الجمعة، 10 أبريل 2009

فكاهة


حكي عن الجاحظ أنه قال:

ألّفت كتاباً في نوادر المعلمين، وما هم عليه من التغفل، ثم رجعت عن ذلك، وعزمت على تقطيع ذلك الكتاب، فدخلت يوماً مدينة فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة، فسلمت عليه فرد علي أحسن رد، ورحب بي، فجلست عنده وباحثته في القرآن فإذا هو ماهر فيه، ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المنقول وأشعار العرب ، فإذا هو كامل الآداب، فقلت: هذا والله مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب.
قال: فكنت أختلف إليه وأزوره، فجئت يوماً لزيارته، فإذا بالكتّاب مغلق ولم أجده، فسألت عنه قيل: مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته للعزاء. فذهبت إلى بيته وطرقت الباب فخرجت إليَّ جارية وقالت: ما تريد؟
قلت: سيدك، فدخلت وخرجت وقالت: باسم الله. فدخلت إليه، وإذا به جالس.
فقلت: عظم الله أجرك، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. كل نفس ذائقة الموت، فعليك بالصبر.
ثم قلت له: هذا الذي توفي.. ولدك؟ قال: لا.
قلت: فوالدك؟ قال: لا.
قلت: فأخوك؟ قال: لا.
قلت: فزوجتك؟ قال: لا.
قلت: فما هو منك؟
قال: حبيبتي
فقلت في نفسي: هذه أولى المناحس.
وقلت: سبحان الله، النساء كثير، وستجد غيرها.
فقال: أتظن أني رأيتها؟
قلت: وهذه منحسة ثانية.
ثم قلت: وكيف عشقت من لم تر؟!
فقال:
اعلم أني كنت جالساً في هذا المكان، وأنا أنظر من الطاق، إذ رأيت رجلاً عليه برد
وهو يقول:
يا أم عمرو جزاك الله مغفرة
ردي علي فؤادي مثلما كانا
ألست أملح من يمشي على قدم
يا أملح الناس كل الناس إنسانا
فقلت في نفسي:
لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر فعشقتها، فلما كان منذ يومين مرّ ذلك الرجل بعينه وهو يقول:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو
فلا هي رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت، فحزنت وأغلقت المكتب وجلست في الدار.
فقلت:
يا هذا إني ألفت كتاباً في نوادركم معشر المعلمين، وكنت حين صاحبتك عزمت على تقطيعه والآن قد قويت عزمي على إبقائه، وأول ما أبدأ بك، إن شاء الله تعالى.

ليست هناك تعليقات: