السبت، 30 مايو 2009

أسبوعيات الزاوي

أسبوعيات الزاوي

كتب الزاوي هذه المرة في ركنه "أقواس" تحت عنوان: "عودة قوية لشعراء البلاط في العالم العربي"

الشروق – أقلام الخميس/ الخميس 21 مايو 2009 – الموافق لـ 25 جمادى الأولى 1430هـ - العدد 2616- ص 21

كانت البداية بهذه المقولة للعلامة ابن خلدون: "اعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره". ثم يذكر الدكتور أن ما يقدمه هنا هو خلاصة لملاحظاته، لمدة عشرية كاملة أو يزيد، وأول ما يثير انتباهه – كما قال- هو العودة "الفاضحة والمفضوحة لعودة شعر التكسب"، وهي عودة أساسها خوف الأنظمة من التغيير وريح الحرية، وقيامها بعملية تدجين كبيرة للمثقف النقدي، بهدف فصل الشعر عن الثقافة الجادة، في هذا السياق يوجد تهافت أشباه الشعراء على الحضور الإعلامي المدسوس والمتمسح أكثر على طاعة السلاطين:"من الشعراء المخصيين أو ما أسميهم بـ (حراس السرير)". كل هذا يتم تحت شعارات: نهاية الإيديولوجية، ونهاية اليسار العربي، وقيام الحرية والتعددية، بخطاب تبريري يزعم التقدم والحرية، ونهاية الثورات، والليبرالية والدفاع عن العدمية، في ظل هذا الوضع كله يتعاظم دور شعراء التكسب. ثم يذكر صاحب المقال أن مرتبة الشعراء في المخيال العربي، هي من مرتبة الأنبياء، بدليل اتهام الأنبياء بالشعر. ثم يقول:" نحن للأسف أمة شعر البلاط والتكسب بامتياز"، "أما كان أكبر شاعر العربية وهو أبو الطيب المتنبي معروفا بهذا السلوك المشين"، "هو ما جعل الدكتور طه حسين يضجر من تصرفاته فيصفه بالنصاب". "أرى أن الشاعر العربي المعاصر قد تنازل عن فحولته العظيمة"، ثم يستعرض الدكتور مقاطع من شعر الفحولة والمواقف والدفاع عن الحرية والجمالية، منطلقا من "أمل دنقل"، ومثنيا بـ "عبد الله البردوني" ومثلثا بمظفر النواب، ثم "الأخضر بن يوسف" و " سعدي يوسف"، وبعد دعوة شعراء اليوم إلى استلهام هذه النماذج الثائرة من الشعر العربي، يقول: "ما أحوج شعرنا إلى الذاكرة، وما أحوج شاعرنا اليوم إلى لقفة وعي ونهضة ضمير. باستثناءات قليلة تؤكد القاعدة، لم يذهب الشعر العربي الجديد إلى الأمام، إني أراه يزحف نحو الخلف والخوف وأعتاب البلاطات". ثم يضيف: "أيها الشعراء النائمون في العسل السلطاني حتى وإن سلمنا معكم بأن المدح كان فنا من فنون الكلام عند القدامى فإني أقول: اليوم لا مبرر لوجوده، فوجوده مرفوض جملة وتفصيلا". "أمام هذه الردة في ثقافة الممانعة وطغيان ثقافة الطاعة هجر الناس الشعر". "هناك فخاخ تنصب للشعر وأخرى تنصب للشعراء، فخاخ المال وفخاخ السلطة وفخاخ الشهرة وفخاخ الاستهلاك وفخاخ الصورة الإعلامية". هناك سياسة ترذيل الشعر"،"وعمليات متقنة لإخصاء الشعراء". "إن فن التكميم اليوم هو المال". "والفخ الآخر هو الإعلام، هناك قنوات تلفزيونية ملكية السلطان، جميع أشكال السلاطين، تحتفل بأنصاف الشعراء، فتجعل منهم أمراء الشعر وأمراء القوافي، ولكن هؤلاء الأمراء هم في نهاية المطاف ملكية خاصة للسلطان، قطيع من قطعانه". يقول الزاوي: " والجوائز التي تقدم في الشعر وفي فنون أخرى كالرواية التي يراد محاصرتها وتكميم الروائيين العرب من خلال إغراقهم في المال وتحويل جيوبهم إلى آبار صغيرة، هذه الجوائز هي الأخرى فخ من فخاخ السلطان العربي". ويختم الدكتور مقاله هكذا: "أراقب مشهد الشعر المأزوم ومثله مشهد قوافل أشباه الشعراء الراكضين إلى الموائد والزردات وأقول: هذا زمن الردة الثقافية. هذا زمن عودة أخلاق التكسب وثفافة الطاعة. هذا الزمن العربي هو زمن الشعراء حراس السرير. هل تعرفون ما معنى حراس السرير؟؟؟".

المأخذ الأكبر على هذا المقال النقدي – فيما يبدو – هو أنه لم يقدم أي نموذج للموضوع، فلا وجود لمقطع واحد من قصيدة ولا اسم واحد لما يسميه شعراء التكسب المعاصرين، وشعراء البلاط، وما إلى ذلك من الأوصاف والتسميات، وإذن فإن النقد كله يتحول إلى مصادرة على المطلوب، إذ أن الناقد هنا يتحدث عن ظاهرة أدبية معاصرة، دون أن يضع نموذجا منها على محك البحث المباشر، والتحليل الفاحص ثم استخراج النتائج المتنوعة شكلا ومضمونا، مما يؤشر على أن المقالة كلها هي مجرد انطباعات وارتجال، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترتفع إلى مستوى النقد الأدبي والفكري الموضوعي، لقد راح الكاتب يستعرض مقاطع من أشعار أخرى يعتبرها ممتازة، وهذا مهم من حيث المقارنة الناقدة، لكنه لم يستعرض أي شيء مما هو محل نقده من الشعر المعاصر، الذي وصفه بالضعف فنا وبالتدني والسقوط موضوعا، مثل هذه الأحكام لا يمكن اعتبارها من النقد ما لم تكن مستخرجة من النصوص مباشرة، مع التحليل المعمق لتبيان صحة هذه الأحكام وتبريرها بالتعامل مع عباراتها وأساليبها وأشكالها التعبيرية ومضامينها الكامنة والمحمولة في عباراتها ومقاطعها، كان بودنا أن نستفيد من نقد مؤسس وقائم على قواعد علمية ما أحوجنا إلى الإلمام بها، أما أن يتصرف من يعتبر نفسه أحد أعلام الأدب المعاصر بهذه الطريقة التي توزع الاتهامات دون برهان أي برهان فأمر لا يمكن قبوله ولا تبريره، ويبقى أن نتساءل لماذا ولمن توجه هذه الكتابة؟ إنها لا تفيد الشاعر ولا الأديب ولا القارئ بأي شيء يضيفه إلى رصيده المعرفي أو الفني، فمثل هذه الكتابة بالتالي لا تختلف كثيرا عما ينتقده الأستاذ من شعر التكسب المعاصر، والغالب على الظن أن الجريدة التي تستثمر في اسم أديب ربما له من الشهرة ما يكفي لجلب العديد من القراء الجدد، أظن أنها من هذا المنطلق لا تبخل بدفع المقابل المالي المناسب، فإذا كانت البضاعة المقدمة لا تتناسب مع شهرة صاحبها، ولا مع هدف الجريدة المادي، فإن المسألة لا تعدو أن تكون نوعا من التكسب الإعلامي، ولا أظنها في ذات الوقت في صالح أحد، انطلاقا من صاحبها ثم الجريدة وأخيرا القارئ بالمعنى الواسع للكلمة. وما دام الأمر هكذا، فلا داعي لتتبع العبارات التي استشهدنا بها من مقال الدكتور للتدليل على ما ذهبنا إليه، فما على القارئ الكريم إلا أن يعود إلى الملخص السابق للمقال ليدرك بنفسه مدى الارتجال وعدم الجدوى في هذا الذي قدمه لنا الدكتور، ولعل أهم ما قدمه صاحبنا هو محاولة إلغائه لصفة الفحولة عن المتنبي كأكبر شاعر عربي، حيث استند إلى حكم لطه حسين في الموضوع، غير أنه لم يحلله، ولا يكفي أن يكون ذلك الحكم منسوبا لطه حسين أو غيره من المشاهير حتى يكون مقبولا وحاسما، فلا هذا ولا صاحب المقال بقادران على اقتلاع شعرة واحدة من رأس المتنبي، ذلك الصرح الأدبي والشعري الكبير، الذي لا يمكن أن يهتز لأي ريح مهما كانت عاتية، فكيف بمداعبات النسيم. ثم إن تهمة التكسب لا يمكن أن تكون واحدة بالنسبة إلى عصر المتنبي وعصرنا الحالي، فالشاعر في زمن المتنبي كان بمثابة الصحافي اليوم، والشعر مثل الصحافة، ومن هنا فهناك الصحافة الموالية للسلطة بالضرورة، ولم يكن المتنبي كذلك، وإنما مدح هذا أو ذاك من السلاطين لأغراض معينة ومبررة حتى ولو كان ذلك التبرير بالمصلحة الشخصية، ولا أظن أن هذه مرفوضة إلى هذا الحد الذي تجعل الدكتور يعتبر مع طه حسين المتنبي نصابا كبيرا، فالمتنبي والشاعر والأديب بشر في نهاية المطاف، ولهم مصالحهم الشخصية المبررة بهذا الاعتبار، ما لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي تجعلها مضرة بالمصلحة العامة أي كانت، أما أن تكون تهمة مطلقة، فهو أمر غير طبيعي ولا يمكن قبوله أبدا، وعلى أي حال فإن مثل هذا الأمر لا يخلو منه سلوك بشر عادي وطبيعي، وهو مشروع تماما، حتى ولو كان قابلا للتصنيف ضمن شعر التكسب، إذ أن الناس كلها تتكسب بأعمالها، فكيف يستنكر هذا على الشاعر وحده؟ وما هو مصدر رزق الشاعر إن كان الشعر هو صناعته وبضاعته الوحيدة؟ هذا لا يعني أن التكسب بالمعنى المضر برقي الشعر والأدب، أو الإسفاف الفكري، أو الإضرار بالمصلحة العامة مقبول، لا أبدا، أما أن يمارسه الشاعر بالقدر الذي لا يمس بأي من القيم الأدبية والفكرية والإنسانية والوطنية، وفي سبيل جلب مورد ضروري للرزق، فليس في ذلك أي حرج، فهو تماما مثل سعي الروائي للنشر في دور أجنبية من أجل ضمان التوزيع الأكبر وجني المقابل بالعملة الصعبة التي تصرف بأضعاف مضاعفة من العملة الوطنية، فهو حق لا جدال فيه لصاحب الرواية، وإن لم يفعل يكون مفرطا في حقه الطبيعي مجانا، فلماذا لا نوجه النقد اللاذع لمثل هذا التصرف وننعت الشاعر بأرذل الأوصاف، لأنه قبل الاستفادة من إنتاجه الأدبي ماديا؟ حتى ولو كان هذا الإنتاج مدحا، ولا يكفي أبدا أن ينزع الدكتور مشروعية فن المدح في عصرنا هذا بجرة قلم، ويحيل الشعراء بذلك على البطالة والتسول، نعم إن المدح لمن لا يستحق، فيه زيف لا مراء فيه، غير أن كل شيء نسبي، وليس المدح هو الفن الوحيد الذي يمارسه الشاعر، فهو يقوم بالمدح وبغير المدح، من هجاء ووصف وعاطفة وتصوف وغيرها، وحتى في حالة ثبات تهمة التكسب على شاعر ما، فلماذا لا نحتسب له إبداعه في جوانب أخرى أو فنون غير فن المدح، ونحكم عليه فقط من هذا الباب، باب المدح والتكسب، أي مدح السلطان على وجه الخصوص؟ لست هنا أدافع عن شاعر مفترض ينحصر نشاطه في التكسب بالمعنى السلبي، كمدح سلطان جائر أو فاشل من أجل مقابل مالي، لا، ولكن الدكتور لم يقدم لنا أي نموذج من هذه الظاهرة التي ينتقدها بشدة، وهذا هو المأخذ الأساسي على مقاله، الذي يندرج في إطار الارتجال والانطباعية العابرة، وهو ما لا يمكن قبوله ممن يتصدى للنقد الجاد البناء، وقد كنا نأمل في أن يطل علينا الدكتور أسبوعيا بما يفيد القارئ بمختلف درجاته وفئاته فكريا وفنيا، لكنه – للأسف الشديد- لا يفعل ذلك منذ أن شرع في هذه الأسبوعيات على صفحات الشروق كل خميس، غير أننا لا زلنا نأمل، فلولا الأمل لمات الإنسان.

الخميس، 21 مايو 2009

الاثنين، 18 مايو 2009

فضاءاتنا








الأحد، 17 مايو 2009

البابا يغادر


انتهى حج البابا وزيارته

كانت آخر محطة له الناصرة، حيث أقام الصلوات، ودعا إلى التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، ونسي أنه داخل الكيان الصهيوني الذي أقامه الغرب المسيحي بمباركة الكنيسة، هذا الكيان العدواني، الذي لا يمر عليه يوم، منذ واحد وستين عاما، دون أن يقتل ويدمر ويعتقل، وغير ذلك من فنون العدوان لديه، الذي لم يسلم منها حتى الشجر والحجر، لقد صرح البابا في عمان أنه إنما جاء إلى المنطقة لزيارة هذا الكيان، وما تلا ذلك من مباركته له، ومن تجاهل تام لمماساته الخطيرة المبيدة والمدمرة، ثم بعد ذلك لسبب غير معروف راح يذكر غزة واللاجئين والدولتين إلخ... أي تعايش سلمي يتحدث عنه البابا؟ وأي تناقضات صارخة هذه التي طبعت زيارته وحجه؟ أفي هذه الأماكن المسيحية والإسلامية المقدسة، وفي أرض الرسالات، يتصرف رئيس الفاتكان, والكنيسة الكاثولوكية بهذا الشكل؟ ويصرح مثل هذه التصريحات المتناقضة المتهاونة في حق الإنسانية المعذبة في فلسطين المحتلة؟ شيء غريب حقا، نعم لقد تعودنا على مثل هذه المواقف المتناقضة من الغرب الرافع لشعارات الإنسانية وحقوق الإنسان ...إلى آخر القائمة الكاذبة المنافقة، أما أن يتصرف رجل الدين الأول بنفس الطريقة، بل بأضل منها، فهذا أمر يثير العجب كل العجب، ويحز في النفس بسبب التدهور الإنساني الخطير, الذي وقع فيه الغرب صاحب الحضارة الكونية المعاصرة, والمتحكم بسبب ذلك في رقاب الناس أجمعين، بل في مصير البشرية المعاصرة قاطبة. ماذا يعني البابا بالتعايش؟ إن كان يعني المسيحيين العرب, فهم في الهم سواء مع مواطنيهم المسلمين, يعانون ويلات التحالف الغربي الصهيوني؟ أما إذا كان يقصد كل المسيحيين في العالم, فإن معظمهم في الغرب, حيث تحاك المؤامرات وتوضع المخططات للتسلط على المسلمين والتنكيل بهم, بمباركة الكنيسة ومساهمتها. لمن يوجه إذن قداسته هذا الكلام؟ هل يريد إيهام الضحية بأنه بريء مما لحق بها من بطش؟ وهل يمكن إخفاء الحقيقة عمن يكابدها في كل لحظات أيامه ولياليه منذ أن أبصرت عيناه النور؟ مثل هذا الكلام الموهم المبهم, يصدر كثيرا عن ساسة الغرب, أما أن يكون البابا مثلهم في أقواله وحتى أفعاله, فهذه كارثة حقيقية. كان على البابا وهو يحج أن يتخلص من مشاعر الكراهية والحقد والعدوان، ويتوجه إلى خالقه صافي السريرة نقي الضمير, أما أن يصر على مؤازرة الممارسات الاستعمارية والصهيونية, فإنه أمر فظيع من زعيم ديني كبير, بل أول على مستوى العالم المسيحي وغير المسيحي, حيث الأقليات في كل البلدان الأخرى على نطاق عالمي, فلا بلد يخلو من أقلية صغيرة أو كبيرة الحجم من المسيحيين, زعيم بهذا المستوى, وأي زعيم إنه رئيس دولة الفاتكان الدينية المسيحية, ورئيس الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم برمته. إلى من يلجأ المظلوم لينصفه ويغيثه؟ وإلى من يفر المقهور المعذب فوق هذه الأرض؟ إلى أين يولي المستضعفون في الأرض وجوههم طلبا للرحمة والشفقة والنجدة يا صاحب القداسة؟ إذا كنت أنت نفسك تقف علنا في صف معذبيهم فوق هذه الأرض البائسة؟ لكن ما الفائدة من اللوم, وقد حسمت الأمر بانضمامك المعلن لصف الجبابرة الطغاة البغاة؟ إنها مأساة عالم اليوم, الذي تفشى فيه الظلم والفساد والاستبداد, الذي يمارسه الغرب المتزعم للعالم بكل مكوناته, بمن في ذلك الكنيسة أو المؤسسة الدينية, التي كان من المفروض فيها, أن تحمل مشعل الحق والصدق والهداية. لقد أعطى البابا دولة شفهية للفلسطينيين, وهو يدرك في قرارة نفسه أنه مجرد كلام اقتضته المناسبة ولا طائل من ورائه, لكنه أراد أن يأخذ منهم المقاومة وينتزعها انتزاعا, عندما دعاهم لنبذ إغراء العنف والإرهاب - كما قال - بمعنى أنه يدعو الفلسطينيين للاستسلام, ومن الذي يلتفت إليهم إن هم وضعوا أسلحتهم البسيطة التي يقلقون بها العدو, ويحافظون بها على بقاء قضيتهم حية بريئة من النسيان. مواقف البابا هذه تسير في غير الطريق الذي دعا إليه, فالتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين, يقتضي قاعدة صلبة من النيات الطيبة والأفعال البناءة, وليس المراوغات والمناورات التي لا تحترم المتلقي لها, ولا تستطيع -لتهافتها- إقناع أحد. ومهما يكن من أمر فإن على البابا أن يدرك تمام الإدراك أن المسلمين على أتم الاستعداد للشراكة النزيهة الإيجابية والمفيدة لكل الشركاء, وهم جاهزون للتعايش السلمي الحقيقي, لكنهم لا يقيمون النيات الصادرة بشأنهم إلا عندما تقترن بالأفعال القابلة للفحص والتقييم ومد جسور الثقة والتعاون في ظل تبادل المصالح والتعايش السلمي الحقيقي, وليس مجرد الكلام المراوغ المضلل.

السبت، 16 مايو 2009

الجمعة، 15 مايو 2009

متابعات

كتب الزاوي اليوم تحت عنوان:

فرنسا تحتفل بمئوية المجاهد والشاعر مفدي زكرياء

في أقلام الخميس

الشروق- الخميس 14 ماي- 2009- الموافق ل18 جمادى الأولى1430هـ- العدد2610- ص19

نلاحظ أن الكاتب، يضع مقاله للمرة الثانية تحت عنوان "أقواس", مما يفيد أنه تخلى - ربما - عن المشروع الذي كان يكتب ضمنه، وهو: الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر، على أي حال، كنا نود أن يعلم القارئ بالتغير الحاصل، ولو بدون تعليل. وملخص ما كتب الدكتور الزاوي اليوم، هو: إبداء التعجب الكبير من أن فرنسا ومكتبتها الوطنية بالذات, تحيي مئوية "مفدي" المجاهد, وصاحب نشيد "قسما", وشاعر الثورة الجزائرية, في الوقت الذي يحتفل فيه الشعب الجزائري بذكرى مجازر 08 مايو 1945، يتساءل الدكتور عما سيقوله المجاهدون والشهداء إلخ... ثم يقارن الوضع مع احتفال تونس الكبير هذه الأيام بمئوية شاعرها "الشابي" (احتراما لذاكرته وذاكرة الإبداع في هذا البلد الشقيق), يقول الكاتب. ثم يلاحظ تجاهل مؤسساتنا لمؤوية " مفدي ", ويعبر عن حزنه كون الاحتفال يقع في بلد المستعمر بالأمس (الموقف كاريكاتوري ومثير للتساؤل والاستنكار), ثم يعرج على الظلم الذي قاساه " مفدي " في حياته من الاستعمار بالسجن والنفي, ومن دولته التي أبقت على نفيه, وبعد مماته لم تكثرت به, ولم توفيه حقه, واليوم والمكتبة الوطنية الفرنسية BnF, تحتفل بذكراه في تجاهل تام في بلده (يموت الشاعر مرة ثانية وهو الذي ظلم حيا), وينفى كذلك ميتا, بهذا الاحتفال الفرنسي. ثم يشير الكاتب إلى أن مثل هذه الاحتفالات الثقافية الكبرى, كما يحدث في تونس من خلال برنامج ضخم بمئوية "الشابي", من شأنه أن يدفع نحو الرقي في المجالات الثقافية والسياسية وغيرها, ثم يختم الكاتب مقاله ( هل سيقرأ نشيد قسما في المكتبة الوطنية الفرنسية BnF بمناسبة الاحتفال بمئوية مفدي زكرياء؟ وسبحان الله الذي هو على كل شيء قدير). [زوروا: المقالة الفلسفية لطلاب البكالوريا] .
يذكر الكاتب - في إشارة لتقصير المكتبة الوطنية الجزائرية - أن مدشنها في منتصف التسعينات, هو نجل شاعر الثورة, الذي كان وقتها يشغل منصب وزير الثقافة. نعم إن التقصير موجود, ليس من المكتبة الوطنية وحدها, بل من المجتمع كله, حكومة وأحزابا ومجتعا مدنيا, لكن هذا لا يتوقف على عدم إحياء هذه الذكرى الهامة فحسب, بل في موضوع الثقافة برمته, وهذا هو النقد الأساسي الذي نوجهه لمقال الدكتور, الذي شرع ذات يوم في كتابة هذه السلسلة من المقالات الأسبوعية, تحت عنوان "كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", ثم بعد عدة حلقات فاجأنا بتوقفه - فيما يبدو- عن مواصلة الموضوع البالغ الأهمية, لماذا؟ لا ندري على وجه التحديد, لكن محتوى الحلقات التي نشرها, يشير إلى قصر النفس الذي لا يمكن أن يذهب بعيدا, لا سيما إذا صاحبه الارتجال وسطحية الطرح. نقد الثقافة في الجزائر, الذي يمكن أن يكون عدم الاحتفال بالذكرى المئوية لشاعر الثورة مدخلا له, ينبغي أن يغوص في تحليل الظاهرة الثقافية في بلادنا, وليس المرور المتماس معها من فوق, أو من أي جانب, دون التشريح والدراسة الجادة, وهنا في هذا المقال ذكر الكاتب مثالين هما: المثال التونسي, والمثال الفرنسي, وإذا كان هذا الأخير, لا يدعو للاستغراب الكبير الذي أبداه الدكتور, لكون فرنسا من البلدان القليلة الأكثر تطورا في الغرب, ومن ثم فهي تعيش ازدهارا ثقافيا متقدما, وفي هذا السياق, تحتفل بمفدي وبغير مفدي من شعراء العالم قاطبة, وقبلهم وفي مقدمتهم - بطبيعة الحال - شعراؤها, ثم إننا لا ندري خلفيات إقامة هذا الاحتفال, الذي يصفه السيد الزاوي بالضخامة, نظرا لوقوعه في مؤسسة ثقافية فرنسية من الطراز الأول والثقيل, هي المكتبة الوطنية؟ أما تنظيمه فعادي جدا بالنسبة لقدرات وإمكانات هذه المؤسسة ذات التقاليد الثقافية العريقة, فقد يكون بمسعى من جهة جزائرية ما, قد يكون نجله المذكور سلفا, لما له من علاقات مع الأوساط الثقافية الفرنسية؟ والمهم هو أن هذا الأمر سهل المنال في تلك الربوع. أما عن كونه شاعر الثورة الجزائرية, بما يفيد من كلام صاحب المقال أنه عدو بالنسبة لفرنسا, فهذا لا يمنع الأوساط المثقفة أن تحتفل به كشاعر كبير, وهو أمر عادي للغاية, مثل احتفال ذات المؤسسة بأي شاعر ألماني شهير من العهد النازي مثلا, لكنه ليس متورطا في النزعة النازية ذاتها, أما مفدي زكرياء فهو شاعر ثورة عظمى في هذا العصر, وهي ثورة ضد الاستعمار الغاشم, وليس في ذلك ما يشكل أي حرج ولا عداوة مع الثقافة أو الأمة الفرنسية, أما العداوة مع الاستعمار فمفخرة لا يتطرق إليها الشك, ولو كان هذا الاستعمار من جنسية فرنسية, فمن المفروض في الأوساط المثقفة أنها معادية للاستعمار, أو أغلبها كذلك, ومنهم هؤلاء الذين قرروا الاحتفال بمئوية شاعر الثورة الجزائرية, من منطلق أنه شاعر إنساني عالمي كبير. إن هذا المقال يذكر الحدث مجرد الذكر, كما لو أنه خبر صحفي, ثم يعبر عن انبهاره - كعادته - بما تقوم به المؤسسات الفرنسية, وهو استلاب لا لبس فيه, مما يشير إلى أن مستوى الطرح ليس من ذلك النوع الذي يرتفع إلى مستوى المعرفة العلمية والعالمية, التي تنور القارئ وتمنحه فرصة الاستفادة والرقي المعرفي والفني, وهو ما يفترض في كتابات الدكتور, الذي يشار إليه على أنه من هذا الطراز من الكتاب والمثقفين, الذين يشكلون منارات هادية للأجيال الصاعدة, ولكافة الناس على المستويين العالمي والوطني, ومما يشير إلى هذا المستوى الذي لم يتجاوز عتبة الخبر, ثم محاولة اسغلاله في أشياء بسيطة, تشبه تصفية الحسابات, تكرار صاحب المقال للحروف الأولى من كلمات المكتبة الوطنية الفرنسية, باللاتينية, مع حرصه على علو الحرفين المحيطين, وصغر الحرف الأوسط, هكذا: BnF. وقد حاولت جاهدا أن أجد مبررا لهذا فلم أستطع, اللهم إلا إذا كان الأمر يندرج في سياق الانبهار والاستلاب الثقافيين. أما الأهم من هذا فهو المثل التونسي, الذي ساقه الدكتور أيضا بصورة إعلامية, مفصلا معنى الاحتفال بذكرى " الشابي" رمز الثقافة التونسية, كما قال باعتباره شاعر تونس الشهير, وكون الاحتفال يشتمل على نشاطات ثقافية متنوعة, وعلى امتداد الأرض التونسية كلها, مما يجعل الإحياء ليس أقل مما تقوم به المؤسسات الثقافية الفرنسية, أو المتقدمة, وإني لأعجب كيف لم يغر هذا المثل القريب منا صاحب المقال بالتعمق في الموضوع, وبمقارنة بين الظاهرتين الثقافيتين الشقيقتين الجزائرية والتونسية. لماذا تحتفل تونس, وبمستوى عالمي بشاعرها الكبير " أبو القاسم الشابي", بينما لا تحتفل الجزائر تماما بالذكرى المئوية لشاعر ثورتها الكبير "مفدي زكرياء"؟ أقل ما كان يجب قوله في هذا الصدد, ودون كبير عناء من التحليل المعمق للظاهرة الثقافية في البلدين, هو كون المؤسسات الثقافية التونسية على عكس الجزائرية موجودة وجودا وظيفيا فعليا, بمعنى أنها تمارس وظائفها يوميا, وهي جاهزة للقيام بالنشاط المطلوب منها في ميدانها في أي وقت, أو أنها تقوم بذلك ضمن برنامج عملها العادي, وليس لمجرد إحياء مناسبة عابرة. ذلك لأن السياسة الثقافية في تونس قائمة وممارسة في الميدان بالفعل, ونكاد نقول إن لديهم إستراتيجية ثقافية هي السبب الرئيسي لوجود المؤسسات الثقافية حية فاعلة, ومن وراء ذلك كله وجود نخبة ثقافية حقيقية, أي منظمة ومهيكلة في اتحادات وجمعيات ثقافية ومهنية, تقوم بنشاطها المعبر عن نخبويتها الثقافية يوميا, وعلى مدار السنة, بما في ذلك المساهمة في الحياة الثقافية عن طريق نشاطات متخصصة لكل هيئة من هذه الهيئات النخبوية, وهو الأمر المعدوم تماما في الجزائر, وذلك يعود إلى التعاون السلبي بين المثقفين والجهات المسؤولة على إعدام الظاهرة الثقافية. أما المثقفون فقد أهملوا او عجزوا عن تكوين النخبة, بمعنى عدم هيكلة أنفسهم في هيئات منظمة, تمارس نشاطها الثقافي وتكون في مجموعها قوة ضغط, مما يجعلها تمارس دور المعارضة السياسية الأول بامتياز, الذي يحسب له ألف حساب, كما هو الأمر - إلى حد كبير - في تونس, أو في سوريا, التي سبق للدكتور أن تحدث عنها بهذا المعنى في مناسبة معينة. ومن هنا تفرض النخبة التونسية الاحتفال المئوي وغيره من الممارسات الثقافية على السلطة, وتقوم بنشاطاتها الثقافية بشكل عادي, مثل التغذية والصحة والتعليم, وغير ذلك من النشاطات الوطنية الأساسية. أما الجهات المسئولة في الجزائر, فإنها لا تجد نخبة مثقفة مهيكلة تفرض عليها سياسة ثقافية واضحة ومبرمجة وواجبة الممارسة يوميا, ولا هي بادرت من نفسها لتأسيس النخبة المثقفة بمعنى الهيئات والجمعيات والمنظمات, الخاصة بها, ربما لأنها تجد نفسها في وضع مريح بغياب هذه الهيئات التي من شأنها خلق قوة ضغط ذات طابع سياسي, لا داعي له, أو من الأفضل ألا يكون بالنسبة إلى أي جهة تنفيذية مسئولة, ومن هنا عجز الجزائر وإهمالها لتنظيم مثل هذه الاحتفالية, لأنها تفتقد إلى الهيئات القاعدية المؤهلة للقيام بمثل هذه التظاهرات الثقافية الناجحة, ولكون الهيئات الثقافية النحبوية الحقيقية منعدمة, فإنه يستحيل إحياء مثل هذه المناسبات بمستوى رفيع وعالمي, كما يفعل التونسيون أو السوريون, أو غيرهم من البلدان القريبة منا في سلم الحضارة والتطور, أما البلدان المتقدمة فلا سبيل إلى المقارنة مع ما يمارس فيها من نشاطات ثقافية راقية. والغريب في الأمر أن الدكتور, قد أشاد في مناسبة سابقة إشادة كبرى بالبرنامج الثقافي الوطني, الذي قال وقتها إنه لم يسبق للجزائر أن تمتعت به, بل إنها لم يسبق لها أن حلمت به مجرد الحلم, وقد كان وقتها بصدد إقحام مدح طارئ لرئيس الجمهورية, يبدو أن سببه هو التعديل الوزاري الوشيك - آنذاك - بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة, بمعنى أن الدكتور كان يطمح لشيء ما بالمناسبة. هذه بالضبط هي المواقف الفردية البعيدة عن سلوك النخبة المثقفة الحقيقية, والتي لا يمكن أن تتأسس مهما كان عدد المثقفين كبيرا في الوطن إلا إذا تنظمت وتهيكلت في هيئات منظمة ونظامية, ضمن المجتمع المدني, وإلا فلا يمكن انتظار الشيء الكثير, عدا الارتجال والممارسات الباهتة التي لا جدوى من ورائها, ومنها الخرجات الفردية التي يقوم بها هذا المثقف أو ذاك, بصورة مزاجية مرتجلة, أو بصفة مناوراتية تصفية لحسابات, أو طمعا في منصب تقنوقراطي رفيع المستوى, مثل الوزارة مثلا, وفي سبيل ذلك لا يتردد صاحبه في ذبح الثقافة قربانا على هيكل المنصب الكبير, وقد يكون هذا الموقف مبررا من الفرد, لكن غير المبرر هو التقصير القائم والخطير من مجموع المثقفين في إنشاء هيئاتهم النظامية الحقيقية التي تؤسس النخبة الثقافية الفاعلة والمؤثرة, وليس مجرد ديكور كما هو واقع. ودون شك فهناك تقصير الجهات المسئولة التي لا تعمل من جهتها على تشجيع تأسيس النخبة المثقفة هذه. ثم إن الممارسات الانتهازية المتزلفة لبعض المثقفين, والعزلة والسلبية لدى بعضهم الآخر, وانعدام المبادرة الجادة من مجموعهم, لا يمكن أن توصل إلى الازدهار الثقافي المنشود. ولماذا يستطيع المثقفون التونسيون والسوريون وغيرهم من مثقفي أشباه بلدنا أن يؤسسوا نخبهم, بينا يعجز مثقفونا عن ذلك؟ هذا هو السؤال الأهم, الذي كان من المفروض أن ينتهي مقال الدكتور بالإجابة عنه, بعض فحص علمي دقيق ومقارن, لكنه - للأسف لم يفعل - قصورا أو تقصيرا, ولم يكن في نيته أن يذهب إلى أبعد من التلميح إلى أنه لوكان لا زال مديرا عاما ورئيسا للمكتبة الوطنية لقام بإحياء مئوية شاعر الثورة. نعم قد يكون ذلك صحيحا قياسا على التنشيط المعتبر الذي تم في عهده لذات المكتبة, لكن احتفاله لن يتجاوز جدران المكتبة الوطنية, وفي مستوى محدود من التنوع والنوعية الثقافية, أما أن يحيي المناسبة على المستوى الوطني كله, كما يفعل الأشقاء التونسيون, فذلك مستحيل, لأن الهيئات القاعدية المحلية منعدمة, أو أنها - في أحسن الأحوال - مُهمِلة ومُهمَلة وعاجزة, وتلك هي الظاهرة التي كنا نتمنى أن يتناولها الدكتور, وقد تصدى لهذا الموضوع الخطير, وبشكل مقارن مع الجيران وغيرهم.

الخميس، 14 مايو 2009

مواقف البابا

مواقف البابا محيرة

بابا الفاتكان اليوم ليس هو الذي كان في الأردن ثم في القدس الشريف, إنه اليوم في بيت لحم شخص آخر تماما، يتحدث باعتدال, ويتبنى القضية الفلسطينية العادلة, ويصلي من أجل رفع الحصار عن غزة, ويدعو إلى قيام دولة فلسطينية, ويتأسف لما عبر عنه بمأساة الجدار العازل, ولا أدري إن كان قد وصف الجدار بالعنصري أم لا؟ كما أنه يؤكد حق اللاجئين في العودة, ويعلن تعاطفه مع الضحايا الفلسطينيين، وإن لم يذكر بصراحة – فيما يبدو – الجهة المعتدية الظالمة, لكنه قد بدا قريبا جدا من المطالب الفلسطينية، ولو أنه لم يذكر كذلك قضية القدس الشريف، ولم يصرح بموقف عن مصير المدينة المقدسة وطبيعة النزاع بشأنها. ماذا تغير حقا لدى البابا؟ وفيم هذا التناقض الحاد؟ من مناصرة تامة للعدو الغاصب، إلى الاعتراف شبه الكامل بحقوق الضحية؟ ماذا حصل بالفعل؟ إنه لأمر محير للغاية؟ ولا نظن أن البابا يتكيف مع المكان والزمان في مواقفه إلى درجة التناقض. هل هي صحوة ضمير بمناسبة زيارة بيت لحم مسقط رأس المسيح عليه السلام؟ هل هي العاطفة الدينية نحو المسيحيين الفلسطينيين، الذين استقبلوه بحفاوة كبيرة؟ هل هو تأثير وسائل الإعلام التي انتقدته بشدة على مواقفه المعادية للفلسطينيين وللعرب والمسلمين عامة؟ هل هو تأثير محيطه القريب، من مرافقيه في الوفد الزائر ومن ممثليه في فلسطين والقدس، ومن قساوسة فلسطين، وغيرهم ممن تحدثوا معه، أو تناولوا زيارته في وسائل الإعلام وغيرها؟ هناك احتمالات كثيرة, وراء تغيير يكاد يكون جذريا في موقف البابا, من النقيض إلى النقيض, ربما تكون كل العوامل المذكورة وغيرها, قد جعلت البابا يتحول من شخص مندفع بعفوية إلى متدبر بالعقل، من متكبر متجبر متغطرس حاقد إلى إنسان رقيق المشاعر ومقترب من الإنصاف والعدل والإنسانية, من شخص عاطفي إلى حكيم يحسب كل حساب لكلامه الذي يعكس موقف رئيس الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم، ورئيس دولة الفاتكان, التي تمثل السياسة المقدسة في الوسط المسيحي، وهي دولة قائمة بكل ما للدولة من معنى، بما في ذلك العلاقات الدبلوماسية مع سائر دول العالم، ربما يكون البابا قد تفطن إلى أن ما يمثله لا يسمح له بالاندفاع في مواقف عاطفية عدوانية، تناصر المعتدي السفاح، وتتنكر لآلام الضحية البريئة العزلاء. نتمنى أن تكون هذه الصحوة اليوم في بيت لحم للبابا دائمة، وأن يعمل وفقا لما أعلنه من الاعتراف والتأكيد على الحقوق الفلسطينية الثابتة، ويمارس نفوذه الروحي والسياسي على الغرب كله، لكي يجد ويجتهد في إقرار السلام العادل والدائم في فلسطين وفي المنطقة كلها، وأن تكون دعوته من القدس إلى السلام، قبل التوجه إلى بيت لحم صادقة وجادة, ويتخذ منها موقفا نشيطا ومستمرا لتقريب ساعة الخلاص في الأرض المقدسة المعذبة. رجاؤنا أن تكون توبة قداسة البابا توبة نصوحا, لكن الوساوس تخامرنا, وواقع تصرفات ساسة الغرب المنحازة إلى المعتدي المحتل يؤكد مخاوفنا, وليس البابا هو الأول الذي زار فلسطين المحتلة، وأعرب فيها عن أمانيه في السلام فوق تلك الربوع المقدسة, إنهم يمرون ويؤيدون العصابة الصهيونية كل التأييد، ثم يعلنون أسفهم على الحالة المتردية لحياة الفلسطينيين وينادون بضرورة إحلال السلام, ثم يرحلون ويطوي كل ذلك النسيان, وتستمر المأساة وتستفحل أكثر، مما يؤشر على أن ما يقولونه هو مجرد كلام للاستهلاك العابر, ولتغطية المناسبة, بكلام مجامل، يعلن ما لا يعتقد, ويعود إلى مقره ليواصل دعمه اللامحدود للظلم والعدوان والإبادة الجماعية والتشريد والتجويع والترهيب. نتمنى أن يشذ البابا عن هذه القاعدة الغربية المنافقة المتورطة في ممارسة العدوان على شعب أعزل مثخن بالجراح, يتعرض لشتى أنواع القسوة في كل مطلع شمس, والدوائر الغربية صامتة, كأنما أصيبت بالصمم أوفي آذانها وقر, وإذا خرجت عن صمتها الرهيب, فإنما لتعلن تأييدها المطلق للعصابة الصهيونية المجرمة. فهل يثبت البابا على مواقفه التي جادت بها بركة بيت لحم؟ وهل لا زال بالغرب خير إلى درجة الوقوف إلى جانب الحق وإرساء قواعد السلم العادل الدائم؟ مسألة فيها نظر, ربما أن القداسة تتغلب في نهاية المطاف على الأحقاد والأطماع, فليس ذلك على الله بعزيز, وذلك هو الموقف الطبيعي لشخصية في مستوى رئيس الكنيسة الكاثوليكية العالمية, ورئيس دولتها في الفاتكان. أليس الله سبحانه بقادر على أن يقول للشيء كن فيكون؟ أو ليست المعجزات ممكنة الحدوث إذا أراده خالق الخلق عز وجل؟ على أي حال فإن البابا اليوم جدير بالبابوية, وأملنا كل أملنا ألا ينسى هذه المواقف المعقولة والمقبولة, وسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال. ولله الأمر من قبل ومن بعد, وإليه ترجع الأمور.

الأربعاء، 13 مايو 2009

البابا والمحرقة

البابا والمحرقة وشاليط

قال الفاتكان إن زيارة البابا ليست سياسية, فهو يزور الأراضي المقدسة بصفته رئيس الكنيسة الكاثلوكية، وليس بصفته رئيس دولة الفاتكان. بينما الأمور على الأرض تجري عكس هذا تماما، فالبابا يزور أو يركز زيارته وتصريحاته على قضايا سياسية بحتة, أما المعالم الدينية فيمر بها مرور الكرام, دون تسجيل أي موقف إنساني يعبر عن المرتبة الدينية الرفيعة لقداسة البابا, وعن الروح الدينية التي تأبي الظلم، وتناصر المظلوم, لقد جدد البابا الاعتراف بالمحرقة اليهودية, وزار النصب الممثل لها, كما اجتمع رفقة الرئيس الصهيوني بعائلة الجندي الأسير لدى حماس "جلعاد شاليط", ولم يفكر إطلاقا في زيارة المحرقة الحقيقية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها, محرقة غزة التي لا زالت نيرانها مشتعلة, ولا زال ضحاياها يعانون الأمرين, إن قداسته لم يلفظ كلمة واحدة عن الإبادة والدمار التي لحقت بغزة منذ شهور قليلة, وذهب يؤكد محرقة مثيرة للجدل, يزعم الصهاينة أنها وقعت قبل أكثر من ستين عاما, وهي محل شكوك حقيقية, لاسيما وأن الصهاينة قد اتخذوا منها سجلا تجاريا, يجنون من ورائه فوائد مادية ومعنوية ضخمة, هل ضحايا المحرقة إن صح شيء منها بشر, وشهداء غزة ليسوا من بني الآدميين؟ ماذا يعني هذا التجاهل التام لهذا الأمر الخطير, من قِبل البابا؟ إنه أمر يسجل موقفا سياسيا شنيعا, لم يقفه حتى أكبر المتعصبين من ساسة الغرب, فليس بالإمكان أن يمر أي مسؤول مهما كان ميدان مسؤوليته على المنطقة, دون أن يسجل تعليقا على حرب غزة الظالمة, حتى ولو تحيز للجانب الصهيوني المعتدي, أما أن يأتي قداسة البابا إلى فلسطين المحتلة حاملا التأييد المطلق للعصابة الصهيونية, ومتجاهلا تماما لأبشع جريمة معاصرة اقرفتها في غزة الجريحة, فهذا يسيء إلى البابا نفسه وإلى الفاتكان وإلى الكنيسة الكاثوليكية إساءة كبرى, وياليتك يا بنديكت لم تأت أصلا لتترك صورتك – رغم إساءاتك السابقة – مقبولة نوعا ما, لدى العرب. فما معنى تأكيدك للاعتراف بالمحرقة؟ مما يؤجج الشكوك حولها, نظرا لموقفك المعادي بالأفعال والوقائع الملموسة للقضية الفلسطينية والعربية, ونظرا لإساءتك السابقة لخير البشر محمد بن عبد الله, عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم, دون أن تعتذر عن ذلك للمسلمين, ومن هنا فإن ما تعترف به يكون عكسه هو الصحيح, ما دمت منحازا للطرف الظالم المتجبر مصاص الدماء, دماء الأطفال في غزة مؤخرا. أسير واحد يا صاحب القداسة, يثير اهتمامك إلى درجة زيارة أسرته, وإحدى عشر ألف أسير فلسطيني بريء, أو في أسوأ الأحوال- في نظرك- مقاوم للاحتلال الغاصب, لا يستحقون منك كلمة واحدة منصفة ورحيمة؟ ثم أكثر من هذا النواب المنتخبون, أعضاء مجلس التشريع الفلسطيني, الذي اعترف الغرب كله بنزاهة انتخابهم, هؤلاء اعتقلهم الاحتلال الغاشم كرد فعل على أسر حماس لشاليط العظيم، هؤلاء المظلومون ألا يستحقون ولو إشارة, مجرد إشارة غير مباشرة منك يا قداسة البابا؟ وأكثر أكثر أكثر من هذا, رئيس المجلس التشريعي نفسه, الرجل المتقدم في السن والذي يعاني المرض, هو ذاته كان ولا زال من بين المعتقلين بسبب أسر شاليط. هذا لايلفت انتباهك, ولا يستدعي منك الذكر مجرد الذكر وليس النصرة أو الاستنكار؟ إذن أنت يا قداسة البابا محل شبهة, ولا يمكن لك بعد اليوم أن تتمتع بالثقة ومظنة القدوة الحسنة, لأنك وقفت باختيارك الحر, ومع سبق الإصرار والترصد مع الظالم، مع المحتل, مع من يمارس الإبادة والتدمير, كما لم يمارسه أحد قط, في عصر الناس هذا, إنك تناصر أكبر عصابة إرهابية مجرمة في عالم اليوم, مما يجعلك تفقد الاحترام لدى كل ذي عقل وضمير وذرة من الإيمان بالإنسانية, وتلك خسارة كبيرة تلحقها يا صاحب القداسة بنفسك وبكنيستك الكاثوليكية وبدولتك الفاتيكانية وبالجانب الروحي في الغرب كله, فياليتك لم تأت, ولم تسبب هذه الخسائر الفادحة لملتك ولشخصك, الذي كان من المفروض أن يكون فوق الشبهات, وإذا بحقدك الصليبي العنصري, يذهب بك بعيدا, فتدعم بكل ما أوتيت من قوة, أكبر عصابة إجرامية على وجه الأرض, وتكون بذلك قد ألحقت الضرر الفادح بها, لأنه لا أحد في الغرب قبل الشرق وغيرهما من الجهات الأربعة, يشك في عدالة القضية الفلسطينية, وفي إجرام العصابة الصهيونية, ومن ثم فإنك قد ألحقت الضرر الجسيم برمزيتك الروحية, ومكانتك السامية في مجتمعك الغربي عامة والكاثوليكي خاصة, والسبب هو الحقد الصليبي العنصري, وهو ما يمكن أن يفهم من متطرف, أما ما لا يمكن هضمه, فهو خدمة رجل الدين الأول في الغرب للاستعمار, بهذه الصورة المفضوحة, التي تتجاوز مواقف أكبر المتطرفين من ساسة الغرب, مثل سيء الذكر بوش, إنك قد وضعت نفسك وملتك في سياق مقولة: يفعل الجاهل بنفسه, ما لا يفعله العدو بعدوه. ويا للعجب العجاب, لكن فيم العجب, وقد خسرت الكنيسة كل أتباعها تقريبا في الغرب نفسه, بسبب مواقف من هذا القبيل, تدعو إلى النفور والاشمئزاز, ولم تنفعها دروس الماضي القاسية, حيث راحت تفقد نفوذها تباعا, ولم يعد لها اليوم سوى جانب رمزي باهت, لا يقدم ولا يؤخر في شيء, ولم يبق لها أي ذرة من النفوذ في مجتمعاتها الغربية, ذلك أن مثل هذه المواقف لا يمكن أن تؤدي إلا إلى مثل هذا المصير البائس, منذ محاكم التفتيش سيئة الذكر, ومن ممارساتها الشنيعة إجبار العلامة "غاليليو" على الاعتراف بالخطأ, وطلب المغفرة عن ذنبه الكبير, عندما اكتشف وصرح بأن الأرض تدور, فاعترف المسكين تجنبا لحبل المشنقة, وخرج من المحكمة يهذي ذهولا ورعبا, ويتمتم بينه وبين نفسه, حتى لا يسمعه أحد, ويلتف من حول رقبته حبل المشنقة, قائلا: " ومع ذلك فهي تدور", موقف الكنيسة المخزي هذا في وجه التطور العلمي, وطغيانها السياسي, هو المسؤول عن اتجاه الغرب إلى تشييد الحضارة المعاصرة عرجاء على رجل واحدة هي المادة, ذلك أنه كان بين خيارين اثنين, إما أن يهمش الكنيسة وينفيها عن أي تطور هام للمجتمع, لأنها تقف ضده ولا أمل في تراجعها عن ضلالها, وإما أن يستسلم لها ويقضي على كل أمل في التقدم والازدهار, فكان الاختيار بل الاضطرار إلى الذهاب إلى تشييد الحضارة المعاصرة في غياب تام للكنيسة, وما ترتب عن ذلك من حضارة مادية بحتة, يقاسي من ويلاتها العالم كله الآن, وتهدد الجنس البشري في كل لحظة بالفناء, لأنها ذهبت بعيدا في ماديتها, بسبب غياب الكنيسة عن حركة التحضر المعاصر, وأنتجت من بين ما أنتجت أسلحة دمار شامل, كافية لتدمير الكوكب الأرضي عشرات المرات, وهي في أيدي غير أمينة لدى إنسان غير متوازن, وليس في حوزته أي رصيد روحي, ومن ثم فهو مهيأ في كل وقت لارتكاب حماقة إبادة البشرية جمعاء. هذا المصير الأسود الذي قادت الحضارة الغربية الإنسانية المعاصرة إليه, تعود مسؤوليته كاملة إلى عزل الكنيسة اضطرارا, بسبب مواقفها المعادية للعلم والمعرفة والتطور, وها هو البابا يكرر أثناء هذه الزيارة الغريبة لفلسطين أرض المقدسات والرسالات, نفس المواقف, ويسبب خسارة جديدة للجانب الروحي الباهت أصلا في الغرب. وهكذا يكون الإصرار على الخطأ وعدم الاعتبار بتجارب الماضي القريب والبعيد, الماضي الاستعماري, والماضي الكنسي, حيث فقدت الكنيسة مكانتها لدى المجتمعات الغربية قبل غيرها, وفي هذه الزيارة يكون قداسة البابا قد أضاف إلى تلك الخسائر الفادحة الشيء الكثير, خاصة في نفوس الفلسطينيين والعرب والمسلمين, وفي نفوس كل محبي الحرية والعدل والسلام في العالم, وإنه لبلاء أعظم أن يقع شخص في مستوى قيادي روحي, بل في قمة هرم تلك القيادات, في هذا التهافت الذي لن يؤدي إلى زيادة الطين بلة على كل المستويات, ويا ليتك يا بندكت, لو بقيت قابعا في زاويتك البائسة في الفاتكان, ولم تأت إلى الأرض المقدسة, لتساهم في تعذيب الإنسانية المعاصرة, أكثر مما هي مسحوقة ومنكل بها من قبل الغرب السياسي والاقتصادي, فتذهب أنت إلى ما لم تستطع بلوغه قيادات السياسة والاقتصاد, وأنت الزعيم الروحي الذي كان ينتظر منه بصيص من الأمل, شيء من الشفقة يا قداسة البابا للجرحى واليتامى والبؤساء والأسرى, فإذا بك تقطع كل خيوط الأمل, وتسقط نفسك ورمزيتك من كل حساب, وتعلن عن حاجتك, أكثر من كل الناس إلى الهداية والوعظ والتنوير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الثلاثاء، 12 مايو 2009

البابا

سب النبي الكريم، دخل المسجد بحذائه، بارك دولة اليهود.. خطايا البابا الثلاثة بحق المسلمين

محيط - ‏10/05/2009‏
ولم يكتف البابا بذلك بل جاء ليواصل سقطاته بتعمده عدم الاعتذار للمسلمين على تصريحاته المسيئة للاسلام و دخوله مسجد الحسين بن طلال فى عمان بالحذاء بحجة أن القائمين على ترتيبات الزيارة لم يبلغوه بضرورة خلع الحذاء بالاضافة الى اعلانه عن انشاء اول جامعة مسيحية تبشيرية فى الشرق الاوسط بالأردن. ومما زاد الطين بلة ما صرح به البابا من اعتبار زيارته هذه توثيق للعلاقات التي تربط الكنيسة الكاثوليكية باليهود شعبا ودولة، مما يرسخ مفهوم قيام دولة يهودية على حساب أراضي العرب والمسلمين في فلسطين، وهي سابقة خطيرة لم ينجرف ...

البابا يتفنن


البابا يتفنن في احتقار العرب

خطايا البابا الثلاثة بحق المسلمين: سب النبي الكريم, دخل المسجد بحذائه, بارك دولة اليهود

هكذا ظهر أحد العناوين العربية اليوم, من بين مقالات أخرى كثيرة, وأضيف إلى هذا ما صرح به قداسته عندما حل بفلسطين المحتلة, حيث قال: "معاداة السامية مرفوض", أما مباركة دولة اليهود, فهذا تعبير متساهل, بل يجب القول إنه بارك الكيان الصهيوني العنصري الإرهابي المجرم, أما أن يبارك دولة اليهود, التي لن تقوم أبدا, فذلك شأنه, أما مباركة كيان عصابة مجرمة, فهذه سقطة لا يجبر كسرها, وسوف يوضع قداسته بسببها, حيث يجب أن يوضع من يباركون المجرمين, لقد كان قداسته قد أساء إلى الرسول الكريم(ص), في بداية عهده, ورفض الاعتذار للمسلمين عن ذلك, مما يفيد الإصرار على الخطأ, أو ممارسة الحقد الصليبي العنصري عن سبق إصرار وترصد, ولم يكتف بذلك, بل جاء إلى الديار الإسلامية إلى الأردن, وراح يعلن في إهانة واضحة لمستقبليه, بأنه لم يأت إلى الشرق الأوسط إلا من أجل زيارة الكيان الصهيوني, وقد أساء قداسته اختيار وسيلة الإهانة, فزيارة عصابة مجرمة, ليست بالمفخرة, بل هي على العكس من ذلك تماما, لكن العرب وامعتصماه, قد فقدوا حس المعاني, وإلا لما التفتوا إلى من يريد إهانتهم برمي نفسه إلى أسفل سافلين, بمباركة كيان ملطخ الأيدي بدماء الفلسطينيين والعرب, بمن فيهم المسيحيون, لفترة زمنية ناهزت الستين عاما, ودماء أطفال غزة المجاهدة, لا زالت لصيقة بأيدي العصابة الآثمة, لقد تبين الآن أن قداسته إنما أتى ليمارس الإهانة على العرب, ولا أقول المسلمين كما ذهب إلى ذلك الذين كتبوا في الموضوع من العرب, لسبب بسيط هو أنه ما كان بإمكان قداسته أن يدخل المسجد بحذائه في إيران أو تركيا وغيرهما من بلدان إسلامية عديدة, لا زالت لم تتدحرج إلى الدرك الأسفل من الهوان, كما هو حال العرب – للأسف الشديد – أن يتصرف رئيس الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم, وصاحب دولة الفاتكان هكذا فهو أمر فظيع ينذر بالشؤم, إذ أن توقع الشر المستطير من ملّة تولّي عليها صاحب مثل هذه التصرفات لشيء لا يحتاج إلى عميق تفكير, فماذا ينتظر من قوم يدفعهم إمامهم الأكبر إلى ممارسات لا إنسانية في حق المدنيين العزل, بتمجيده للقتلة سفاكي دماء الأطفال؟ فماذا نقول وقد كنا نستغرب سلوك بوش الطاغية؟ وإذا به يبدو الآن أرحم بكثير من شيخ الكنيسة الكاثوليكية, الذي يصدر عن تعصب متطرف حاقد, أين منه بوش المسكين؟ فإذا كانت القمة الروحية الغربية على هذا الحال, فأي خير يمكن انتظاره من حضارتهم المعاصرة, التي تسود العالم, وتستبد به؟ إن هذه الأفعال والأقوال, ومن أشنعها دخول متعمّد حاقد لمسجد الحسين بن طلال دون خلع الحذاء, لتكشف عن عمق العنصرية الغربية, والتدهور القيمي الذي تهاوت إليه, فضلا عن فقدان الذوق السليم, والحس المستقيم, ولدى من؟ إنه لدى المسئول الروحي الأعلى في الغرب؟ لقد بلغوا أعلى درجات الللإنسانية, وهم يدعون أنهم يذودون عن حياضها على مستوى عالمي. وتعالوا بنا إلى ما أضافه اليوم قداسته، عندما حل بفلسطين المحتلة, حيث قال: " معاداة السامية مرفوض ", والغريب أن الغرب وعلى رأسه قداسته, يفردون الصهاينة بهذا النسب المشترك بينهم وبين العرب, إنهم جميعا ساميون, من جد واحد, فلماذا يشوه الغرب هذا الانتساب, ويقصرونه- تعسفا -على الصهاينة, دون غيرهم من العرب واليهود غير الصهاينة أنفسهم؟ ألم يكن الغرب يعادي اليهود, لمدة قرون طويلة متتابعة؟ ألم ينكل بهم أشد التنكيل؟ لماذا لم يطلق هذا الشعار المبتور إلا بعد تأسيسه للكيان الصهيوني الإرهابي؟ الجواب واضح كل الوضوح, وهو أن الغرب يريد مواصلة مهمته الاستعمارية في العالم العربي والإسلامي, عن طريق هذه العصابة الصهيونية الدموية, بها يواصل الحرب, وعن طريقها يمارس هواية الحروب الصليبية, وبواسطتها يمنع العرب والمسلمين من إحراز أي تطور أو تحرر, إنها هي التي تقوم بمهماته بالوكالة, ومنها مهمة الحرب القذرة, ومن ذلك تدميرها – تحت الحماية الغربية الكاملة – للمفاعل النووي العراقي ذات سنة, ولم يكتف الغرب بذلك, بل راح يلاحق العراق مفتعلا الأكاذيب والأراجيف المختلفة, وما ضرب العراق في الحقيقة ودمره تدميرا, وأشبع نهمه للقتل فيه والتشريد, إلا لأن العراق كان قد بدأ يلامس التقدم العلمي والتكنولوجي المعاصر بوضوح, لذلك كان لا بد من تحطيمه, حتى تبقى السيطرة الغربية, والاستغلال الاستعماري إلى الأبد كما يحلمون, ويبارك لهم ذلك قداسته. والسيناريو نفسه يحاولون – بصعوبة – إعادته في إيران وحتى في تركيا, التي يصرون على رفض طلبها الدخول إلى اتحادهم الأوروبي, بالرغم من عضويتها في الحلف الأطلسي, واحتوائها على مساحة معتبرة من الأراضي الأوروبية, بمعنى أن هناك عددا من الأتراك يسكنون الجزء الأوروبي من تركيا, أي أنهم أوروبيون, فبأي حق يحرمون من الانتساب إلى اتحاد هم من بين مضمونه البشري؟ وما السبب الوجيه لهذا الرفض؟ هناك سببان لا ثالث لهم, هما إسلام تركيا, والخشية من تطورها إلى درجة تكسبها القوة التي يمنعونها عن غيرهم, خاصة عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين, وإنها لممارسات, سوف يسجلها التاريخ في صفحات سوداء قاتمة بالنسبة إلى الدول, وأيضا الكنيسة التي تسير في هذا الدرب بنشاط وحماس, يتجاوز ما تقوم به الدول الاستعمارية ذاتها, وها هو بابا الفاتكان يثبت ذلك بكل صراحة ووضوح, ولم يستطع – لحقده وعنصريته وتطرفه – أن يخفي مشاعر التعصب التي تعتمل بين ضلوعه, فراح يتفنن في التعبير عنها بالقول وبالفعل, عندما دخل مسجد الحسين بن طلال بنعليه, عن سبق إصرار وترصد, وما جاء إلا ليقوم بهذه الممارسات التي لا يحسد عليها, وكل إناء بما فيه يرشح, ومهما بلغ الهوان الرسمي العربي والإسلامي, فإن هذه الأمة ستظل حية فاعلة تثير الحسد والتعصب والتطرف لدى ضعفاء النفوس, وجلادي الشعوب من فاقدي الإنسانية, والطامعين في خيراتها وثرواتها وأراضيها, وسوف تُرد سيوفهم إلى نحورهم, طال الزمان أو قصر, وسوف يأتي يوم ترفرف فيه أعلام العدل والنصر عالية خفاقة, وليس الغد لمنتظره ببعيد, ولقد وعد الله – جل جلاله – المؤمنين بالنصر المبين, ووعد الله حق, والجزاء التاريخي والرباني لا يمكن أن يتأخر أو يتعطل, والله سبحانه يمهل الظالم ولا يهمله, وهكذا الدنيا دواليك, يوم لك ويوم عليك, والله لا يضيع أجر الحسنين, كما أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, وليس لنا – وإن استغربنا – أن نلوم بابا الفاتكان على تصرفاته, الذي يريد أن يفهمنا من ورائها بأنه يفعل بنا ما يفعله المنتصر بعدوه, ويريدنا أن نقبل – مرغمين – تشويهه للحقائق, ويرفض منا معاداة الصهاينة المعتدين, باسم السامية التي نحن جزء أساسيافيها, لكنه يقول لنا بصريح السلوك أنا المنتصر, وعندما أقرر شيئا فعليكم السمع والطاعة, رغم أنوفكم, وليس من حقكم أن تعادوا العصابة الصهيونية, فأنا أمنعكم من ذلك, وأتفنن في تشويه الحقيقة, وأفرض عليكم الاستسلام للصهاينة, تحت تسمية رفض معاداة السامية, فعلى الفلسطينيين الذين فقدوا ديارهم ووطنهم, وشُردوا وقُتلوا وسُجنوا وعُذبوا, ونكلت بهم العصابات الصهيونية أن يحبوها الحب الجم, وهم صاغرون, وعلى العرب أيضا, عرب الطوق أو أي كانوا ومهما كان بلدهم مجاورا أو بعيدا عن فلسطين, أن يعلنوا حبهم أي استسلامهم للعصابة الصهيونية الإرهابية, وإلا ذاقوا الويلات تحت "طائلة تهمة معاداة السامية", التي أرفضها أنا أحببتم أم كرهتم, فأنتم أعداء منذ قديم الزمان, وأنا منتصر عليكم, أنتقم منكم بالطريقة التي أراها مناسبة, وهذا هو الضلال المبين, وعدم الأهلية لقيادة العالم وريادة البشرية, وليس في هذه الغطرسة ما يشرف ولا يعلي من شأن صاحبها, لاسيما وهو يمارسها من أعلى موقع روحي في الغرب برمته, لكن لعله بهذا يقدم خدمة إلى الشعوب العربية والمسلمة, حيث تتجسد الصورة الحقيقية للغرب الاستعماري العنصري, ولنظامها الخاضع الخانع الذليل, الذي يقبل الإهانة في عقر داره ويطأطئ رأسه دون أن يحرك ساكنا, وكأن الأمر لا يعنيه أبدا, إنها مناسبات متلاحقة, تزيد الوسائط الإعلامية العملاقة من ترويجها وتشريحها, مما سيرفع الوعي كثيرا لدى الشباب خاصة, وهم المعنيون الأساسيون, لأنهم يتهيئون لقيادة بلدانهم إلى مصير أفضل وأكرم لا ريب, ومن هنا فهم في حاجة إلى ملامسة كل جوانب الحقيقة المعاصرة, ومنها جانب القيادة الروحية للغرب, وتدهورها العميق, وما يترتب عن ذلك من مخاطر يجب أن يحسب لها ألف حساب," وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ", ولله الأمر من قبل ومن بعد, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تفضلوا بزيارة المقالة وتكرموا مشكورين بترك تعليق

الاثنين، 11 مايو 2009

بن سي رابح للنشر والإشهار Bensirabah publication et publicité


تناقضات


تناقضات قداسة البابا



بابا الفاتكان "بنديكت16" في الأردن, يقوم بزيارة قالوا "للشرق الأوسط", لكنها في الواقع تقتصر على فلسطين المحتلة, والضفة الغربية, والأردن, لماذا الأردن؟ ربما لكونها "معتدلة" ومجاورة للبقاع المسيحية المقدسة في فلسطين, ولماذا لم تشمل الزيارة مصر, ووضعها مماثل لوضع الأردن؟ وهي ذات وزن كبير في المنطقة؟ ربما أن هناك جوانب نجهلها من العلاقة بين النظام المصري ودولة الفاتكان, تملي على البابا الامتناع عن زيارة مصر في الظروف الراهنة, وعلى أي حال فإننا نجهل المعطيات الحقيقية لهذا الأمر, لذلك لا نستطيع تجاوز التساؤل. أما عن تناقض البابا, سواء كان عفويا أو مقصودا, وهو في الغالب هكذا, فقد أعلن فيه عن سبب زيارته, بكل وضوح, إذ قال: "لقد جئت إلى الشرق الأوسط, لأن العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والشعب اليهودي غير قابلة للانفصام". وأضاف في إشارة إلى حماس وحزب الله، والمقاومة العربية كلها: "أنه يدين استخدام الدين إيديولوجيا لغايات سياسية", أو كما قال، المهم بالنسبة إلينا هو فحوى تصريحه "السياسي" بالطبع, وقبل أن نخوض في الموضوع, نسجل ما أضافه قداسته بالنسبة للمسلمين, إذ قال إنه يكن احتراما عميقا للمجتمع الإسلامي, وعلى المسيحيين والمسلمين أن يتعاونوا أو يتحدوا باعتبارهم مؤمنين بالله. سبب الزيارة هو التضامن, بل تأكيد الوحدة المتينة بين الكنيسة الكاثوليكية التي يرأسها البابا والصهاينة القتلة المعتدين, " الذين أخرجوا الناس من ديارهم بغير حق", وشردوا شعبا بأسره, واعتدوا, ولا زالوا يعتدون على جيرانه من الشعوب العربية المسلمة ذات النسب الكبيرة من المواطنين المسيحيين, هذه العصابة يسميها قداسته "الشعب اليهودي", إن هذا الشعب لا يوجد في فلسطين المحتلة، بل هو منتشر في العالم بأسره, أما من هم في البلد السليب, الذي يحج إليه المسيحيون, هم في أغلبيتهم الساحقة عصابة من الإرهابيين الخطرين العنصريين, الذين يرفعون شعار " من الفرات إلى النيل بلدك يا إسرائيل", ويمتنعون عن إصدار دستور لكيانهم الغاصب عدو البشرية, بسبب هذا الشعار, بمعنى الامتناع عن تعيين حدود ثابتة لدولتهم المزعومة, حتى يتركون الباب مفتوحا لمزيد من الاستيلاء على أراضي العرب الفلسطينيين وجيرانهم, في توسع لا يعرف النهاية, وهم يلمحون إلى أبعد من هذا الشعار بحقهم في أراضي السعودية واليمن, حيث كان يعيش يهود في الماضي البعيد أو القريب, ووفق هذا المنطق, يمكن أن تمتد أطماعهم إلى كل بلاد العرب والمسلمين, بل إلى العالم كله, على اعتبار أن أكثر نصف اليهود منتشرين في العالم قاطبة, بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية, التي أحكموا سيطرتهم عليها, في عهد سيء الذكر بوش خاصة, وتمتعوا بالتأييد المطلق فيما يفعلون من منكرات ومن حروب إبادة وتدمير شامل, ولا زالت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب كله وأذياله يؤيدون العصابة العنصرية المجرمة, بل يزودونها بالمال والأسلحة الفتاكة, ومنها الأسلحة الموصوفة بالدمار الشامل, وقد استعملت منها ما هو محرم دوليا مِؤخرا ضد أطفال غزة ونسائها وشيوخها وأبريائها من المدنيين العزل الصابرين الصامدين، الذين تمنع عنهم حتى الآن العصابة الصهيونية الإرهابية ومعها النظام المصري المشبوه حتى الخبز والدواء, فما بالك بالتبرعات الموجهة إلى إعادة إعمار غزة الصامدة المجاهدة, إن ما قدم قداسة البابا من أجله لزيارة الشرق الأوسط هو طرف غير مشرف, والتعامل معه على مستوى هذه الحميمية, ومن غير مراعاة ولو بسيطة لشعور ضحاياه, لأمر مؤسف للغاية, فضلا عن أنه موقف تحيط به الشبهات من كل جانب. ثم أليس هذا الموقف مناقض تماما لما يصرح به نيافته, من إدانة للاستخدام الإيديولوجي للدين, لخدمة غاية سياسية؟ أليس ما يفعله أشنع من هذا الاستخدام الذي يدينه؟ ما هي خلفيات هذا الموقف؟ وما هي مبررات هذا التناقض الصارخ؟ إن الأمر لا يعدو أن يكون تكريسا للموقف الغربي من العصابة الصهيونية, التي يؤيدها التأييد المطلق, وحيث إن البابا يمثل خلاصة هذا الغرب ونخبته, وأساسه الروحي, فهو لذلك يذهب إلى أبعد من السياسة, حيث أن المستبد بوش ذاته, لم يصدم العرب في زياراته للشرق الأوسط بمثل هذا الموقف المتطرف المعلن, وما دام بوش هو المتطرف الأكبر في الساسة الغربيين المعاصرين، فإن البابا يذهب بموقفه المفضوح هذا إلى أبعد وأبعد وأبعد من التطرف, بمسافات تتجاوز السنوات الضوئية, وهو أمر شنيع من زعيم ديني كبير, من المفروض فيه أن يكون في منتهى الاحترام للبشرية, ولإنسانية الإنسان, حيث إن جوهر الدين هو تكريم الإنسان, وخاصة الإنسان المؤمن, حامل قيم الخير والحق والجمال, والمناضل بل المكافح من أجل سيادتها, ودحر الشر والظلم والعدوان في العالم كله, إن ما ذهب إليه قداسة البابا لأمر يثير الاستغراب والشفقة من هذا التدهور الروحي الذي وقع فيه الغرب المسيطر على مقدرات البشر في هذا العصر البائس المضطرب, بل إن هذه الدرجة من التدهور القيمي والروحي, لتهدد البشرية بمستقبل مريع ومرعب, ويحسن ألا نتجاوز هذا الحد من تحليل هذا الموقف المخجل, حتى لا نصفه بما يسحق من أوصاف شنيعة, لكن المكانة الروحية المفترضة لصاحبه, تجعلنا كمسلمين نترفع عن بلوغ ما يلزم عن هذا التصريح من كلام غير لائق بمن نقول عنه"قداسته". لقد صدرت بعض ردود الفعل المحتشمة في الأردن, تطالب البابا بالاعتذار عما سبق له من إساءة للمسلمين, بعد اعتلائه عرش الكنيسة مباشرة, مما ينبئ عن ذهنية صليبية متطرفة, ولا ندري ما هي مصداقية ما يعلن عنه البابا من احترامه العميق للمجتمع الإسلامي؟ ودعوته إلى التضامن بين المسيحيين والمسلمين، أو كما قال, باعتبارهم مؤمنين بالله؟ فمن جهة يحترم المجتمع المسلم احتراما عميقا, ويدعو إلى التضامن معه على أساس الإيمان بالله, لكن كل تأييده ودعمه واتحاده القوي الذي لا ينفصم, يمنحه للعصابة الصهيونية التي تكن كل العداء لهذا المجتمع المسلم, وتعلن ذلك صراحة, بل تستعمل سلاح الغرب لقتل أطفال المسلمين ونسائهم وشيوخهم ومدنييهم العزل, وتحاصر غزة, بعد شن حرب إبادة وتدمير عليها, وتمنعها من استقبال المساعدات المادية الموجهة لإعادة بناء ما دمرته العصابة, وسوف يقضي الفلسطينيون الضحايا حر الصيف كما قضوا قرّ الشتاء في العراء, ورغم كل هذا ما جاء البابا إلى الشرق الأوسط إلا لزيارة العصابة الصهيونية الإرهابية, متجاهلا في تصريحه كل التجاهل الجرائم البشعة التي حدثت في حرب غزة, وفي حرب لبنان وفي غيرهما, بل إنه يدين المقاومة التي تصدت للعدوان, وأبدت بطولات خارقة, مما أفشل الخطط العدوانية الأكثر تنكيلا وإجراما, إنه لأمر شنيع لا يتصوره العقل السليم, ولا يمكن أن يشرف رجل دين على مستوى عال خاصة, ولو أن هذا الشخص معروف بتعصبه وتطرفه قبل أن يعتلي عرش البابوية, ولا زال كذلك أو أكثر, فلم نسمع عن سابقيه أنهم أساءوا إلى الإسلام علنا كما فعل هو. إن الأمر الأكثر غرابة هو الصمت الذي يواجه به النظام الأردني والنظام الإقليمي العربي الإسلامي, مثل هذه الإهانات والتجاوزات العدوانية المتغطرسة في عقر دار المسلمين والمسيحيين العرب والعجم, ولست أدري مم يخافون, بعد هذا الحد من الاحتقار والإذلال؟ أم أنه كما قيل بحق: ليس لجرح بميت إيلام, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لقد كان من المفروض في هذا الضيف المعتدي أن يكون على الأقل في صف المسيحيين العرب الذين هم أحق بتعصبه, إن كان لا بد له من أن يتعصب, أما أن يكون في مساندة الصهاينة وحدهم, دون غايرهم, نعم الصهاينة وليس اليهود كما يدعي, فهو أمر لا يضر المسلمين ولا العرب في شيء, وإنما يلحق أفدح الأضرار بصاحبه الذي تهاوى إلى هذا الحد السحيق من مناصرة الشر والظلم والبشاعة, وإن التاريخ لا يرحم, يا صاحب القداسة, سوف يذكرك بهذه الأوصاف الشنيعة, ويصنفك مع من وضعت نفسك بينهم من أعداء البشرية والحياة. وها هو البابا العظيم اليوم, يعلن من ملعب عمان, حيث أقام قداسا, عن تضامنه مع مسيحيي الشرق الأوسط, بعد أن تجاهلهم بالأمس, ولم يشركهم في الدعم والتأييد والحب مع الصهاينة, ومع إعلان هذا التضامن المتأخر, يدعوهم إلى الإخلاص لجذورهم, وهذا هو البلاء الأعظم, إن قداسته لا يتضامن مع مسيحيي الشرق الأوسط, بل يريد دعم الصهاينة أقوى دعم, بالدعوة الطائفية, مما يؤدي إلى التطاحن بين الطوائف العربية, وإشعال نار الفتنة والحروب الأهلية, بين المسلمين والمسيحيين, لفائدة الكيان الصهيوني, الذي لا يتمنى خدمة أكثر من هذه الخدمة, إن دعوة البابا هذه, تعني بصراحة دعوة مسيحيي الشرق الأوسط إلى التعاون مع العصابة الصهيونية ضد بلدانهم وشعوبهم ومواطنيهم المسلمين, إذ الوفاء إلى الأصول, معناه الإخلاص للعقيدة اليهودية, التي هي أصل العقيدة المسيحية, أو أن هذه تتمة للأخرى, كما يعتقدون, لكن في هذا الأمر مغالطة كبرى, فالذين يريد البابا تضامن مسيحي الشرق الأوسط معهم, ليسوا هم اليهود, بل الصهاينة, والفرق شاسع بين اليهود والصهاينة, ثم ماذا حدث في الغرب بمناسبة إنشاء هذا الكيان العنصري العدواني؟ ألم يكونوا يعادون اليهود ويضطهدونهم ويشردونهم, من قبل, بسبب اعتقادهم بأنهم هم الذين صلبوا المسيح عيسى بن مريم, عليه السلام؟ لماذا تصالحت معهم الكنيسة الحالية, وبرأتهم من كل ذنب؟ بل لماذا تصالحت مع الصهاينة, ولم تتصالح من قبل مع اليهود؟ الجواب واضح كل الوضوح, وهو أن الغرب وكنيسته, قد أعلنوا وحدتهم التي لا تنفصم مع الصهاينة, وليس مع اليهود, لأنهم إنما خلقوا هذا الكيان العدواني من أجل خدمة أهدافهم الاستعمارية الاستغلالية في المنطقة, وأنابوه عنهم في ممارسة العدوان, وتكريس السيطرة على المنطقة العربية والإسلامية, لأغراض شتى تتمحور حول المصالح المادية والمعنوية للغرب الاستعماري, ومما يؤسف له شديد الأسف أن الكنيسة عموما والكاثوليكية خصوصا, قد قامت بدور مشين في مؤازرة الاستعمار مؤازرة تامة, وموقف بابا الفاتكان ليس سوى مواصلة لدور الكنيسة الاستعماري, ومن نسي منا هذا الدور, فليتذكر مجهودات لا فيجري ورفقاؤه في الدعم القوي للاستعمار الفرنسي الاستيطاني المتوحش في الجزائر, وزيارة قداسة البابا, تصب بامتياز في هذا الرافد البغيض, لكننا نقول لا غالب إلا الله, وسوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون, ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الجمعة، 8 مايو 2009

مقال الزاوي

نقد مقال الزاوي الأسبوعي

كتب الزاوي اليوم مقاله الأسبوعي في الشروق

تحت عنوان: الروائيات العربيات يستعدن لسان شهرزاد

الشروق- الخميس 07 ماي 2009/ الموافق لـ 12 جمادى الأولى 1430هـ/العدد 2604/

ص19



الملفت للانتباه هو أن عنوان الكتاب الأبيض قد اختفى, وظهر الموضوع تحت تسمية جديدة هي "أقواس", هكذا دون شرح, ربما يكون الكاتب قد تخلى عن مشروع الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر, التي كانت الحلقات السابقة تصدر باسمه, أو أن مقال اليوم جملة معترضة, ثم تعود حلقات الكتاب من جديد, أو أن ذلك المشروع كان يترجم عن طموح سياسي تبخر مع بقاء الحكومة القديمة, دون تغيير, بعد الانتخابات الرئاسية, على أي حال, هذه مجرد تخمينات سببها غموض الموقف, وكأن القارئ لا شأن له بالتغييرات الواقعة, لاسيما وقد كان يمني نفسه بالاطلاع الشافي الكافي على حقائق الثقافة الجزائرية كاملة. كما في عنوان المقال, يصف الدكتور المرأة العربية بكونها مرتبطة بما أسماه ثقافة الحكي, حيث براعتها وتميزها, وملاذها الحصين، فيه تحتمي من بطش الرجل وإليه تفر عندما تشعر بخطر مامصدره الرجل، أو كما قال: "إليها تهرب من كل حصار أو قمع أو سلطة ذكورية فاقدة لفحولتها". وهكذا تستعيد المرأة العربية مملكتها بقوة, حيث صدر لها "سيل" من الروايات, في مختلف أركان بلاد العرب, ومع هذه المملكة, تستعيد اللغة, ثم يقرر أن الحكاية هي سبيل المرأة إلى التحرر, والرجل ذاته كان يعتقد أن الحكي شأن المرأة, أما هو فشأنه الدين والحرب والسلطة, حيث يريد الهيمنة, وفي مقدتها السرير, فالسرير رمزيا, هو أكبر ساحات الحرب بين المرأة والرجل, حيث تهيمن المرأة بأقوى سلاح لها, وهو الحكاية, "وبالتالي الهيمنة على رجل بفحولة غير حضارية". والآن تعود هذه الحرب "حرب الحكاية والحرب حول الحكاية تشتد وتعود إلى الساحة العربية التخييلية". المرأة تستعيد "مملكتها الضائعة", تستعيد الروائيات العربيات "أندلس الحكاية", التي أسستها المرأة, ثم يشيد بجرأة الروائية العربية المعاصرة, ويذكر أمثلة كثيرة في طليعتها ثلاثية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد- فوضى الحواس- عابر سرير). تستعيد المرأة سلطة الكلام و"تريد تحرير مملكة الحكي من الرجل المستعمر وهو الذي كان يقول دائما الحكي,شغل النساء. بفضل المرأة المبدعة, تحقق الكثير للثقافة والأدب العربيين, "أولها دخول الرواية العربية تجريب الجرأة المفتوحة على فتنة الجسد وأسرار الليل". جرأة كانت غائبة – تقريبا – "في الكتابة الذكورية المتلبسة بخطابات أخلاقية كاذبة", ثم يحصي النصوص الصادرة عن النساء العربيات في العشرية الأخيرة بحوالي مائة رواية, تريد المرأة من خلالها "أن تستعيد سلطتها على السرير وتستعيد مملكة شهرزاد كسلاح معاصر وحداثي ضد الموت الشهرياري الراهن". فضحت هذه الكتابات النسائية المجتمعات العربية والإسلامية "دون خوف أو تردد", "فضحا شاملا"حيث إن هذه المجتمعات " تتستر في غلالة من النفاق الأخلاقي والديني والسياسي", هادفة إلى "إعادة التوازن للمجتمع وإدانة انتهاك إنسانية المرأة الممارس بصيغ وتبريرات متعددة". أعادت هذه الكتابات كذلك " للرواية سلطة القراءة ", بعد مقاطعة القارئ العربي لها, فالرواية النسوية في المعارض العربية هي الأكثر طلبا, وهي أيضا الأكثر تعرضا للرقابة والمنع, ثم يذهب الكاتب إلى أن الروائيات السعوديات هن الأكثر جرأة, وهي "ظاهرة جديدة في الأدب العربي تتمثل في بروز صوت أدبي خليجي جارح". ربما يكون لتكنولوجيات الاتصال دور في الموضوع, حيث اطلعت المرأة على الواقع العالمي, مما جعل وعيها بمحيطها يرقى " وبالتالي تعود إلى الرواية مستنكرة مجتمعا فاسدا ورجلا أنانيا وثقافة منافقة". هذه الروايات الجريئة والمتعددة هي رسالة – في نظر الكاتب – لإرادة التغيير في المجتمع, ويكون للنساء فيه بالأدب والرواية مساهمة معتبرة "في التغيير والانقلاب الاجتماعي والسياسي والثقافي". يقول الكاتب أن هذا الوضع يذكره بالتجربة المجرية في مقاومة الدكتاتورية الشيوعية, قبل انهيار الاتحاد السوفيتي عن طريق أعمال أدبية مناضلة ورائدة, ثم يختم بتساؤل عن إعادة توازن المجتمع العربي, "بعودة التوازن إلى السرير الذي عليه قامت الحروب وعليه نفذت الاغتيالات وعليه بدأت المرأة فتنة الحكاية؟".

صراحة يصعب تناول كل هذا المزيج من كل شيء, من الانطلاقة غير المتوقعة, والتحول المفاجئ من انتقاد الثقافة الجزائرية إلى مدح الرواية النسائية العربية بما فيها الجزائرية, هذا المدح الذي بلغ درجة غير متوقعة أيضا, ما دام حكم الدكتور قد صدر في مرات سابقة على أن الإنتاج الثقافي بالعربية في الجزائر, وفي مرة لاحقة لدى العرب جميعا رديء, في حين أن نظيره بالفرنسية في الجزائر بالطبع, يتربع على عرش الجودة والمعاصرة, ثم يفاجئنا اليوم بأن الرواية النسائية ممتازة, بل تمثل مقدمة لثورة اجتماعية جذرية في المجتمع العربي برمته, بقيادة روائيات عربيات, والمسألة كلها تتلخص في السرير الذي استعادت المرأة سلطتها عليه عن طريق الحكي أو الرواية, وبذلك تكون قد استعادت مملكة شهرزاد التي أضاعتها مطولا؟ ما هي سلطة السرير هذه ومملكة الحكي؟ لم نعرف عنهما شيئا في المقال المكرس لهما, فالعنوان يوحي بتطور أدبي روائي حاصل على الساحة العربية بفضل النساء المبدعات أو الروائيات كما قال الدكتور, لكن المسألة كلها تسبح في سديم معتم لا يكاد المرء يتبين منه شيئا, فلا أحد قال بأن "ألف ليلة وليلة" عمل نسائي, وأن "شهرزاد" هي امرأة حقيقية وليست شخصية خيالية روائية, بل يتفق كل الناس على أن الكتاب الشهير من تأليف رجل أو عدة رجال, وهناك من يذهب إلى أن تلك الرائعة التي تدور أحداثها – خاصة – في العراق وسوريا ومصر, قد وقع تأليفها على مراحل, ووقعت فيها إضافات في هذه الأقطار الثلاث, وفي غيرها مثل فارس والهند, ومن قائل بأن أصلها فارسي أو هندي بدليل وجود أشياء من تلك البلدان فيها, وقد تكون هناك مساهمات فيها من هذين البلدين وغيرهما, فماذا يستعيد نساء اليوم حقا من تلك السلطة الخيالية الحكواتية؟ التي وضعها رجل أو عدة رجال في زمن غابر, تهيأت فيه ظروف حضارية وثقافية, سمحت بإنجاز الروائع في الأدب وفي غير الأدب؟ أم أن الدكتور الزاوي يستعمل هذا العمل التراثي كأداة تعبير عن الوضع النسائي والاجتماعي الراهن؟ كان عليه في هذه الحالة أن يصرح بذلك, حتى لا يلتبس الأمر على القارئ, ولا يظن أن مؤلف ألف ليلة وليلة امرأة, وأن النساء في ذلك الوقت كن متحررات, يتمتعن بحقوقهن كاملة, ويعشن مساواة شاملة مع الرجال, ثم جاء زمان الانحطاط المتبوع بالاستعمار ثم بسلاطين مستبدين, وقد شرعن الآن عن طريق الطلائع من الروائيات في الانبعاث والنهضة والرقي مجددا, هذا إذا صح أن الرواية العربية النسائية لها كل هذه الأهمية؟ أو أن العمل الأدبي يمكن أن يكون – وحده – سببا كافيا للثورة والتحرر؟ إن هذه مبالغات بعيدة عن الإقناع المنطقي الحاسم, ويبدو أنها مرتجلة ومجرد خواطر عابرة, وكان لا بد منها لسبب من الأسباب, بقطع النظر عن شكلها ومضمونها, لقد كان على الكاتب أن يسجل معطيات فنية نقدية روائية كافية, وكان من الأفيد والأجود أن يتناول نموذجا معينا من هذا الإبداع ويتعمق في تحليله, وربما مقارنته بغيره من الإبداع الروائي العالمي الراقي, حتى يستفيد القارئ فائدة فنية حقيقية, يمكن أن يضيفها إلى رصيده المعرفي والذوقي الأدبي, أما أن نسوق أخبارا هكذا, دون تناولها بالدراسة والتحليل والنقد, فهو أمر لا طائل من ورائه, ولا كبير فائدة ترجى منه. وهكذا فلا الازدهار الأدبي كان بما يفهم من المقال في ماضي الأمة لدى النساء, ولا النهضة الحالية وقع تشخيصها وتقويمها بما يقدم صورة عنها واضحة ومرجعية, وقد حاولت تقصي الأمر في بعض المراجع, فوجدت بعض الإحصائيات عن شاعرات, بلغن حوالي أربعين في الجاهلية, منهن أسماء معروفة: كالخنساء ورابعة العدوية وسكينة بنت عرف, وهناك ربما عددا أكثر في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية, منهن شهيرات: ليلى العامرية وولادة بنت المستكفي،,وليلى الأخيلية, كما تذكر المصادر عن العصر الحديث, حوالي مائتين وخمسين ربما بين أديبة وشاعرة: كنازك الملائكة وعائشة التيمورية ولميعة عباس عمارة وسلمى عريض وسعاد الصباح وفدوى طوقان ووردة اليازجي. ويذكر الدكتور الزاوي كثيرات من الروائيات العربيات المعاصرات, وبعض رواياتهن الشهيرة. أما عن واقعة السرير والجرأة ونفاق الأدباء الرجال وعدم جرأتهم ومراعاتهم لأخلاق كاذبة, إلى غير هذا من كيل التهم المجانية للرجل عموما وللأديب خصوصا, فهذا هو الجانب الأكثر غموضا وبعدا عن الإقناع في هذا المقال, فهل الأدب الحقيقي هو الذي لا يراعي مشاعر الناس؟ وهل أن الأخلاقيات المجتمعية في الخطاب الروائي واجبة الانتهاك, ليكون الأدب راقيا؟ وهل الموضوع, حتى ولو كان هو السرير , هو الذي يعطي للحكاية أو الرواية شهادة الإبداع؟ أم أن الشكل هو الأمر الحاسم في التعبير الروائي, أي كان موضوعه؟ ثم ما المعيار في هذا السياق؟ هل هو مثلا الرواية الغربية الأمريكية والأوروبية؟ نعم إن الرواية الغربية تصلح لا جدال في ذلك معيارا من الناحية الشكلية الفنية, لكنها لا تصلح بتاتا أن تكون معيارا للموضوع, ذلك أن الحديث عن السرير عندهم أمر عادي, بينما هو عندنا ليس بالعادي أبدا, ولا يمكن أن يكون رمزا للرقي, كما يريد الدكتور أن يفهمنا, فالمسألة هنا تعود إلى خصوصيات اجتماعية لا سبيل إلى القفز عليها, ولا مبرر لذلك إطلاقا. هذا من حيث الرقي الأدبي, والأمر ذاته عن تحرر المرأة عموما, قد نتفق على أنه لا أحد يمكن أن يحرر المرأة غير المرأة, وهذا التحرر إنما يكون من خلال ممارسات عملية واقعية, من بينها الممارسات الأدبية والروائية, لكن على أساس رقي التعبير, وليس على أساس موضوع السرير, على أهميته في التوازن النفسي والاجتماعي, لكن المجتمع يجعله أمرا حميميا خاصا, ولا داعي للبوح بملابساته وأسراره الشخصية البحتة؟ أليس من الحرية حماية الخصوصيات؟ إنه أمر لا علاقة له بالجرأة والعبقرية والحرية إطلاقا, حتى لو سلمنا جدلا بأن يحكي بعض الناس عن أسرّتهم, إن كانت لهم أسرة حقا. إن إعطاء مسألة الجنس الجوهرية كل هذا التأثير لشيء يثير الاستغراب, فلم نسمع إطلاقا – في مجال السياسة – أن السرير كان سببا في حروب واغتيالات وما إلى ذلك من الجرائم السياسية الشنيعة, بالرغم من أن التحليل النفسي قد يذهب إلى هذا, لكنه يبقى افتراضيا, وليس من المسلم به أن يكون السلوك كله دافعه الجنس, ومهما كان من أمر, فإن هذه المسألة غير محسومة علميا, وبالتالي لا يمكننا أن نتخذ منها معيارا جادا لتأويل السلوك الفردي والاجتماعي خاصة، بالرغم من اعترافنا – بالضرورة- بما لها من دور قد يكون كبيرا أو صغيرا في السلوك, إلا أن ذلك لا زال بعيدا عن الموضوعية العلمية الملزمة, لذلك لا يجب أن نذهب بعيدا في نقد وتحطيم عاداتنا وتقاليدنا في هذا الجانب الذي يبقى حساسا مجانا, لا لشيء إلا لأن الغرب المتحضر يفعل ذلك, لا ليس من المقبول ولا من المعقول أن يكون للغرب واجب الاقتداء عندنا إلا فيما هو عام, أي فيما هو علمي وتكنولوجي, ومن ذلك قواعد الفن الروائي, أم موضوعاته المفضلة, فذلك من خصوصياتنا, وحتى في الغرب فإن مسائل السرير هذه تبقى محدودة, وذلك مثل المنشورات والأفلام الجنسية, وما إلى ذلك مما يعرف بالإباحية, والتي ليست مقياسا للتحرر ولا للتطور عندهم أيضا, وإنما هي مباحة, لمن يريد. إن المثل الحي لتحرر المرأة العربية المعاصرة, هو بامتياز المثل الجزائري, وهو مثل لا من الرواية ولا من السرير, وإنما من الثورة, من الكفاح المسلح, لقد استطاعت المرأة عن طريق المشاركة الفاعلة في الكفاح أن تنتزع حريتها, وتفرض على المجتمع تغيير نظرته إليها جذريا, وتطيح بكل القيود التي كانت تكبلها, وذلك من خلا ل تغيير اجتماعي عميق وقهري, إذ أن الذي تغير هو المجتمع ذاته بقيمه وبعاداته وتقاليده, تحت ضغط الثورة القاهر, وهكذا فإن المرأة التي حملت السلاح أو اضطلعت بمهمة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو عسكرية في سياق الكفاح المسلح, تكون قد حطمت كل القيود التي كانت مفروضة عليها كامرأة, وصارت مناضلة ومسبلة وفدائية ومجندة, وغير ذلك من المهمات الثورية, لقد أصبحت مجاهدة ولا أحد له سلطة عليها بصفته رجلا, بل هي التي قد تفرض عليه تعليماتها كمقاتلة وثائرة في سبيل الحرية, وليس لأنها امرأة, وينبغي أن نشير هنا إلى أن المرأة الجزائرية قد فقدت الكثير من حريتها, التي اكتسبتها بفضل مساهمتها في الثورة, وذلك لأن الثورة قد وقع اغتيالها, حسب تعبير أحدهم, وما أن جاء الاستقلال, حتى وجدت المرأة نفسها, في ظروف اجتماعية تقليدية, لم يبق منها من التغيير الثوري سوى ظلال باهتة, لكنها كانت تضمن – رغم ذلك - فضاء مهما للتحرر, بما أتاحته من فرص التعليم خاصة, مما جعل المرأة تتفوق في العدد بكثير عن الرجل, في مقاعد الدراسة, وبالتالي في الوظيفة, خاصة في قطاعا معينة, مثل التعليم والصحة, والسبب هو أن البنت تناضل من أجل التحرر عن طريق الفرصة الاجتماعية المتاحة لها, وهي التعليم, بينما الولد يلهو في الشارع, الذي يمكن له ارتياده بحرية تامة, وبالتالي يضيع وقته فيه, ويهمل دراسته, فيكون مصيره التسرب المدرسي والفشل والبطالة. إن القضية قضية المرأة, وعليها أن تقوم بواجبها نحو نفسها, وذلك من خلال قيامها بمهمة في المجتمع تحتم تحررها, بنفس الدرجة التي تساهم فيها في تغيير المجتمع وترقيته, فلا أحد يمنع الطبيبة أو المهندسة أو الصحافية من الخروج أو التصرف بحرية تامة في إطار الضوابط الاجتماعية المفروضة بطبعها على الجميع, باعتبارهم ينتمون إلى مجتمع معين, وهم يفعلون ذلك عن قناعة, أو ربما عن ميول والتزام لا يتطرق إليه الشك أو التردد, باعتبار أن تلك القواعد الاجتماعية ضرورية للحياة السليمة في مجتمع معين, وفي إطاره يمكنهم أن يمارسوا كل الطموح اللازم لبناء مجتمع معاصر من النواحي الواجبة العصرنة, أي فيما هو عام, والمتفق عليه في هذا المجال هو العلم والتكنولوجية, أما ماعدا ذلك فأوربا ذاتها رفضت المس بخصوصياتها, عندما أرادت الهيمنة الأمريكية أن تمحو كل شيء في العالم عدا ما هو أمريكي, بما في ذلك اللغة والثقافة والتقاليد, وذلك باسم العولمة, أو وهم العولمة, التي أرادت "البوشية" أن تفرضه بقوة الحديد والنار, لتحول العالم إلى إمبراطورية أمريكية فقط, إن المجتمع بدون خصوصياته المتطورة بطريقتها الخاصة, لا يمكن أن يستمر في الوجود, وهذا هو معنى العولمة المستحيل التجسيد, أو ما كنا قد عرفناه في تاريخنا بالاندماج, ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن المجتمعات العربية الإسلامية بخير, وخصوصياتها سليمة معافية, فلو كانت كذلك لما وصفت بالتخلف, ولما عانت الهوان والذل والسيطرة الاستعمارية القديمة والجديدة, والإرهاب الصهيوني المجرم, غير أن العالمية المطلوبة وليس العولمة, لا يمكن لأي كان في الشرق أو في الغرب أن يصل إليها في الرواية وفي غيرها, إلا عن طريق ترقية خصوصياته, لتصل إلى مستوى العالمية, التي تنتزع الاعتراف بها انتزاعا, وتساهم – بجدارة - في ترقية الإنسانية جمعاء في مجال معين, أو في جميع المجالات, عندما يبلغ المجتمع برمته مرحلة الرقي والحضارة المعاصرة بالطبع, لكن بخصوصياته وعن طريقها, واستيعاب أيضا ما هو عام متفق عليه بين جميع البشر والمجتمعات, مثل العلم والتكنولوجية كمعرفة, أما كاستعمال فمسألة أخرى. يبقى أن أشير إلا أن نقدي هذا, يتناول المحتوى, لأن الشكل يخص أهل الاختصاص, من نقاد الرواية, لكن مثل هذا الشكل, أو نظرية الرواية, غائبة تماما في مقال الدكتور الزاوي, مما يعني أن الأمر يتعلق بانطباعات عامة, اعتمد فيها صاحبها على مخزون الذاكرة, ولم يكلف نفسه عناء البحث, ليقدم للقارئ شيئا من الإضافة الفنية النظرية في مجال الرواية, حتى يستفيد وينمي معارفه في هذا الشأن الهام, وقد يكون صاحب المقال قد بلغ درجة من الاعتداد بالنفس, تجعله يعتقد في أن كل ما يصدر عنه أدبا وفنا وعلما في هذا الباب, وربما في غيره, فالمسألة حينئذ فيها نظر, ولا أظن أن فائدة ما ترجى منها, وليس هذا هو المطلوب من المشاهير وحتى العباقرة, الذين لا يسمحون لأنفسهم بالخروج على الناس إلا بما ينفع ويضيف أفضل الإضافات, التي يعجز عنها غيرهم.

الاثنين، 4 مايو 2009

الأنظمة الإقليمية هي المسؤولة عما يحدث في القدس

الأنظمة الإقليمية هي المسؤولة عما يحدث في القدس
رد على أحدهم يحمل الفصائل الفلسطينية وخاصة منها فتح وحماس مسؤولية الوضع الخطير في القدس وفي فلسطين كلها

هذا كله صحيح على المستوى الوطني الفلسطيني، فلا يحق للقيادات الفلسطينية أن تتصارع وتتشرذم تحت الاحتلال، فكل الطاقة المتاحة، يجب أن تصب في رافد واحد هو المقاومة، ثم المقاومة، ثم المقاومة، ولا شيء غير المقاومة، لكن النكبة الكبرى هي أن فريق السلطة فضل التخلي عن المقاومة مستسلما، أو في أفضل الأحوال متوهما أن التخلص من الاحتلال، يمكن أن يتم عن طريق المفاوضات، والاستنجاد بالمجتمع الدولي المشلول أو المتواطئ، هذا لا يعني أن حماس بريئة من الشرخ الحاصل في الصف الفلسطيني، مهما كانت المبررات وجيهة، كما هو الأمر عندما تنخرط السلطة في محاربة المقاومة بدعوى الإرهاب، وهو الأمر العار والأكثر فظاعة، لكن المسألة أوسع من الساحة الفلسطينية، فالكيان الصهيوني ذاته، وبالرغم مما هو عليه من قوة غاشمة، بما فيها الترسانة النووية، يعجز عن مواجهة المقاومة ذات الإمكانات البسيطة، لو سُحب منه التأييد المادي والمعنوي، الذي يتمتع به على مستوى العالم قاطبة، وفي مقدمة ذلك أمريكا وأوروبا والغرب وأتباعه والسائرون في ركابه أجمعين، بل ولولا التأييد الإقليمي والعربي منه خاصة، هذا هو جوهر القضية وشناعة العار العربي الإسلامي، الذي تمارسه الأنظمة المتخاذلة المتواطئة العاجزة، وأكثر من هذا فإن الشرخ الحاصل في الصف الفلسطيني، ما كان بالإمكان أن يحدث، لولا هذا الموقف الإقليمي العربي الإسلامي، ومن هنا فاللوم الأكبر بل والشجب يجب أن يوجه إلى القيادات الإقليمية المفرّطة في الممصير العربي الإسلامي كله، والمتغاضية عن تهويد القدس، وتهديد المسجد الأقصى المبارك بالسقوط والانهيار، وهو الأمر الذي ما كانت الشعوب العربية لتسمح به، عندما كانت تحت وطأة الاحتلال الاستعماري الرهيب، إنها اليوم في وضع أوهن، ترزح تحت نير أنظمتها الفاسدة الخانعة، والتي تتحمل وحدها كل المسؤولية عن الكوارث التاريخية البادية في الأفق، هذه هي الحقيقة العارية، ولا ينبغي تغطية الشمس بالغربال.

السبت، 2 مايو 2009

القدس عاصمة للثقافة

القدس عاصمة للثقافة العربية في نظر الزاوي

جريدة الشروق – أقلام الخميس – العدد 2598 – بتاريخ 30 أفريل 2009 – ص 19

كتب الزاوي في حلقته الأسبوعية بالشروق، في صفحة من أقلام الخميس، ضمن مشروع كتابه الأبيض عن الثقافة في الجزائر، تحت عنوان:

.. وتحتفل إسرائيل بالقدس عاصمة للثقافة العربية؟

خلاصة المقال احتفاء إسرائيل بالشعر والشعراء, وفرض الأمر الواقع في القدس، ومنع الاحتفالية عن الفلسطينيين والعرب، وتصادر مزيدا من الأرض والأملاك، وتهدم بيوت المقدسيين، وتنتخب اليمين المتطرف، وتوسع الحفريات حول المسجد الأقصى ومن تحته؛ وتدنيس الحرم وإهانته وتهيئته للاندثار، ويسمي الكاتب المسجد بالمسجد الحرام. يقول: "هكذا تحتفل إسرائيل بالقدس عاصمة للثقافة العربية فعل وفعل وفعل وفاعل.هذا عن الجانب الصهيوني، فماذا عن الجانب العربي من الاحتفال؟

العرب العاربة والمستعربة، يقول الزاوي، يحتفلون بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، بصرف الأموال على الحفلات، حفلات الراي والراب والروك والتكنو، كما يحتفلون بالمناسبة بالأنخاب وبالكلام الكثير والتنديد العظيم وبرفع الشعارات الكبيرة المنفوخة، مثل "القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية"، وغير ذلك، يقول: " وتضحك إسرائيل علينا كثيرا "، يقول: وحين يحاول العرب العاربة والمستعربة إقناع بعضهم بعضا بأن القدس عربية فكأن في هذا الأمر شكا". ثم يواصل، يحتفل العرب بالمناسبة بالرقص، ويذكر أنواعا كثيرة منه، ثم لأنهم رومانسيون، يحتفلون بالبكاء، وما يعبر عنه من مواويل وغيرها، يحتفلون بأموال تهدر، وكل هذا يقول: "تضييع مال وتضييع وقت". ثم يقترح بدائل عن الاحتفال ما دامت إسرائيل قد منعته، مثل القيام بتظاهرات ثقافية تحسيسية في بلدان أجنبية، قصد التعريف بالقضية الفلسطينية، وجلب التعاطف معها، يقول بعد أن يذكر تفاصيل لاقتراحه: " لو فعلوا هذا لكانت الاحتفالية أعظم وأكبر وأنفع وأشرف ".

التعليق:

القصد من هذه المتابعة، هو رصد مسار هذا الموضوع البالغ الأهمية، لا سيما أن صاحبه يدرجه تحت عنوان كبير، هو كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر، ثم البداية غير الموضوعية التي انطلق منها، بنقد بل بانتقاد كل ما هو عربية أو معرب أو عربي، إلى درجة تفوح بالكراهية والتعصب والتعسف، وفي ذات الوقت تمجيد كل ما هو متفرنس إلى درجة الانبهار والتحيز والاستلاب، لذلك فإن هذا المسار المؤسف، ينبغي أن يوضع تحت المجهر، في محاولة للتنبيه إلى الفلتان الواقع على الساحة الثقافية الوطنية، والمساهمة قدر المستطاع في إعادة الانضباط الضروري لهذا المجال الاستراتيجي الحساس. إن حرية التعبير لا تعني أبدا إطلاق الأيدي لممارسة الإساءة المجانية التي لا تخدم أي قضية، لا سيما عندما تكون تجنيا وعارية عن الموضوعية، وعلى أي حال فإن حق الدفاع عن النفس لا مفر منه ولا أحد يستطيع شطبه.

أما ما كتبه الدكتور الزاوي في هذا المقال، والذي يثمن منع إسرائيل للاحتفالية، وعبثية ما يقوم به العرب في هذه المناسبة، ففيه الكثير من الحق، لكن هناك ملاحظات عليه، منها أن هذا الطرح معروف، يمارسه عامة الناس، في إطار مكابدة عقدة النقص الحضارية، ومذلة المغلوب، وما اصطلح عليه بجلد الذات، إلى جانب أن الكاتب انزلق – فيما يبدو – كما فعل في الحلقة الماضية، من الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر، إلى نقد الثقافة العربية أو انتقادها، لا لأن الجزائر غير معنية بالاحتفالية كونها عربية، وتساهم في ميزانية المناسبة، وهي مشاركة في مسؤولية الأداء العبثي لهذا الموضوع، كل هذا صحيح، لكنه ليس لب القضية التي هي نقد الثقافة أو الممارسة الثقافية الرسمية في الجزائر، أم ترى الدكتور قد استنفذ بسرعة مواطن النقد لما هو وطني من الثقافة فاضطر إلى توسيع الرقعة إلى كل ما هو عربي منها، في هذه الحالة عليه أن يغير عنوان مشروع كتابه، لينسجم مع موضوعه الجديد.

إن من يتصدى لنقد الثقافة، بل يتجاوز ذلك إلى نقد سياسة الثقافة في بلد ما، لأن مشروع كتاب أبيض يحمل المعنى السياسي، عليه أن يتناول أشياء إستراتيجية، تتجاوز هذه المظاهر التي تتناولها العامة، كما سبقت الإشارة، إذ أن نقد الإستراتيجية، وبالتالي تقديم البديل، يتطلب تحليلا معمقا للواقع بمنهجية علمية صارمة، وبمعطيات دقيقة وواضحة، حيث إن المظاهر في متناول جميع الناس ولا تصلح لأن تكون موضوعا لكتاب أبيض أو أسود. وحتى الانطباعات العابرة والمرتبطة بالأحداث الراهنة، ومهما كانت درجة ثقافة صاحبها، لا يمكن أن تكون مادة لنقد سياسة الثقافة وإستراتيجيتها، وإنما يتعين على المتصدي لهذه المهمة الخطيرة أن يعمد إلى ضبط جانب نظري ضروري بالاستناد إلى أحدث ما توصل إليه البحث العلمي في هذا المجال، مما يؤدي إلى مساهمة جادة بتقديم خلاصة مفيدة لمنهجية البحث في هذه المسألة، وقد يحتاج إلى وضع هذه المنهجية العلمية العالمية في صيغة مناسبة تنسجم مع الظاهرة الثقافية محل البحث، وهو الأمر الذي قد يدفعه إلى إجراء بعد التحويرات المنهجية، قد تبلغ مستوى الاكتشاف والإبداع والإضافة، ومن ثم يلج باب العالمية بكل جدارة، وهذه فائدة عظيمة شخصية ووطنية وعالمية.

ومن الناحية الموضوعية أيضا هناك بعض الهفوات في المقال، مما يدل على أن صاحبه يرتجل ارتجالا، منها قوله عن المسجد الأقصى المبارك " المسجد الحرام "، وهو خطأ لا تقع فيه العامة، فكيف بمتصد لنقد إستراتيجية الثقافة الوطنية؟ بالإضافة إلى أن مثل هذه الهفوة ذات مدلول عميق عن الخلفية التي ينطلق منها صاحب مشروع الكتاب الأبيض.

نحن مع الدكتور عندما يقارن بين السلوك الصهيوني ومثيله العربي، هذا أمر ضروري على كل المستويات، لكن ما قدمه لنا صاحب المقال معروف ومتداول عند عامة الناس وخاصتهم، ولا يشير البتة إلى مجهود مبذول ولا يبرر الادعاء بالطرح العلمي للسياسة الثقافية وإستراتيجيتها لدى الجانبين، لقد كان على صاحبنا أن يذهب بعيدا، ويقدم لنا الجديد، مما يمكن وضعه في لائحة الاكتشاف والإبداع الثقافي والعلمي، وهنا تكمن مشروعية القيام بوضع كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر أو الثقافة العربية، لا يهم هذا كثيرا، لما يوجد من تداخل طبيعي بين الجزء والكل، لكن لا بد من تحديد الموضوع ، بأن يكون الجزء أو الكل هو المعني بالبحث، ثم التصدي الموضوعي والعلمي للدراسة، وما دون ذلك هو تكديس للكلام المعاد، ولا طائل من ورائه، فالثقافة قبل كل شيء إبداع، ومن ينتمي إليها مبدع بالضرورة، وهذا هو الحد الفاصل في القضية، أما من يتصدى لنقد إستراتيجية الثقافة، فهو مطالب بإبداع من نوع خاص، قد يدعى الإبداع الأسمى، لأنه يتصدى لنقد الإستراتيجية، التي تتطلب نقد الإبداع ذاته، ولذلك يتعين أن يكون نوعا رفيعا من الإبداع. ولا تفوتنا الإشارة إلى بعض الهفوات اللغوية أو النحوية فهي واضحة في المقال، وهو أمر غير مقبول على هذا المستوى من الممارسة الثقافية، التي تُشرّح الإستراتيجية، وتشخص عيوبها، وتضع البدائل، وما إلى ذلك، إنه لا يمكن غض الطرف عن الجانب اللغوي في هذا المستوى، لا سيما أن صاحب المشروع كاتب مبدع، فعليه أن ينتبه إلى ما يكتب ويدقق مراجعاته له، وإذا لزم الأمر فليكلف من يراجع له ما يخطه لمراقبة الجانب اللغوي منه، فلا ينبغي لمن ينقد الثقافة أن يمارس الفلتان الثقافي الذي يحاول القضاء عليه، وتجدر الإشارات إلى أن هذه الملاحظة تنسحب على مجموع المقالات التي كتبها السيد الزاوي لحد الآن، فمن أراد التفاصيل فليعد إلى تلك المقالات في أقلام الخميس لدى الشروق.