الجمعة، 15 مايو 2009

متابعات

كتب الزاوي اليوم تحت عنوان:

فرنسا تحتفل بمئوية المجاهد والشاعر مفدي زكرياء

في أقلام الخميس

الشروق- الخميس 14 ماي- 2009- الموافق ل18 جمادى الأولى1430هـ- العدد2610- ص19

نلاحظ أن الكاتب، يضع مقاله للمرة الثانية تحت عنوان "أقواس", مما يفيد أنه تخلى - ربما - عن المشروع الذي كان يكتب ضمنه، وهو: الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر، على أي حال، كنا نود أن يعلم القارئ بالتغير الحاصل، ولو بدون تعليل. وملخص ما كتب الدكتور الزاوي اليوم، هو: إبداء التعجب الكبير من أن فرنسا ومكتبتها الوطنية بالذات, تحيي مئوية "مفدي" المجاهد, وصاحب نشيد "قسما", وشاعر الثورة الجزائرية, في الوقت الذي يحتفل فيه الشعب الجزائري بذكرى مجازر 08 مايو 1945، يتساءل الدكتور عما سيقوله المجاهدون والشهداء إلخ... ثم يقارن الوضع مع احتفال تونس الكبير هذه الأيام بمئوية شاعرها "الشابي" (احتراما لذاكرته وذاكرة الإبداع في هذا البلد الشقيق), يقول الكاتب. ثم يلاحظ تجاهل مؤسساتنا لمؤوية " مفدي ", ويعبر عن حزنه كون الاحتفال يقع في بلد المستعمر بالأمس (الموقف كاريكاتوري ومثير للتساؤل والاستنكار), ثم يعرج على الظلم الذي قاساه " مفدي " في حياته من الاستعمار بالسجن والنفي, ومن دولته التي أبقت على نفيه, وبعد مماته لم تكثرت به, ولم توفيه حقه, واليوم والمكتبة الوطنية الفرنسية BnF, تحتفل بذكراه في تجاهل تام في بلده (يموت الشاعر مرة ثانية وهو الذي ظلم حيا), وينفى كذلك ميتا, بهذا الاحتفال الفرنسي. ثم يشير الكاتب إلى أن مثل هذه الاحتفالات الثقافية الكبرى, كما يحدث في تونس من خلال برنامج ضخم بمئوية "الشابي", من شأنه أن يدفع نحو الرقي في المجالات الثقافية والسياسية وغيرها, ثم يختم الكاتب مقاله ( هل سيقرأ نشيد قسما في المكتبة الوطنية الفرنسية BnF بمناسبة الاحتفال بمئوية مفدي زكرياء؟ وسبحان الله الذي هو على كل شيء قدير). [زوروا: المقالة الفلسفية لطلاب البكالوريا] .
يذكر الكاتب - في إشارة لتقصير المكتبة الوطنية الجزائرية - أن مدشنها في منتصف التسعينات, هو نجل شاعر الثورة, الذي كان وقتها يشغل منصب وزير الثقافة. نعم إن التقصير موجود, ليس من المكتبة الوطنية وحدها, بل من المجتمع كله, حكومة وأحزابا ومجتعا مدنيا, لكن هذا لا يتوقف على عدم إحياء هذه الذكرى الهامة فحسب, بل في موضوع الثقافة برمته, وهذا هو النقد الأساسي الذي نوجهه لمقال الدكتور, الذي شرع ذات يوم في كتابة هذه السلسلة من المقالات الأسبوعية, تحت عنوان "كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", ثم بعد عدة حلقات فاجأنا بتوقفه - فيما يبدو- عن مواصلة الموضوع البالغ الأهمية, لماذا؟ لا ندري على وجه التحديد, لكن محتوى الحلقات التي نشرها, يشير إلى قصر النفس الذي لا يمكن أن يذهب بعيدا, لا سيما إذا صاحبه الارتجال وسطحية الطرح. نقد الثقافة في الجزائر, الذي يمكن أن يكون عدم الاحتفال بالذكرى المئوية لشاعر الثورة مدخلا له, ينبغي أن يغوص في تحليل الظاهرة الثقافية في بلادنا, وليس المرور المتماس معها من فوق, أو من أي جانب, دون التشريح والدراسة الجادة, وهنا في هذا المقال ذكر الكاتب مثالين هما: المثال التونسي, والمثال الفرنسي, وإذا كان هذا الأخير, لا يدعو للاستغراب الكبير الذي أبداه الدكتور, لكون فرنسا من البلدان القليلة الأكثر تطورا في الغرب, ومن ثم فهي تعيش ازدهارا ثقافيا متقدما, وفي هذا السياق, تحتفل بمفدي وبغير مفدي من شعراء العالم قاطبة, وقبلهم وفي مقدمتهم - بطبيعة الحال - شعراؤها, ثم إننا لا ندري خلفيات إقامة هذا الاحتفال, الذي يصفه السيد الزاوي بالضخامة, نظرا لوقوعه في مؤسسة ثقافية فرنسية من الطراز الأول والثقيل, هي المكتبة الوطنية؟ أما تنظيمه فعادي جدا بالنسبة لقدرات وإمكانات هذه المؤسسة ذات التقاليد الثقافية العريقة, فقد يكون بمسعى من جهة جزائرية ما, قد يكون نجله المذكور سلفا, لما له من علاقات مع الأوساط الثقافية الفرنسية؟ والمهم هو أن هذا الأمر سهل المنال في تلك الربوع. أما عن كونه شاعر الثورة الجزائرية, بما يفيد من كلام صاحب المقال أنه عدو بالنسبة لفرنسا, فهذا لا يمنع الأوساط المثقفة أن تحتفل به كشاعر كبير, وهو أمر عادي للغاية, مثل احتفال ذات المؤسسة بأي شاعر ألماني شهير من العهد النازي مثلا, لكنه ليس متورطا في النزعة النازية ذاتها, أما مفدي زكرياء فهو شاعر ثورة عظمى في هذا العصر, وهي ثورة ضد الاستعمار الغاشم, وليس في ذلك ما يشكل أي حرج ولا عداوة مع الثقافة أو الأمة الفرنسية, أما العداوة مع الاستعمار فمفخرة لا يتطرق إليها الشك, ولو كان هذا الاستعمار من جنسية فرنسية, فمن المفروض في الأوساط المثقفة أنها معادية للاستعمار, أو أغلبها كذلك, ومنهم هؤلاء الذين قرروا الاحتفال بمئوية شاعر الثورة الجزائرية, من منطلق أنه شاعر إنساني عالمي كبير. إن هذا المقال يذكر الحدث مجرد الذكر, كما لو أنه خبر صحفي, ثم يعبر عن انبهاره - كعادته - بما تقوم به المؤسسات الفرنسية, وهو استلاب لا لبس فيه, مما يشير إلى أن مستوى الطرح ليس من ذلك النوع الذي يرتفع إلى مستوى المعرفة العلمية والعالمية, التي تنور القارئ وتمنحه فرصة الاستفادة والرقي المعرفي والفني, وهو ما يفترض في كتابات الدكتور, الذي يشار إليه على أنه من هذا الطراز من الكتاب والمثقفين, الذين يشكلون منارات هادية للأجيال الصاعدة, ولكافة الناس على المستويين العالمي والوطني, ومما يشير إلى هذا المستوى الذي لم يتجاوز عتبة الخبر, ثم محاولة اسغلاله في أشياء بسيطة, تشبه تصفية الحسابات, تكرار صاحب المقال للحروف الأولى من كلمات المكتبة الوطنية الفرنسية, باللاتينية, مع حرصه على علو الحرفين المحيطين, وصغر الحرف الأوسط, هكذا: BnF. وقد حاولت جاهدا أن أجد مبررا لهذا فلم أستطع, اللهم إلا إذا كان الأمر يندرج في سياق الانبهار والاستلاب الثقافيين. أما الأهم من هذا فهو المثل التونسي, الذي ساقه الدكتور أيضا بصورة إعلامية, مفصلا معنى الاحتفال بذكرى " الشابي" رمز الثقافة التونسية, كما قال باعتباره شاعر تونس الشهير, وكون الاحتفال يشتمل على نشاطات ثقافية متنوعة, وعلى امتداد الأرض التونسية كلها, مما يجعل الإحياء ليس أقل مما تقوم به المؤسسات الثقافية الفرنسية, أو المتقدمة, وإني لأعجب كيف لم يغر هذا المثل القريب منا صاحب المقال بالتعمق في الموضوع, وبمقارنة بين الظاهرتين الثقافيتين الشقيقتين الجزائرية والتونسية. لماذا تحتفل تونس, وبمستوى عالمي بشاعرها الكبير " أبو القاسم الشابي", بينما لا تحتفل الجزائر تماما بالذكرى المئوية لشاعر ثورتها الكبير "مفدي زكرياء"؟ أقل ما كان يجب قوله في هذا الصدد, ودون كبير عناء من التحليل المعمق للظاهرة الثقافية في البلدين, هو كون المؤسسات الثقافية التونسية على عكس الجزائرية موجودة وجودا وظيفيا فعليا, بمعنى أنها تمارس وظائفها يوميا, وهي جاهزة للقيام بالنشاط المطلوب منها في ميدانها في أي وقت, أو أنها تقوم بذلك ضمن برنامج عملها العادي, وليس لمجرد إحياء مناسبة عابرة. ذلك لأن السياسة الثقافية في تونس قائمة وممارسة في الميدان بالفعل, ونكاد نقول إن لديهم إستراتيجية ثقافية هي السبب الرئيسي لوجود المؤسسات الثقافية حية فاعلة, ومن وراء ذلك كله وجود نخبة ثقافية حقيقية, أي منظمة ومهيكلة في اتحادات وجمعيات ثقافية ومهنية, تقوم بنشاطها المعبر عن نخبويتها الثقافية يوميا, وعلى مدار السنة, بما في ذلك المساهمة في الحياة الثقافية عن طريق نشاطات متخصصة لكل هيئة من هذه الهيئات النخبوية, وهو الأمر المعدوم تماما في الجزائر, وذلك يعود إلى التعاون السلبي بين المثقفين والجهات المسؤولة على إعدام الظاهرة الثقافية. أما المثقفون فقد أهملوا او عجزوا عن تكوين النخبة, بمعنى عدم هيكلة أنفسهم في هيئات منظمة, تمارس نشاطها الثقافي وتكون في مجموعها قوة ضغط, مما يجعلها تمارس دور المعارضة السياسية الأول بامتياز, الذي يحسب له ألف حساب, كما هو الأمر - إلى حد كبير - في تونس, أو في سوريا, التي سبق للدكتور أن تحدث عنها بهذا المعنى في مناسبة معينة. ومن هنا تفرض النخبة التونسية الاحتفال المئوي وغيره من الممارسات الثقافية على السلطة, وتقوم بنشاطاتها الثقافية بشكل عادي, مثل التغذية والصحة والتعليم, وغير ذلك من النشاطات الوطنية الأساسية. أما الجهات المسئولة في الجزائر, فإنها لا تجد نخبة مثقفة مهيكلة تفرض عليها سياسة ثقافية واضحة ومبرمجة وواجبة الممارسة يوميا, ولا هي بادرت من نفسها لتأسيس النخبة المثقفة بمعنى الهيئات والجمعيات والمنظمات, الخاصة بها, ربما لأنها تجد نفسها في وضع مريح بغياب هذه الهيئات التي من شأنها خلق قوة ضغط ذات طابع سياسي, لا داعي له, أو من الأفضل ألا يكون بالنسبة إلى أي جهة تنفيذية مسئولة, ومن هنا عجز الجزائر وإهمالها لتنظيم مثل هذه الاحتفالية, لأنها تفتقد إلى الهيئات القاعدية المؤهلة للقيام بمثل هذه التظاهرات الثقافية الناجحة, ولكون الهيئات الثقافية النحبوية الحقيقية منعدمة, فإنه يستحيل إحياء مثل هذه المناسبات بمستوى رفيع وعالمي, كما يفعل التونسيون أو السوريون, أو غيرهم من البلدان القريبة منا في سلم الحضارة والتطور, أما البلدان المتقدمة فلا سبيل إلى المقارنة مع ما يمارس فيها من نشاطات ثقافية راقية. والغريب في الأمر أن الدكتور, قد أشاد في مناسبة سابقة إشادة كبرى بالبرنامج الثقافي الوطني, الذي قال وقتها إنه لم يسبق للجزائر أن تمتعت به, بل إنها لم يسبق لها أن حلمت به مجرد الحلم, وقد كان وقتها بصدد إقحام مدح طارئ لرئيس الجمهورية, يبدو أن سببه هو التعديل الوزاري الوشيك - آنذاك - بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة, بمعنى أن الدكتور كان يطمح لشيء ما بالمناسبة. هذه بالضبط هي المواقف الفردية البعيدة عن سلوك النخبة المثقفة الحقيقية, والتي لا يمكن أن تتأسس مهما كان عدد المثقفين كبيرا في الوطن إلا إذا تنظمت وتهيكلت في هيئات منظمة ونظامية, ضمن المجتمع المدني, وإلا فلا يمكن انتظار الشيء الكثير, عدا الارتجال والممارسات الباهتة التي لا جدوى من ورائها, ومنها الخرجات الفردية التي يقوم بها هذا المثقف أو ذاك, بصورة مزاجية مرتجلة, أو بصفة مناوراتية تصفية لحسابات, أو طمعا في منصب تقنوقراطي رفيع المستوى, مثل الوزارة مثلا, وفي سبيل ذلك لا يتردد صاحبه في ذبح الثقافة قربانا على هيكل المنصب الكبير, وقد يكون هذا الموقف مبررا من الفرد, لكن غير المبرر هو التقصير القائم والخطير من مجموع المثقفين في إنشاء هيئاتهم النظامية الحقيقية التي تؤسس النخبة الثقافية الفاعلة والمؤثرة, وليس مجرد ديكور كما هو واقع. ودون شك فهناك تقصير الجهات المسئولة التي لا تعمل من جهتها على تشجيع تأسيس النخبة المثقفة هذه. ثم إن الممارسات الانتهازية المتزلفة لبعض المثقفين, والعزلة والسلبية لدى بعضهم الآخر, وانعدام المبادرة الجادة من مجموعهم, لا يمكن أن توصل إلى الازدهار الثقافي المنشود. ولماذا يستطيع المثقفون التونسيون والسوريون وغيرهم من مثقفي أشباه بلدنا أن يؤسسوا نخبهم, بينا يعجز مثقفونا عن ذلك؟ هذا هو السؤال الأهم, الذي كان من المفروض أن ينتهي مقال الدكتور بالإجابة عنه, بعض فحص علمي دقيق ومقارن, لكنه - للأسف لم يفعل - قصورا أو تقصيرا, ولم يكن في نيته أن يذهب إلى أبعد من التلميح إلى أنه لوكان لا زال مديرا عاما ورئيسا للمكتبة الوطنية لقام بإحياء مئوية شاعر الثورة. نعم قد يكون ذلك صحيحا قياسا على التنشيط المعتبر الذي تم في عهده لذات المكتبة, لكن احتفاله لن يتجاوز جدران المكتبة الوطنية, وفي مستوى محدود من التنوع والنوعية الثقافية, أما أن يحيي المناسبة على المستوى الوطني كله, كما يفعل الأشقاء التونسيون, فذلك مستحيل, لأن الهيئات القاعدية المحلية منعدمة, أو أنها - في أحسن الأحوال - مُهمِلة ومُهمَلة وعاجزة, وتلك هي الظاهرة التي كنا نتمنى أن يتناولها الدكتور, وقد تصدى لهذا الموضوع الخطير, وبشكل مقارن مع الجيران وغيرهم.

ليست هناك تعليقات: