السبت، 10 أبريل 2010

الريادة العربية التكنولوجية في الأعمال...واقع وآفاق


الريادة العربية التكنولوجية في الأعمال


واقع وآفاق

لا شك أن هناك مشاريع عديدة يمكن إدراجها تحت هذا العنوان منها الإعلامية والتجارية والصناعية وغيرها, قامت بها بعض الحكومات أو الأشخاص, مستغلين الثورة التكنولوجية العملاقة ومعتمدين على أدواتها الأساسية المتمثلة خاصة في الإنترنيت والمحمول والرقمنة, فقد أصبح بالإمكان ممارسة الأعمال والنشاطات المتعلقة بها عن بعد, مما يضمن السرعة والسهولة والدقة والاقتصاد في التعامل, وفي الجهد والوقت, لكن ما ذا يمكن اعتبار هذه المشاركة العربية في استغلال ثمار الثورة التكنولوجية الحديثة؟ لا شيء يشير إلى تقدم عام يرتب العالم العربي في زمرة المناطق المتقدمة أو حتى المتوسطة في استغلال هذه الثورة, وهذا أمر طبيعي, فنحن من البلدان المتخلفة عامة في هذا العصر, وبسبب ذلك لا يمكن لنا أن نكون متقدمين في استعمال نتائج الثورة التكنولوجية المعاصرة, حيث إن ذلك من التناقض بمكان, إذ أن هذه الثورة صنعها وفجرها المتقدمون لأنفسهم وليزدادوا تقدما وإحكاما لسيطرتهم على العالم واستغلالا لخيراته, وقد لا يتحكمون تماما في احتكار هذه الوسائل الجديدة العملاقة التي اخترعوا, لكن غيرهم من الشعوب المتخلفة لا يمكن لها بسبب وضعيتها الحضارية المتردية أن تذهب بعيدا في استغلال أدوات الثورة التكنولوجية, لأن ذلك يقتضي شروطا وهي مفقودة لدى هذه الشعوب, وتتعلق هذه الشروط عامة بالمستوى الثقافي العام والعلمي السائد لدى أي جماعة، فلكي تصل إلى مرتبة الاستعمال الرائد لهذه الوسائل ينبغي أن تكون من بين المجتمعات الموصوفة بمجتمعات المعرفة, وهي تلك المتقدمة والمخترعة والمستعملة لثمار الثورة التكنولوجية الراهنة, بمعنى أن الريادة في هذا المجال تقتضي أولا ثورة اجتماعية تنقل مجتمعا ما من حال التخلف إلى مستوى مجتمع المعرفة, الذي يصنع ويستغل ويستعمل أدوات الثورة التكنولوجية الحالية, ودون هذا عقبات كأداء ينبغي تخطيها, هناك السلطات القائمة في بلداننا العربية, وهي صورة لمجتمعات قبلية عشائرية متمسكة بأصولها التقليدية الضاربة في التخلف, والتي لا تقبل التحول عنها أبدا ومهما كانت الدواعي, ذلك لأنها تمثل هويتها وحقيقتها, ولا أحد يستطيع أو يرغب في تغيير أصوله وهويته مهما كانت, فمن الذي يستطيع زحزحة هذا الطوق المحكم حول أعناق شعوبنا المضطهدة بتقاليدها وبتخلفها وبسلطاتها الحارس الأمين لتلك الأوضاع المزرية المانعة للتطور؟ بطبيعة الحال لا يمكن انتظار التغيير من الخارج, ولو أنه يمكن أن يدخل كعامل مساعد خاصة في صورة هذه المنجزات التكنولوجية العملاقة التي أصبحت قادرة على فرض تواصلنا مع العالم بالرغم من الأسوار الحديدية التي تضربها سلطاتنا وقبائلنا العتيدة, لقد أصبح النت والموبيل والتواصل الرقمي يطل علينا ويفتح له نوافذ واسعة على مجتمعنا المحاصر داخل الستار الحديدي, الذي كان مضروبا عليه قبل هذه الثورة التكنولوجية الحديثة, التي اخترقت تلك الأسوار وجعلتها عديمة الجدوى في الاتصال غير المباشر بالعالم كله وبمجتمعاته المتقدمة الرائدة التي تعرض كل ما لديها من أساليب حياة وأعمال ومعرفة وإبداع واختراع طوال اليوم والليل على العالم كله بمن فيه نحن, مما يجعلنا نستفيد من معرفة الكثير مما يجري في العالم, وذاك ما يساعد على رفع وعينا العام, وهي خطوة كبيرة تجعلنا على بينة من أمرنا, وتقربنا من تصور الحلول المناسبة لخوض غمار التجربة بعد الثورة الداخلية التي تخلصنا من الوضعية المتخلفة التي تفرضها علينا القبيلة والسلطة الممثلة لها والمنبثقة عنها والخادمة لها والحارسة لوجودها واستمرارها, ومن المعلوم أنه إلى جانب القبيلة العتيدة, توجد شبه قبائل منبثقة عنها, وهي ما يسمى بمجموعات المصالح والنفوذ, أو ما يمكن وصفه بالقبيلة الجديدة, التي قد تتجاوز الانتماء القبلي إلى انتماء نفعي مصلحي سلطوي, لكنه يبقى على ارتباط وثيق بالمجموعات القبلية التقليدية . بعد هذه العوامل المساعدة الخارجية التي هي – دون شك – مفيدة للغاية في رسم الطريق أمام القوى المتطلعة إلى التقدم والكرامة والحداثة في مجتمعاتنا, وهي دون شك موجودة وإن كان يعوزها التنظيم والتكتل ووضع المشروع الريادي الأول مشروع الثورة الشاملة الجذرية المحولة لمجتمع القبيلة نهائيا إلى مجتمع حديث يتأسس كمجتمع معرفة يستوعب مستجدات العالم بسرعة ويدخل بعد حين مستوى الريادة بالمساهمة في استعمال ثمار الثورة التكنولوجية التي هي وسائل التصور والعمل الجديدة, ويتدرج سريعا إلى المشاركة في صنعها وترويجها وتطويرها أي إلى مستوى الريادة العالمية, هذه القوى التي يمكن أن تحدث هذا التحول لدينا هي النخب المختلفة النخب المثقفة بالدرجة الأولى ثم النخب العمالية والسياسية والاقتصادية والمالية وغيرها, ذات التوجه الوطني التطوري الحداثي, الراسخة القدم في أصالتها بالطبع (لأن أي تحديث أو عصرنه أو تطوير, إنما ينصب على الهوية ذاتها, لينقلها من الجمود إلى الحداثة, أي استيعاب الثابت للمتغير والتلاحم معه), كل النخب الاجتماعية الوطنية, ينبغي لها أن تلتقي لوضع مشروع نهوضي شامل وتبدأ في النضال من أجل تجسيده تدريجيا على الأرض, نعم ستجد مقاومة شرسة من قبل أصحاب المصالح مؤيدين بالبنيات القبلية التقليدية والجديدة, المدافعة عن وجودها بكل الوسائل, غير أنها لا يمكن أن تصمد أمام تحالف النخب الاجتماعية كلها, وأمام مشروع رائد جذاب تكون هذه النخب قد وضعته بإحكام وضبطت طرق تنفيذه المرنة على سكة التنفيذ, وعندئذ يمكن لها أن تبدأ في تجسيد مشروعها النهوضي المتعاظم, ثم النهائي حيث تحدث الثورة الاجتماعية التي تقلب الأوضاع رأسا على عقب لفائدة المشروع الرائد الذي يجعل البلد أو القطر, وفي مرحلة لاحقة العالم العربي كله في وضع جديد يؤهله لدخول عالم التكنولوجيا الحديثة استعمالا واستهلاكا ثم استيعابا وصنعا وترويجا وتبادلا بكل جدارة واستحقاق¸ مما يجعل أمتنا المجيدة على باب العودة إلى ما كانت عليه من شرف الريادة العالمية ذات يوم, وما ذلك على الله بعزيز. بمعنى أنه من التبسيط المخل انتظار ريادة في الأعمال المستندة إلى التكنولوجيات الحديثة, وبالتالي خوض غمار الثورة التكنولوجية في عالمنا العربي, ما لم يحول أولا إلى مجتمع معرفة, وليحدث ذلك لا بد من ثورة حقيقية شاملة وجذرية, وهي وإن وجدت عوامل مساعدة في الثورة التكنولوجية المعاصرة, فلن تصبح حقيقة واقعية شاملة على الأرض إلا بقيام تحالف بين مختلف النخب الوطنية الأصيلة ذات التوجه الحداثي وباتفاقها على الثورة ووضعها لمشروع نهوضي واضح المعالم مرن التطبيق وشروعها فورا في العمل المتنامي على تجسيد مشروعها على الأرض, وهو الأمر الذي سوف يتحقق لا محالة , وعندها فقط, أي عندما يتحول مجتمعنا العربي إلى مجتمع معرفة, يمكن له بسرعة وبسهولة نظرا لموروثة الحضاري العظيم, وبفضل ثرواته البشرية والطبيعية الضخمة, ونظرا لمشروعه الجديد أن ينهض بكل وثوق ونجاح, ويستوعب التكنولوجيا الحديثة سريعا, ويصبح من روادها بل ومن رواد الحداثة والحضارة المعاصرة في طبعة مغايرة أصيلة وإنسانية, ومن المساهمين الأساسيين في قيادة العالم لفائدة البشرية جمعاء, هذا هو طريق الريادة الممكن لعالمنا العربي في المجال التكنولوجي والحضاري العام, وما عداه من محاولات هامة فردية أو حكومية هنا وهناك, مهما كان مستواها أو جدواها, فهي بطبعها عاجزة عن نقل عالمنا العربي - بصورة شمولية - إلى مستوى الريادة المنشودة تكنولوجيا وعلميا وحضاريا في عالم العصر.ولعله من المفيد هنا أن نذكر بعض هذه الأعمال التكنولوجية الرائدة في عالمنا العربي الحالي, للإقرار بوجودها وتثمينها كحالات فردية جزئية ناجحة ورائدة لكنها قاصرة بطبعها عن نقل مجتمعها إلى مستوى الريادة الشاملة, هناك مثلا مشروع شركة أوراسكوم تيليكوم المصرية للاتصالات والإعلام في الجزائر, حيث يكفي لذكر نجاحه الكبير القول إن المشتركين في الهاتف المحمول في الجزائر هم حوالي ثلاثين مليونا من بين حوالي ثلاثة وثلاثين مليون نسمة هم عدد سكان الجزائر, نجد حوالي نصف المشتركين في "جازي" وهو اسم مشروع أوراسكم في الجزائر, وهذا عدد ضخم وشبه خيالي, وبالتالي يمثل نجاحا تكنولوجيا خرافيا في الاستهلاك والاستعمال, مما أدى إلى تجاوز أزمة الهاتف التي كانت حادة جدا في الجزائر, ومثل هذه الريادة يمكن العثور عليها في إنجازات علمية وفنية تطبيقية هنا أو هناك, وهي دائما مرتبطة بأدوات تكنولوجية تساهم في فعالية أدائها, كما هو الأمر مثلا لصناعة الدواء في الأردن وكذلك الممارسات الطبية الناجحة والرائدة فيه عربيا, أقصد في الأردن الشقيق, ويتفق هذا الواقع مع الفكرة السائدة بكون بلدان العالم الثالث متجاوزة تكنولوجيا, لكنها قادرة لو أرادت على القيام بإنجازات علمية تكنولوجية تتصف بالريادة جهويا, يعني على المستوى العربي أو الإفريقي مثلا, أو ما شابه ذلك, كالمثال المصري و الأردني السالفين. غير أن هذه الإنجازات الرائدة تبقى جزئية, ولا تذهب بعيدا في إحداث النهضة الشاملة والحداثة والازدهار لشعوبها وأمتها, والأمر نفسه في حالة وجود عدة مشاريع في مجالات مختلفة من النشاط الوطني, فتجميعها أو جمعها لا يقدر على إرساء معالم النهضة والحداثة والازدهار, لأن المسألة تتعلق بمشروع واستراتيجية شاملة كما سبق الذكر, إذ تلك هي الخطوط العريضة التي أراها ضرورية لإحداث النقلة الحداثية الشاملة لمجتمعاتنا العربية ولأمتنا مجتمعة في نهاية المطاف.

ليست هناك تعليقات: