الاثنين، 19 سبتمبر 2011

ثورة الشعوب العربية والنخب المستلبة

ثورة الشعوب العربية والنخب المستلبة


ثورة الشعوب العربية والنخب المستلبة .. بقلم عبد المالك حمروش


النخبة بالمعنى الدقيق متفاوتة الوجود في بلدان العرب .. لكنها لا توجد مكتملة في أي منها, وبالطبع فالنخب المقصودة أساسا هي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية .. كلها لا يسمح السلطان برقيها واستكمالها وانتظامها حتى لا تشكل قيادة محتملة للمطالب الشعبية ولطموح المجتمع إلى الحرية والتقدم .. وفي بعض البلدان التي تعثرت الثورة فيها مثل ليبيا واليمن لا يمكن الحديث عن النخب أساسا كون النظام الفردي العشائري المستبد منع حضورها الضعيف ذاته .. وعلى العموم فإن السلطان يفضل الولاء على الكفاءة, هذا الاتجاه من السلطان لقي استجابة من أشباه النخب كونها هي الأخرى رمت قضايا أوطانها وشعوبها وراء ظهرها وراحت تلهث وراء مصالحها الشخصية الضيقة التي وجدتها في القبول بدور الخادم للسلطان مقابل ما يجود به من فتات تلعقه من تحت موائده .. ولهذا فإنها عندما أعلن الشعب وطليعته الشبانة الثورة في غيابها راحت تحاول بكل السبل أن تجد صيغة للتموضع في الوضع الجديد وهي في حالة من الارتباك والضياع يرثى لها .. ذلك أن معتقداتها القديمة في السلطان وحلفائه في الداخل والخارج لا زالت راسخة وكونه لا إمكان لزحزحة السلطان أو القدر الصهيوني الأمريكي الغربي مالك مقدرات العالم .. لكن الثورة وقعت ونجحت جزئيا في تونس ومصر وليبيا ولا زالت تصارع في اليمن وسوريا بالإضافة إلى تململات في باقي بلدان العرب, ويبدو أ، الشعوب مصممة ومستعدة للتضحية بشجاعة منقطعة النظير في الوقت الذي تحرك فيه الحلف القديم لإيقاف الزحف الثوري كليا أو جزئيا وقد فشل في ليبيا ويبدو أن الفشل سيكون مصيره في كل البلدان الثائرة أو التي ستثور .. هذا الواقع الملموس يربك النخب ويضاعف ضياعها خاصة وهي لا زالت مؤمنة بالأصنام السائدة محليا وعالميا حتى وهي في محنتها الحالية أمام الثورة العربية العملاقة ومعاناتها المالية والاقتصادية المدمرة وأمام القوى الاقتصادية والتكنولوجيا الصاعدة في كل من الصين والبرازيل والهند والتي يبدو أنها توشك على احتلال مكان الصدارة في قيادة العالم مزحزحة بذلك الحلف الاستعماري التقليدي المتغلغل في مخيال النخب العربية وسلاطينها .. لذلك ظهرت تأويلات تشارك النخب في ترويجها عن الثورة العربية معبرين عن استلابهم المتغلغل باعتبار الثورة من صنع الحلف المسيطر على العالم لإنجاز مشارعه البديلة عن سايكس بيكو وما إلى ذلك من مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير والمرتكز على مبدأ تجزئة البلدان وتفتيتها بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية وإشعال الثورة التي يعتبرونها فتنة لتفعيل النعرات وذاك ما أطلقوا عليه إسم الفوضى الخلاقة .. إنهم لا يستطيعون بفعل استلابهم المستحكم أن يتجاوزوا بخيالهم المقيد صورة العالم المحكوم والمسير من قبل الحلف الاستعماري الصهيوني الذي ينضوي تحت رايته أتباعه من السلاطين العملاء "لقد صرح الرئيس السوري المهتز كرسيه بالأمس بمثل هذا التخريف في تفسير ما يحدث" .. لكن الوقائع على الأرض توحي بأشياء أخرى مما يثير الشك في نفوس النخب لعلها أخطأت التأويل وبالتالي ضيعت مصالحها المرتبطة بالقوى الجديدة الصاعدة فتراها مرتبكة مترددة ضائعة بعض منها يضع رجلا مع الثورة ورجلا آخر مع السلطان وحلفائه في الداخل والخارج وبعضها الآخر يتمسك بالماضي ولا يرى فيما يحدث سوى فتنة عابرة وبالتالي يعمل جاهدا من أجل التشكيك في الثورة والتنبؤ بفشلها إن لم تكن صناعة غربية صهيونية .. وبعضها يلوذ بالصمت معانيا في داخله من حيرة ممزقة .. في ذات الوقت تمضي الثورة الشعبية الشبابية في طريقها غير آبهة بالنخب الفاشلة المستلبة الحائرة وهي مدركة أن نخب المستقبل الحر الكريم الطموح إلى الازهار والتقدم ستولد من رحم الحراك الاجتماعي الثوري وهي بصدد التشكل والانبثاق .. أما تلك التي لفظها الشعب ليأسه منها بعد تجربة طويلة مريرة فلم يعد لها ذكر وهي في طريق الارتماء مع سلاطينها في مزابل التاريخ وبئس المصير.

عبد المالك حمروش

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

الثورة وعامل الزمن

الثورة وعامل الزمن

بقلم عبد المالك حمروش


كلما كان زمن الثورة طويلا كانت نتائجها أفضل مهما كانت الكلفة باهظة .. فالنصر الجزئي السطحي البسيط الذي حصل في الحالة التونسية المصرية أعقبته مشاكل عويصة وصراعات على المبدأ نفسه .. أما في ليبيا فإن الأمر يختلف فالصراعات القائمة هي على الحكم بين الثوار وحدهم وقد تم ازالة النظام البائد عن آخره .. وليس الأمر كما هو في تونس ومصر حيث تم خلع رأس النظام وبعض مقربيه وبقي النظام يسير المرحلة الانتقالية .. مما جعله يحاول العودة الى سابق عهده ولو بشكل اخف محاولا مع حلفائه في الداخل والخارج انقاذ ما يمكن انقاذه من مصالحهم على حساب مصالح الشعب والوطن والانتقال الديمقراطي .. مما يؤشر على أن الثورة لم تكتمل وقد حكمت الظروف بهذا الوضع الإشكالي الذي يهدد التحول الديمقراطي او يجعله صعبا والصراع دائر ولا ندري على وجه التحديد كيف يكون المآل .. فهذه اليوم عودة الى ميدان التحرير في القاهرة للمطالبة بجدول زمني محدد لانهاء المرحلة الانتقالية وتسليم الحكم الى السلطة المدنية المنتخبة ديمقراطيا وسط مخاوف من محاولة تمسك العسكر بالحكم وهم في مجلسهم الاعلى من صميم العهد البائد .. فهل يفكرون فعليا في التمسك بالحكم وبالتالي عودة الاستبداد او نسبة عالية منه في ثوب جديد؟ والأمر في تونس لا يختلف حيث تمارس الحكومة نفس السيناريو وأصبحت تتخذ إجراءات قمعية لمنع الاحتجاجات والمطالبة بالتغيير الديمقراطي في محاولة منها للعودة إلى الماضي الاستبدادي .. مما قد يحتم عودة المواجهة من جديد لاستكمال الثورة وحسم تولي السلطة في المرحلة الانتقالية بطريقة تجعلها أمينة على الانتقال الديمقراطي واستبعاد كل الأطراف المشبوهة .. أما في اليمن وسوريا فمن المتوقع أن يتجاوز الإنجاز الحالة الليبية ذاتها ويكون الأمر محسوما قبل إسقاط النظام برمته بحيث تكون القيادة البديلة جاهزة وهي من صميم الثورة وليست مختلطة كما هو الوضع الليبي بين الثوار وعناصر المجلس الانتقالي المتنوع التركيبة والذي يشتمل على عناصر مشبوهة إما لأنها متطرفة أو لأنها ذات صلات وارتباطات بالقوى الغربية اللاهثة وراء مكاسب مادية غير مستحقة .. وهكذا فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .. فمهما كانت المعاناة قاسية وطويلة فإنها ليست مجانية بل لها مقابل ونتائج باهرة وعالية القيمة.