الأحد، 12 أبريل 2009

عن الانتخابات

السلام عليكم
جذبني الركن -النقاش- ثم الموضوع - حقيقة الانتخابات - لكني بكل صراحة تأسفت كثيرا, أو بعبارة أوضح خاب أملي, لأنني منيت نفسي بالكثير عندما وجدت عنوان الركن, ودعنا مما صدم الأخت فيما شاهدت، فقد تكون أول تجربة بالنسبة إليها, لكن حتى في حالة دقة المعلومات التي أفادتنا بها فإن المسألة لا غرابة فيها, وهل نجهل واقعنا إلى هذا الحد؟ وننتظر فرصة مماثلة لندرك ما يجري من بين ظهرانينا؟ قبل الديمقراطية المعلنة كنتيجة لأحداث أكتوبر 1985 الموجعة, كانت الأحادية أو ما يعبر عنه بالحزب الواحد, ولا أعرف إن كانت صاحبة المشاركة المحترمة قد ولدت وقتها أم أنها لم تعايش زمن الأحادية, وباختصار شدبد أقول لكم إن عهد الأحادية كان أفضل بكثير من العهد المسمى ديمقراطي من جميع الوجوه, ما عدا حرية التعبير الظاهرية التي مع ذلك نتمتع بها عبر وسائل الإعلام الحرة أو الخاصة, وحتى هذه - من الناحية الموضوعية - تبقى مقيدة إلى أبعد الحدود, وقد كانت منذ نشأتها وحتى بداية العشرية المنصرمة أكثر قدرة على التعبير عن الآراء المختلفة والمتصادمة, لكنها كانت تعاني من الفوضى العارمة ومن سطحية الطرح وتأجيج الرأي العام بقصد أو بغيره, والحل أن المفروض في حرية التعبير أن تكون مسؤولة, تسلط الأنوار الكاشفة على الوقائع وتشرحها تشريحا, وترشد المواطن - من كل المستويات - إلى سواء السبيل, وتحدد له معالم الطريق, وترفع من وعيه السياسي والاجتماعي, وترشد سلوكه, والواقع أن تلك الوسائل الحرة أو الخاصة كانت تابعة لهذا الفريق أو ذاك من جماعات السلطة أو المعارضة, تعبر عن وجهة نظره, وتهمل الخدمة العمومية جزئيا أو كليا, فكانت النتيجة هي اختلاط الحابل بالنابل, وضياع التمييز بين الحق والباطل, وانتشار الغوغائية عوض المضي قدما في حياة اجتماعية ووطنية تسجل الفتوحات بعد الفتوحات, مما أدى إلى المشاكل الخطيرة التي هزت البلاد هزا كاد يعصف بها ويمحوها من خارطة العالم سياسيا على الأقل, مما يعبث بتضحبات شعب لم تدانيها أية تضحيات في عصر الناس هذا, والفضل في ذلك كل الفضل - بعد الخالق سبحانه - يعود إلى الجيش الوطني الشعبي ومرافقيه من قوات الأمن, فلولا ذلك الجيش العتيد لكانت الدولة الجزائرية الآن في خبر كان, والعياذ بالله. إن الديمقراطية بمعناها الحقيقي لا زالت بعيدة المنال لأسباب كثيرة ومتشعبة ليس هذا مكان الخوض فيها, وغير ذلك تفاصيل, ومن الحقائق التي يجدر بنا ذكرها هو أن السلطة أي كانت لم تصنع في يوم من الأيام الديمقراطية, وليس لعاقل أن يكون ضد نفسه, وقد رأيتم ما فعل السفاح "بوش" بالعالم كله, بالرغم من أنه كان يحكم أرقى مجتمع في العالم, وأكبر شعوب الأرض ثراءا وتقدما وتعلقا بالديمقراطية, لقد استغل أحداث سبتمبر 2001 ونزعة التعصب والعنصرية وما شابه ذلك, ليمارس العدوان والترويع لكل الشعوب بمن فيها الشعب الأمريكي نفسه, بحيث إنه كان أكبر عدو للديمقراطية والإنسانية, والغريب أنه كان يمارس حروبه المدمرة باسمهما, وتلك هي خزعبلات السياسة. أما عن الانتخابات الأخيرة في بلدنا, قبل يومين فقط, فبطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن الاختيار بالمعنى الديمقراطي الممارس في البلدان المعروفة به, ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك حتى لو استطعنا بعد الظروف التاريخية العصيبة التي مررنا بها, والجرح لا زال لم يندمل بعد, ومن الحقائق التي ينبغي ألا تغيب عنا هي أن وطننا عبر فترة فراغ سياسي خطير أدى إلى الأحداث الدامية الأليمة التي عشناها جميعا, لقد حدث هذا الفراغ بوفاة الراحل " هواري بومدين ", وظل مخيما على مقدرات البلاد, إلى أن جاء الرئيس الحالي " عبد العزيز بوتفليقة " الذي راح يرجع الأمور إلى نصابها شيئا فشيئا, وقد صرنا على الأقل نسافر ليلا ونهارا وندخل إلى بيوتنا - إن أردنا - في ساعة متأخرة من الليل, دون أن نشعر بالرعب الذي كان يمزق أنفسنا آناء الليل وأطراف النهار في سنوات المحنة الوطنية القاسية, نعم إن الشخص والزعيم في العالم الثالث ضروري, ذلك لأن هذا العالم الثالث من فرط تخلفه لا زال عديم المؤسسات القوية القادرة على ضمان السير المقبول للأمور وبسط الأمن وحماية الأرواح والممتلكات بنسبة مطمئنة, وإن نسيت فلا أنسى الأمن التام الذي كنا ننعم به أيام الرئيس "بومدين" رحمة الله عليه, فبدون أمن لا يمكن الحديث عن أي شيء آخر. لهذه الأسباب كانت ضرورة العهدة الثالثة, والباقي بما فيها الانتخابات تفاصيل, هذه هي الحقيقة, وإننا لنتمنى أن تسود بلادنا الديمقراطية التي تضاهي أعرق ديمقراطيات العصر, غير أن ذلك مستحيل في مجتمع متخلف. أظن أنني أطلت كثيرا في أول مشاركة لي في هذه المنتديات العامرة, والتي ينعش وجودها فينا الأمل في الوصول يوما إلى المجتمع المتقدم الذي سوف يكون بالضرورة ديمقراطيا.
إن الذي يحدثكم هو معلم مثلكم متقاعد أفنى عمره في أنبل مهنة عرفها التاريخ, وبالمناسبة أقول لكم إن قرار التقدم بين أيديكم أنتم المعلمون صانعي الثروة البشرية كما ونوعا, فمن امتلكها امتلك كل شيئ ومن فقدها فقد كل شيء, ولا مكانة له في العالم ولا رأي ولا اعتبار, وأضيف بانني لم أستفد من شيء ولا علاقة لي بأية جماعة في الحكم ولا في المعارضة, بل أضيف أن كثيرا من حقوقي المادية والمعنوية مهضومة, ولم أجد من ينصفني, لكنني أتفهم بأن الإنصاف لا يمكن أن يرسخ في مجتمع متخلف. وفي النهاية أشكر صاحبة المبادرة التي حركت في نفوسنا كل هذه العواصف والبراكين, والشكر الأكبر لمنتدياتنا الجلفاوية الأصيلة, التي تكرمت بوضع هذا الفضاء الممتاز بين أيدينا, وفقكم الله وسدد خطاكم, وعلى الله قصد السبيل.
تنويه:هذه مساهمة متواضعة قدمتها في منتدى النقاش ضمن منتديات الجلفة النشيطة

ليست هناك تعليقات: