ربيع الثاني 1430هـ , العدد 2586, صفحة 19, كتب الزاوي مقاله الأسبوعي, تحت عنوان: في فلسفة الضيافة الثقافية, وملخصه أن الجزائر كانت دائما, كما قال, "بلادا للضيافة الأدبية والثقافية والسياسية", لجأ إليها مثقفون كبار من مختلف بقاع الأرض عندما ضاقت بهم السبل, وتعرضوا للاضطهاد والملاحقة في بلدانهم, بسبب أفكارهم, أو انتماءاتهم السياسية, سواء كان ذلك من قبل الاستعمار, أو الأنظة الدكتاتورية والفاشية, ويذكر صاحب المقال قائمة طويلة من مشاهير هؤلاء الضيوف من كبار المثقفين والمفكرين والسياسيين, عربا وأفارقة وغيرهم من أمريكا الجنوبية وخاصة منهم الشيليون, يقول: "مثقفون ومبدعون ومناضلون وسياسيون كلما ضاقت بهم أوطانهم كانوا يجدون في الجزائر الفضاء الرحب والمضافة السياسية والثقافية." عاش هؤلاء ردحا من الزمن في الجزائر وعملوا بها في مجالات شتى, إلى أن يقول: " ثم غادروها فإما استقروا في بلدانهم أو واصلوا جحيم المنفى في بلدان أخرى كم هو حال بعض الكتاب والمثقفين العراقيين ولكنهم جميعا يجمعون بأن الأنظمة السياسية في الجزائر لم تكن تتدخل أبدا في شأنهم الخاص ولم تكن تملي عليهم أو تستعملهم أداة ضد أنظمتهم أو ورقة يناصيب في لوطو السياسة...كلما كانوا يشعرون بأنهم مهددون في تنظيمهم أو في عناصرهم, في بلدان أخرى, بظاهرة المقايضة السياسية بما فيها من بيع وشراء فإنهم ييممون شطر الجزائر وبها يحطون الرحال.", يقول مما يشرف تاريخ الجزائر بالنظافة السياسية والمواقف النبيلة, وطبيعة الجزائري الذي يتذكرها هؤلاء الضيوف "الصراحة والقسوة والحسم", وهم يجمعون على صفاء سريرة الجزائري, كل هذا في زمن الحزب الواحد والاشتراكية, لكن الجزائر حينها كانت أكثر انفتاحا على الآخر وأكبر من الديمقراطة يقول, ربما يقصد الديمقراطية الشكلية الموجودة الآن, لأنه يتساءل فيما بعد عماذا تغير؟ هل السبب هو خلاف الأجيال؟ حيث إن الجيل الأول وهو جيل الثورة كان أعمق تجربة وأرسخ قدما في كل ماهو عظيم من الأمور, أما جيل اليوم فلم يمارس تلك الأفكار والقيم الكبرى وعظائم الأمور, بل سمع عنها أو قرأها في الكتب, أو درسها في الجامعات إلخ... ثم يضيف:"أشعر أننا اليوم بدأنا نفقد ثقافة الضيافة, والشعب الذي يفقد هذه الثقافة معرض للانغلاق ومعرض أيضا لأن يكون ضحية التطرف وثقافة الخوف من الآخر." ثم يمر إلى المثاقفة بين الضيف والمضيف, كما عرفها جيل السبعينيات في علاقاته مع الآخر, من ضيوف الجزائر, الضيافة بمعناها الفلسفي وليس السياحي أو غيره, يقول."الحوار مع الآخر في الفضاء الشخصي العيني وفي الفضاء المتخيل أو الافتراضي للضيف, لأن كل ضيف يحمل معه وطنه.", وهذه الضيافة الكبيرة لاتتحقق في غياب ثقافة المضيف, ولم يكن للجزائر آنذاك ثقافة كبرى "إلا أنها كانت تحمل كثيرا من الحلم والصدق والعفوية وهي الأشياء التي أدهشت الضيوف وجعلتهم يؤمنون بما كان يتأسس في الجزائر الجديدة.", غير أن الدكتور ينسى أن يقول لنا ما سبب انهيار كل شيء فيما بعد؟ يضيف أن الضيافة الكبرى الحضارية لا يمكن أيضا أن تكون في غياب ثقافة الضيف, وقد كانت هذه حاضرة في زمن الضيافة الكبرى في السبعينيات في صورة أفلام وكتب ومجلات وجرائد وغيرها, منها العربية والفرنسية والعالمية أيضا, وقد ذكر صاحب المقال عناوين كثيرة كانت توزع في الجزائر, ثم يتساءل: "واليوم ...لماذا جفت الضيافة؟" ويجيب جفت, لا لأن جزائري اليوم بخيلا بالمعنى السطحي للكلمة, كما قال, لكن للضيافة الثقافية شروطها, أولها "انسجام الضيف مع محيط ثقافي وإعلامي يجعله يعيش بلده ويعيش العالم من خلال بيت المضافة", ثم يقرر أن الضيافة بمفهومها الفلسفي! لا تعني توفر الشروط المادية والحرية السياسية فقط, لكن تشترط في المقام الأول "توفر الفضاء الثقافي العام", ثم يذكر وهذا هو بيت القصيد أن " لاريب أن الإرادة السياسية لرئيس الجهورية واضحة في دعم قطاع الثقافة دعما ماديا ومعنويا لم تعرفه الجزائر الثفافية بل لم تكن لتحلم به منذ الاستقلال, يشكل هذا الدعم في أساسه البحث عن عودة الجزائر إلى زمنها العالي الذي كانت فيه مضافة المثقفين وقبلة الأفكار التي تغير وتدفع العالم إلى الحرية والتقدم والحلم." انظروا إلى هذا التناقض العجيب, واستغفروا الله العلي العظيم. ثم يعرج على أن فائدة الضيافة يشترك فيها كل من الضيف والمضيف, فعندما تتوفر شروط الضيافة, تتحول هذه إلى مدرسة كبيرة, يقول:"فإن الضيافة تتحول إلى مدرسة كبيرة يتربي فيها المضيف, فهو بقدر مايصنعها تصنعه بدورها وتنحت منه إنسانا كونيا.", ثم يتمنى الزاوي ويتطلع إلى استرجاع مجد الضيافة, لأنه بالرغم من تغير الظروف الوطنية والدولية "إلا أن الضيافة تظل قيمة إنسانية كبيرة", في غيابها ينعدم التواصل مع الآخر, إن غياب الضيافة بمفهومها الفلسفي, تجعل الجيل الحالي يعيش الانكسار والعزلة, والبحث عن زوارق الموت وفنون الانتحارات, وهو ما يحدث الآن, ثم يختم مقاله بتساؤل: " ألسنا في مستوى الضيافة الديمقراطية كما كنا في مستوى الضيافة التحريرية؟".
هذه خلاصة لمقال الزاوي الذي هو الحلقة السابعة من كتابه الأبيض عن الثقافة في الجزائر, والذي شرع في نشره على صفحات الشروق منذ سبعة أسابيع, بعيد إقالته من إدارة المكتبة الوطنية, ولينتقم من تلك الإقالة - فيما يبدو - قرر كشف حقيقة الثقافة السوداء بوضع كتاب أبيض عنها, كما هي العادة في ميدان السياسة خاصة, فلم أسمع قبل هذا عن كتاب أبيض عن الثقافة, ومقال اليوم بالذات كنت سأتغاضى عنه, لو لم يكن مسبوقا باعتداء غريب من هذا الدكتور على العربية والمعرب, لذلك وجب علي كمعرب أن أتابع خطوات هذا السيد إلى أن ينتهي كتابه الأبيض المجلل بالسواد, أما ما يلفت النظر حقا من تهافت المقال الذي بين أيدينا هو نسبة الازدهار الثقافي في السبعينات, وهي العصر الذهبي للجزائر المستقلة إلى ظاهرة الضيافة التي يسميها فلسفية, وإني شخصيا لم أسمع عن وجود هذا المصطلح, ولا أظنه مستقيم المعنى, ومهما كانت هذه الضيافة فلسفية, فهل هي أكبر من كل إنجازات السبعينيات العظيمة, ومنها الثقافية بالطبع؟ كأن الشعب الجزائري برمته ودولته ذات الصيت العالمي وقتها لا يستطيعان التواصل مع العالم ولا يحققان الازدهار الثقافي وغير الثقافي, لولا وجود ظاهرة الضيافة الفلسفية كما يسميها, بل الازدهار العام, كما يريد السيد الزاوي أن يشعرنا أو يقنعنا؟ إذن كان هناك ازدهار ثقافي في السبعينات من القرن الماضي في الجزائر, هذا أمر لا نجادل فيه, لأن طموح الجزائر البومديينيه لم يكن يعرف الحدود, والغريب أن الزاوي لم يذكر إسم هذا الزعيم العظيم الذي أعلن الثورة الثقافية وجعل من الجزائر ما كان يسمى قلعة الأحرار ومقر الثوار من كل بقاع الأرض, وهو ما يسميه الزاوي " الضيافة الفلسفية", بالرغم من أن هذا البناء الشامخ, الذي ليست هذه الضيافة فيه إلا قطرة من بحر, هو من تشييد الزعيم الراحل بومدين, رحمة الله عليه, فقد كان هو مهندسه وهو منفذه على الأرض, والدليل هو أن البناء انهار عندما غاب صاحبه, وتناولته معاول الهدم والتخريب لتطرح الجزائر أرضا وتنتقم من كل أمجاد ثورتها المسلحة الكبرى ونهضتها التي كادت تبلغ عنان السماء, وذلك هو سبب اغتيال بومدين العظيم, وهي الأطروحة الأرجح لسبب وفاته المفاجئة, كل هذا لم يثر انتباه الزاوي فراح ينسب بشكل غريب نهضة الجزائر في السبعينات إلى ضيافته الفلسفية على ما فيها من معاني إيجابية, لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل محل سببها العظيم, وهو ثورة البناء والتشييد الشعبية/البومديينية, وما كان لذلك الصرح الشامخ أن ينهار لولا النقطة السوداء في سياسة بلدان العالم الثالث قاطبة, ومنها الجزائر البومديينية - للأسف الشديد - وهي أن الزعيم كان هو المحور الأساسي والوحيد, لقد كان على الزاوي الذي يبكي على ضياع الضيافة الفلسفية أن يندب على ضياع المؤسسات العتيدة التي حلم بها بومدين عندما قال في أول عهده إنه عاقد العزم على بناء دولة لا تزول بزوال الرجال, لماذا لم يفعل, هل هو القصور أو التقصير؟ أم أن الرجل كان يصادف مقاومة شرسة داخلية وخارجية حتى لا تنطلق الثورة من جديد, بعد أن كانوا قد اطمأنوا إلى أنهم قضوا عليها قضاء مبرما قبل الإستقللال؟ لقد كان هم فرنسا الوحيد مع أتباعها هو ألا تستمر الثورة بعد الاستقلال, وحتى قبله, حتى يضمنوا استمرار مصالحهم, ويمنعوا الشعب الجزائري من اختراق جدار التخلف الذي لا يمكن أن يتعايش مع الثورة, لقد هادنهم بومدين وداهنهم في البداية, لكنه عندما تمكن من الحكم, وشعر بخطورتهم عزم على حسم الأمور معبرا عن ذلك في خطبه الشهيرة في كل من تلمسان وقسنطينة وتيزي وزو, هذه الحقائق الكبرى نسيها الزاوي وراح ينسب مجد الثقافة الجزائرية في السبعينات من القرن الماضي إلى "الضيافة الفلسفية" التي لا وجود لها أصلا, وإنما كان هناك بعض اللاجئين السياسين لا شك أنهم يشكلون مفخرة للجزائر, لكنها مفخرة جزئية جدا, وليست هي سبب التواصل بين الشعب الجزائري وشعوب العالم قاطبة, ولا يمكن لها أن تكون كذلك ابدا بالرغم من معناها التحرري والثوري والإنساني العظيم, غير أنها كانت من نتائج الازدهار الثقافي والعام للجزائر -آنذاك- وليست سببا فيه على الإطلاق, أو سببه الأوحد, كما يريد السيد الزاوي أن يفهمنا بكل قطعية, لماذا يختزل الزاوي الحقيقة بهذا الشكل المشوه لها؟ يبدو أنه لايبحث عنها, وإنما هدفه هو من قبيل ما أعابه على المعرب من قبل, أو قل ما شتم به المعربين من شتائم مرة, إنه يتذلل ويتزلف ويتصاغر من أجل العودة إلى حضن التقنوقراطية الدافئ, التي استغنت عن خدماته بسحب إدارة المكتبة الوطنية منه, وهو لذلك ملتاع لوعة من طرد من جنات النعيم, ولا بأس أن نستطرد بعض الشيء هنا, فلقد هيأت لي الظروف أن شهدت يوما ما مفرنسين في مستوى رفيع من الوظيف, يتعرضون لعجرفة وإذلال واحتقار مسؤولهم المعرب, كما لم أشهد ذلك من قبل أبدا, وقد كانوا كلما زاد في احتقارهم وإهانتهم وسحقهم سحقا, يزيدون في طاعتهم له بل خضوعهم الجبان الذي بلغ درجة إظهار التقديس نفاقا وتصاغرا, وإني لأسباب مبدئية وإنسانية ضد هذا التصرف المتغطرس, ولا أسمح لنفسي باستنتاج سقيم من هذه الواقعة بأن المفرنس ذليل وضيع حقير ومحتقر أمام المعرب كما فعل الزاوي في التعبير عن حقده الكبير على المعرب, إن المسألة تتعلق بسلوك بعض المسؤولين سبل الاستبداد من أجل ممارسة عملهم في منتهى الراحة والتفرغ للتمتع بمزايا المسؤولية دون أي مكدر, ثم إن هناك خللا في نظام الوظيف السامي, حيث يكون البقاء في المنصب والاستفادة من امتيازاته رهن إشارة الوزير أو المسؤول الأول في جهة ما, ولا حماية للموظف السامي, فبالإمكان لمسؤوله أن يقيله أو يهمشه كما يحلو له, وكما يمليه عليه ضميره أو نزواته إن كان من المستبدين, لذلك ترى الأغلبية من هؤلاء الموظفين وهم في معظمهم مفرنسون, يخضعون الخضوع التام, ويقبلون الاحتقار والتسلط والاستبداد, وكل المعاملات اللاإنسانية, للمحافظة على امتيازات هذا النوع من الوظيف, وعدم العودة - مهما كان الثمن - إلى جحيم الوظيف العمومي, وها هو السيد الزاوي ذاته يكتب هذا المقال في هذا الاتجاه ويخرجه علنا على صفحات الجرائد باحثا عن عودة ذليلة إلى جنة التقنوقراطية التي فجعه فقدانها المفاجئ .
نعود إلى ما كنا فيه, بعد هذا الاستطراد الواجب, فنقول أما التناقض الصارخ الآخر الذي يقع فيه صاحب المقال فهو ما ينسبه لرئيس الجمهورية من الإرادة السياسية الواضحة في دعم قطاع الثقافة ماديا ومعنويا دعما لم تعرفه الجزائر الثقافية ولم تكن تحلم به منذ الاستقلال, وقد يكون هذا الكلام صحيحا - ربما - على مستوى البرنامج الرئاسي, أو الحملة الانتخابية الجديدة, لا أجزم بالمصدر إن كان موجودا, أما الواقع على الأرض فشيء آخر, وليس هذا فقط هو مجال التناقض, بل ذلك يتضح بشكل فاضح عندما يضيف الزاوي بعد هذا الإدعاء بالازدهار الذي لم تعرفه الجزائر ولم تكن تحلم به أصلا منذ الاستقلال, أن الرئيس يريد من هذا الدعم الذي فاق الحلم العودة إلى زمن الجزائر العالي, الذي كانت فيه مضافة إلخ... عجبا, من جهة الرئيس يحقق للجزائر ما لم تكن تحلم به منذ الاستقلال ثقافيا, ومن جهة أخرى يريد الرئيس العودة بالجزائر إلى زمنها العالي ثقافيا بسبب الضيافة, يعني أن كل طموح الرئيس هو العودة بالجزائر ثقافيا إلى ما كانت عليه في السبعينات, لا أن يسمو بها إلى مالم تكن تحلم به في أي يوم من الأيام منذ الاستقلال, مهلا يا هذا, تقرب من الرئيس كما شئت, لكن عليك أن تحترم القارئ بمن في ذلك الرئيس بمراعاة قواعد المنطق, ولا تستخف بالعقول إلى هذه الدرجة العابثة, لك أن تستعمل كل الأساليب من أجل بلوغ مآربك الشخصية, أو حلمك بالعودة إلى جنتك التقنوقراطية المفقودة, غير أن هذا لا يمكن أن يكون بتسويق مثل هذا الكلام المتهافت على حساب القارئ المعرب المسكين, أنت تقول إن الجزائر الثقافية وغير الثقافية بلغت عنان سماء المجد في السبعينيات بسبب "الضيافة الفلسفية", هكذا بطريقة سحرية, ثم تهاوت الأمور إلى درجة أن شبابنا بسبب العزلة والانغلاق نتيجة فقدان "الضيافة الفلسفية", قد وقع في التطرف, فراح يرمي بنفسه في عباب البحر ويمارس فنون الانتحارات, ولم تذكر حمل السلاح! عجبا هذا كله بفعل غياب "الضيافة الفلسفية", لا أظن أنك تقصد هذا أو تعتقده, وإنما هي مقدمة اعتباطية لم تهتم بإحكام صياغتها منطقيا لأنك تريد الوصول سريعا إلى الإعلان عن الإرادة السياسية للرئيس في دعم الثقافة كما لم يقع ذلك أبدا, وكما لم تحلم به الجزائر الثقافية منذ الاستقلال, هذا هو مربط الفرس, أما غيره فتفاصيل إلى درجة أنك سرعان ما تلغي هذا الإطراء الكبير دون أن تشعر, عندما تقول بأن الدعم الثقافي العظيم للرئيس يهدف إلى عودة الجزائر إلى زمنها العالي، حيث كانت معقل كبار المثقفين وقبلة الأفكار التي تدفع العالم, نعم العالم برمته, إلى الحرية والتقدم والحلم, كما قلت. مهلا يا هذا لقد هدمت ما بنيت, ومسعى الرئيس الثقافي الذي لم تحلم به الجزائر منذ الاستقلال قد انحدر إلى أنه يحلم هو ذاته بالعودة إلى زمن "الضيافة الفلسفية" التي رفعت الجزائر الثقافية, بطريقة سحرية, إلى سماء ما طاولتها سماء. وفي نهاية المطاف تتساءل عما إذا كنا لسنا في مستوى الضيافة الديمقراطية, كما كنا في مستوى الضيافة التحريرية؟ بمعنى أنك مصر على ألا موقع لنا تحت شمس الازدهار والنمو إن لم نتخذ من "الضيافة الفلسفية" نهجا وسبيلا! في الواقع أن هذا الادعاء لا يستحق التعليق, ويكفي أن نلقي نظرة بسيطة على تاريخ الثقافات والنهضات, وسبل نمو النامين, فإننا لا نجد إطلاقا هذا المصطلح الزاوي الغريب, نعم هناك التفتح على التجارب والثرات الثقافي العالمي وضرورة استيعابه, قبل الوصول إلى مرتبة الانطلاق الثقافي والحضاري أو بالتزامن معها, لكن أن يكون ذلك "بالضيافة الفلسفية" أو غير الفلسفية, وباستقدام الأشخاص مهما كانت ريادتهم للإقامة بيننا, وليس لمجرد تبادل الزيارة معنا بغرض الاحتكاك والتلاقح والتفاعل, هذا ما أنزل الله به من سلطان, وإنها لمقاربة غريبة من أجل التقرب إلى الرئيس بإقحامه في الموضوع بعد التمهيد بهذه المقدمة المتنافرة مع الهدف المنشود, إنها هفوة كبيرة لا أظن أن المعرب الرديئ الثقافة والذليل أمام المفرنس بمرتكبها بمثل هذه الغفلة وعماء البصيرة مدفوعا بالطمع والوصولية, ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وبالمناسبة لا يفوتني أن ألفت النظر إلى أن هذه الهجمة على العربية والمعرب, ليسر فعلا معزولا- فيما يبدو- فقد كتب أحدهم أخيرا في الخبر أيضا شيئا من هذا القبيل بمناسبة تنويهه بكتابات جزائرية يقول إنها راقية باللغة الإيطالية, وهؤلاء الكتاب من المقيمين في هذا البلد, لكنه يهاجم من يسميهم المحتكرين للعربية والمصرين على العزلة والجمود, أو شيء من هذا, ولم أفهم ما علاقة هذه الكتابة الجزائرية - الإيطالية باحتكار العربية؟ نعم يفهم من السياق أن هؤلاء المحتكرين يرفضون نسبة مثل هذه الكتابات إلى الأدب الجزائري, قياسا على رفضهم الانتماء الجزائري للأدب المكتوب بالفرنسية, ربما هذا هو قصده, لكن لنتمهل حتى تتضح الأمور, وسبب إشارتنا المسبقة هو أن هذا السيد مثل الزاوي يكتب بالعربية وبالفرنسية وأظنه يتولى مهمة التدريس المؤقت أو الدائم في جامعة فرنسية, ومن ثم فقد يكون كلامه هذا في نفس الاتجاه الذي يروج له الزاوي لكن لاداعي للتسرع, فالأيام كفيلة بكشف المستور, ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الأربعاء، 15 أبريل 2009

المطلوب

المطلوب رأس المقاومة

كنا نظن - مخطئين للأسف الشديد- أن اختفاء بوش السفاح غير مأسوف عليه, سوف يحدث الانفراج, ويخفف الحمل على المقاومة, ذلك أنه مهما كان خليفته, فلا يمكن أن يبلغ ما بلغه من الحقد الصليبي العنصري, وإطلاق يد العصابة الصهيونية لتعبث بالأرواح والممتلكات إلى حد ممارسة الإبادة والتدمير الشامل, كما فعلت في غزة وقبلها في لبنان, وبالفعل فقد تغير الموقف الأمريكي أكاد أقول جذريا, ولم يعد باستطاعة "ناتنياهو" الشبيه ببوش أن يعبث مثلما كان يفعل لو أن الإدارة البوشية لا زالت في سدة الحكم, غير أن المقاومة لم تستفد كثيرا من هذا التغيير, ذلك أن الحصار المضروب على غزة قد اشتد أكثر, وها هو النظام المصري يشدد الحصار على شعب غزة المجاهد, أكثر مما كان يفعل أثناء حرب الإبادة الصهيونية الإجرامية, و يقيم الدنيا ولا يقعدها بسبب محاولة حزب الله التضامنية الواجبة مع غزة الصامدة, ويحولها إلى قضية تمس بسيادته وأمنه, بل محاولة لضرب أهداف مصرية, وهو الكلام المتهافت الذي لم يصدقه أحد, إلا إذا وجد من يصدق المستحيل, إن حزب الله البطل يحارب إسرائيل وحدها, ولا أحد غير إسرائيل, ثم إن موقف النظام المصري الذي ساهم بقسط وافر في الحرب على غزة, وأحكم الحصار عليها قد جعل الأمور صعبة على كل عربي ومسلم مخلص, بل على كل أحرار العالم, كيف يمكن لأي كان وبنفسه ذرة من إنسانية أن يبقى مكتوف الأيدي أمام شعب يذبح وهو مكبل الأيدي معزول أعزل, لا يستطيع الدفاع عن نفسه حتى بالانتفاض في وجه الجلاد, لأنه مقيد الأيدي والأرجل, وعاجز بسبب ذلك عن القيام بأية حركة دفاعية طبيعية عفوية؟ فما بالك إن كان المعني هو حزب الله وما أدراك ما حزب الله, كان من المفروض أن يهب النظام المصري المستسلم للعدو, بل والمتحالف معه ضد الفلسطينيين والعرب, أن يهب هذه الهبة العنترية دفاعا في مذبحة سيناء ضد العدو الصهيوني بدل أن يهدد حزب الله قاهر إسرائيل بهجمات نوعية على قواعده, وأين كانت هذه النوعية مخزونة أثناء الحروب الفاشلة التي خاضها ضد الجيش الصهيوني منذ قيام الكيان الغاصب؟ أم أنه يتصرف وفقا لقول القائل: "أسد علي وفي الحروب نعامة", إن القضية أصسبحت مشكلة كبيرة حقا, لقد كشفت غزة عن تورط النظام المصري بشكل غريب, ومن ورائه المعتدلين الذين لا يرضون بغير رأس المقاومة بديلا, وها هو النظام المصري الهمام, يمهد الطريق للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أمر توقيف "سماحة السيد نصر الله " ونائبه, وذلك حتى يساهم مساهمة جليلة في القضاء على المقاومة العربية والإسلامية, ويفتح الطريق سالكا أمام إسرائل لترتع كما تشاء في أي بلد من بلدان العرب والسلمين, ومعها الاستعمار يعيد الاحتلال بالطريقة المناسبة, ولسنا ندري حقا أين كان هذا النظام الذي افتضح أمره, عندما كان المنادون من كل أصقاع الدنيا يطالبون بضرورة محاكمة العصابة الصهيونية, بل مسؤوليها على جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة؟ أم تراه يخشى امتداد التهمة إليه لمشاركته في الجريمة وتورطه في منع الخبز مجرد الخبز والدواء عن غزة الصامدة!!! إن الأنباء تتحدث عن تعاون وثيق في سيناء بين النظام المصري وحليفه الصهيوني بحثا عن مناضلي حزب الله الذين جاءوا لدعم الشعب الفلسطيني أثناء حرب الإبادة على غزة! لقد شارك العرب والمسلمون في حرب فلسطين الأولى سنة 1948, ولم يمنعهم من ذلك الحكومات الشكلية التي كانت قائمة تحت هيمنة الاستعمار المباشرة, ومن ذلك الحكومة المصرية التي كانت تحت الاستعمار البريطاني المساهم الأول في إنشاء الكيان الصهيوني, فهل أن نظام مصر اليوم أسوأ من نظام الملك في ظل الاستعمار المباشر؟ وماذا ينتظر هذا النظام التعيس من الناس؟ أيتركون إخوانهم في الدين والقومية والإنسانية يبادون بمشاركته هو ذاته, ويبقون متفرجين أو معجبين بتصرفاته المقززة, التي تتحالف مع العدو, هذا الذي صرح وزير خارجيته الحديد عن احتمال ضرب السد العالي في مصر ذاتها؟ وهل يفرق الصهياينة بين الفلسطيني وغيره من العرب والمسلمين أجمعين؟ إن مصير من يتعامل مع العدو هو مزابل التاريخ, ونهايته الحتمية تكون عادة في أقرب الآجال, فإلى متى يتحمل شعب مصر العربي المسلم العريق هذا التحدي السافر لمشاعره ومصالحه ومصيره؟ لن يطول ذلك, لقد صبر ذلك الشعب الصبور عندما كان يظن أن معاهدة نظامه مع الصهاينة إنما هي حقيقة معاهدة سلام, وفي أسوإ الظروف معاهدة استسلام إلى حين بناء القوة الذاتية الرادعة, أما أن تكشف عبقرية غزة عن أن تورط هذا النظام هو من نوع لم يدر بخلد أحد خارجه, إنه يتحالف مع العدو ضد شعبه وأمته, ويتصدى للمقاومة يطلب رأسها بأي ثمن, وحتى عندما تهادن أمريكا نفسها وتشرع في اتصالاتها مع المقاومة, يصر هو على القضاء عليها , ذلك أن مصيره مرتبط بمصير إسرائيل وخطورة المقاومة عليه ربما أكبر من خطرها على إسرائيل ذاتها, ذلك لأن إسرائل لا تخشى الزوال في الظرف الدولي الراهن, وفي ظل الحماية المعلنة لأمريكا والغرب, أما هذا النظام الغريب فإن انتصار المقاومة سوف يضطره إلى الزوال الاختياري أو الإجباري, وهذا هو التفسير الموضوعي لسلوكه الحاقد والمتوتر حيال المقاومة, وبذله الغالي والرخيص في سبيل الإطاحة بها, لكن هيهات ثم هيهات, فالمقاومة أية مقاومة هي شعبية, لذلك يستحيل على هذا النظام الهزيل أن يطيح بها, إنها مقاومة شعوب أقامتها بديلا عن مثل هذا النظام المفرط وأشباهه, بعد أن يئست من أي فرج أو دفاع عن النفس يأتيه منها ضد العدو الصهيوني أو قوى الاستعمار المتحفزة للعودة إلى ممتلكاتها القديمة, وما دام الأمر على هذه الصفة فإن المقاومة محصنة بشعوبها وهي - لذلك - لا تقهر, بل إنها تنال التأييد كل التأييد من الشعب المصري الأبي ذاته, وما على هذا النظام الذي باع نفسه للشيطان إلا أن يحزم حقائبه ويرحل قبل أن يطرد شر طردة, وإنه إذا توهم بأن ترسانته الإعلامية سوف تقلب الحقائق بعبقريتها الفريدة, وتؤلف شعب مصر الشقيق ومعه الشعوب العربية والإسلامية بل وكل شعوب العالم ضد المقاومة فهو في العماء يسبح, ذلك أن الشعوب كلها في سائر أنحاء العالم تدرك حق الإدراك ما معنى المقاومة, وتعزها وتعززها وتحميها برموش عيونها إن تطلب الأمر, وكيف لا؟ وهي أداتها في حماية أنفسها وأوطانها ومصالحها ومصيرها من كيد الكائدين وطمع المستغلين, الذين يضع النظام المصري نفسه تحت طلبهم دون قيد ولا شرط, ظننا أن غزة قد حسمت بعبقريتها الفذة وبأرواح أطفالها الملائكية, وإذا بهذا النظام المتورط يكذب كل الأطروحات المنطقية, ويسخر نفسه لقطع أنفاس المقاومة في العريش, وها هو يهدد بقواته الهزيلة العاجزة عن استرجاع سيناء التي لا زالت إلى حد الساعة منزوعة السلاح عملا باتفاقيات "اسطبل داوود" الشهيرة, ها هو يهدد بضربات نوعية, نعم نوعية هكذا, وكأنه قام بمثل هذه الضربات في يوم ما ضد عدو شعب مصر وجميع العرب والمسلمين, نعم يهدد حزب الله هازم العصابة الصهيونية وحده, ولا ندري ما ذا يقصد؟ وهل يستطيع أن ينجح حيث فشلت حليفته الأقوى عصابة الصهاينة؟ والتي كان يقال عن جيشها المجرم إنه لا يقهر؟ وإذا كان بهذه القوة, فلماذا استسلم لعدوه, وراح يتهافت على التحالف معه, رغم أنه يسخر منه ولا يقيم له أي وزن, وقصة المفاوض في قضية حبيب النظام المصري العزيز "شاليط", ما زالت حديثة عهد, حيث قال إن "أولمرت", يمارس إذلال النظام المصري بعدم جديته في الوصول إلى اتفاق التهدئة مع حماس, والتي أراد النظام المصري أن يصل إليها بأي ثمن بحثا عن رضى العصابة الصهيونية وإدارة بوش السفاح عدو العرب والمسلمين اللدود. إن الخبر اليقين هو أن المقاومة باقية, بل إنهنا ستزيد قوة وتمكنا يوما بعد يوم, ذلك أنها قرار استراتيجي شعبي, ولا يمكن لأي نظام مهما كان, فما بالك بالنظام المصري الذي يدور في فلك الصهاينة والأمريكان والغرب أن ينال منه, أو يزعزع هذا القرار الشعبي الاستراتيجي المنتصر, ذلك أن الشعوب قد نصبت المقاومة بديلا بعد أن يئست كل الياس من نجاعة مثل هذا النظام الذليل المتواطئ والمتورط في قتل أطفال غزة الأبرياء والتنكيل بهم, كما لم يحدث طوال التاريخ, ومثل هذا التوجه السلبي الفاشل, قد انتهي إلى حتفه ونهايته البائسة كما علمنا التاريخ وشيكة, وعندها سوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . عاشت المقاومة قارب النجاة لأمتنا من الفناء المبرمج على أيدي الصهاينة وأمريكا والغرب الاستعماري, والموت للصهاينة وأعداء الأمة الذين يشدون ازرهم وأتباعهم التعساء.

الاثنين، 13 أبريل 2009

الاندماجيون الجدد3

في الرد على الزاوي
عود على بدء, لأن هناك قضايا لم نرد فيها على الزاوي, منها ما ذكرناه من انقطاع المعربين عن القراءة باستثناء الكتاب الديني, بالرغم من أنه يلجأ إلى الشروق ليقرأه المعربون, والصواب في هذا أنهم لا يقرؤون في غالبيتهم العظمى حتى الكتاب الديني, وحكم الزاوي مبني على أساس المبيعات في المعرض الدولي للكتاب وفي المكتبات, إن أغلب من يشترون المجلدات الدينية الجميلة لا يفعلون ذلك للقراءة وإنما للزينة والتبرك كما قيل, لأنهم ربما من عامة الناس من الميسورين أو الأثرياء. إنها كلمة حق أريد بها باطل, نعم إن المعربين لا يقرؤون لأسباب عديدة, وقد تمت دراسات في هذا الشأن وقدمت إحصاءات للمقروئية الضعيفة جدا في الجزائر, والتي تتمحور حول 6%, أي إن الإدارة العتيدة تحافظ على الأمية النوعية كما تركتها فرنسا بالضبط في الأمية البسيطة المعروفة, أما نسبة المبيعات التي يقرر صاحبنا على أساسها أن المفرنسين يقرؤون كثيرا, وهذا صحيح, غير أن صاحب المقال يجهل أو يتجاهل الأسباب الحقيقية والموضوعية وراء هذه الظاهرة البالغة الأهمية, أولى هذه الأسباب هي النشأة الاجتماعية والتربوية للمعرب, التي لم ترسخ فيه عادة القراءة, سواء إهمالا وقلة وعي أو فشلا بفعل محاولات غير كافية لإحداث هذه العادة وتثبيتها وترقيتها باستمرار, فالأسرة التي نشأ فيها المعرب فقيرة وجاهلة لا تشتمل على الشروط التي من شأنها تنشئة شخص قارئ, ويترتب على ذلك القدرة الشرائية المتدهورة لهذه العوائل, بالإضافة إلى رفع الإدارة الفرنكوفونية الدعم عن سعر الكتاب, وفرض رسوم الضرائب والجمارك عليه, ثم إن البيت القصديري أو المتداعي للسقوط أو الحقير الذي ينشأ فيه المعرب, لا توجد فيه مكتبة ولا يمكن أن تكون لضيقه وازدحامه بسكانه, وبعد ذلك تأتي المدرسة التي طغى عليها التدفق الديموغرافي وضعف تكوين المربين وقلة كفاءة الإدارة وانعدام ميزانية الكتاب تقريبا, ثم الإهمال المقصود للإدارة الفرنكوفونية على المستوى المركزي, والنتيجة هي تكريس الأمية الكيفية المخطط لها مع سابق الإصرار والترصد, هذه بعض الأسباب لا كلها, وهي التفسير لاستحالة القراءة على المعرب في الأحوال العادية, لكن لماذا ذهب الزاوي ليعرض كتابه الأبيض الكالح السواد في الشروق؟ بالطبع لأن الشروق هي الجريدة الأكثر توزيعا في الجزائر, وهي كذلك لأن المعربين هم الذين يقرؤونها, وهم يعدون بالملايين, ثم إنه يستهدفهم لترسيخ العقد الذي يزعم أنها تنخر عظامهم, ومنها الصحيح أو الحق الذي أراد به باطل, لقد قال إن المعرب شديد التعقيد والتذلل أمام المفرنس, وضرب مثلا بواحد منهم يعمل في وزارة فيما يبدو, ويفهم من كلام صاحب المقال أنه موظف سام, وهو هذا الذي بعث رسالة إلكترونية قصيرة لوزيره س. م.س بالفرنسية, ومن أجل ذلك لجأ إلى طلب المساعدة من أحد المفرنسين ليكتب له الرسالة, ويفسر الزاوي هذا التصرف بعقدة المعرب أمام المفرنس, وبذله واحتقاره لنفسه, ذلك لأن الثقافة العربية القروسطية لا يمكن أن تنتج شخصا محترما عزيزا, لقد سبق له أن ذكر ما يشبه هذا قي مقال سابق عندما راح يقارن بين ما تقدمه وسائل الإعلام باللغتين, وفي الرد نقول إن هذا المتزلف لوزيره من أجل نيل رضاه أو طمعا في الترقية أو الحفاظ على المنصب, والذي يريد أن يثبت لوزيره تمكنه من اللغة الفرنسية, أي لغة الوزير, لأن التقنوقراطي في الجزائر مفرنس بالضرورة, وعقدته هو الحصول على مكان في قائمة التقنوقراطيين والمحافظة عليه, هذا الموظف السامي لا يتصرف بهذه الطريقة لأنه معرب ذليل حقير معقد أمام وزيره المفرنس, بل إن كل الموظفين السامين الذين هم في الغالب الأعم مفرنسين يتزلفون لمسؤوليهم من أجل الترقية أو البقاء المريح في المنصب والتمتع بامتيازاته, التي يبدو أن الزاوي لم يتحمل صدمة فقدانها, بالرغم من عدم حاجته إليها ماديا كغيره, الذي ينزل من السماء إلى الأرض إن فقدها, ولا أظن أن صاحب المقال الأبيض ظاهريا يجهل هذه الحقائق, إن سبب عقدة المعرب هي أنه مهدد في خبزه اليابس وسيف الإدارة الفرانكوفونية مسلط باستمرار على رقبته, وليس له من نصير غير المولى سبحانه, هذا لمن يعمل منهم, أما البطال وهو السواد الأعظم فلا حديث عنه أصلا, ثم لماذا تكون الإدارة حكرا على المفرنس؟ أيتطلب التسيير اليومي للشؤون الإدارية خبرة ولغة أجنبية, مما يجعل إقصاء المعرب ضرورة لا مفر منها؟ وهل الإدارة المفرنسة عندنا أكثر كفاءة من أي إدارة معربة في جميع البلدان العربية؟ أم أنها أسوأ من مثيلاتها جميعا؟ أما التقنوقراطية فلا نتحدث عنها, فليس للمعرب المسكين أن يحلم بها, بل إن الأحزاب الموصوفة بالإسلامية ذات القيادات المعربة, قد اقترحت عندما طلب منها ذلك وزراء من مناضليها مفرنسين, ولا أظن أن معربا واحدا تبوأ مكانة الوزارة عن طريق هذه الأحزاب, أما غيرها فلا حديث عنه, والغريب كل الغرابة أن بعض المعربين قد وصلوا إلى الوزارة ولو لأسباب غير لغوية عن طريق الحزب الواحد سابقا!!! هذا قليل من كثير, يا صاحب المشروع الأبيض, عن أسباب سحق المعربين, وليس تعقيدهم فقط, إنهم يعانون الجوع والتهميش وقلة الاعتبار, وكل ما من شأنه أو يورث كل عقد البشرية منذ فجر التاريخ, ثم يأتي صاحب هذا المشروع ليجهز عليهم في خضم حسرته على الإقصاء من قائمة التقنوقراطيين ومن جنتهم الفردوسية, لكن ما ذنب الضحية فيما حدث له؟ أم تراه بصدد الإعداد لمكانة أخرى نجهل طبيعتها وانتماءها؟ نعم يا دكتور إن المفرنس غير معقد ومتعنتر وقارئ, لأنه ينشأ عادة في بيئة وأسرة مثقفة ميسورة الحال, تضمن له الكتاب والوسائط الإعلامية الأخري, وتحسن توجيهه وتدريبه على القراءة, وتضمن له مدرسة أجنبية نموذجية, أو مدرسة حرة لا تقل عنها جودة, وفي أسوأ الأحوال تنشئ له مدرسة في البيت الفسيح المريح المثقف, وهو موعود من البداية بالانتماء مستقبلا إلى الوظيفة التقنوقراطية, التي تبعده عن الفاقة وضيق الحال, والتي تجعل قدرته الشرائية ممتازة, ويالتالي لا مشكلة له مع الكتاب اقتناء وقراءة وتذوقا وحفظا وإسكانا, فتصبح القراءة التي عودته عليها الأسرة والمدرسة ضرورة لا غتى عنها, ولذلك تباع الكميات الكبيرة من كتب أمين معلوف المكتوبة بالفرنسية, وتكسد ترجمتها المعربة, ونفس الشيء بالنسبة إلى الرواية التي ترجمها السيد الزاوي لياسمينة خضرا, وغير هذه وتلك من الكتب المعربة, أو التي هي بالعربية أصلا, ألا يكفي كل هذه المظالم للمعرب المسكين حتي ينبري صاحب المشروع الأبيض للإجهاز عليه نهائيا؟ لكن هيهات فصبر هذا المعرب وصلابة عوده صخرة صلبة سوف تتكسر عليها كل الضربات مهما كانت قاسية, إنه من قوة الصمود بحيث فشلت في معالجته كل حملات الإبادة التي تعرض لها, ولن يكون مصير من يسيء إليه محاولا إلغاءه سوى الفشل الذريع.

الاندماجيوون الجدد

حرق المحروق على صفحات الشروق

تطلع علينا جريدة الشروق الغراء صباح كل خميس بباقة من المقالات الهامة عادة, وقد انضم مؤخرا إلى المجموعة الدكتور الزاوي, بعد إقالته من المكتبة الوطنية, لينشر مشروع " كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", ويتضح من العنوان ومن المحتوى خاصة أن الدكتور جاء منتقما بعد إقصائه من منصبه, أو أنه ينطق باسم جهة معادية للهوية الجزائرية العربية الأمازيغية المسلمة, ذلك أنه شرع فيما هو بصدده بنعي اللغة العربية,ويقول إنه حزين على ذلك, ثم انتقل إلى مهاجمة المعربين بوصفهم بالذل والهوان وأوصاف كثيرة بشعة, ثم رفع من شأن المفرنسين وجعلهم في قمة التقدم والعزة والسمو, وفي المقالة الأخيرة طلع علينا بادعاء أخطاء جسيمة وقع فيها مالك حداد حينما قال قولته الشهيرة " اللغة الفرنسية منفاي ", وقرر أن يخرج من منفاه ما دامت الجزائر قد استقلت, واتخذ قراره الشهير باعتزال الكتابة لكونه لا يعرف غير الفرنسية, ثم من يقول عنهم الزاوي أنهم أساتذته أمثال الدكتور/ عبد الله الركيبي,وأظن الدكتور/ عبد المالك مرتاض, هؤلاء أخطأوا في تنبئهم بموت الكتابة باللغة الفرنسية في الجزائر, بدليل الازدهار المطرد الذي تسجله باستمرار, وقد استدل على ذلك بمجموعة من الكتاب المتأخرين بلغة فرنسا, من أمثال ياسمينة خضرا الذي يقول إن مبيعات كتبه من أعلى المبيعات عالميا! وليبرهن على أن المعربين لا يقرؤون يذكر أنه ترجم إحدى روايات يا سمينة هذا وبقيت مكدسة, بينما الطبعات المفرنسة تلقى رواجا كبيرا, وهذا أمر صحيح , لكنه حق أريد به باطل في سياق الاندماجية الجديدة الشديدة الغرابة, ومن بين المعجزات المفرنسة التي يعرضها صاحبنا هي عثوره على فتاة في السابعة عشرة من العمر في معرض الكتاب الدولي الفارط في الجزائر, كانت فيما يبدو تعرض كتابها في جناح دار النشر التي قامت بنشر رواية لها باللغة الفرنسية, وبرهان آخر يسوقه في كون المعربين لا يقرؤون, هو أن روايات أمين معلوف بالفرنسية تلقى رواجا في الجزائر بينما ترجمتها إلى العربية تصادف كسادا تاما, والنتيجة التي ينتهي إليها هي أنه إذا لم يقع تدارك الأمر فإن الهوية الجزائرية مهددة بالشرخ وسوء المنقلب, أي بالانشطار إلى شطر معرب وآخر مفرنس, وقد سبق له, كما لم يتجرأ أي واحد من قبل أن يزعم (حتى الاستعمار ذاته على حد علمي) بأن هناك شعبان في الجزائر أحدهما معرب ذليل حقير محتقر إلى آخر السلسلة النابية من الكلمات الحاقدة التي أطلقها على هؤلاء البؤساء أصلا, يقول وهناك شعب مفرنس راقي عزيز شامخ إلى آخر الأوصاف التي رفع بها هذا الشعب الثاني إلى أعلى عليين, ولست أذكر بالضبط الألفاظ التي استعملها في الحالتين, لكنها من هذا القبيل. والخطير في الأمر هو زعم هذا الدكتور بوجود شعبين متمايزين في الجزائر, وما كنا لنعرف أي كان بلغ هذا الحد من التطاول على الحقائق الوطنية, لقد كنا نسمع أو نقرأ عن وجود نوعين من المثقفين معرب ومفرنس, أما وجود شعبين فهذا ما لم يزعمه أي زاعم على حد علمي. يبقى أن نقول لهذا السيد الذي لا نفهم دوافعه أن الاندماجيين القدامى فشلوا في مسعاهم بالرغم من وجود الاستعمار الغاشم على الساحة الوطنية وقتها, ومن أسباب فشلهم-بعد رفض الشعب الجزائري لشطحاتهم- رفض الاستعمار ذاته للمبدأ المستحيل في عرفه, فكيف يتساوى الأنديجان مع سيده ومولاه المحتل النوراني؟ مما جعل أولئك الضالين يصطدمون بصخرة الواقع ويراجعون حساباتهم, بل يتراجعون بعد مجزرة الثامن من ماي 1945الرهيبة, ويتوبون نهائيا عن ضلالاتهم, ويلتحقون بصفوف الثورة بعد اندلاعها, ويصل " فرحات عباس " بفضل ثقافته الفرنسية المتميزة وتكوينه السياسي الرفيع إلى مرتبة رئيس حكومة الثورة, ويترك بعد وفاته في عصر الاستقلال كتابه الشهير " ليل الاستعمار الفرنسي في الجزائر". أما عن معجزة بقاء الكتابة بالفرنسية فهذا أمر أكثر من العادي, بدليل أن بلدانا لا علاقة لها بالفضاء الفرانكوفوني من قريب أو من بعيد, يوجد فيها كتاب باللغة الفرنسية من شعراء وروائيين إلخ...أما عن الفتاة المعجزة التي ألفت رواية, فمن هن في سنها وأقل من بنات الأحياء القصديرية والأحياء البائسة والقرى والبوادي والأرياف هناك الألوف المِؤلفة من الفتيات اللواتي يكتبن بالعربية لكنهن, لا يجدن الناشر الذي يهتم بما يكتبن, ولا زاوي لهن يتغنى بأمجادهن, فيقعن في جب النسيان ولا أحد يعرف عنهن شيئا, ولو وجدن الفرصة المتاحة لبنات البورجوازية الصغيرة أو الكبيرة لبلغن عنان السماء. وللسيد الزاوي في سياق عرض أدلته على خلود الفرنسية في الجزائر, وعلى أن الشعب الجزائري مسرع الخطى في اتجاه تغيير هويته والاندماج, كما يفهم من السياق, يذكر أن الشباب الجزائري المعرب يحبذ الكلام بالفرنسية, ويعمل بعد تخرجه من الجامعات المعربة بالفرنسية إلخ... وكأنه وجد العمل بالعربية ورفضه! وللرد السريع على مثل هذا الكلام المتهافت نقول إن فرنسا سلمت بعد رحيلها إلى غير رجعة مقاليد الإدارة الجزائرية إلى أتباعها الذين أطلقت عليهم للتمويه إسم " القوة الثالثة ", وقد أعدت لهذا الأمر بإحكام, بحيث إن الدولة الجزائرية الناشئة لن تستطيع التخلص من هذه التركة المسمومة, لأنها لا تملك البديل ولا يجب أن تملكه إلى الأبد, حتى تقع في شرك الاستعمار الجديد أو حتى يعود القديم ذاته, فكان أن عملت هذه الإدارة على نشر التعليم بالفرنسية طيلة حوالي عقدين من الزمن, وهو ما لم تفعله فرنسا نفسها, طوال قرن وأكثر من ثلث القرن, لأنها لم تكن في يوم من الأيام تريد فرنسة الشعب الجزائري, بل كانت دوما تصر على تجهيله إلى الأبد, لقد أحكمت تلك الإدارة قبضتها وراحت تفرنس أجيال الاستقلال, ولم تنطلق المدرسة الأساسية المعربة إلا في عام 1979, بعد رحيل صاحبها الرئيس هواري بومدين, وبذلك ولدت ميتة, بل إن الجانب الأهم منها لم ير النور إطلاقا, حتى إذا بلغت طلائعها الأولى أبواب الجامعة, وتوقعنا أن التعريب سيدخل الجامعة حتما, بل إن الكتب الجامعية المعربة طبعت في سوريا الشقيقة, وهي البلد العربي الوحيد الذي عرب - بنجاح منقطع النظير - الدراسات الجامعية العلمية والتكنولوجية, وقد كان الحديث أيامها جار عن مشروع وحدة بين الجزائر وليبيا, لكن الإدارة العتيدة كانت للأمر العظيم بالمرصاد, وجاءت أحداث أكتوبر 1988, لتعصف بتعريب الجامعة وبالوحدة مع ليبيا في آن واحد, بل كادت أن تزيل من الوجود نهائيا حزب جبهة التحرير الوطني الذي وجهت إليه ضمنيا تهمة تدبير الجريمتين, وعلى الأخص جريمة نية تعريب الجامعة, أما الكتب التي طبعتها سوريا بسعر التكلفة, فقد تحدث شهود عيان عن رميها في المزابل بعد استيرادها من البلد الشقيق, ومن يقول العكس فليطلعنا على المكان التي حفظت فيه هذه الكتب القيمة الراقية, التي دفعت الخزينة العمومية ثمن إنجازها, نعم رميت تلك الكتب في المزابل, ولم يسمحوا بوضعها في المكتبات الجامعية ولا الوطنية ولا غيرها, لأنهم كانوا يستعملون عدم وجود الكتاب والأستاذ كحجة دامغة لمنع تعريب الفروع العلمية والتكنولوجية, ومن ثم فإن هذه الكتب يجب أن تعدم تماما, وقد فعلوا ذلك, بل الأدهى والأمر هو أن نخبة من الأساتذة السوريين قد جاءت في الدخول المدرسي حسب الاتفاق المعقود, وقد وقع اختيارهم على أساس الكفاءة العالية وإتقان اللغة الفرنسية, فما كان من المتآمرين إلا أن كلفوهم بالتدريس باللغة الفرنسية في مجالات تخصصهم في المعاهد والكليات العلمية والتكنولوجية. هذه هي الإدارة ببقاياها من الحرس القديم وبمحدثيها من الذين أعدتهم وورثتهم المهمة, هي التي أذلت المعرب واحتقرته واضطهدته حتى أصبح الزاوي يعتبره حقيرا بطبعه, واقعا -من فرط اندفاعه وحماسه - في أطروحات التمييز العنصري بشكل غريب دون أن يدري, وهي النظرة ذاتها التي كان يكيلها المستعمر الغاشم لمجموع الشعب الجزائري بمن فيه تلك الشريحة الضيقة جدا التي خلقها من البورجوازية الصغيرة لضرورات تتعلق بإحكام سيطرته على الأنديجان, وفي هذا الصدد هناك أمثال شعبية عبرت عن هذا الواقع تعبيرا بليغا, منها قولهم على لسان الاستعمار: "العربي عربي حتي ولو كان الكولونيل بن داود". إن الحديث طويل ولا يمكن أن نلم به في هذه العجالة, وحتى هذا التعريب الذي كان من نصيب أبناء الكادحين وحدهم بشكل أو بآخر, حتى بعد تعريب المدرسة, والكل يعرف المدارس الخاصة التي نشأت وانتشرت في السنوات الماضية, والتي وضعوا فيها أبناءهم ليتابعوا تعليمهم باللغة الفرنسية ووفقا للبرامج الرسمية الفرنسية, وقبلها تهريب الأبناء للدراسة في فرنسا وغيرها من البلدان الفرانكوفونية, أما الديبلوماسيون منهم فإنهم يضعون أبناءهم في مدارس البعثات الفرنسية حتى في أمريكا, نعم ليدرسوا بالفرنسية بالذات وليس غيرها من لغات العلم والتكنولوجيا, فلا إنكليزية ولا ألمانية ولا إسبانية, لا شيء غير الفرنسية, قلت هذا التعريب المشوه الهزيل ذاته, لم يكن من الممكن أن يعمم أبدا لولا قرار فرنسا بسحب متعاونيهاعام 1971 انتقاما للتأميمات الشهيرة للبترول والغاز والمناجم وغيرها, مما اضطر الإدارة العتيدة إلى التوجه إلى المصدر الوحيد للمعلمين وهو المشرق العربي, لكنها أبدا لم تسمح بترقية ذلك التعليم ولا لغته ولا أصحابه من الجزائريين والمشارقة الذين لاقوا كل العراقيل والاحتقار وقلة الاعتبار والمظالم. أما العباقرة الذين يتحدث عنهم السيد الزاوي وباللغتين لا بالفرنسية فقط كما يزعم, فهم لا يحتاجون لأحد ليأخذ بأيديهم, وفي الغالب فإن المقررات الدراسية لا تناسبهم, وقد كانت هناك محاولات متعددة لإنشاء نظام تربوي خاص بهم, غير أن الإدارة الموقرة منعنت ذلك المشروع الاستراتيجي من التجسيد وأصرت على ذلك بكل ما تملك, وهي تملك كل شيء. ولنتوقف هنا هذه المرة وحكايات الزاوي لا زالت متواصلة في محاولته اليائسة لحرق المعرب المحروق على صفحات الشروق. ومما يثير التساؤل حقا هو ذهابه للشروق للترويج للاندماج الجديد, ربما لكي يتهجم على المعرب المسكين في عقر داره بغية الإجهاز عليه نهائيا, فمن المفروض أن هذه الأفكار النورانية إنما تنشر في صحيفة من صحف الأنوار مثل ليبيرتي أو ما شابهها, غير أن ذلك ربما لا يؤدي مهمة تمهيد الطريق لإزالة المعرب نهائيا من الطريق, أو لأن الشروق هي الجريدة الأولى رواجا في الوطن, بالرغم من أن المعربين لا يقرؤون, أما الجرائد التنويرية فهي محدودة الأنتشار للغاية, بالرغم من أن المفرنسين يقرؤون كثيرا, أو لأن الهدف هو المعرب لتعقيده أكثر مما هو معقد تمهيدا لإبادته نهائيا, لكن هيهات ثم هيهات, إن المعرب بائس يائس كما قال الزاوي, لكنه ليس أكثر بؤسا من شعبه أيام الاستعمار الكالحة, وليصفه بالحقارة والانحطاط والعجز والجبن, وما إلى ذلك من شتائم الزاوي الغريبة, لكنه لن يسمح أبدا لآي كان أن يمس هويته ولا وحدة وطنه وشعبه, فدون ذلك الفداء بكل ما تحمله الكلمة من معانى, وإذا كانت الثورة قد حررت الوطن, فإن الأجيال الجديدة, أجيال الاستقلال تتطلع إلى استكمال التحرير بإنجاز أهم مراحله, ونعني بها مرحلة تحرير الإنسان.

الأحد، 12 أبريل 2009

عن الانتخابات

السلام عليكم
جذبني الركن -النقاش- ثم الموضوع - حقيقة الانتخابات - لكني بكل صراحة تأسفت كثيرا, أو بعبارة أوضح خاب أملي, لأنني منيت نفسي بالكثير عندما وجدت عنوان الركن, ودعنا مما صدم الأخت فيما شاهدت، فقد تكون أول تجربة بالنسبة إليها, لكن حتى في حالة دقة المعلومات التي أفادتنا بها فإن المسألة لا غرابة فيها, وهل نجهل واقعنا إلى هذا الحد؟ وننتظر فرصة مماثلة لندرك ما يجري من بين ظهرانينا؟ قبل الديمقراطية المعلنة كنتيجة لأحداث أكتوبر 1985 الموجعة, كانت الأحادية أو ما يعبر عنه بالحزب الواحد, ولا أعرف إن كانت صاحبة المشاركة المحترمة قد ولدت وقتها أم أنها لم تعايش زمن الأحادية, وباختصار شدبد أقول لكم إن عهد الأحادية كان أفضل بكثير من العهد المسمى ديمقراطي من جميع الوجوه, ما عدا حرية التعبير الظاهرية التي مع ذلك نتمتع بها عبر وسائل الإعلام الحرة أو الخاصة, وحتى هذه - من الناحية الموضوعية - تبقى مقيدة إلى أبعد الحدود, وقد كانت منذ نشأتها وحتى بداية العشرية المنصرمة أكثر قدرة على التعبير عن الآراء المختلفة والمتصادمة, لكنها كانت تعاني من الفوضى العارمة ومن سطحية الطرح وتأجيج الرأي العام بقصد أو بغيره, والحل أن المفروض في حرية التعبير أن تكون مسؤولة, تسلط الأنوار الكاشفة على الوقائع وتشرحها تشريحا, وترشد المواطن - من كل المستويات - إلى سواء السبيل, وتحدد له معالم الطريق, وترفع من وعيه السياسي والاجتماعي, وترشد سلوكه, والواقع أن تلك الوسائل الحرة أو الخاصة كانت تابعة لهذا الفريق أو ذاك من جماعات السلطة أو المعارضة, تعبر عن وجهة نظره, وتهمل الخدمة العمومية جزئيا أو كليا, فكانت النتيجة هي اختلاط الحابل بالنابل, وضياع التمييز بين الحق والباطل, وانتشار الغوغائية عوض المضي قدما في حياة اجتماعية ووطنية تسجل الفتوحات بعد الفتوحات, مما أدى إلى المشاكل الخطيرة التي هزت البلاد هزا كاد يعصف بها ويمحوها من خارطة العالم سياسيا على الأقل, مما يعبث بتضحبات شعب لم تدانيها أية تضحيات في عصر الناس هذا, والفضل في ذلك كل الفضل - بعد الخالق سبحانه - يعود إلى الجيش الوطني الشعبي ومرافقيه من قوات الأمن, فلولا ذلك الجيش العتيد لكانت الدولة الجزائرية الآن في خبر كان, والعياذ بالله. إن الديمقراطية بمعناها الحقيقي لا زالت بعيدة المنال لأسباب كثيرة ومتشعبة ليس هذا مكان الخوض فيها, وغير ذلك تفاصيل, ومن الحقائق التي يجدر بنا ذكرها هو أن السلطة أي كانت لم تصنع في يوم من الأيام الديمقراطية, وليس لعاقل أن يكون ضد نفسه, وقد رأيتم ما فعل السفاح "بوش" بالعالم كله, بالرغم من أنه كان يحكم أرقى مجتمع في العالم, وأكبر شعوب الأرض ثراءا وتقدما وتعلقا بالديمقراطية, لقد استغل أحداث سبتمبر 2001 ونزعة التعصب والعنصرية وما شابه ذلك, ليمارس العدوان والترويع لكل الشعوب بمن فيها الشعب الأمريكي نفسه, بحيث إنه كان أكبر عدو للديمقراطية والإنسانية, والغريب أنه كان يمارس حروبه المدمرة باسمهما, وتلك هي خزعبلات السياسة. أما عن الانتخابات الأخيرة في بلدنا, قبل يومين فقط, فبطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن الاختيار بالمعنى الديمقراطي الممارس في البلدان المعروفة به, ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك حتى لو استطعنا بعد الظروف التاريخية العصيبة التي مررنا بها, والجرح لا زال لم يندمل بعد, ومن الحقائق التي ينبغي ألا تغيب عنا هي أن وطننا عبر فترة فراغ سياسي خطير أدى إلى الأحداث الدامية الأليمة التي عشناها جميعا, لقد حدث هذا الفراغ بوفاة الراحل " هواري بومدين ", وظل مخيما على مقدرات البلاد, إلى أن جاء الرئيس الحالي " عبد العزيز بوتفليقة " الذي راح يرجع الأمور إلى نصابها شيئا فشيئا, وقد صرنا على الأقل نسافر ليلا ونهارا وندخل إلى بيوتنا - إن أردنا - في ساعة متأخرة من الليل, دون أن نشعر بالرعب الذي كان يمزق أنفسنا آناء الليل وأطراف النهار في سنوات المحنة الوطنية القاسية, نعم إن الشخص والزعيم في العالم الثالث ضروري, ذلك لأن هذا العالم الثالث من فرط تخلفه لا زال عديم المؤسسات القوية القادرة على ضمان السير المقبول للأمور وبسط الأمن وحماية الأرواح والممتلكات بنسبة مطمئنة, وإن نسيت فلا أنسى الأمن التام الذي كنا ننعم به أيام الرئيس "بومدين" رحمة الله عليه, فبدون أمن لا يمكن الحديث عن أي شيء آخر. لهذه الأسباب كانت ضرورة العهدة الثالثة, والباقي بما فيها الانتخابات تفاصيل, هذه هي الحقيقة, وإننا لنتمنى أن تسود بلادنا الديمقراطية التي تضاهي أعرق ديمقراطيات العصر, غير أن ذلك مستحيل في مجتمع متخلف. أظن أنني أطلت كثيرا في أول مشاركة لي في هذه المنتديات العامرة, والتي ينعش وجودها فينا الأمل في الوصول يوما إلى المجتمع المتقدم الذي سوف يكون بالضرورة ديمقراطيا.
إن الذي يحدثكم هو معلم مثلكم متقاعد أفنى عمره في أنبل مهنة عرفها التاريخ, وبالمناسبة أقول لكم إن قرار التقدم بين أيديكم أنتم المعلمون صانعي الثروة البشرية كما ونوعا, فمن امتلكها امتلك كل شيئ ومن فقدها فقد كل شيء, ولا مكانة له في العالم ولا رأي ولا اعتبار, وأضيف بانني لم أستفد من شيء ولا علاقة لي بأية جماعة في الحكم ولا في المعارضة, بل أضيف أن كثيرا من حقوقي المادية والمعنوية مهضومة, ولم أجد من ينصفني, لكنني أتفهم بأن الإنصاف لا يمكن أن يرسخ في مجتمع متخلف. وفي النهاية أشكر صاحبة المبادرة التي حركت في نفوسنا كل هذه العواصف والبراكين, والشكر الأكبر لمنتدياتنا الجلفاوية الأصيلة, التي تكرمت بوضع هذا الفضاء الممتاز بين أيدينا, وفقكم الله وسدد خطاكم, وعلى الله قصد السبيل.
تنويه:هذه مساهمة متواضعة قدمتها في منتدى النقاش ضمن منتديات الجلفة النشيطة

الجمعة، 10 أبريل 2009

فكاهة


حكي عن الجاحظ أنه قال:

ألّفت كتاباً في نوادر المعلمين، وما هم عليه من التغفل، ثم رجعت عن ذلك، وعزمت على تقطيع ذلك الكتاب، فدخلت يوماً مدينة فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة، فسلمت عليه فرد علي أحسن رد، ورحب بي، فجلست عنده وباحثته في القرآن فإذا هو ماهر فيه، ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المنقول وأشعار العرب ، فإذا هو كامل الآداب، فقلت: هذا والله مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب.
قال: فكنت أختلف إليه وأزوره، فجئت يوماً لزيارته، فإذا بالكتّاب مغلق ولم أجده، فسألت عنه قيل: مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته للعزاء. فذهبت إلى بيته وطرقت الباب فخرجت إليَّ جارية وقالت: ما تريد؟
قلت: سيدك، فدخلت وخرجت وقالت: باسم الله. فدخلت إليه، وإذا به جالس.
فقلت: عظم الله أجرك، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. كل نفس ذائقة الموت، فعليك بالصبر.
ثم قلت له: هذا الذي توفي.. ولدك؟ قال: لا.
قلت: فوالدك؟ قال: لا.
قلت: فأخوك؟ قال: لا.
قلت: فزوجتك؟ قال: لا.
قلت: فما هو منك؟
قال: حبيبتي
فقلت في نفسي: هذه أولى المناحس.
وقلت: سبحان الله، النساء كثير، وستجد غيرها.
فقال: أتظن أني رأيتها؟
قلت: وهذه منحسة ثانية.
ثم قلت: وكيف عشقت من لم تر؟!
فقال:
اعلم أني كنت جالساً في هذا المكان، وأنا أنظر من الطاق، إذ رأيت رجلاً عليه برد
وهو يقول:
يا أم عمرو جزاك الله مغفرة
ردي علي فؤادي مثلما كانا
ألست أملح من يمشي على قدم
يا أملح الناس كل الناس إنسانا
فقلت في نفسي:
لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر فعشقتها، فلما كان منذ يومين مرّ ذلك الرجل بعينه وهو يقول:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو
فلا هي رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت، فحزنت وأغلقت المكتب وجلست في الدار.
فقلت:
يا هذا إني ألفت كتاباً في نوادركم معشر المعلمين، وكنت حين صاحبتك عزمت على تقطيعه والآن قد قويت عزمي على إبقائه، وأول ما أبدأ بك، إن شاء الله تعالى.

الخميس، 9 أبريل 2009

من دفاتر الأيام


الرد على مقال الزاوي
نشرت الشروق مقالا يوم الخميس 02/04/2009 ضمن ما تنشره في هذا اليوم من كل أسبوع لمجموعة من الكتاب, وقد صار الدكتور منهم بعد خروجه من المكتبة الوطنية, وعنوان المقال المعني هو: " المثقف الجزائري بين السلوك الرعوي والجبن والفردية, ويبدو أن هذا النص يندرج في مشروع " الكتاب الأبيض " الذي يخصصه صاحب المقال للثقافة في الجزائر, وربما أنه يقصد نقد الثقافة, وهو أمر إيجابي, غير أن ما نقرأه في هذا المقال ليس نقدا بل انتقادا أو إن شئنا الدقة فهو من قبيل الشتم, ولمن للعدم؟ وللمعرب؟ أقصد بالعدم المثقف, بمعنى النخبة, وهذه لا وجود لها في الجزائر, ربما هناك لدينا عمالقة ومشاهير في هذا النوع أو ذاك من الإبداع, لكنهم أفراد, وهم بهذه الصفة جديرين بكل احترام, لكنهم لا يكونون أبدا ظاهرة المثقف بمعنى النخبة التي هي وحدها متى تشكلت الكفيلة بفرض الرمزية التي يتحدث عنها الدكتور بما يعنيه ذلك من نفوذها السياسي النوعي على اعتبار أنها جماعة ضغط, ينبغي أن تكون لها الريادة في تحالف جماعات الضغط الضامنة الوحيدة لقدسية المصلحة العليا للوطن, لماذا تنعدم النخبة المثقفة في بلادنا؟ هذا سؤال كبير له تشعباته التاريخية والاجتماعية والسياسية, وليست هذه هي مناسبة الخوض فيه. لكن ما هو من صميم ما نحن بصدده في عنوان المقال يفرض التساؤل عن معنى السلوك الرعوي, هل المقصود الرعاة؟ أو البداوة والفطرية والتخلف؟ فإذا كان ذلك كذلك, فكيف يمكن اعتبار الموصوف مثقفا؟ وإذا كان الكاتب يقصد شيئا آخر فقد كان عليه أن يوضحه ما دام قد وضعه من بين مفردات عنوان المقال. ثم الجبن, وهي المفردة الثانية بعد الرعوية, غير أن المقال لا يفرد لهذه الصفة مساحة تتضح فيها وتتبلور, اللهم إلا إذا كان مثال مالك بن نبي هو المجسد للنقيض أي الشجاعة, من باب وبضدهاتتضح الأشياء, لكن ما هي الشجاعة المطلوبة من المثقف الفرد, ما دام هو الوجود الوحيد الافتراضي لظاهرة المثقف في بلدنا؟ هل المراد هو الشجاعة السياسية؟ وعليه فهل يمكن للفرد أن يوجد في فضاء السياسة, والحال أنها لا تمارس إلا في جماعة؟ والجماعة التي بإمكان المثقف أن ينشط ضمنها سياسيا ويحافظ على صفة المثقف هي النخبة المثقفة, لكنها منعدمة والنتيجة المنطقية هي أن المثقف إن وجدمخير بين ممارسة السياسة خارج محيطه الطبيعي الصميم, أو الانتحار السياسي كما فعل مالك بن نبي بمعنى من المعاني, والأجدر بصاحب المقال أن يعطينا المثل بسلوكه المتحضر الشجاع الجماعي, وإلا وقع في الانتقاد الذاتي أو السب وبين ممارسة النقد وليس الانتقاد والشتم مسافة لاتقطع. إن الأفراد الذين يدعون الثقافة في بلدنا أو " المخربشين", حسب تعبير الفقيد مولود قاسم مصابون بالنرجسية, وكل من يحاول منهم نقد الوضع الثقافي المأساوي في هذا الوطن يبدأ بإخراج نفسه من الموضوع بتبرئة ساحته, ثم يثني بكيل التهم جزافا لغيره من الأحياء والأموات, وهذه ممارسات يمكن أن تصنف في أي خانة لكنها ليست أبدا من طبيعة النقد الذي يعني التشخيص ووصف العلاج. وحتى لا أقع في نفس المغبة أقول إن انعدام النخبة المثقفة في الجزائر سببه الرئيسي هو الاستعمار الفرنسي الأسود, الذي رحل تاركا وراءه نسبة من الأمية تقدر بـ 95% في أحسن الأحوال, وهو الواقع الذي كرسته نوعيا القوة الثالثة التي نصبها الاستعمار وحصنها في الإدارة ليرحل مطمئنا, وأظن أن من بين ثمارها المرة, هو ظهور هؤلاء الذين يتطاولون على العربية والمعرب, وفي هذا المضمار, وبعد أن أزف إلينا السيد الزاوي في مقال سابق بشرى قبر العربية مبديا حزنه العميق على موتها, ها هو هنا يقول عن المعرب: " إن ما نلاحظه اليوم على مستوى بعض ما يقدم في الإعلام الجزائري من حصص تلفزيونية في الثقافة والأدب والفنون يعطي صورة عن هذه الجزائر الثقافية المكونة من شعبين, شعب بمرجعيات غربية وبسلوكات معينة وبإرادة حازمة وحاسمة, وشعب آخر معرب يئيس ومنكسر ومكسور وذليل وبمرجعيات تنم عن هزيمة وانهزامية... ومادة بناء الملاحظة ترتكز على ما يقدم, مثلا, في بعض الحصص الثقافية أو الأدبية في شاشتنا العمومية بين ما يقدم في القناة بالعربية والقناة بالفرنسية, تقف أنت المتمعن في الظاهرة وكأنك في بلدين متباعدين في الحضارة والسلوك... تشعر وأنت تتابع وكأن بلادنا الثقافية تعيش زمنين لا تفصل بينهما اللغة المختلفة وفقط بل يفصل بينهما الفارق الحضاري الشاسع والذي يقاس بالقرون ". السؤال بعد هذا الكلام الخطير هو: هل يعتبر السيد الزاوي نفسه معربا أم مفرنسا؟ وكيف يتعايش ذاتيا إن كان مزدوج اللغة, وهو تبعا لذلك مزدوج الحضارة, ومزدوج الانتماء الشعبي, ومزدوج العصر إلخ... وكيف هو حاله مع هذه الانشطارية الممزقة؟ والغريب أن صاحبنا لم يقف عند حدود وجود لغتين في الجزائر عربية متخلفة ماتت يستعملها مساكين بؤساء ممتهنين, ولغة فرنسية يستعملها سادة أحرار في موقع ممتاز من الحضارة المعاصرة والتقدم الهائل, يتجاوز السيد هذا إلى القول بوجود شعبين أحدهما من الصنف الأول المغبون الحقير المحتقر, والآخر من النوع الثاني المحظوظ العزيز المزدهر!!! إن الحقيقة سواء جهلها السيد الزاوي أو تجاهلها هي أنه لا وجود في الجزائر إلا لشعب واحد عربي أمازيغي مسلم, ولا وجود لدى هذا الشعب إلا للغتين هما العربية والأمازيغية, أما إذا شئنا استعارة لغة من أجل التنمية والعصرنة ودخول عالم العلم والتكنولوجيا فعلينا بالإنكليزية كما تفعل فرنسا وسائر البلدان المتقدمة الأخرى, وليس للمثقف بطبيعة الحال أن يعادي أية لغة حتى لو كانت هي الفرنسية بالنسبة للإنسان الجزائري الصميم, فلهذه اللغة ما تصلح له, لكنها بالتأكيد ليست لغة العصرنة بالمعنى العلمي والتكنولوجي وهو المعنى الذي نحن في أمس الحاجة إليه, وما عدا ذلك فهي لا تصلح إلا لممارسة تقليد المغلوب للغالب كما هي القاعدة الخلدونية الشهيرة, وهيهات أن تنجح فلول الاستعمار في هذا البلد الأصيل فيما خاب فيه الاستعمار ذاته, وما هي إلا سحابة ما بعيد الاستعمار سرعان ما تنجلي, ويعود الصفاء لهذه الربوع وتستعيد عافيتها الحضارية العربية الإسلامية الأمازيغية الأصيلة المعاصرة, أحب من أحب وكره من كره, وإذا كان لا بد من العولمة التي ترفضها فرنسا في جانبها اللغوي والثقافي, أو لنقل جانب الهوية, فلا مناص من الإنكليزية, وذاك ما تقف دونه فرنسا وطابورها الخامس بالجزائر, وتلك جولة أخرى من التحرر سيخوضها الشعب الجزائري العربي الأمازيغي المسلم حتما, إنها حقا معركة حياة أو موت, ولا بد من دخول العصر بالاعتماد على الإنكليزية وعلى الترجمة منها إلى اللغتين العربية والأمازيغية, لأنه لا سبيل لاستيعاب حضارة العصر دون أن تصبح شعبية , ولن تكون كذلك إلا إذا انتشرت بين أفراده جميعا, وهو أمر لا يكون إلا بلغته, أي بالنسبة إلينا بالعربية والأمازيغية فقط لا غير. أما التهجم على المعرب, ولست أنكر قصوره وتقصيره فلا يفسر إلا في هذا السياق, أي معاداة الهوية الوطنية دعما للاحتلال الثقافي إن صح التعبير, لأن الثقافة لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال احتلالا, بل هو دعم التخلف وعدم السماح باية نهضة لتمديد حالة الوهن والهوان حتى إذا واتت الظروف عاد الاستعمار من جديد لأملاكه القديمة بسهولة ما دامت الضحية ضعيفة عاجزة عن المقاومة, فالمعرب مهما كان تقصيره ضحية لهذا الوضع الغريب الذي تتصف به هذه الفترة العابرة من تاريخنا, لكن الذي لا جدال فيه هو أنه لا أمل في المستقبل ما دامت حالة المعرب هكذا, لسبب بسيط هو أن الشعب الجزائري يرفض أن يكون فرنسيا. قد يكون هناك بيننا مثقفين من طراز رفيع باللغة الفرنسية وهم مصدر ثراء لنا, بشرط أن تكون ثقافتهم بريئة من الإيديولوجية الاستعمارية ومعاداة الهوية الوطنية, ففي هذه الحالة لا يمكن أن يوصفوا بالثقافة فضلا عن تيههم وضياعهم إن هم ساروا وراء حلم إنجاز عصرنة الجزائر وتقدمهاباللغة الفرنسية, فهذا أمر مرفوض لأسباب كثيرة ومتشعبة وعلى الخصوص كونها لا تصلح لهذه المهمة كما سلف الذكر. ونختم هذا الحديث غير الوافي بالموضوع المتشعب بهذه القصة الواقعية: لقد جاء في بداية الثمانينات من القرن الماضي أحد الأتراك كان وقتها مديرا لمعهد الدراسات الشرقية بألمانيا, وقد نسيت إن كان هذا المعهد ألمانيا أو تركيا, وكان سبب حضوره هو طلب الدعم المالي لمعهده, خاصة وأنه كان زميلا وصديقا لبعض الوزراء عندنا آنذاك, جمعتهم أيام الدراسة في الجامعات الفرنسية, وبالمناسبة كان ذلك التركي الزائر يطوف بالمعاهد والكليات الجزائرية محاضرا, وقد كان يعبر عن تذمره الشديد من الظاهرة الإسلامية التي كانت في أوج عنفوانها, مبررا ذلك بأن المسلمين في أوروبا يعانون أشد المعاناة منذ ظهور الخمينية, بعد الثورة الإسلامية الإيرانية, فكان أن قال له مرافقه الرسمي الجامعي الجزائري: مهما كان من أمر الإمام الخميني يا دكتور لا يمكننا أن ننكر كونه عالما. فاغتاظ الرجل الزائر أيما غيظ وأجاب مرافقه بعفوية الغاضب قائلا: " حتى أنت عالم ", ثم تدارك: أقصد أن العلم لا يخفى, فأين هو علم الخميني الذي تتحدث عنه؟ أين هي مؤلفاته ومجلداته الضخمة...إلخ. وقياسا على هذا نسأل ببراءة تامة أين الثقافة والحضارة التي صنعها المفرنسون في الجزائر؟ وهل يخفى القمر؟ إن خسارتنا في هؤلاء لا تعوض, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم كيف لم يرد – أي معرب حسب علمي – على هذا الكلام الخطير؟ إنها حالة التسيب التي آلت إليها الأمور للأسف الشديد, فلم يعد لجرح بميت إيلام. ولله الأمر من قبل ومن بعد.