الأحد، 29 أغسطس 2010

فتوى هيئة كبار العلماء في عبد الله الحبشي


فتوى هيئة كبار العلماء في عبدالله الحبشي

الفتوى رقم (19606)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة واستفسارات حول (جماعة الأحباش) والشخص الذي تنتمي إليه المدعو / عبد الله الحبشي، القاطنة في لبنان، ولها جمعيات نشطة في بعض دول أوربا وأمريكا واستراليا، استعرضت اللجنة لذلك ما نشرته هذه الجماعة من كتب ومقالات، توضح فيها اعتقادها وأفكارها ودعوتها، وبعد الاطلاع والتأمل فإن اللجنة تبين لعموم المسلمين ما يلي:
اقرأ الموضوع والمناقشات على صفحات: منتديات الصمود الحر الشريف

الاثنين، 16 أغسطس 2010

الطاهر وطار علو في الحياة وفي الممات

الطاهر وطار علو في الحياة وفي الممات




وأنا أحاول جمع معلومات عن الراحل الكبير الطاهر وطار, ولكثرتها وتشعبها واهتمام الإعلام العالمي كله بالمناسبة, أدركت أن من استطاع أن يهز الدنيا ويحدث صخبا فريدا فيها أثناء حياته لا بد أن يفعل نفس الشيء بل أكثر لدى مماته, وتذكرت بالمناسبة بيت المتنبي في هذا السياق حيث يقول:


وتركك في الدنيا دويا كأنما
تناول سمع المرء أنمله العشر




كانت الكتابات التي وجدتها تنحصر في نقل ما أنتجه الرجل في مختلف فنون الأدب من قصة ورواية ونقد وغيرها, ومستوى ذلك الإنتاج الذي ارتقى إلى مستوى العالمية, مما جعله يترجم إلى حوالي عشر لغات عالمية. كما أن هناك ذكر عابر لثوريته وبالتالي إحرازه صفة المجاهد رسميا باعتباره أحد المساهمين في الثورة التحريرية الكبرى, وأيضا هناك حديث مقتضب عن مساهماته السياسية ومواقفه المبدئية وشغله لوظائف سامية في حزب جبهة التحرير أيام حكمه ووحدانيته في الجزائر وفي السلطة, وأيضا إعادته بعد أن أحيل على التقاعد في سن مبكر 47 عاما إلى شغل وظيفة سامية هي المدير العام للإذاعة الوطنية الجزائرية. بمعنى أن الحديث في وسائل الإعلام بكل أنواعه عن رحيل الروائي الكبير كان بسيطا, وربما يكون البعض قد كتبوا مقالات معمقة لم أطلع عليها فيما فحصت من منشورات عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال.
وطار فيما أتصور يمكن وصفه بالبسيط العظيم, ولعل لقب "عمي الطاهر" الذي كان ينادى به من محبيه يعبر تعبيرا صادقا عما قصدت بالبساطة العظيمة, إنه هذا الرجل الذي إذا رأيته دون أن تعرفه حكمت عليه فورا بأنه أحد الريفيين الذي استوطن المدينة حديثا, فبالرغم من مغادرته لقريته في سن السادسة عشرة إلا أنه لا يزال في مظهره وطريقة تصرفاته الصميمة وكأنه لم يبتعد عن تلك القرية يوما واحدا, وقد صدق من قال باكتساب الانسان لشخصيته بنسبة فيما أتذكر تفوق التسعين بالمئة في سنواته الست الأولى, غير أن الأبعاد الأخرى المكتسبة والثقافية والإبداعية تجعل من يعرفها ويدركها ويتذوقها يحس أنه أمام مبدع بلغ درجة العالمية, باعتبار هذه العالمية هي مستوى من الإبداع يرفع الأحوال الخاصة العادية بالغوص فيها والتعبير عنها تعبيرا غير مسبوق إلى مستوى العالمية, وهي منتهى الرقي في الميدان الذي يتناوله المبدع في وقته. وهذا هو السبب الذي جعل الكتابات وخاصة منها الروايات لدى وطار تترجم إلى لغات عالمية كثيرة, منها الإنكليزية والفرنسية والألمانية والروسية والإيطالية, أي لغات أكثر الأمم تقدما في عصر الناس هذا.
نعم إن البساطة من علامات العظماء, ووطار كان هكذا بسيط المظهر لا يشعرك إذا لم تكن على دراية به بالعظمة التي هو عليها, لأنه في الحقيقة جعل من تلك الشخصية التي يتراءى بها شخصية عالمية, ومن ثم فهو يعتز بها ويتمسك ولا يرضى بغيرها أبدا. فلا يتصور منه أن يقلد أو ينجرف وراء ما يفعله الناس أو يتظاهرون به في مختلف ممارساتهم الحياتية ومظاهرهم وأساليب سلوكهم المعصرنة أو المقلدة لسلوك أهل مراكز العالم المعاصر كما يفعل كل الناس تقريبا. فهو يتوق وقد فعل بالفعل إلى جعل شخصية الإنسان في قريته البسيطة "مداوروش" نموذجا عالميا يقتدى به في كل أنحاء المعمورة, أو على الأقل يكون حاضرا ومفهوما ومتذوقا في كل أنحاء العالم ومنها مراكز العضارة المعاصرة أي العواصم العالمية, وهو ما فعله وطار بالفعل, وكتاباته ورواياته المنتشرة في تلك العواصم خير دليل على هذا الإنجاز العالمي الرائع.
لكن من هو وطار؟ سنة 1954 عندما اندلعت الثورة الجزائرية العارمة كان عمر الطاهر وطار 18 سنة, مما يعني أن اللقاء القدري بينه وبين الثورة كان ممتازا, في سن مثالية هي سن الثوار عموما, ولأن الطاهر كان حساسا وموهوبا فقد أدرك بفطرته الصافية معنى الثورة وانخرط فيها بعمق, فكان أن شكلته كما شكلت عبقريات كثيرة في استعمال السلاح بمهارة عالية لا يملكها جنود فرنسا وضباطها المتخرجون من أكبر المدارس والكليات العسكرية, أما عبقرية الشاب الطاهر فقد كانت فكرية وأدبية ونضالية وسياسية, ومن هنا يمكن فهم انطلاقته السهمية ليبلغ مستوى عالميا فكرا وأدبا, ولو أتيحت له الفرصة لكان كذلك سياسيا أيضا. وهذا ما كان فقيدنا يدركه بعمق, ومن ثم كان موقفه الثوري والنضالي المعارض من الداخل, بالرغم من تبوئه منصب الإطار السامي في الحزب الحاكم ثم في الجهاز الإعلامي الرسمي كمدير عام للإذاعة الجزائرية بكل فروعها الكثيرة, وهذه إشكالية يصعب فهمها, فهو كمجاهد له أولوية الوصول إلى مناصب سامية, لكنه كمعارض يبقى محل شبهة واستهجان لاسيما وتهمة الشيوعية تلاحقه في كل مكان, وهذا ما يفسر إحالته على التقاعد من الحزب الحاكم في سن 47 عاما. لقد كان الراحل الكبير يدرك أن النظام القائم عدو له لأنه يكبت موهبته السياسية ويمنعه من الارتقاء إلى أعلى المراتب تنظيرا وتنفيذا من خلال الاحتكار الذي تمارسه جماعة معينة للفكر والسلطة, ومن هنا لا يمكن لمن هو في مستوى وعي وطار الثاقب إلا أن يكون معارضا لهذا النظام ولو من الداخل بحكم انتمائه التاريخي للثورة واحتلاله الحتمي لذلك لمكانة متواضعة في جهاز الحكم هي مكانة التقنوقراطي البسيط, أو الموظف السامي الذي لا يعبر بصدق عن مكانته الحقيقية التي هو مؤهل له بحكم الكفاءة والفكر والإبداع الذي يمارسه والذي بإمكانه أن يفعل مثله في مجال السياسة لو أتيحت له الفرصة.

ولعل أصعب جانب يمكن فهمه لدى الطاهر وطار هو انتماؤه الشيوعي الغامض, ذلك أنه فيما تذكر المصادر وأظن أنها على صواب قد كان منخرطا في حزب الطليعة الاشتراكية الشيوعي السري أثناء حكم الحزب الواحد جبهة التحرير الوطني الذي عمل فيه وطار كإطار سام لفترة مطولة جهرا. مفهوم أن يكون الحزب سريا والانخراط فيه كذلك لكونه ممنوع ويعاقب على الانتماء إليه عقوبة قاسية, لكن الحقيقة أن شيوعية وطار أيضا فيها حرج كبير له كونه من بئة محافظة ومسلمة إلى النخاع, ولأنه تلقى لذلك تربية تقليدية إسلامية ثم دراسة في نفس الاتجاه بدءا بحفظ القرآن الكريم في قريته ثم الدراسة في معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة وهو معهد ديني والانتقال فيما بعد إلى جامع الزيتونة في تونس وهو أيضا معهد ديني تقليدي يدرس علوم الإسلام واللغة العربية على طريقة الأقدمين.



وطار وبن بلة حديثا

أعتقد أن هذه الظروف الخاصة هي التي جعلت شيوعية وطار محاطة بالتقية, ولدي ميل إلى الاعتقاد بأن الرجل بسبب هذا كله لم يكن ملحدا, بل يتبني الاشتراكية من ناحيتيها السياسية والاقتصادية فحسب باعتبارها معبرة في نظره عن العدل الاجتماعي الذي كان ينشده لأسباب كثيرة أهمها الظلم الطبقي الاستعماري العنصري الذي عاناه في طفولته وشبابه, والذي يأبى أن يمارس بين الجزائريين أنفسهم. ودليلي الأكبر على هذا هو أن وطار لم يتم اغتياله في سنوات العنف الأعمي في عشرية التسعينات بينما تم اغتيال الكثير من المثقفين الكبار بسبب انتمائهم الشيوعي. صحيح أن وطار قد اتخذ موقفا معارضا لإيقاف المسار الانتخابي الذي كان سيوصل الاسلاميين إلى الحكم, كما كان معارضا بشدة لنفي الآلاف المؤلفة من شباب الإسلاميين إلى محتشدات خصصت لهم في أعماق الصحراء بعد ذلك. غير أن هذين الموقفين المؤيدين لأسباب مبدئية للإسلاميين لم يكن كافيا لمنع الحركات الإسلامية المتطرفة من اغتياله, بل ما منعها من ذلك هو تصنيفه خارج دائرة الشيوعية لدى الإسلاميين وحركاتهم المسلحة المتطرفة.

لا يمكن لهذه العجالة أن تعبر عن حقيقة شخصية عظيمة ثرية متشعبة الأبعاد مثل شخصية الراحل الكبير الطاهر وطار, لكن عذري هو أن الكاتب العبقري محل دراسات عليا وأطروحات جامعية لنيل الدكتوراه وغيرها من الشهادات العليا, فكيف بي أنا ألم ببحر محيط في مقال سريع ذي صبغة إعلامية من هذا القبيل؟؟؟

رحمك الله يا كبير الأدباء ويا مؤسس الرواية العربية الحديثة في الجزائر, فضلا عن ثوريتك وحملك لصفة المجاهد في الثورة التحريرية الأسطورية, التي صاغتك وجعلت منك أسطورة عالمية فكرا وأدبا, فوداعا أيها المبدع بصفتك جسما فانيا ككل الأجسام, ولكنك من ناحية الحضور المعنوي قد سجلت نفسك بأحرف من نور في سجل الخالدين, ولن تفارق الأحياء المشاهير المتألقين وكل الناس الباحثين عن الفكر والأدب إلى يوم يبعثون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.



عبدو المعلم
المزيد: الصمود الحر الشريف