الثلاثاء، 20 أبريل 2010

الكابتن حسني مبارك•• شاهد ما شافش حاجة

الكابتن حسني مبارك•• شاهد ما شافش حاجة

الثلاثاء، 13 أبريل 2010

الإعاقة الجنسية عند المرأة العربية

الإعاقة الجنسية عند المرأة العربية


أفضل الحديث جهرا في هكذا موضوعات سرية عادة عند العرب, ذلك أنها من ضمن الطابوهات الثلاث المنهكة لحياتهم, والمعطلة لرقيهم منذ قرون خلت, ولا ينتظر لهم أن يتزحزحوا عن تقهقرهم ما لم يجدوا لها حلولا نهائية وجذرية متطورة مع تطور ظروف حياتهم وما يطرأ على الحياة العصرية في سائر أنحاء العالم, وفي بلدانه الموسومة بالتقدم خاصة, أعني بهذا الطابوهات أو الثلاثي الرهيب: الدين والسياسة والجنس, وأزعم مقدما أن حياة العرب لن تستقيم ما لم يسووا وضعيتهم تسوية سليمة أمام هذه الطابوهات العاصفة بحاضرهم ومستقبلهم, في هذا السياق تقع العاهة الخطيرة التي أطلق عليها إسم الإعاقة الجنسية عند المرأة العربية.




هذه الإعاقة النفسية ينتجها الضغط الاجتماعي الساحق للأنثى العربية منذ المهد وحتى اللحد, ففي سن مبكرة جدا, ربما في كثير من الأحيان في السن ما قبل المدرسي يبدأ الضغط المتنامي طردا مع تقدم سن الطفلة العربية, والتي تمارسها بشكل مباشر الأم المفجوعة بمسؤولية حماية ابنتها من شيء واحد هو الأخطر على الإطلاق, إنه سمعتها وشرفها, أو بالأحرى شرف الأسرة والقبيلة ويصعد التسلسل حتى البلد والمجتمع بأسره, كل هذا يختزله ويلخصه المجتمع العربي لدى المرأة حتى وهي في طفولتها المبكرة, فهي حاملة الشرف الذي يقتصر تقريبا على السلامة والطهارة الجنسية للمرأة في المظهر خاصة. لهذا تشدد الحراسة على البنت وتصبح أكثر تشديدا وإحكاما عندما تصير فتاة, ولا تنجو منها العجوز ذاتها, فالمرأة هي حاملة الشرف وحدها, وهي المسؤولة عنه وحدها, وهي المهددة من أجله بأقصى العقوبات ومنها القتل وحدها, وهي أيضا الممارسة لأهم دور في الحراسة الرهيبة في صورة الأم خاصة, ومعها بدرجات متفاوتة القريبات من أخوات وعمات وخالات, وهلم جرا, بل والجارات أيضا. كل هذا التشدد والشدائد التي تنشأ فيها الطفلة والفتاة سيدة المستقبل, تجعلها في نهاية المطاف تنسى نهائيا شيئا اسمه الجنس, بمعنى أنها تلغي مكونا جوهريا من مكوناتها النفسية والجسمية, وتلك لعمري هي الإعاقة الأخطر على الإطلاق





ذلك أن الأم وهي تربي ابنتها بمساعدة القريبات والجارات وحتى المعلمات, تختار بين اغتيال أنوثة ابنتها, وبين سمعتها واستمرارها العادي في الحياة العربية المعتادة, فتختار دون تردد الأمر الثاني, وتمارس الاغتيال المبرمج والمتصاعد مع نمو البنت إلى أن تصل إلى إلغاء الجنس نهائيا من نفس ابنتها, وهي بطبيعة الحال تمارس هذه المهمة الخطيرة, بمساعدة رجال الأسرة من زوج وأبناء وأقارب, من خلال حضورهم المباشر أو غير المباشر؛ حيث إنهم في النهاية هم من ينفذون العقوبات الكبرى أو أقسى العقوبات, ومنها جرائم الشرف, كما ينعتونها في تلميح إلى كونها مبررة بل وشريفة أيضا.



وهكذا تلج البنت الحياة العملية كزوجة أو عاملة أو مساهمة في أي نشاط اجتماعي, وربما كل هذا وهي محطمة مهزومة مستسلمة, بل ومشوهة نفسيا وجسميا, حيث إن أهم وظائفها الحيوية تكون قد تعطلت نهائيا أو على الأقل كمنت ويصعب إعادة تنشيطها ربما مدى الحياة. وبهذا الصدد يمكن لأي كان أن يتثبت من الأمر من خلال محيطه والأصدقاء المقربين خاصة, من خلال الخوض في تجربة الزواج لديهم, إذا كانوا ممن يدققون الملاحظة, ويبحثون الأمر مع زوجاتهم, وينجحون في اكتساب ودهن وفك عقدة لسانهن, ليجيبن على الأسئلة المطروحة بدقة ووضوح, مما يفيد أنهن فاقدات – في الغالب – للرغبة الجنسية, ولا يشعرن بأي شيء عند الممارسة الواجبة أو الجبرية مع أزواجهن, وقد يقضين العمر كله على تلك الحالة البشعة من الإعاقة الجنسية, لكن ربما قد ينجح بعض الأزواج المدركين للمأساة أو الذين يتواصلون مع زوجاتهم بانسجام طبيعي على سبيل المصادفة, بسبب طبائعهم المتشابهة والمتناغمة فطريا مع نسائهم, وإن كانت هذه حالات نادرة بالطبع, قد يفلح هؤلاء في إعادة الأمور إلى نصابها بالتدريج, وبالتالي الوصول إلى إحياء الصحة الجنسية لدى شريكاتهم, اللواتي يكتشفن لأول مرة, وربما بعد إنجاب أكثر من طفل أن الجنس رغبة طبيعية جميلة وجامحة وممارسته ممتعة, ويستعدن بذلك في نهاية المطاف حياتهن الطبيعية, غير أن نسبة هؤلاء النساء تكاد تكون مهملة في المجتمع العربي.




هل يمكن معالجة هذه المأساة؟
كل شيء ممكن, غير أن هذا الأمر الخطير في ذاته, وفيما يسببه من إعاقات أخرى اجتماعية ونفسية كارثية, ينبغي لمعالجته أن نتناول طابو الجنس ومعه – ربما – طابو الدين والسياسة, إذ بدون معالجة متزامنة وثورية جذرية للطابوهات الثلاث, لا يتوقع للمعالجة نجاحا نظرا لتداخل الظواهر وترابطها وتشابكها والتحامها في ذات الوقت, بحيث يستحسن معالجة الأمر عن طريق ثورة اجتماعية جذرية, تطيح بالأسباب المؤدية للإعاقة وغيرها من أسباب التخلف والتقهقر الاجتماعي كله. ولأنه من غير الممكن تناول كل هذه الظواهر دفعة واحدة في هذا الحيز الضيق, فإننا نكتفي هنا بالتناول الخفيف والعابر لعلاقة التشريع الديني خاصة بهذه المسألة العويصة, وقد كتبت مرة عن باب الاجتهاد المغلق منذ عشرة قرون أو يزيد, وكان رأي بعض الإخوة مغايرا, وقد يكونون على حق جزئيا, كون بعض الاجتهادات الهامة موجودة بالفعل, وهي ذات أهمية كبيرة, عندما تتصدى بالفتوى وإصدار الأحكام على قضايا معاصرة, لم يسبق لها أن عولجت شرعيا, غير أن باب الاجتهاد الذي أقصده أكبر من كل هذا بكثير, إني أقصد التشريع الشامل والجذري كذلك التشريع الذي وضعه الأئمة الكبار, أصحاب المذاهب الكبرى التي لا زلنا تابعين لها منذ ذلك الزمان, فعلى مجتمع الإسلام اليوم, وعلى علماء الإسلام المعاصرين أن يضعوا مثل تلك التشريعات الشاملة الكافية لمعالجة مشاكل المجتمع المسلم المعاصر كل الكفاية, وفي هذا الإطار ينبغي معالجة مشكلة الجنس جذريا, لأن هذه المشكلة لم تكن مطروحة إطلاقا على أئمة المذاهب الكبرى في عصرهم الذهبي, بسبب بساطة الحياة آنذاك, حيث لم تكن هناك عنوسة ولا عزوبية, والحال أن تكاليف الحياة وقتها بسيطة فالكل بإمكانه أن يفتح بيتا ما دام هذا عبارة عن خيمة أو بناء بسيط في مقدور كل الناس إقامته بكل سهولة ويسر, كما أن العمل المنتشر آنذاك متوفر للجميع, والكل بإمكانه أن يشتغل وينأى بنفسه عن البطالة, مما يؤدي إلى الزواج بمجرد البلوغ لدى الجنسين وأحيانا بل ربما في غالب الأحيان يقع الزواج قبل البلوغ عند الفتاة خاصة, ومن هنا فإن الأئمة الكبار أصحاب المذاهب لم يضعوا حلا لمشكل غير مطروح, أما في يومنا هذا فالمسألة مطروحة بحدة, وينبغي بأي ثمن على المجتمع وعلمائه ذوي الصلة بالموضوع, وعلى رأسهم علماء الدين أن يجدوا الحل الجذري لمسألة الجنس.




حتى يتفرغ الناس رجالا ونساء لبناء مجتمعهم المعاصر مسخرين في ذلك كل طاقاتهم الإنتاجية والإبداعية دون هوادة, وهم لا ريب غير فاعلين ما دام الجنس يطحنهم طعنا بما يعانونه من جوع جنسي وعقد ومركبات نفسية وجسمية خطيرة ناشئة عن كبت الحياة الجنسية وقمعها إلى درجة الضمور والاختفاء عند المرأة في صورة إعاقة وتشويه في منتهى الخطورة. لقد قال أحدهم عن المشرعين الكبار نحن رجال وهم رجال, نعم إن الأمر في جوهره كذلك, لكن أين رجال العصر؟؟؟ وحتى إن كانوا موجودين, وهم كذلك بالفعل, فإنهم مكبلين بقيود وموانع خطيرة تجعلهم هم الآخرون في حالة إعاقة علمية, لذلك على المجتمع أن يقوم بواجبه نحو علمائه, وفي مقدمة تلك الواجبات حمايتهم وضمان حرية التفكير والتعبير لديهم, ذلك أن حرية الفكر ينبغي أن تكون بلا حدود, وهو ما كان لدى نشوء المذاهب الفقهية الكبرى وغيرها من إنجازات الحضارة العربية المسلمة العملاقة في شتى المجالات, إذ أن حرية الفكر واجبة حيث يمثل فضاؤها دائرة الحرية كما قيل, وهو ما نستشفه ونلمسه بوضوح من النص القرآني الكريم, والأمر على العكس من ذلك في فضاء العمل, حيث نجد دائرة الحتمية والجبرية هي السائدة, وذاك هو الأمر السليم, دائرة الحرية التي من أهمها الفكر والتفكير مفتوحة ومشرعة على مصراعيها, لأنه لا يلزم عنها أي شيء, حيث إنها مجرد تفكير, لكن إذا نضج ذلك التفكير وانتهى إلى قواعد وقوانين للعمل, فإنه يتعين احترامها وتطبيقها بكل صرامة وإلزام, وذلك ما قتل سقراط العظيم ذات زمان قبل الميلاد.




من أجل هذا يجب رفع القيود عن التشريع الإسلامي وتحرير العلماء المؤهلين له كل القيود, ليفكروا بعمق إلى أن يصلوا إلى قوانين جديدة أو تشريعات, عندها يجب أن تخضع لنقاش واسع من دوي الاختصاص وحتى من مجوع الناس, ليقع التأكد من سلامتها, ثم تعتمد وتطبق بصرامة ودون تأجيل أو تعديل, حيث إنها حينئد تكون قد دخلت فضاء الحتمية والجبر.فكوا القيود يا قوم عن العلماء ليفكوا قيودكم, واشعروهم بأن دائرة الفكر هي دائرة الحرية, ولهم أن يفكروا بكل طاقاتهم ودون أي احتياط, كما أمر رب العالمين في كتابه العزيز, وهو خالق الإنسان وعقل الإنسان وحواسه وسائر ما فيه من جسم وروح, وهو الذي سمح سبحانه بل أوجب الخوض بالعقل في شؤون الدين والدنيا, بل الخوض في الله نفسه من كل الجوانب, وهو ما طبقه الرعيل الأول من علماء الأمة وحكمائها ومفكريها ومشرعيها, فأتوا بما أتوا من روائع شدت انتباه الدنيا لقرون ثمانية على الأقل. وإنه لمن الأفضل بل من الأوجب ممارسة التشريع المعاصر في مجمعات أكاديمية تضم علماء من كل فروع العلم الديني والدنيوي ذات الصلة بالموضوع حتى يكون التشريع ناجحا وعمليا وصحيحا مؤقتا على الأقل, مثل العلم تماما الذي يواصل التطور ويتحول بمرونة مع الاكتشافات والاختراعات الجديدة, كذلك ينبغي على علم التشريع الشرعي أن يكون, لا بد له من مواكبة الحياة العصرية ويضع لها تشريعاتها يوميا, حتى يتحرر المجتمع المسلم المعاصر من كل قيود أي كانت, ويكون بالفعل خير أمة أخرجت للناس, يمكن أن تكون له كلمته العليا والمسموعة في تسيير مجتمع العالم اليوم وتسييره لفائدة الإنسانية جمعاء ولفائدة استقرارها وازدهارها وطمأنينتها وسعادتها الغامرة ولم لا؟؟؟

السبت، 10 أبريل 2010

الريادة العربية التكنولوجية في الأعمال...واقع وآفاق


الريادة العربية التكنولوجية في الأعمال


واقع وآفاق

لا شك أن هناك مشاريع عديدة يمكن إدراجها تحت هذا العنوان منها الإعلامية والتجارية والصناعية وغيرها, قامت بها بعض الحكومات أو الأشخاص, مستغلين الثورة التكنولوجية العملاقة ومعتمدين على أدواتها الأساسية المتمثلة خاصة في الإنترنيت والمحمول والرقمنة, فقد أصبح بالإمكان ممارسة الأعمال والنشاطات المتعلقة بها عن بعد, مما يضمن السرعة والسهولة والدقة والاقتصاد في التعامل, وفي الجهد والوقت, لكن ما ذا يمكن اعتبار هذه المشاركة العربية في استغلال ثمار الثورة التكنولوجية الحديثة؟ لا شيء يشير إلى تقدم عام يرتب العالم العربي في زمرة المناطق المتقدمة أو حتى المتوسطة في استغلال هذه الثورة, وهذا أمر طبيعي, فنحن من البلدان المتخلفة عامة في هذا العصر, وبسبب ذلك لا يمكن لنا أن نكون متقدمين في استعمال نتائج الثورة التكنولوجية المعاصرة, حيث إن ذلك من التناقض بمكان, إذ أن هذه الثورة صنعها وفجرها المتقدمون لأنفسهم وليزدادوا تقدما وإحكاما لسيطرتهم على العالم واستغلالا لخيراته, وقد لا يتحكمون تماما في احتكار هذه الوسائل الجديدة العملاقة التي اخترعوا, لكن غيرهم من الشعوب المتخلفة لا يمكن لها بسبب وضعيتها الحضارية المتردية أن تذهب بعيدا في استغلال أدوات الثورة التكنولوجية, لأن ذلك يقتضي شروطا وهي مفقودة لدى هذه الشعوب, وتتعلق هذه الشروط عامة بالمستوى الثقافي العام والعلمي السائد لدى أي جماعة، فلكي تصل إلى مرتبة الاستعمال الرائد لهذه الوسائل ينبغي أن تكون من بين المجتمعات الموصوفة بمجتمعات المعرفة, وهي تلك المتقدمة والمخترعة والمستعملة لثمار الثورة التكنولوجية الراهنة, بمعنى أن الريادة في هذا المجال تقتضي أولا ثورة اجتماعية تنقل مجتمعا ما من حال التخلف إلى مستوى مجتمع المعرفة, الذي يصنع ويستغل ويستعمل أدوات الثورة التكنولوجية الحالية, ودون هذا عقبات كأداء ينبغي تخطيها, هناك السلطات القائمة في بلداننا العربية, وهي صورة لمجتمعات قبلية عشائرية متمسكة بأصولها التقليدية الضاربة في التخلف, والتي لا تقبل التحول عنها أبدا ومهما كانت الدواعي, ذلك لأنها تمثل هويتها وحقيقتها, ولا أحد يستطيع أو يرغب في تغيير أصوله وهويته مهما كانت, فمن الذي يستطيع زحزحة هذا الطوق المحكم حول أعناق شعوبنا المضطهدة بتقاليدها وبتخلفها وبسلطاتها الحارس الأمين لتلك الأوضاع المزرية المانعة للتطور؟ بطبيعة الحال لا يمكن انتظار التغيير من الخارج, ولو أنه يمكن أن يدخل كعامل مساعد خاصة في صورة هذه المنجزات التكنولوجية العملاقة التي أصبحت قادرة على فرض تواصلنا مع العالم بالرغم من الأسوار الحديدية التي تضربها سلطاتنا وقبائلنا العتيدة, لقد أصبح النت والموبيل والتواصل الرقمي يطل علينا ويفتح له نوافذ واسعة على مجتمعنا المحاصر داخل الستار الحديدي, الذي كان مضروبا عليه قبل هذه الثورة التكنولوجية الحديثة, التي اخترقت تلك الأسوار وجعلتها عديمة الجدوى في الاتصال غير المباشر بالعالم كله وبمجتمعاته المتقدمة الرائدة التي تعرض كل ما لديها من أساليب حياة وأعمال ومعرفة وإبداع واختراع طوال اليوم والليل على العالم كله بمن فيه نحن, مما يجعلنا نستفيد من معرفة الكثير مما يجري في العالم, وذاك ما يساعد على رفع وعينا العام, وهي خطوة كبيرة تجعلنا على بينة من أمرنا, وتقربنا من تصور الحلول المناسبة لخوض غمار التجربة بعد الثورة الداخلية التي تخلصنا من الوضعية المتخلفة التي تفرضها علينا القبيلة والسلطة الممثلة لها والمنبثقة عنها والخادمة لها والحارسة لوجودها واستمرارها, ومن المعلوم أنه إلى جانب القبيلة العتيدة, توجد شبه قبائل منبثقة عنها, وهي ما يسمى بمجموعات المصالح والنفوذ, أو ما يمكن وصفه بالقبيلة الجديدة, التي قد تتجاوز الانتماء القبلي إلى انتماء نفعي مصلحي سلطوي, لكنه يبقى على ارتباط وثيق بالمجموعات القبلية التقليدية . بعد هذه العوامل المساعدة الخارجية التي هي – دون شك – مفيدة للغاية في رسم الطريق أمام القوى المتطلعة إلى التقدم والكرامة والحداثة في مجتمعاتنا, وهي دون شك موجودة وإن كان يعوزها التنظيم والتكتل ووضع المشروع الريادي الأول مشروع الثورة الشاملة الجذرية المحولة لمجتمع القبيلة نهائيا إلى مجتمع حديث يتأسس كمجتمع معرفة يستوعب مستجدات العالم بسرعة ويدخل بعد حين مستوى الريادة بالمساهمة في استعمال ثمار الثورة التكنولوجية التي هي وسائل التصور والعمل الجديدة, ويتدرج سريعا إلى المشاركة في صنعها وترويجها وتطويرها أي إلى مستوى الريادة العالمية, هذه القوى التي يمكن أن تحدث هذا التحول لدينا هي النخب المختلفة النخب المثقفة بالدرجة الأولى ثم النخب العمالية والسياسية والاقتصادية والمالية وغيرها, ذات التوجه الوطني التطوري الحداثي, الراسخة القدم في أصالتها بالطبع (لأن أي تحديث أو عصرنه أو تطوير, إنما ينصب على الهوية ذاتها, لينقلها من الجمود إلى الحداثة, أي استيعاب الثابت للمتغير والتلاحم معه), كل النخب الاجتماعية الوطنية, ينبغي لها أن تلتقي لوضع مشروع نهوضي شامل وتبدأ في النضال من أجل تجسيده تدريجيا على الأرض, نعم ستجد مقاومة شرسة من قبل أصحاب المصالح مؤيدين بالبنيات القبلية التقليدية والجديدة, المدافعة عن وجودها بكل الوسائل, غير أنها لا يمكن أن تصمد أمام تحالف النخب الاجتماعية كلها, وأمام مشروع رائد جذاب تكون هذه النخب قد وضعته بإحكام وضبطت طرق تنفيذه المرنة على سكة التنفيذ, وعندئذ يمكن لها أن تبدأ في تجسيد مشروعها النهوضي المتعاظم, ثم النهائي حيث تحدث الثورة الاجتماعية التي تقلب الأوضاع رأسا على عقب لفائدة المشروع الرائد الذي يجعل البلد أو القطر, وفي مرحلة لاحقة العالم العربي كله في وضع جديد يؤهله لدخول عالم التكنولوجيا الحديثة استعمالا واستهلاكا ثم استيعابا وصنعا وترويجا وتبادلا بكل جدارة واستحقاق¸ مما يجعل أمتنا المجيدة على باب العودة إلى ما كانت عليه من شرف الريادة العالمية ذات يوم, وما ذلك على الله بعزيز. بمعنى أنه من التبسيط المخل انتظار ريادة في الأعمال المستندة إلى التكنولوجيات الحديثة, وبالتالي خوض غمار الثورة التكنولوجية في عالمنا العربي, ما لم يحول أولا إلى مجتمع معرفة, وليحدث ذلك لا بد من ثورة حقيقية شاملة وجذرية, وهي وإن وجدت عوامل مساعدة في الثورة التكنولوجية المعاصرة, فلن تصبح حقيقة واقعية شاملة على الأرض إلا بقيام تحالف بين مختلف النخب الوطنية الأصيلة ذات التوجه الحداثي وباتفاقها على الثورة ووضعها لمشروع نهوضي واضح المعالم مرن التطبيق وشروعها فورا في العمل المتنامي على تجسيد مشروعها على الأرض, وهو الأمر الذي سوف يتحقق لا محالة , وعندها فقط, أي عندما يتحول مجتمعنا العربي إلى مجتمع معرفة, يمكن له بسرعة وبسهولة نظرا لموروثة الحضاري العظيم, وبفضل ثرواته البشرية والطبيعية الضخمة, ونظرا لمشروعه الجديد أن ينهض بكل وثوق ونجاح, ويستوعب التكنولوجيا الحديثة سريعا, ويصبح من روادها بل ومن رواد الحداثة والحضارة المعاصرة في طبعة مغايرة أصيلة وإنسانية, ومن المساهمين الأساسيين في قيادة العالم لفائدة البشرية جمعاء, هذا هو طريق الريادة الممكن لعالمنا العربي في المجال التكنولوجي والحضاري العام, وما عداه من محاولات هامة فردية أو حكومية هنا وهناك, مهما كان مستواها أو جدواها, فهي بطبعها عاجزة عن نقل عالمنا العربي - بصورة شمولية - إلى مستوى الريادة المنشودة تكنولوجيا وعلميا وحضاريا في عالم العصر.ولعله من المفيد هنا أن نذكر بعض هذه الأعمال التكنولوجية الرائدة في عالمنا العربي الحالي, للإقرار بوجودها وتثمينها كحالات فردية جزئية ناجحة ورائدة لكنها قاصرة بطبعها عن نقل مجتمعها إلى مستوى الريادة الشاملة, هناك مثلا مشروع شركة أوراسكوم تيليكوم المصرية للاتصالات والإعلام في الجزائر, حيث يكفي لذكر نجاحه الكبير القول إن المشتركين في الهاتف المحمول في الجزائر هم حوالي ثلاثين مليونا من بين حوالي ثلاثة وثلاثين مليون نسمة هم عدد سكان الجزائر, نجد حوالي نصف المشتركين في "جازي" وهو اسم مشروع أوراسكم في الجزائر, وهذا عدد ضخم وشبه خيالي, وبالتالي يمثل نجاحا تكنولوجيا خرافيا في الاستهلاك والاستعمال, مما أدى إلى تجاوز أزمة الهاتف التي كانت حادة جدا في الجزائر, ومثل هذه الريادة يمكن العثور عليها في إنجازات علمية وفنية تطبيقية هنا أو هناك, وهي دائما مرتبطة بأدوات تكنولوجية تساهم في فعالية أدائها, كما هو الأمر مثلا لصناعة الدواء في الأردن وكذلك الممارسات الطبية الناجحة والرائدة فيه عربيا, أقصد في الأردن الشقيق, ويتفق هذا الواقع مع الفكرة السائدة بكون بلدان العالم الثالث متجاوزة تكنولوجيا, لكنها قادرة لو أرادت على القيام بإنجازات علمية تكنولوجية تتصف بالريادة جهويا, يعني على المستوى العربي أو الإفريقي مثلا, أو ما شابه ذلك, كالمثال المصري و الأردني السالفين. غير أن هذه الإنجازات الرائدة تبقى جزئية, ولا تذهب بعيدا في إحداث النهضة الشاملة والحداثة والازدهار لشعوبها وأمتها, والأمر نفسه في حالة وجود عدة مشاريع في مجالات مختلفة من النشاط الوطني, فتجميعها أو جمعها لا يقدر على إرساء معالم النهضة والحداثة والازدهار, لأن المسألة تتعلق بمشروع واستراتيجية شاملة كما سبق الذكر, إذ تلك هي الخطوط العريضة التي أراها ضرورية لإحداث النقلة الحداثية الشاملة لمجتمعاتنا العربية ولأمتنا مجتمعة في نهاية المطاف.