الأحد، 26 يوليو 2009

من المخطئ

من المخطئ الكاتبة أم المعلقين؟

الفتنة ليست دائما أشد من القتل

نشرت الشاعرة والأديبة المصرية "فاطمة ناعوت" مقالا تحت عنوان "الفتنة ليست دائما أشد من القتل ", فأثارت بذلك موجة عارمة من ردود الفعل المعارضة والمؤيدة, عبر الوسائط الإعلامية, وقد كان الجدل حادا وإيديولوجيا عقيما في نظري بين الإسلاميين والعلمانيين, وأنصار هؤلاء وأولئك, مما دفعني إلى المساهمة في هذا النقاش من وجهة نظر غير إيديولوجية, بل موضوعية وشمولية لما في ذلك من خدمة الصالح العام, ودفع الوعي إلى الأمام, وهي مسألة في نظري ذات أهمية قصوى, فإليكم جيراني الأعزاء ردي على هذا المقال الهام:

أنا جديد هنا, لم أعرف الكاتبة من قبل, وقد اشتبهت في العنوان حقا؟ لكني لم أذهب إلى درجة سوء الظن كون صاحبة المقال, تقصد القرآن, والتأمل في المقال لا يوحي بهذا التأويل, وأنتم المعلقون الأكارم انقسمتم قسمين, من مؤيد للكاتبة ومعارض بناء - فيما يبدو - على معرفة سابقة بمن ينتمي إلى العلمانية وبمن هو ذو انتماء إسلامي, والكلام واضح أنه بين مصريين, فقلت وما دخلي أنا في الأمر لاسيما وأنا أجهل الخلفيات تماما, ما عدا خلفيات الانتماء الإيديولوجي الواضحة للعيان؟ ولا أكتمكم أنني أمقت هذا النوع من الانتماء وما ينجر عنه من نقاش عقيم, يراوح مكانه. من يكيد للقرآن الكريم إنما يكيد لنفسه, إن صح هذا الاعتداء في حقه, وللقرآن رب عظيم جدير برد العدوان بمجرد أمر بسيط منه تعالى "كن فيكون", ليس معنى هذا أن يترك المسلم الحبل على الغارب ويسمح بالإساءة لمعتقده ورموزه المقدسة, لا أبدا, لكن لماذا لم أفهم أنا هذا المقصد من المقال؟ وأنا الخالي البال من معرفة أي دوافع قد تكون من وراء عنوان المقال, العنوان فقط وليس المقال؟ لا أظن أن الكاتبة قصدت بالفعل في هذا المقال بالذات "ويل للمصلين". وقد كان الجدير بالنقاش أن يتخذ وجهة أخرى بأن يضيف ويثري ما تفضلت به صاحبة المقال, سواء بالزيادة الفعلية أو بتصحيح مسار الموضوع إن كان هناك غموض أو خلل. أما أن نناقش الإيديولوجية, إن كانت هناك إيديولوجية, ونترك الموضوع الذي هو بين أيدينا, فهذا هو العقم في ذاته. بالمناسبة أنا لا أعرف ديانة الكاتبة حتى اللحظة, ولم أتساءل عنها حتى قرأت التعليقات, التي فهمت منها أن صاحبة المقال ذات اتجاه علماني, إن كان هذا صحيحا بالطبع؟ وبالفعل هل مصدر التهجم المزعوم على عقيدة الإسلام مصدره ديانة الكاتبة إن كانت غير مسلمة؟ أم مصدره علمانيتها؟ أم الإثنين معا؟ هذا مع التحفظ الشديد كونها قصدت بالفعل التهجم على عقيدة الإسلام باتخاذها هذا العنوان لمقالها القيم في مجمله, حيث انتقدت التربية داخل المدرسة, وهنا ألاحظ بالفعل, لماذا جعلت المعلمة المخطئة في التأويل والتوجيه قبطية؟ بمعنى مسيحية ربما؟ ولماذا فعلا لم تقل ذلك بصراحة, أي تنسب الخطأ إلى المسيحية وليس القبطية؟ لا أدري بالضبط؟ ودون شك أنكم أنتم أدرى مني بما أرادت الكاتبة قوله. لقد كان الأجدر بها, إن كانت تريد نقد التربية المدرسية, أن تذكر المعلمة فقط, ولا داعي لذكر عرقها القبطي ولا ديانتها المسيحية, حتى لو كانت القصة واقعية, لأنها لا تخدم النقد الذي أرادته الكاتبة للتربية المدرسية, ولا تساهم فيه أبدا, بل قد يؤدي إلى اتهامات صحيحة أو غير صحيحة, فأنا لا أعلم الغيب, بإثارة النعرات العرقية والطائفية, وفي هذه الحالة، يكون الفعل شنيعا, وهو ما أستبعده شخصيا ببساطة لأنني لم أشعر به البتة أثناء قراءتي للمقال, ثم جاءت بأمثلة أخرى عن مواقف اجتماعية وفردية سلبية, وهي صحيحة, تحدث كثيرا في كل اللحظات في شوارعنا كلنا, ربما بتفاوت من بلد عربي إلى آخر, لكنها موجودة وهي خطيرة, وتساهم فعلا في تلويث بيئتنا ماديا أو معنويا. ما أستغربه من الكاتبة وأيضا من المعلقين الخصوم والأنصار, هو أنهم يحصرون النقاش في البيئة المصرية, وكأنهم يقومون بهذا في ناد معين داخل مدينة أو قرية مصرية, إنكم تفعلون هذا على صفحات فضائية مفتوحة على العالم كله, فلماذا تقتصرون في طرحكم على مصر, وأنتم ترون أن شركاءكم من الأصدقاء في هذه الواسطة الإعلامية الفضائية العالمية حاضرين بالفعل معكم؟ وأكثر من ذلك هناك ألوف بل عشرات الملايين من العالم العربي والإسلامي, وممن يعرفون العربية من كل أنحاء العالم,بقطع النظر عن المهاجرين العرب والمسلمين في كل بقاع العالم؟ كلهم يتابعونكم لا كمصريين, ولكن كمفكرين تطرحون قضايا يشاركونكم فيها, ويريدون المساهمة في الطرح والنقاش؟ هذا موضوع للنقد الموجه إلى الكاتبة والمعلقين معا. يبقى أن ما أفهمه من المقال محل الجدل, هو أن الكاتبة أرادت عكس ما يوحي به العنوان, أي أنها لم تقصد "ويل للمصلين", بل قصدت العكس, أي أننا لا نعمل بهذا التوجيه القرآني دوما, ونتستر على أشياء كثيرة, ولا نبالي بأفعال خطيرة واعتداءات يتعرض لها أشخاص أمام أعيننا, بل إن السلطة ذاتها عندما نذهب لنشتكي إلى رموزها من ظواهر سلبية خطيرة تسخر منا وتجزرنا بدل من حمايتنا والقيام بدورها في توفير الأمن ومحاربة الفساد والرذيلة, مما يجعلنا ننكفئ على أنفسنا, ونكف عن مناصرة الحق ومحاربة الباطل, ونبتعد ما أمكننا عن الوقائع السلبية نجاة بأنفسنا, متواطئين في ذلك مع الجناة والمفسدين والمسيئين, هذا هو ما يفهم من المقال بكل موضوعية ونزاهة, وبدون إضمار أي خلفيات إيديولوجية أو طائفية, التي قد تكون موجودة خارج هذا المقال, فذلك ما أجهله, ولا أعيره كبير اهتمام, لأن العبرة عندي بالمقال بحروفه وكلماته وجمله وفقراته, ولا شيء آخر خارج المقال, هذا ما يمليه عليه المنهج الموضوعي, الذي ينبغي أن نلتزم به جميعا, إذا أردنا أن تكون مساهماتنا بناءة. ما قصدته الكاتبة سليم لا غبار عليه, وهي تنتقد بوضوح الاستثناء الذي يلحقه سلوكنا السلبي بالآية الكريمة, بالطبع نحن كذلك لأننا متخلفون, وعلينا أن نتحد في محاربة العدو الأكبر الذي هو التخلف. كيف؟ هذا هو الغائب الأكبر في المقال, فيما عدا المقارنة العابرة التي ذكرتها الكاتبة في قضية عدم التبليغ عن التدخين في الأماكن العامة لدى بلد أوروبي معين. إن ذكر مثل من هذا القيل لا يؤدي وظيفة تربوية أو حتى الاعتبار. لأن المثل على دلالته جزئي منتزع من كل شامل لمجتمع ولقارة أو للغرب بأكمله, الغرب المتقدم الراسخ القدم في الحداثة والازدهار الشامل, كان من الأجدر بالكاتبة أن تلامس السياسة بوضوح, فما يحدث من ظواهر التخلف, هي نتاج طبيعي لمجتمع متخلف, وما ينقصنا هو اسراتيجية الخروج من التخلف وانعدام الإرادة السياسية في ذلك, والسبب هو غياب الديمقراطية, التي بها يستطيع الشعب أن يدافع عن مصالحه, ويفرض تلك المصالح على الحكام فرضا, ذلك لأنه هو الذي يعينهم بالانتخاب, وإن رأى منهم اعوجاجا أو تقصيرا عزلهم كما عينهم, بكل سهولة ويسر, ذلك هو الذي يجعل الظواهر السلبية عندهم في الغرب تضعف باستمرار, وتجعل الناس كلهم يقومون بواجب الترقية المستمرة لكل شيء, ذلك لأنهم قد تخلصوا بفعل التقدم والوعي الرفيع والديمقراطية السياسية من الطابوهات كلها, ولا شيء يجبرهم على السكوت, تحت طائلة الخوف بل الرعب السياسي أو الديني أو الجنسي, هذه هي المعاني التي كان على الكاتبة أن تتعامل معها, من أجل الوصول إلى الأسباب العميقة, ومن أجل المساهمة الفعالة في رفع وعي الشعب, ذلك الوعي الذي هو الشرط الضروري والكافي لحصول الطفرة الحضارية انطلاقا من الإطاحة بالديكتاتورية السياسية وبالطابوهات المرعبة, طابوهات السياسة والدين والجنس, ومع ذلك فإن الكاتبة قد قدمت لنا بداية هامة في مقالها القيم, مكنتنا من الاطلاع على ظاهرة الجدل الإيديولوجي العقيم, بين المعلقين, ودفعتنا إلى محاولة إضافة ما شعرنا بوجوب إضافته, شكرا لكم جميعا, كاتبة محترمة, ومعلقين أكارم, ومساهمين بالقراءة والمتابعة والتفاعل, شكرا لكم
.

السبت، 25 يوليو 2009

في الجنس إفلاس العرب

في الجنس إفلاس العرب

إنهم لا يدركون – واحر قلباه_ أن السياسة وغياب الديمقراطية هو سبب بلائهم الأكبر, فكيف يعلمون أن المسكوت عنه الذي يكوي جنباتهم هو السبب الثاني لمصيبتهم؟ كان عرب الجاهلية يئدون بناتهم خوفا على شرفهم, وجاء الإسلام ليحمي البنات من زهق أرواحهن في المهد, بسبب هواجس مرضية, لا مبرر لها إطلاقا, لكن الدين الحنيف على ما فيه من مواعظ وإنسانية ضاربة الجذور، لم يمح الجاهلية من هذه النقطة بالذات, لأسباب عميقة في الذهنية العربية ذات الجذور الجاهلية, بالرغم من الانتشار الأفقي لدين الله الخاتم. ولا زال العرب يراوحون مكانهم, حتى يوم الناس هذا, يفنون جل أعمارهم, من الطفولة إلى المراهقة إلى الشباب, وشيء لا يستهان به من الكهولة والشيخوخة, ولا هم لهم غير الجنس, ضائعين في متاهات لا يجنون من ورائها غير الخسران المبين, فلا هم أطفأوا النار المتأججة بداخلهم, والموروثة منذ الجاهلية الأولى, ولا هم التفتوا إلى شؤون دنياهم من علم وعمل, وبناء المجتمعات الرائدة والدول السائدة. إنها بلاهة ما بعدها بلاهة, منشؤها عدم المواجهة المسئولة لمشكلة حيوية طبيعية, لا مفر منها لبني آدم, بحكم تكوينه البيولوجي والسيكولوجي, الذي أنشأه عليه بارئه سبحانه. ولحد الآن لا زال النفاق هو سيد الموقف, مع جهل الأسباب والمسببات أو تجاهلها, والنتيجة واحدة, وهي خراب الديار, وشغور النفوس وتصحرها. نعم نحن مجتمع له ديانات ومذاهب تنظم علاقة الجنس فيه, ذلك حل عظيم للمشكلة, لكن كيف السبيل إلى التطبيق؟ لقد قامت حضارة العرب بفعل الإسلام وترعرعت وازدهرت, وسادت الدنيا طولا وعرضا, مثل ما هي أمريكا الآن, أو أعظم, لمدة حوالي ثمانية قرون كاملة, وبالتأكيد لم تكن لديهم هذه المشكلة المزيفة, ذلك لأنهم لم يجهلوها ولم يتجاهلوها, بل وجدوا لها الحلول كما وجدوا وأبدعوا لمختلف مناحي حياتهم. لكن التراكمات السلبية بدأت منذ حوالي عشرة قرون, بعد غلق باب الاجتهاد في التشريع وفي غير التشريع, وعم الجهل وساد الظلام, وعشش التخلف والانحطاط والهوان, ثم جاء الاستعمار, فزاد باب الاجتهاد واليقظة والانبعاث إغلاقا, ليؤبد مصالحه في أرضنا, وذهب الاستعمار شكليا, لكنه تغلغل أكثر عمليا وحياتيا. ذلك أن الذهنية القبلية الجاهلية سرعان ما طفت على السطح مع الانحطاط, ثم تعمقت بفعل الاستعمار, ولا زال الأمر عما هو عليه, منذ سقوط بغداد على يد التتار والمغول, فهل يكون سقوطها على يد مغول العصر الأمريكان إيذانا بوثبة جديدة لحضارة العرب؟ ربما, لكن ذلك إنما يكون بتغيير ما بالنفس, كما هي الآية الكريمة, فالتغيير لا يكون إلا متزامنا في مجالات النفس والمجتمع, أو لا يكون. أتذكر بالمناسبة قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيما معناه: "واقعتان في الجاهلية,عندما أتذكر إحداهما أضحك, وهي أني أشتري تمثالا للوثن الذي أعبده مصنوعا من الحلوى, وعندما أجوع آكله. والثانية, هي أنني وأنا أحفر قبرا لابنتي لوأدها, كانت تزيل التراب الذي يتناثر على لحيتي بيديها, فعندما أتذكرها أبكي", وقد أسلم عمر وأعز الله الإسلام به, وصار خليفة المسلمين, ومثال العدل في تاريخ البشرية قاطبة, حتى أن رسول الإمبراطور عندما جاءه وأخذ يبحث عن كيفية الوصول إليه, قيل له ها هو نائم تحت الشجرة, فقال: عدل عمر فنام مطمئنا, أو كما قال. ومجتمع يقوده عمر لا يمكن أن يتضور جوعا أو يتلوى حرمانا من أي شيء, ولذلك انطلق ليشيد الحضارة, التي جعلت هارون الرشيد, فيما بعد, يقول للسحابة العابرة فوق بغداد, اذهبي حيثما شئت, فسوف يأتيني خراجك. إننا نعيش في مجتمع من شقين لا يعرفان الكثير عن بعضهما, مجتمع الرجال ومجتمع النساء, ينشأ أطفالنا على الفصل منذ المراهقة المبكرة, وعلى الزجر والمنع والتخويف من الجنس الآخر, بدعوى حماية الشرف, وتبقى المشكلة بركانا يغلي تحت السطح, كالنار المغطاة بالرماد, ونحن أفرادا ومجتمعا نضع رؤوسنا في الرمال, كما تفعل النعامة أمام الخطر الداهم, تقولون وما الحل؟ لقد قال بعض المتعبقرين من العلمانيين الجزائريين, في سبعينيات القرن الماضي, إن الحل في الاختلاط في المدارس منذ الابتدائي, وفعلوا, والحق أقول إنهم كانوا محقين بعض الشيء, ولكنها رمية من غير رام, فقد كان قصدهم في الحقيقة, هو الكيد للإسلام, وتحطيم المجتمع الإسلامي التقليدي القائم, بنشر الانحلال والرذيلة, غير أن قصدهم لم يتحقق, ونشأ الجيل الجديد أكثر اتزانا, وأيضا أكثر تمسكا بالإسلام, وأكثر إقبالا على دور العبادة. غير أن المشكلة الأساسية لا زالت قائمة, فالاختلاط لم يؤد إلى النتائج التي كان هؤلاء يحلمون بها, حيث كانوا يظنون أنه سيؤدي إلى إشاعة الفاحشة, ومن ثم تفجير المجتمع الإسلامي التقليدي, ونصبح مثل المجتمعات الغربية تماما, وهو ما لم يحصل. هذه تجربة فشلت لأنها لم تكن مدروسة, ولم تكن نزيهة أو خيرة, ولكنها مكيدة ماكرة كان مآلها الخيبة وبئس المصير، فقد انتشر التعليم كثيرا, ولم يتزعزع المجتمع المسلم كما يظنون. أنا هنا لا أدعي ملكية الحل, لا أبدا, وإنما أدعو إلى طرح المشكلة بطريقة صريحة وعلمية, من الناحيتين الشرعية والطبيعية, فليس هناك من حل خارج شريعتنا وخارج العلم الموضوعي البيولوجي والسيكولوجي وغيرهما من العلوم ذات العلاقة. وهذه مهمة الدولة والمجتمع, وأيضا وبشكل أساسي, كما في السياسة, مهمة النخبة المثقفة طليعة المجتمع, ورائدة الشعب في مسيرة الخروج من التخلف والتحديث والعصرنة. المشكلة أعزائي قائمة ولا يمكن تغطية الشمس بالغربال, فهناك طبيعة بشرية, يجب أن تحترم, وهناك غريزة يجب أن تلبى كما هو الأمر تماما بالنسبة لغريزة الأكل والشرب, وهناك تربية صحية, تماما مثل التغذية الصحية, يجب أن يعتنى بها علميا, بعيدا عن المتاهات والمخاطر والخرافات المؤدية إلى البلاء الأعظم على الفرد والمجتمع, ومن المضحك المبكي أن يقول قائل, إن اعتبارات ما أي كانت تحول دون نشر الثقافة الجنسية والوعي الجنسي الصحيح عن طريق المدارس ووسائل الإعلام والاتصال, بل وفي دور العبادة, حيث الوعظ والإرشاد, فالصحة الفردية والاجتماعية، هي الهدف الذي لا يعلو عليه أي اعتبار, وليس لنا عن العلم في كل المجالات بديلا. إن جحيم الجنس يبدأ منذ البلوغ, وعلى المجتمع أن يجد الحل الشرعي والعلمي والصحي السليم له, ولا يجهل أو يتجاهل حالة أبنائه المكتوين بنار الجحيم الجنسي. وليتدبر أمره بكل الوسائل الممكنة, تقولون هل يمكن مثلا تزويج الأطفال منذ البلوغ؟ وكيف؟ نعم إن هؤلاء الأطفال يبلغون سن الخمسين, ولا زال آباؤهم يسمونهم أطفالا, ويظلون مراهقين مدى الحياة, ذلك لأن معاناتهم الطاحنة، تترك جرحا غائرا في أنفسهم المعذبة حتى بعد الزواج والإنجاب والكهولة والشيخوخة, لأن المرض أصبح لديهم بفعل قسوة الحرمان مزمنا, وهل هذه التسمية السحرية للكهول والشيوخ بالأطفال تحل المشكل؟ لا, أبدا. هنا أعرض حلا تقليديا قائما لدى مجتمع مصغر في الجزائر, هو المجتمع الإباضي, نسبة إلى المذهب الإباضي, والذين نسميهم " المزابيون", نسبة إلى منطقة إقامتهم "وادي مزاب" في شمال الصحراء الكبرى, في الجنوب الجزائري. هذا المجتمع الفرعي, يقوم على التجارة, وهو مجتمع تقليدي صارم التنظيم, يزوجون أبناءهم باكرا, لكن عندما يكون المراهق أو الشاب من أسرة متواضعة, ذات دخل محدود, تبقى الزوجة في بيت أهلها, إلى أن يصير الزوج المراهق أو الشاب ذا دخل كاف لفتح بيت, عندها تلحق به زوجته, والحكمة هو أن مشكلة الجنس تجد حلها, والشرف على المستويين الفردي والاجتماعي يصان. ورغم هذه التدابير الحكيمة والصارمة في المجتمع المزابي, فإنه لا يخلو من الانحرافات والتشنجات التي تعصف بالفرد في المجتمع التقليدي المتخلف, نتيجة المعاناة الجنسية. على أي حال هذا المجتمع الشديد التدين أيضا هو أحسن من غيره داخل المجتمع الجزائري, غير أن حل المشكلة ليس كاف بالطرق التقليدية وحدها, وفي غياب الحلول العلمية الشرعية والطبيعية. إن الكلام في هذا الموضوع لا نهاية له, ومهمتنا هي طرح المشكلة, والباقي على الجهات المختصة والمسئولة, وسنقوم بالكثير إذا نحن أفلحنا بنشر الوعي الصحيح بوجود هذه المشكلة العويصة. هناك أيضا المقارنات بين المجتمعات, خاصة مع المجتمعات المتطورة الحديثة في أمريكا وأوروبا, حيث إن أفكارنا عن الوضع عندهم في هذا المجال وهمية, وغير صحيحة إطلاقا, فليس من المعقول أن يكون المجتمع المنحل أخلاقيا – كما نتوهم – قويا, ورائدا, ويسيطر على كل شيء في العصر, هذا وهم, لكن هذه مسألة أخرى, فليس بالإمكان طرح كل الجوانب في مقال واحد, ربما سنحت الظروف للعودة إليه مرة أخرى, والمهم هو أن مشكلة الجنس عندهم محلولة بشكل كاف, بحيث لا تعرقل الحراك الاجتماعي, ولا التقدم الفردي والرقي عامة, وإلا لما استطاعوا أن يذهبوا بعيدا, تماما مثل الديمقراطية السياسية, التي أكسبتهم طاقة جبارة في النمو والتحضر والازدهار والقوة والمناعة. فلا يمكن وليس من المنطق أو المعقول أن يزدهر مجتمع يتضور شبابه جوعا ويتلوى من نار الحرمان الجنسي, ويسبح في ظلمات الجهل, وتعصف به البطالة, ويكبل حركته الاستبداد والتعسف والظلم. فالطابوهات السياسية والجنسية هي المضاد القاتل لكل مسعى نحو الازدهار والكرامة والحداثة, ومن غير كسرهما لفائدة الفرد والمجتمع والأجيال الصاعدة, لا يمكن الحلم بأي شيء ذي بال. لا بد من التحرك, وعلى النخبة المثقفة أن تكون في الطليعة، فهذا هو دورها التاريخي, دون غيرها, وإذا لزم الأمر تضحيات فلتفعل دون تردد, وإلا فلنتسمر فيما نحن فيه من ظلام دامس, ومن ليل بهيم إلى ما لا نهاية, وعلى أمتنا السلام. فليس أمامنا غير مواجهة الواقع بكل صراحة ووضوح, وعلى النخبة المثقفة أن تطرح المشاكل القائمة, وتجتهد في تصور الحل العلمي لها, ومنه الحلول العلمية الشرعية, التي يجب أن يتجند لها دعاتنا وعلماء الدين لدينا, بالتنسيق الكامل مع العلماء ذوي الاختصاص في المجالات ذات الصلة بالمشاكل المطروحة, عندها يرتفع الوعي وتتضح الرؤية, وتضطر السلطات للتعامل الصحيح مع الموضوعات ولو بنسب مختلفة من بلد إلى آخر, لكن خطوات التطور, تكون قد بدأت ويستحيل إيقافها, أقول أين أطباؤنا وعلماؤنا البيولوجيون والسيكولوجيون, لماذا لا يتدخلون في نقاشاتنا, ولماذا لا ينشرون الثقافة والتربية الجنسية الصحيحة في هذه الوسائط الإعلامية العملاقة؟ لماذا يتركون أبناءنا يتهافتون -من فرط الإهمال- على المواقع الإباحية الرخيصة؟ ولماذا لا تسعى السلطات بدل البحث عن كيفيات غلق هذه المواقع المدمرة لنشر الثقافة الجنسية العلمية والشرعية الصحيحة؟ ولماذا لا يتصدى دعاتنا لهذا الموضوع الخطير بطرق مستحدثة جذابة تغني أبناءنا عن الوقوع في براثن المواقع الإباحية؟ أليس من مهمتهم تحصين شبابنا من الانحراف والضياع وسوء العاقبة؟ إن سلسلة الأسئلة طويلة, قد نتناول منها ما هو في المقدور, وعلى الله قصد السبيل.

في فلسطين مصير العرب

في فلسطين مصير العرب

هذا مقال أوحى به تعليق الأخ الكريم "أبو وديع" على "فلسطين مرآة العرب"

الأخ المحترم أبو وديع، لي الشرف العظيم أن أتحدث إلى فتحاوي

لقد فتحنا عيوننا على فتح تقود الكفاح الفلسطيني باقتدار كبير, وتملأ الدنيا نصرا وفرضا للإرادة الفلسطينية الحرة على العالم, وبفضل كفاحها المرير, والتفاف العرب من حولها, أيام التضامن العربي, افتكت لها مقعدا في الأمم المتحدة, وفرضت الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني عالميا . أقول لك أخي العزيز, إنني لست مع أي كان القدومي أو غير القدومي, أنا مع المقاومة كائن من كان الذي يقوم بها. وما هو واضح الآن,هو أن القيادات الفتحاوية الموجودة بالخارج قسرا, نظرا لتناقض الثورة والمقاومة مع الإقامة تحت الاحتلال, إلا بالنسبة للمقاومة المسلحة التي تنتهج تكتيك حرب العصابات, تضرب وتختفي, أما القيادات السياسية فيستحيل وجودها على أرض محتلة إلا إذا كانت تتبع نفس الأسلوب, أي الاختفاء والنشاط في سرية تامة, اللهم إلا إذا هادنت العدو _ على الأقل – وتنصلت من المقاومة, وهو ما يحدث الآن بالنسبة إلى السلطة, هذه القيادات التي ترفض عقد مؤتمر الحركة تحت الاحتلال, معرضة للتصفية النضالية والطرد من الحركة, ومن الطبيعي أن تدافع عن وجودها السياسي. إن مثل هذا القرار التصفوي الخطير, لا يمكن أن يكون مصدره غير الجهات المعادية, وبالطبع ما على السلطة القائمة تحت الاحتلال إلا التنفيذ. إن السير في هذا الطريق, أي إقامة سلطة تحت الاحتلال خطأ قاتل, ذلك لأن الغرض هو محاربة المقاومة بالسلطة ذاتها, أي تكليفها بمهمة يعجز العدو عن القيام بها, وهو ما يحدث حاليا, وتفسيره واضح ومنطقي, فماذا يفعل المحتل بسلطة يدعي أنها وطنية, غير استعمالها في محاربة المقاومة عدوه اللدود, والخطر الحقيقي الذي يهدد وجوده؟ هذا الاحتلال لا يمكن أن يسمح بعقد مؤتمر أي كان ما لم يكن في خدمته, وها هو منذ البداية يشترط تصفية العناصر التي لا زالت تقاوم بشكل أو بآخر. أخي الكريم نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة, نحن مع الشعب الفلسطيني العظيم, ومع مقاومته الشريفة, التي تقض مضاجع العدو, وتهدد وجوده. نفعل هذا وعيا بالمصير العربي المعاصر, الذي يتقرر على أرض فلسطين المقدسة, إما الانتصار, أو – لا قدر الله– الانكسار, الذي لن تقوم للعرب قائمة بعده إلا بعد زمن طويل جدا. نفعل هذا انطلاقا من درس الثورة الجزائرية الكبرى التي قامت كمقاومة شرسة بعد أن فشلت كل الأساليب الأخرى, إن الاستعمار الفرنسي الأسود أشبه ما يكون بالاستعمار الصهيوني, لأنه أيضا استيطاني مرير, وفي بعض النواحي هو أقسى وأعتى بكثير من الاستعمار الصهيوني العنصري الدموي, فقد كان يعتبر الجزائر أرضا فرنسية, وقطعة من فرنسا, وجزءا لا يتجزأ منها, غير أن المقاومة أجبرته على الرحيل بلا رجعة إلى الأبد, بعد دفعها التضحيات الجسام المناسبة والكافية كمهر للحرية, حرية الوطن, أما حرية الإنسان فلا زالت تنتظر ثورة أخرى لإنجازها. ليس هناك من حل لقضية فلسطين, وللقضية العربية, ولقضايا الإنسانية كلها غير المقاومة, بها يكون الدفاع, دفاع الشعوب عن وجودها وعن حقوقها وعن كرامتها, بها تنتزع استقلالها وتحافظ عليه وتطور مجتمعاتها. لقد كان من الصواب أن تحتفظ فلسطين بالوضع السابق على قيام السلطة, بلديات مجرد بلديات لتسيير شؤون المواطنين العادية واليومية, والباقي مقاومة, تسدد الضربات النجلاء للعدو ثم تختفي, كما هي حرب العصابات, الأسلوب الوحيد الناجع لاسترجاع الاستقلال والمحافظة عليه, مهمة شعب فلسطين الآن, وفي مقدمته قياداته, هي المقاومة ولا شيء غير المقاومة, لأنه لا جدوى من أي مسعى آخر, ومن يريد الأوهام المسماة مفاوضات, فليضيع الوقت كما يشاء, فلن يجني غير الخيبات تلو الخيبات, وإلا, إذا كان هذا المفاوض بلا مقاومة فما هي أوراقه التي يفاوض بشأنها؟ وهل يمكن الحصول على شيء بالمجان في العلاقات الدولية؟ إن العرب كلهم من محيطهم إلى خليجهم معنيين بالمقاومة في فلسطين وفي أوطانهم جميعا, ذلك لأن بؤرة الصراع الراهنة هي فلسطين, وما تقرر على أرضها سوف يعمم على مجموع العالم العربي برمته, فعلى شعوب العرب أن تدرك تماما أن الخطر الصهيوني والاستعماري يقف على الأبواب, وما هو ببعيد عنها, وأن المصير واحد, لا يمكن تجزئته, ولو نجح الاحتلال في العراق -لا قدر الله- لكان قد انتشر إلى بلدان أخرى مجاورة, ولكان التقسيم قد تم في العراق, ويتبعه تقسيم باقي أوطان العرب إلى كيانات مجهرية, لا حول لها ولا قوة, ومن ثم تتحكم فيها إسرائيل تماما ومن هم وراء إسرائيل من القوى الاستعمارية الطامعة المهيمنة, لكن – لحسن الحظ – وبفضل المقاومة, وبفضل إيران التي تدعم المقاومة, تعثر المشروع الأمريكي في العراق وفي لبنان أمام ضربات المقاومة الباسلة, ومن ثم نجونا مؤقتا, لكنهم لم ييأسوا وها هم يهاجمون إيران بشراسة, من أجل قطع الإمداد عن المقاومة العربية والإسلامية, والمعركة قائمة في طهران على أشدها, ولا سبيل للقول إن ذلك يعود إلى مشاكل إيرانية داخلية, لا لو كان الأمر كذلك فقط, لما انبرى الغرب يرمي كل ثقله على الساحة الإيرانية, من أجل تعميق الخلاف والانقسام والإضعاف، ثم الإجهاز على النظام الذي لا يخضع ويزيد على ذلك تدعيمه للمقاومة في كل مكان على الرقعة العربية والإسلامية. إن بؤرة الصراع بين العرب والصهيونية والاستعمار تقع في فلسطين المقدسة, وعلى الجميع أن يدافعوا عن بلدانهم وأجيالهم الصاعدة ومصيرهم في فلسطين, فهناك سوف يتقرر المصير العربي في هذا الزمن الراهن, ولا عذر لمن لا يشارك في هذا الصراع المصيري, أما أولئك الذين يتآمرون على المقاومة, ويساعدون العدو على خنقها, فمصيرهم لن يكون سوى لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, وزاوية قذرة من زوايا تاريخ الهزائم على مر العصور. لقد أثار تعليقك الهام على "فلسطين مرآة العرب" هذا البركان بداخلي, فشكرا أخي أبو وديع, وعاشت فلسطين حرة عزيزة, ودامت بطولات المقاومين الشجعان, والنصر لشعب فلسطين الأبي, والخلود لشهداء المعركة الحاسمة الأبرار. لقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر, ووعد الله حق, وإنه سبحانه لا يخلف الميعاد.

الخميس، 16 يوليو 2009

فلسطين مرآة العرب



فلسطين مرآة العرب



القدومي يكشف المستور



تداعيات انزلاق أوسلو




تناقضات قاتلة وقعت فيها حركة التحرير الفلسطينية, منذ أوسلو, ثم مشكلة المرحوم عرفات, وبعدها محاولات خنق المقاومة. بادئ ذي بدء, هناك مقولة مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للوضع العربي عموما, فكما تكون فلسطين يكون العرب, والعكس صحيح, ذلك لأن هذه المشكلة زرعها الاستعمار, من أجل التحكم في العالم العربي من خلالها, وهو يفعل ذلك بمهارة كبيرة, فعلا إن فلسطين هي المؤشر الدقيق الذي تقاس به أحوال العرب, وها نحن نشهد أن التدهور الذي بلغ الحضيض في فلسطين, يترجم عن معادله تماما على الساحة العربية, التمزق والضعف والهوان والتشرذم والخضوع والخنوع, والاستسلام التام, والتفريط في الأمن القومي العربي, وفي التضامن العربي, وفي التطور والنمو العربي, إنها حالة فاقت ما كان عليه الأمر أيام الاستعمار المباشر, حيث كانت البلدان العربية محتلة جميعها تقريبا, نفس الصورة منعكسة على المرآة الفلسطينية, صورة طبق الأصل تماما, وها هو الهمس الذي كان ساريا منذ وفاة المغفور له ياسر عرفات, أصبح كلاما رسميا تدعمه الوثائق, التي سلمها هو ذاته لمن يثق به. ولعل السؤال هنا, لماذا قرر السيد فاروق القدومي كشف المستور في هذا التوقيت بالذات؟ هل لأنه لم يعد ينتظر الأسوأ؟ ربما, لكن ألم يكن هو في وضع متناقض منذ أوسلو حتى الآن؟ أكثر من عقد كامل من الزمن؟ لقد أصر على الإقامة بتونس, وعدم الدخول إلى أرض محتلة, حتى لا يضع نفسه تحت رحمة الاحتلال, وهو على حق في ذلك تماما, فلا يتصور أن يبقى الثائر ثائرا, وهو يعيش علنا تحت الاحتلال, ذلك أمر مستحيل, وإلا عرض نفسه لما عرض عرفات نفسه له, فالمرحوم أيضا وقع في ذات التناقض, أو أخطأ التقدير, كما أخطأنا جميعا, حيث انطلت علينا الحيلة الصهيونية الاستعمارية, وظننا وقتها أن المسألة قد وجدت الحل, وأن المناطق التي يدخل إليها القادة الفلسطينيون هي مناطق أصبحت محررة تماما, ولا حكم لإسرائيل فيها بأي شكل من الأشكال, وإلا كيف يستقر بها الزعماء الفلسطينيون وعلى رأسهم المرحوم عرفات ذاته؟ لا شك أن هناك مغالطة ما وقع فيها الزعيم الراحل عرفات, فلا يمكن أن يتصور منه الاستسلام والعيش الذليل تحت راية الاحتلال, هذا غير مقبول وغير منطقي. والقدومي أيضا من الزعماء الفلسطينيين الذين لا غبار عليهم, ولا شك أن كشفه للأسرار الخطيرة الآن إنما جاء بعد يأسه التام من جماعة رام الله, ومن أن الوضع لم يعد قابلا للعلاج, تماما مثل المصالحة المستحيلة التي يحاول البعض إتمامها بين فتح وحماس, الصف الفلسطيني المتردي أصبح اثنين, مستسلم تماما, ومقاوم للاحتلال في ظروف بالغة الصعوبة, انقسام فلسطيني, وتشرذم عربي, والتضامن العربي في درجة الصفر أو أقل بكثير, والأمن القومي العربي منعدم, وتدعيم المقاومة صار نادرا, بل العكس هو الغالب , أي الحرب على المقاومة من أطراف"الاعتدال" العربي خاصة، ثم إن الطرف هذا ذاته, أي المقاوم, يكون قد أخطأ عندما أراد الاشتراك في السلطة, والصراع من أجلها, فذلك تناقض تام مع مهمة المقاومة, كيف يمكن لسلطة مقاومة أن تقوم تحت الاحتلال؟ هذا مستحيل, مما زاد الأمور تعقيدا, فالمقاومة لا يمكن أن تكون لها مقرات رسمية معروفة للعدو, لأنه ببساطة سيعمد إلى تدميرها في كل حين, وإبادة من فيها واغتيالهم, كما فعل مع كثير من زعماء المقاومة, لا يمكن القيام بالكفاح ضد الاحتلال من موقع رسمي مثل مؤسسات السلطة ومقراتها, فالمقاومة خفية ومخفية ولا يعرف العدو من أمرها غير الضربات الموجعة التي تأتيه بغتة وبصورة مفاجئة تماما, لا يعرف من أين ولا كيف تضربه, كيف وقعت المقاومة في هذا الخطأ الاستراتيجي الكبير؟ ولماذا؟ إنه أمر محير للغاية, ولعل هناك مبررات نجها, منها ربما التآمر الذي أصبح يهدد المقاومة تهديدا جديا, ورغم هذا يبقى المبرر غير كاف, ونبقي على احتمال وجو مبررات مقنعة سوف تكشفها الأيام.

عندما بدأت تحرير هذا المقال لم يكن السيد فاروق قدومي, قد أكد التقرير مرة ثانية, أما وقد قام بالتأكيد وتحدى من يقول العكس بإثبات ما يذهب إليه, كما صرح بسبب إعلانه للتقرير الخطير وهو أن عباس قرر بصورة انفرادية عقد مؤتمر فتح القادم قريبا في الأراضي المحتلة, وواضح أن ذلك يعني إبعاد السيد قدومي الذي يرفض الدخول إلى الأراضي المحتلة, لأسباب مبدئية وأمنية, ثم إن عقد مؤتمر منظمة ما داخل الأراضي المحتلة, إنما يكون بترخيص ومباركة من الاحتلال, وهذا يعني أن هذه المنظمة صديقة, وهذا الذي يحدث لا يمكن نسبته إلى كل عناصر فتح, فهذه تصرفات السلطة, وهي مثل غيرها من السلطات العربية "المعتدلة", صديقة للغرب, ومن ثم فهي صديقة علنا أو سرا للكيان الصهيوني, وهي بالتبعية معادية للمقاومة, وقد صار ذلك العداء معلنا, إذ أن الاعتقالات التي تقوم بها السلطة في الضفة ليس لعناصر حماس وحدها بصفتها تتصارع معها على السلطة, لا بل إنها تقوم بذلك في إطار محاربة الإرهاب, وتتبنى هذه الذريعة الصهيونية الغربية لضرب المقاومة, وفرض الاستسلام على كل الأطراف الفلسطينية والعربية, بل وتقوم بذلك بقيادة جنرال أمريكي, كما سبق للسيد فاروق قدومي أن أعلن, هذا هو الوضع الذي يجب علينا أن نتعامل معه بصراحة ووضوح, ولسنا أول أمة يقع فيها مثل هذا الانقسام, فقد عرفته الفيتنام, حيث كانت الفيتنام الجنوبية تحارب إلى جانب الأمريكيين ضد إخوانها في الشمال, إلى أن سقط الاثنان معا, والقسم من الصين الذي ظل ضدها لا زال قائما ككيان صغير وشوكة في خصر الصين حتى الآن, وغير هذا من الأمثلة كثيرة في مختلف أنحاء العالم, فسياسة "فرق تسد" مفضلة عند الاستعمار, يستعملها حيثما حل وارتحل. ولا ينبغي أن نكذب على أنفسنا, وقد بلغت الأمور إلى الحد المتدهور بل الكارثي الذي بلغته. لكن لا بد من توضيح الأمور, والتمييز بدقة بين منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة, فالتصرفات الاستسلامية والتآمرية, هي من فعل السلطة وحدها, والدليل على ذلك هو أن أعضاء من فتح يعارضون الكثير من قرارات السلطة, ذلك أن هذه القرارات صادرة عن عباس ومحيطه الضيق, وليس عن فتح التي لم تجدد أطرها الشرعية منذ مدة, أما منظمة التحرير فهي حكم الملغاة, لأنها لم تعد موجودة نهائيا على أرض الواقع, بالرغم من أهميتها كإطار معترف به دوليا, كممثل شرعي للشعب الفلسطيني, لكن جماعة السلطة فرطوا فيها وأهملوها, لأنها لا تعنيهم, أو أن الإملاءات الصهيونية والغربية تمنعهم من إحيائها, لأسباب واضحة ومكشوفة. إن جماعات السلطة كغيرها في النظم السياسية العربية "المعتدلة" خاصة, تريد المحافظة على وجودها في السلطة بأي ثمن, وقد أصبح هذا الثمن بعد أكثر من عقد من الزمن, وبعد رحيل عرفات معلوما, إنه الانتفاع الشخصي والفئوي واقتسام الغنائم والبحث عن الثروة بكل السبل, بما في ذلك الفساد, الذي استشرى حتى في عهد عرفات ذاته, عرفات الذي انتهى به المطاف إلى الوقوع في أسر شارون, الذي منع خروجه من المقاطعة في رام الله, ومنعه من السفر, وقد كان في حكم المسجون, إلى أن تم القضاء عليه بالطريقة التي أصبحت منذ الأمس معلنة رسميا.

لقد كانت مفاجأتي كبيرة, عندما وردت الأنباء بإغلاق السلطة لمكتب الجزيرة في رام الله, وعزمها على متابعتها قضائيا, بسبب نشرها لتصريح القدومي وملخص التقرير الذي قدمه عن اغتيال المرحوم أبو عمار، وكان استغرابي أكبر عندما حاولت الاطلاع على ما تقوله المحطات العربية الأخرى, فلم أجد هناك من يشير إلى الموضوع من قريب ولا من بعيد غير قناة الجزيرة التي لا زالت تتابع التطورات, ولكون تصرفات السلطة غير منطقية, فقد صدرت تصريحات عن فتحاويين كبار يستنكرون هذا السلوك الغريب ويعتبرونه من الأخطاء الجسيمة. وبعد تأمل في هذا الوضع الإعلامي الغريب, ظهر لي أنه طبيعي جدا, ذلك أن السلطة في حالة اضطراب وحيرة ولا يمكن في هذه الحالة إلا أن تخبط خبط عشواء.أما عن وسائل الإعلام العربية, أو بالأحرى المحطات التلفزيونية, فسكوتها منطقي, ذلك لأن موقف قدومي, قد يؤدي إلى انقسام في فتح, مما ينتج عنه بروز جناح جديد, بزعامة أبو اللطف, ولأن الرجل ثائر ومقاوم, فإنه لا يمكن أن يجعل قيادته داخل الأراضي المحتلة, وهنا الإشكال, من هو البلد العربي الذي يستطيع استضافة فتح الجديدة؟ هناك استحالة تامة في هذا الأمر بالنسبة للأنظمة 'المعتدلة", فهي تعادي وتحارب المقاومة القائمة, فكيف بها تحتضن منظمة جديدة؟ أم الممانعون فهم ذاتهم لا يستضيفون أي فصيل مقاوم، كما هو معروف, ما عدا سوريا, وقد عانت ما عانت من أجل الحفاظ على موقفها المبدئي, إلى درجة التهديد الجدي بالاحتلال الأمريكي في العهد البوشي البائد. في هذا السياق يمكن فهم التجاهل الإعلامي العربي لتصريح القدومي, أو على الأقل إهمال متابعة تطوراته, إن النظم " المعتدلة " خاصة, لا تملك قرارها السياسي, إذ أن وجودها عالة على أمريكا والغرب والصهاينة. ومن ثم فإنها لا تقرر شيئا هاما ولا تتخذ موقفا أساسيا دون أن تطلب الموافقة من الأطراف المذكورة, ولأنها تعرف أن ذلك مستحيلا, فإنها تلتزم الصمت, لذلك بقيت الجزيرة وحدها في الميدان, ولأن الحق يعلو ولا يعلى عليه, فلا يسعنا إلا أن نهتف من أعماق قلوبنا: (عاش أمير قطر المفدى). وعلى أي حال فإن هذا الحادث ليس نهاية العالم, فالثورة ستتواصل, ومن أراد الوقوف ضدها, كائن من كان, سوف يجرفه سيل التاريخ إلى مزابله, وطال الزمان أو قصر, سوف يرتفع الوعي العربي تباعا بأمثال هذه الحوادث وبالممارسات والمعاناة اليومية للظلم المحلي والعالمي, وذات يوم ستقرر الشعوب أخذ مصيرها بأيديها عندما يصل وعيها درجة اللاعودة, وعندها سوف ترتفع أعلام النصر مرفرفة عزيزة فوق فلسطين الحبيبة, ويعم التحرر كل بلاد العرب, وتنشأ إمبراطوريتهم الكبرى, التي سوف تغير مجرى التاريخ, وتتسبب في وضع عالمي جديد, يكون العرب من بين سادته الأوائل, ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الأحد، 12 يوليو 2009

الزاوي في جاهلية

الزاوي في جاهلية الحكام العرب

عاد الزاوي فعدت مكرها, عاد ليكتشف البارود, ويبشرنا بأن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, ولو فعلوا لتغير وجه العالم العربي تماما, الكارثة التي يعيشها الشعب العربي في نظر الزاوي أصلها وفصلها هي أن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, كنت قد اعتقدت – كما أعلنت لكم – في آخر تعقيب لي على هذا الكاتب- أنه ربما انتبه أو انتبهت الجريدة الكبيرة التي ينشر فيها مقاله الأسبوعي إلى عدم جدوى هكذا كتابة, فتوقفت عن النشر له, أو توقف هو, لكنه غاب في الأسبوع الماضي دون استئذان, وعاد هذا الأسبوع دون اعتذار, وبالطبع فإن من يستخف بالعقول, لا يرجى منه مراعاة مشاعر الناس واحترام القراء, كما يفعل كل الذين يقدمون أنفسهم للناس للاستماع والاستمتاع والاقتداء والنصح والإرشاد, إنه لم يعمل بهذا وعاد ثانية, فلا بد من متابعة ما يقدم للناس, لا على سبيل نقد الأفكار فقط, ولكن نظرا لما قدمه في مقالات سابقة من إساءات غير مبررة لقرائه, الذين أنا واحد منهم, بلغت حد الشتم المباشر والصريح, بسبب كونهم قراءا للعربية, ومتعلمين بالعربية في الجزائر, وأكرر ,وهذه لا تُنسى, أنه اعتبر اللغة العربية العتيدة لغة ميتة, وقال أنعيها لكم وأنا حزين, كما ادعى, وهذه لهجة ليست بريئة, فهي – ما خبرناه بألم كبير في هذا البلد - تنتمي إلى خطاب الثورة المضادة, وهي من أساليب حديث القوة الثالثة, التي تعرفون مهامها في الجزائر, كوريثة مهيأة مسبقا للعهد الاستعماري البائد, لهذا أتابع ما يكتب هذا السيد ضرورة, فقد كتب هذه المرة يقول:

ما ذا لو قرأ الملوك والرؤساء العرب روايات أدباء بلدانهم؟

هذا هو عنوان مقال الدكتور الزاوي, الذي كتبه نهاية الأسبوع الماضي ضمن أقلام الخميس, في ركنه الخاص "أقواس"

الشروق- الخميس 09 جويلية – الموافق لـ 16 رجب 1430 هـ - العدد - 2658- ص 16

مقدمة المقال: ماذا كان سيحدث في هذا العالم العربي لو أن ملوك المملكات ورؤساء الجمهوريات وأمراء الإمارات وشيوخ المشيخات وسلاطين السلطنات قرأوا الروايات التي كتبها ويكتبها أدباؤهم بلغة العرب العاربة أو العرب المستعربة أو العرب المستغربة؟ كان سيحدث الكثير.

قد تكون هناك صيغة تهكم في هذه المقدمة على لغة العرب الجميلة في هذا التنويع الغريب لوصفها وكأنها لغات متعددة, أما تلك التي نعتها بلغة العرب المستغربة, فقد عجزت عن فهم قصده منها إن كان له قصد, اللهم إلا إذا كان يعني أمثاله ممن يتخذون من هذا المقوم الأساسي للغة مطية للعبث والسخرية, وإلا فإن هؤلاء العرب المستغربة لا وجود لهم أصلا ولا للغتهم, ومن ثم – وهو أخف الضرر- أن يكون مجرد حشو وقع فيه الدكتور منذ مقدمته لهذا الموضوع, الذي يبدو من أسلوب حديثه أنه يعتبره اكتشافا خطيرا, وفي الحقيقة أن هذا المقال الغث فارغ بل أفرغ من فؤاد أم موسى, وما قدمته لكم في البداية كاف جدا لعرض مضمونه, لكن فلا بأس أن نقوم بجولة فيه لنقف على بعض التعابير للكاتب نفسه, حتى تكون الأمور أكثر وضوحا وشفافية.

بعد هذا التقديم يشرع الدكتور في تساؤلاته عما ذا لو قرأ هذا الحاكم أو ذاك الأحياء منهم والأموات روايات عدة روائيين من بلده, ويستمر المقال هكذا ليأتي – تقريبا – على كل البلدان العربية, أو أهمها – على الأقل – ويشرع هكذا بكبيرهم رئيسا وبلدا وروائيا, يقول: " تخيلوا معي أيها السادة, مجرد خيال لا أكثر ولا أقل, لو أن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد قرأ روايات نجيب محفوظ مثل الثلاثية و"ميرامار" و"الحرافيش" وأن..." ثم يواصل مع مصر بعد عبد الناصر حكاما وروائيين حتى الآن. ثم يفعل نفس الشيء مع باقي البلدان العربية تقريبا كلها, ما عدا بعض الإمارات أو المشيخات, فقد تركها, ربما لأنه لا يعرف عنها شيئا, كما فعل عندما أراد ذكر رئيس الصومال فلم يجد لا قديما ولا جديدا, فكتب:" لو أن الرئيس الصومالي ( ما اسمه؟) قرأ...", لم يكلف نفسه حتى فتح مرجع, أو طرح السؤال في الإنترنيت عن الاسم المطلوب, ولنفس السبب, فيما يبدو, لم يذكر كل إمارات الخليج, أعني عدم معرفة أسماء الأمراء والروائيين المفترضين. لهذا ينهي هذه السلسلة النمطية من التساؤلات العجيبة بقوله: "لو...لو...ماذا كان سيحدث؟ كان سيحدث العجب؟", ويبدأ الإجابة عن هذا التساؤل بنفس الطريقة التي أجاب بها عن الحكام والروائيين والروايات, وملخص ذلك هو: استغناء الحكام عن قراءة التقارير المزيفة للجهات الحكومية المختلفة, وعن السماع لمغالطات وأكاذيب مستشاريهم, ولو قرأ الحكام الروايات لعرفوا " ما تعيشه أوطانهم وتعيشه الرعية المسكينة المغلوبة على أمرها من واقع حقيقي مر طافح بالفساد والأمراض والخيانات والخوف والإخفاق وأدركوا لكم هو قليل الأمل في بلدانهم وبين ساكنيهم". ويستمر في هذا القبيل من الإجابة المتكررة, فلو قرأ الحكام العرب الروايات لما كذب عليهم الوزراء وزيفوا لهم الواقع وقلبوا لهم الفشل نجاحا زيفا وبهتانا في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية, التي يعددها كما فعل مع البلدان والحكام والروائيين والروايات, وقد كان بإمكانه أن يكتفي بجمل لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة لأداء هذه المعاني التي يريد التعبير عنها. ثم ينتبه الدكتور – فيما يبدو – إلى أن الرواية خيالية أساسا, فيعالج ذلك بطريقة سحرية, إذ يقول: " مع أن الرواية تخييل إلا أنه لا واقع أقرب إلى الخيال من واقعنا العربي". وبعد إجابات أخرى من نفس النمط مع تغيير القطاع الحكومي, يستفيق، ويحس أن الصعوبة لا زالت قائمة, فالرواية والتقارير الحكومية ليسا من طبيعة واحدة, ولا يمكن – لذلك – أن يحل أحدهما محل الآخر, فيضطر إلى تقديم تبرير جديد, كما فعل قبل حين: " ومع أن الرواية الجديدة تنحو نحو الفانتاستيك فليس أقرب إلى الفانتاستيك من واقعنا العربي هذا". ثم ينتقل الكاتب إلى التزييف الذي تقوم به الأحزاب,فيفعل معه مثل ما فعل مع القطاعات الحكومية, لكن باختصار, ويفعل ذات الشيء مع الجمعيات, وأخيرا يؤكد الكاتب أنه لا تقرير عن الواقع أصح من تقرير الرواية, ولا أصدق. ويختم المقال هكذا: لو قرأ الملوك والرؤساء رؤساؤنا الروايات كان سيكون لهم صورة أخرى في الخارج صورة الصدق التي تفرض على الآخر احترامنا وتقديرنا. كان سيحدث أيضا أن يتمرن حكامنا على فن الخيال والتخيل وهما العاملان الأساسيان للسلطة وللتسيير كما قالها الشيخ ماوتسي تونغ ذات يوم".

في الواقع أن هذا المقال غني عن التعليق, وما دامت الضرورة تقتضي ذلك فلنخض في الأمر باختصار, هناك مسألة جهل الحكام العرب الذي يتحدث عنهم صاحبنا بفوقية عجيبة, على أساس أنه هو عبقري والحكام رعاع, ثم قضية الرواية التي لو قرأها الحكام لكان الواقع العربي الآن في أعلى عليين, ولصار الثمانية تسعة, (الدول الصناعية الثمانية الكبرى + العرب), وإذا كان هذا هكذا, فلماذا لا يقرأ الحكام العرب وتنتهي مشكلتنا الحضارية والحداثية, ونخرج من التخلف في رمشة عين؟ وإذا اقتضى الأمر فلنخرج لنتظاهر في الشوارع في مظاهرات حاشدة عارمة جارفة, لم يعرف التاريخ لها مثيلا مطالبين حكامنا بقراءة الروايات التي يكتبها كتاب بلادهم, ويضيفون إليها روايات كثيرة أخرى, حتى تتجذر الرواية في وجدانهم وفكرهم وتصرفاتهم. ثم كيف يمكن لنا أن نتصور هؤلاء الحكام الجهلة السذج بل الأغبياء أخيارا ومصلحين إلى الدرجة التي يكفي معها لينقلونا من جحيم التخلف إلى جنة الازدهار والتقدم والحداثة أن يقرأوا الرواية ويتخلصوا بها من الزيف الذي يتخبطون فيه نتيجة فساد محيطهم من الوزراء والمستشارين وكل الهيئات الحكومية والسياسية والمدنية, الكل أشرار ما عدا الحاكم, فهو صالح وطيب وخير لكنه جاهل وساذج وغبي وكل هذا يزول عنه لو قرأ الرواية, بحيث يصبح محل تقدير وإعجاب الآخرين في الخارج؟؟؟

يتحدث السيد الزاوي كما لو أنه هو هرم العلم والمعرفة والفن والباقي بمن فيهم الحكام لا يفقهون أي شيء, ثم يتقدم معلما للجميع وفي مقدمتهم الحكام العرب, ويقدم لنا دواء سحريا لمشاكلنا الحضارية المعقدة, هو مجرد قراءة حكامنا للروايات التي تكتب عن أوطانهم وشعوبهم ومجتمعاتهم, فينتهي كل إشكال ونرتفع إلى أعلى عليين, ونصبح في مصاف أرقى المجتمعات العصرية. تصوري هو أن الدكتور لم يجد ما يملأ به فراغ مقاله الأسبوعي, ففكر قليلا, ثم جاءت على باله هذه الخاطرة الساذجة حقا, فراح يدبج مقاله, وهو عبارة عن تكرار عدد قليل جدا من الجمل عشرات المرات, إن لم يكن أكثر حتى امتلأ الحيز الذي يكفي مساحة مقاله في جريدة الشروق, وانتهى الأمر. إن المسألة واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من الشرح, وقد كان على الجريدة الكبيرة أن تحترم مئات الآلاف من قرائها وتمتنع عن نشر مثل هذا الاستخفاف بالعقول وبالأذواق وتحمي قراءها الذين جعلوا منها الجريدة الأولى في بلدها من هذا العبث. أما السيد الزاوي فأقول له إذا كنت لا تعلم أن الحكام العرب وغير العرب يعرفون عن واقع بلدانهم أكثر بكثير مما يستطيع خيالك الروائي العبقري أن يتصوره, فتلك مصيبة, وإن كنت تعلم بذلك وتتظاهر بالعكس فالبلاء أعظم. ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الجمعة، 10 يوليو 2009

عن الديمقراطية2

عن الديمقراطية2

مشكلات جزائرية

أصدقائي وجيراني وإخواني الأعزاء, إن الحديث عن قضية بحجم الديمقراطية, لا يمكن أن ينطلق من فراغ, وإلا وقعنا في الجدل النظري الباهت وعديم الجدوى, من أجل هذا ارتأيت أن أعرض بعض المشكلات الجزائرية, ذات الصلة بالموضوع طبعا, وقد يكون من المناسب استغلال بعض المقالات التي ظهرت لشخصيات ذات مساهمات معتبرة, بمناسبة الاحتفالات بعيد الاستقلال, الذكرى47, ولقد قرأت لكم في هذا الصدد مقالا قيما للأستاذ الدكتور وسعادة السفير السابق/ عثمان سعدي – رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية, لهذا قلت لكم منذ البداية مشكلات جزائرية, نعم إن اللغة العربية في الجزائر في حاجة إلى جمعية تحمل هذا الاسم, والسبب هو طغيان الثورة المضادة, وضعف الديمقراطية, أو انعدام فعاليتها في المسائل الجوهرية والإستراتيجية, لأنها لا تعدو أن تكون ديمقراطية الواجهة, وديمقراطية الشكل والتمويه, وإلا كيف تحتاج اللغة العربية إلى جمعية للدفاع عنها؟ ولماذا دفعت الجزائر – إذن – مليونا ونصف مليون من الشهداء؟ إن لم يكن ذلك من أجل إحياء هويتها وانتمائها وتصحيح وضعها الثقافي والحضاري؟ لكنها القوة الثالثة التي سبق أن حدثتكم عنها, والتي نصبها الجنرال دوغول لتحافظ على فرنسا في الجزائر, ولتفعل ذلك لا بد أن تكون عدوة لدودة للديمقراطية الحقيقية, رغم ضجيجها الكبير ورفعها للافتة الديمقراطية عاليا, لكنها ديمقراطية مزيفة, ديمقراطية ذر الرماد في العيون, ولتوضيح الكثير من هذا الوضع الجزائري الناتج عن الاستعمار الاستيطاني الرهيب, والذي يضرب الهوية الوطنية في أساسها, مع إضافة ملاحظة هامة, هي أن فرنسا لم تفرنس الشعب الجزائري كما يظن الكثير, حيث تركت نسبة الأمية 96 بالمائة, فرنسا نشرت الجهل والبؤس, أما الذي فرنس نسبة كبيرة من أجيال الاستقلال فهي القوة الثالثة, التي استمرت في خدمة رسالة الاستعمار أكثر مما خدمها هو بنفسه, وبأموال الشعب الجزائري المغلوب على أمره, في هذا السياق الشديد الصلة بالممارسة الديمقراطية المنشودة, أقدم لكم مقال الدكتور/ عثمان سعدي, أحد أبرز المناضلين في سبيل العربية والهوية ليوضح لكم بعض الخلفيات الهامة لما هو عليه الحال اليوم, وكون الشعب الجزائري لا زال مطالبا بتضحيات جسام جديدة من أجل استكمال استقلاله وتقرير مصيره نهائيا:

صحيفة الخبر اليومية- الأحد 5 جويلية- 2009م- الموافق لـ 12 رجب 1430هـ- العدد 5688 – ص 24

هل استقلت الجزائر بعد 47 سنة؟

من حق أي جزائري بعد 47 سنة من الاستقلال أن يتساءل هل استقلت الجزائر؟ والجواب لم تستقل بعد...

عرف القرن العشرين أعظم ثورتين قام بهما الإنسان: ثورة الجزائر وثورة الفيتنام. أي ثورة لا يمكن أن تعتبر نفسها ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات (يقصد الإنسان). الثورة الفيتنامية حققتهما الاثنين، أما الثورة الجزائرية فقد اكتفت بتحرير الأرض فقط تاركة الذات الجزائرية مستعمرة فرنسية, ولا زالت كذلك حتى الآن, من خلال هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية, وذلك بسبب سيطرة المتفرنسين على الثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة منذ تأسيس الحكومة المؤقتة بالقاهرة سنة 1958 بالفرنسية, هؤلاء المتفرنسون الذين توجوا الانحراف بالثورة عندما وقعوا اتفاقيات إيفيان بنص واحد وهو النص الفرنسي الذي مثَّل الوفدين وهذا معناه أن الموقعين الجزائريين يقولون لزملائهم الفرنسيين: "نحن نختلف عنكم في الشكل المتمثل في العلم والأرض, أما المضمون فهويتنا ولغتنا واحدة". وقد طبق هؤلاء ذلك عمليا، ففسروا الاستقلال في شكله السطحي المتمثل في قطعة من القماش تسمى العلم. أما اللغة التي تعتبر مفتاح الهوية فقد قرروا أن تبقى الفرنسية لغة الاستقلال مع تهميش اللغة العربية. تربع قطب من أقطاب حزب الشعب الجزائري(حزب وطني في العهد الاستعماري, يعتبر هو مفجر الثورة) وهو عبد الرحمن كيوان على الوظيف العمومي مدة أربعة عشر سنة فعمل على تثبيت هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة وتهميش العربية, خائنا الحزب الذي انتمى إليه والذي يربط دائما الاستقلال باللغة العربية.

الفيتناميون وقعوا اتفاقيات جنيف سنة 1954 التي أنهت الاستعمار بنصين الفيتنامي والفرنسي وطبقوا فتنمة فورية وشاملة, فحققوا الاستقلال الحقيقي وتنمية اقتصادية اجتماعية ناجحة. تقصيت سنة 2006 الإحصائيات, فوجدت أن الفيتناميين صدروا بالفتنمة مواد صناعية وزراعية خارج المحروقات بما قيمته ستة وعشرون مليار, بينما صدرت الجزائر بالفرنسة بما قيمته ستة مائة مليون دولار ثلثها خردة حديد ونحاس, ومقياس تقدم أي بلد هو ما ذا ينتج؟ وليس كيف ينطق الراء غينا...

أحداث الثورة تقام لها مهرجانات يتحدث فيها البعض كلاما عابرا, لكن لا تسجل أحداثها ولا تراثها الشعبي مثلما فعل الفيتناميون بثورتهم, فقد جمعوا مئات المجلدات مما قيل فيها وكتب عنها في الداخل والخارج. عملت سفيرا في قطرين عربيين فجمعت في السبعينيات من القرن الماضي الشعر الذي قيل فيهما عن الثورة(الجزائرية) فكانت الحصيلة 464 قصيدة نظمها 171 شاعر وشاعرة من سوريا والعراق فقط.

الخميس، 9 يوليو 2009

مرحبا

compteur pour blog

عن الديمقراطية1

عن الديمقراطية1

شكرا على المساهمة والتعليقات الهامة

- منكم من بارك العملية وشجع على المضي فيها مشكورا

- وهناك من يفضل استعمال مصطلح الشورى ويرفض كلمة الديمقراطية, ووجهة نظري أن جوهر المسألة هو حكم الشعب لنفسه, أي كانت التسمية, الجوهر هو الحصانة من استبداد فرد أو جماعة أو فئة, وهذه الحصانة إنما تكون بارتفاع الوعي, وبقيام وضع سياسي في صالح الشعب وحده, وليكن اسمه كما نشاء, فتلك مسألة أخرى تماما.

- وهناك بعض المشاركين رأوا في الديمقراطية مجرد شعار, ووجهة نظري هي أن السياسي حتى في أعرق البلدان ديمقراطية يرغب في الاستبداد, وإذا وجد الفرصة مناسبة كما هو الوضع في أوطاننا, فإن ذلك هو المبتغى والمثالي ليحكم بما شاء. الذي يمنع السياسي من الاستبداد هو شعبه, بارتفاع وعيه, وبإنشائه لمؤسسات قوية سياسية وثقافية وغيرها, بحيث لا يستطيع الرئيس, أي كان, بل الملك, كما هو الأمر في بريطانيا, ولا جماعة معينة أن يتجاوزها, أو يتصرف كما يحلو له, أو كما تملي عليه مصالحه, ومصالح محيطه وشركائه من الجماعات المستفيدة, وليكن اسم هذا الوضع السياسي القائم على السيادة الشعبية شورى أو ديمقراطية, أو أي اسم آخر, المهم هو الجوهر, والمناعة والعزة والحياة الكريمة والتقدم والنمو والعصرنة والحداثة وقبلها الأصالة, إن هذه الغايات وغيرها, لا يمكن أن تقوم وتزدهر إلا في مثل هذا الوضع السياسي, الذي بلغته الشعوب المتطورة بفضل تضحيات جسام قدمتها خلال تاريخها، جيلا بعد جيل دون هوادة إلى أن بلغت مرادها وتربعت على قمة المجد والكرامة.
وقبل أن أمضي لا يفوتني أن أفتح قوسا لاستثناء كبار الزعماء التاريخيين والمصلحين,الذين يشكلون استثناء, ويعملون لصالح شعوبهم دون إلزام من مؤسسات ديمقراطية أو جماعات ضاغطة أو غاير ذلك من أدوات الرقابة والإلزام.
============================================

أنقل لكم هذه المرة نصا لأستاذ جامعي من الجزائر, هو إحدى مساهماته الدورية في صحيفة الخبر الجزائرية, ثاني أكبر صحيفة بعد الشروق, وقصدي هو نموذج عن ممارسة حرية التعبير التي فيها ما يقال, في إطار شكوانا من الديمقراطية المنقوصة, أو الشكلية, والتي هدفها تبرير الوضع القائم, وعلى أي حال فهناك هامش معتبر لحرية الكلام, مقارنة بالوضع الذي كان قبل إعلان التعددية في الجزائر, ذات يوم من عام 1989, كنتيجة لأحداث أكتوبر الأليمة والغامضة حتى الآن, ومقال الأستاذ/ بوزيد بومدين, هو محاولة تنظيرية لتفسير الوضع القائم بصفة عامة, ومنه الديمقراطية كممارسة عملية وواقعية, لا كشعارات يقصد بها أشياء أخرى للاستهلاك المحلي والعالمي:

الاستقلال الجديد والمعرفة المنتظرة

منذ عشرين سنة خلت (يقصد انتفاضة أكتوبر 1988), يسعي البعض منا إلى التسفيه والحط من قيم مشتركة, هي سمة وجودنا المعاصر, وتشكل الخصوصية الحضارية لتاريخنا البعيد, فقد كان الهجوم على المالكية كمذهب وفقه في منابر المساجد (يقصد الإسلاميين) أولا... وقبل هذا كان السطو على الإدارة والسلطة من طرف مستعمر جديد غير محدد الملامح ويلبس أقنعة متعددة (يقصد الفرانكوفيليين خاصة والتغريبيين عامة), ما زال يؤخر استقلالنا الكامل اللغوي والمعرفي, يسمى "القوة الثالثة", (هذه القوة من اختراع الجنرال دوغول, هو الذي أنشأها ونصبها, ووهب لها الإدارة الجزائرية أمانة في عنقها لصالح فرنسا, يعني بها قوة وسطا ظاهريا بين القوى الاستعمارية الفرنسية وجبهة التحرير الوطني)، التي من سماتها الفساد الإداري والسياسي, وسعيها المستمر من أجل بقاء مصالحها ونفوذها, ومن أجل مقاومتها نحتاج لشهداء جدد, على المستوى السياسي والإعلامي والمعرفي. هذه القوة الأخطبوطية، هي عامل أساسي في ظهور هؤلاء المسفهين للثورة, ولقيم جهاد آبائنا, وإشاعة خطاب الحنين للمرحلة الكولونيالية. وهو حنين موجه ومدروس, يأخذ أشكالا متنوعة من عقد المقارنات غير السوية, إلى الاحتفاء بمدننا التي تعود إلى الثلاثينيات والأربعينيات (من القرن الماضي)، في المحلات والمؤسسات الإدارية إلى جانب هؤلاء, سواء الذين عارضوا السلطة بمرجعيات خارج الثورة, أو الذين ورثوا استقلالا واستحوذوا عليه مؤولين بطريقتهم الخاصة الذاكرة والشرعية, واختبأت وراءهم القوة الثالثة. وجماعات أخرى ترى نفسها استمرارا وورثة للثورة, أفسدت بسلوكها وسعيها المصلحي الضيق, عند الرأي العام, حلاوة الحديث وقيمته عن تاريخنا الوطني المعاصر, من هنا نحتاج اليوم إلى لغة جديدة ونصوص تاريخية شيقة ومعاصرة، تقدم تاريخ الحركة الوطنية والثورة لأجيال جديدة, هي ما بعد جيل الاستقلال عبر خرائط معرفية متطورة, وإدراك جديد, تكون الصورة واللون والإيجاز هي عناصره. ولعلنا مستقبلا بإصدارنا لقوانين تمنع الاستغلال السياسي للثورة ولشهدائنا (ممارسات استبدادية معادية للديمقراطية)كما هو الحال في منع استغلال الدين والهوية (القوانين الحالية), نحرر أرواح شهدائنا من "البزنسة السياسية", ويحتفي بهم أجيال جدد, يحتاجون لصمام أمان أمام عولمة جارفة واكتساح لقيم وثقافات لا ترى في الاستقلال تدشينا لدولة جزائرية معاصرة...إن الثورة الجزائرية شكلت تدشينا جديدا نحي فيه اليوم العنصر الإنساني والحضاري, في معناها, ولم تكن ثورة من أجل الشهادة فقط, فيراها البعض بداية تشكل العنف في التاريخ الجزائري... ترى هل نستطيع اليوم تقديم ثورتنا وتاريخنا بصورة جديدة مقنعة لأجيال جديدة؟ هل نفلح في إعادة تدفق روح وطنية تلتف حول مهام حضارية وطنية؟ بعد نصف قرن تقريبا (من الاستقلال), نحتاج من مؤرخينا والمشتغلين بالذاكرة والباحثين في حقول المعرفة الاجتماعية والإنسانية إدراك مهمة تجديد القراءة والتأويل لذاكرتنا ولقيمنا الوطنية, وأن إشاعة المعرفة التاريخية بين المواطنين في أشكال جديدة, وعبر وسائط معرفية معاصرة في مناخ تتوفر فيه الحرية, يساهم في قوة الذاكرة الوطنية أمام أشكال التسفيه والتيئيس والتسخيف لكل ما هو إيجابي في هذا البلد.

مساهمات الأستاذ بومدين عبر جريدة الخبر أسبوعية في الغالب, وهي مساهمات نوعية معتبرة في اتجاه رفع الوعي الشعبي, الأمر الذي يساعد- بتكاثف جهود المثقفين من هذا النوع- على الاقتراب شيئا فشيئا من الممارسة الديمقراطية, التي لا يمكن أن تكون إلا في جو مشبع بالوعي, مما يجعل الجمهور الواسع يفرض على السلطة المسيرة سلوك طريق الديمقراطية بتدريج مناسب مع ارتفاع الوعي الوطني الشعبي الواسع.

أعرض هذا النص في إطار استمرار المناقشة والحوار في موضوع الديمقراطية, وخاصة عند ربطها بممارسات سياسية واقعية ميدانية, كهذا المثال الذي يعرضه الأستاذ بومدين في محاولة لتحليل الوضع السياسي في الجزائر, وبالتالي مقدار الممارسة الديمقراطية المطبقة فعليا على أرض الواقع, وتقييمها من أجل الوقوف على النقائص وتشخيص الوضع, والبحث عن الحلول المناسبة, والنضال بطرق مختلفة, ومنها طريقة البحث والتنظير كما يفعل هذا الأستاذ الفاضل, من أجل إحراز تقدم ما على مستوى الحياة الاجتماعية, هذه هي المعركة المصيرية التي لا محيد عنها, من أجل استرجاع الشعوب حقوقها, والمضي بعدها بكل سرعة وثبات في طريق النهضة والنمو وترقية العيش الكريم, واللحاق بركب الشعوب والأمم السيدة المتطورة المنيعة في عصر الناس هذا. رجائي أن يكون هذا النص مناسبا لعرض جانب من الممارسة الديمقراطية المنقوصة, وتوضيح بعض أسباب النقص ميدانيا في تجربة محددة ووضعية معيشة هي الوضعية الجزائرية, التي يعكسها هذا المقال التحليلي التنظيري بشكل يقترب من الموضوعية الممكنة, ويعبر عن واقع الحال إلى حد بعيد. لعل هذا المثال يساعدنا على تعميق النقاش من أجل تعميق التفكير في هذه الظاهرة الإستراتيجية المصيرية لأمتنا المجيدة الواعدة.

أنواع الديمقراطية

أنواع الديمقراطية

أشكال الحكم الديمقراطي

اللون الأزرق يشير إلى الدول التي تدعي الديمقراطية وتسمح بنشاط المعارضة, اللون الأخضر يشير إلى الدول التي تدعي الديمقراطية لكنها لاتسمح بنشاط المعارضة واللون الأحمر هي الدول التي لاتدعي الديمقراطية إستنادا إلى مؤسسة بيت الحرية
  • الديمقراطية المباشرة و تسمى عادة بالديمقراطية النقية وهي نظام يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها وتسمى بالديمقراطية المباشرة لأن الناس يمارسون بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم. وتاريخياً كان هذا الشكل من أشكال الحكم نادراً نظراً لصعوبة جمع كل الأفراد المعنيين في مكان واحد من أجل عملية التصويت على القرارات. ولهذا فإن كل الديمقراطيات المباشرة كانت على شكل مجتمعات صغيرة نسبياً وعادة ما كانت على شكل دول المدن، و أشهر هذه الديمقراطيات كانت أثينا القديمة.
  • الديمقراطية النيابية وهي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على إختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق و مصالح الناخبين. وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة بل ينتخب نواباً يقررون عنهم. وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديمقراطي في العصور الأخيرة و شهد القرن العشرين تزايداً كبيراً في اعداد نظم الحكم هذه و لهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديمقراطية نيابية (وأحياناً يُطلق عليها "الجمهوريات"). وبالإمكان تقسيم الديمقراطيات إلى ليبرالية (حرة) و غير ليبرالية (غير حرة). فالديمقراطية الليبرالية شكل من أشكال الديمقراطية تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة لسلطة القانون و مبدأ فصل السلطات، وفي نفس الوقت تضمن للمواطنين حقوقاً لا يمكن إنتهاكها. أما الديمقراطية غير الليبرالية (غير الحرة) فهي شكل من أشكال الديمقراطية لا توجد فيها حدود تحد من سلطات النواب المنتخبين ليحكموا كيفما شاؤوا.
عن موسوعة ويكبيديا نقلت لكم هذا النص, بغية اتخاذه كمنطلق للنقاش حول الموضوع, ورأيي هو أن نتناول القضية على أساس المقارنة بين النظرية والواقع, حسب التجارب الحياتية لكل واحد منا, ما دمنا نقر أن مشاكلنا ناجمة عن غياب الديمقراطية, أي حكم الشعب لنفسه بنفسه, أو عن غيابها النسبي، أو عن عدم العمل بها ميدانيا في تسيير شؤون المجتمع, مما يؤدي إلى الاختلالات المعروفة. تحياتي لكم وفي انتظار مساهماتكم, أتمنى لكم أوقاتا ملؤها السعادة والهناء, ودمتم في رعاية الله وحفظه.

الثلاثاء، 7 يوليو 2009

الزاوي يتناول كوكا كولا

الزاوي يتناول كوكا كولا

في مقاله الأسبوعي بزاوية أقواس

كتب الدكتور الزاوي هذه المرة تحت عنوان:

كوكا كولا بين العقيدة والأدب

أقلام الخميس – الشروق 18 جوان 2009_ الموافق لـ 02رجب 1430هـ - العدد 2646- ص 21

اسمحوا لي أعزائي أن أفتح قوسا لتوضيح أشياء أساسية باختصار, لرفع التباس لاحظته في المقال السابق، إن متابعتي لما يكتب السيد الزاوي جاءت مما ألحقه من ضرر معنوي بمعظم الجزائريين, عندما شرع في كتابة هذه السلسلة من المقالات الأسبوعية, ولأن الإخوة والأخوات لم يتابعوا مسار هذا النقد منذ البداية, جاءت تعليقات بعضهم بعيدة عن مقصد المقال, لذلك أوضح أن جوهر النقد الذي أقوم به هو الدفاع عن النفس ضد اعتداءات على الهوية والمقدسات, وجزء كبير من المجتمع, أو الأغلبية الساحقة من متعلميه إن لم نقل مثقفيه, لأسباب لا مبرر لها, سوى محاولة الكاتب التقرب من أوساط نافذة, ومن أوساط أخرى من وراء البحر, تحارب كل ما هو عربي أو إسلامي في الجزائر, لذلك نرفض رفضا قطعيا أن نكون سلعة يتاجر بها هذا السيد, فليتاجر كما شاء, لكن ليس فينا ولا في مبادئنا ولا في لغتنا الجميلة, ولا في ديننا الحنيف. بعد هذا التوضيح الواجب، تعالوا بنا نطلع على مختصر لمحتوى مقال الدكتور الزاوي هذه المرة:

يبدأ الكاتب بالتذكير بالأهمية الكبرى لكوكا كولا سياسيا واقتصاديا وغير ذلك: "كوكا كولا قادرة على قلب العالم, في الذوق كما في الاقتصاد, كما في الحروب والاستعمارات", يبدو أن صاحبنا استقى هذا من قراءة رواية "اللجنة" للروائي المصري الشهير "صنع الله إبراهيم", منذ عقود من الزمن. يقول إنه تذكر هذه الرواية, عند قراءته لخبر اجتماع رئيس شركة كوكا كولا في فرنسا باتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا, ليقول لهم إن مشروبه لا يحتوي على كحول, لكنه لم يتحدث عن الدعم الكبير الذي تقدمه هذه الشركة لإسرائيل, على أساس أنه حلال, ثم يتعجب الدكتور من استغفال الغرب لنا هكذا, ثم يعود للرواية التي تتحدث عن قمع الأنظمة العربية للمثقف وسماحها للشركات المتعددة الجنسيات مثل كوكا كولا بالنشاط داخل بلدانها, فلا خلاف على الكوكا كولا, وحتى إن حصل خلاف معها, يأتي رئيسها " بكل حضارة يقول للمسلمين بعد أن يجمعهم كالخرفان التي ضاعت بها السبل: إن كوكا كولا لا كحول فيها فاشربوها هنية ومنعشة". ثم يذهب إلى أن كوكا لا تصنع لنا الإجماع فقط بل تلقننا الذوق أيضا "فنانسي عجرم هي قنينة كوكا كولا حية ومتحركة وحيوية", ثم يروي كيف انتصرت هذه القنينة على أخرى صنعها المعمرون الفرنسيون في الجزائر على شكل امرأة أيضا لمشروب "أورنجينا", يقول إن صنع الله إبراهيم, تفطن إلى هذه الشركات التي تحاربنا بمالنا. ثم يذكر كيف اعتبر صنع الله إبراهيم أن الشعوب والأمم تختلف في أشياء كثيرة مثل اللغة والدين وغيرهما, لكنها لا تختلف على الكوكا كولا, فاسمها هو نفسه عند الجميع. يعود الدكتور من هذا إلى اجتماع رئيس الشركة بمسلمي فرنسا, فيقول: "هل حين تعتنق كوكا كولا الدين الإسلامي وتدخل في باب الحلال هل ستتوقف الشركة عن دعمها السنوي لإسرائيل؟". ثم ينتقل إلى القدرة العالية لهذه الشركة في فن الإعلان والإشهار, وقد استطاعت أن تضم إليها كثيرا من مشاهير الفنون المتنوعة, وهي الآن بصدد البحث عن نجوم من نوع آخر، هم أهل الفتوى والجمعيات الدينية, "وتلك طريق آخر للدعاية في القرن الواحد والعشرين لكي تصبح مملكة كوكا كولا إمبراطورية القرن الكبرى". إن خبراء الإشهار في كوكا كولا, يريدون هذه المرة دخول العالم الإسلامي وثقافته بحثا عن مليار مستهلك, إن كوكا كولا تساير الفضول السياسي والثقافي الغربي نحو العالم الإسلامي لتساهم فيه " تستغل هذه الحال بوضع إستراتيجية إشهارية جديدة قائمة على الثنائية – الحلال والحرام –" بعيدا عن التحالفات السياسية والاقتصادية, يقول الدكتور أنه استمد هذا الطرح من رواية "اللجنة", التي حاولت "إرسال رسالة مشفرة للقارئ العربي لتشجيعه على تبني ثقافة المقاومة لا على الرضوخ للوضع المنهار", ويختم المقال هكذا: "يحدث هذا في هذه الأيام حيث عودة الحديث عن التطبيع الثقافي مع إسرائيل والذي يحاول البعض تبريره بخطابات عالمة أو متعالمة".

هذا هو المقال الذي تفضل به الدكتور هذه المرة, والذي نتمنى أن يكون هو الأخير في هذه الصحيفة، الشروق، أكبر صحيفة في الجزائر, حيث توزع يوميا أكثر من نصف مليون نسخة, لم يكتب الزاوي هذا الخميس الأخير, ربما أنه ترك الشروق, دون أن يعلن لقرائه ذلك كعادته. انظروا الارتجال كيف ينطلق من خبر قرأه في صحيفة عن اجتماع رئيس شركة كوكا كولا في فرنسا برؤساء الجمعيات الإسلامية في ذات البلد, ليقول لهم إن كوكا كولا لا تحتوي على كحول, ويذكره هذا برواية لصنع الله إبراهيم قرأها منذ أكثر من ربع قرن, ويتبنى وجهة نظر كاتب الرواية, ليعالج به الخبر الذي قرأه في جريدة, وكيف أن المسلمين خراف, وهو فقط النبيه الذي يتفطن إلى أن كوكا كولا وهي الشركة العملاقة العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات, تستغفلنا وتخدرنا بالحلال, بينما هي تساعد إسرائيل بملايير الدولارات وبشكل دوري وثابت. إني أتساءل هل يوجد هناك من عوام العرب والمسلمين من لا يعرف أن كوكا كولا تقدم دعما كبيرا لإسرائيل؟ وأنها محل مقاومة كبيرة لذلك؟ وأن مسلمي فرنسا يعرفون هذا الأمر جيد المعرفة,؟كما لا يجهلون تحريم الدعاة والأئمة لكوكا كولا بسبب مساعدتها لإسرائيل؟ وليس بسبب احتوائها على الكحول أو غيره من المحرمات, وإنما بسبب دعمها الضخم لإسرائيل؟الراجح هو أن السيد كان بصدد ملء فراغ, فهو ملتزم مع الجريدة بمقاله الأسبوعي, وكان يبحث عن كيفية تدبير موضوع, فوجد هذا الخبر في جريدة, وأسعفته الذاكرة باستحضار رواية " اللجنة" للكاتب الكبير "إبراهيم صنع الله", فمزج بين الاثنين وقدم لنا هذه الوجبة الغريبة, لكي لا يقول أي شيء سوى تسليم المقال الملتزم به للجريدة, ربما أن مثل هذا الموقف هو الذي نبه السيد الزاوي إلى أنه يجب أن ينسحب من مثل هذا الوضع, لذلك اختفى آخر خميس من الجريدة, ربما, ويكون بذلك قد عمل معروفا, وأراحنا من هذه المتابعة المملة, لأننا نحن القراء مئات آلاف القراء, وخاصة منهم الذين يمتلكون شيئا من الحس النقدي, أصبحوا لا ينتظرون أي شيء ذا بال من هذا الكاتب بالذات, فهو مشغول تماما بالبحث عن أشياء تعود عليه بالفائدة الشخصية, ويتخذ منا لذلك دروعا بشرية بريئة رغم أنوفنا, وكان على الجريدة أن تحمينا من هكذا ممارسات مشبوهة, وربما تكون قد فعلت, بعد سلسلة من النقد قام بها الكثير لمقالات الدكتور الزاوي, وقد اتفق النقاد تماما على القيمة الهزيلة والمسيئة لهذه المقالات, ربما يكون هذا هو سبب غياب مقال الزاوي في هذا الخميس الأخير, نتمنى أن يكون الأمر كذلك, حتى نرتاح من هذه المهمة الصعبة, فليس أشق على النفس من متابعة كتابة صادرة عن مصدر غير نزيه, خاصة إذا كان المتابع يدرك ذلك الأمر تمام الإدراك إلى درجة اليقين, وقد تملكه اليأس من صلاح المعني لأنه هو الآخر مصمم على سلوك نفس الدرب دون تبديل ولا تغيير, وبالطبع فإنه عندما لا يقدم الكاتب أي شيء, فإنه يجبر الناقد على الإفلاس معه. تقول لي: ولما لا يترك هذا الناقد أو ذاك هذا الكاتب وشأنه؟ فأجيبك بأنه يسيء إلينا كثيرا ولا يمكن السكوت عليه, من باب الدفاع عن النفس ووضع الأمور في نصابها, فأشياء الوجود الأساسية للأمة من ثقافة ولغة ومبادئ وعقيدة لا يمكن ترك من يمس بها وحاله, إنه يجبرك على متابعته, وهذا هو السبب في هذه الورطة الحقيقية, لقد كانت بداية هذه المحنة بتخصيص هذا السيد مقالة ينعي إلينا فيها اللغة العربية ويقول إنه حزين عليها, ثم ثنى بالحكم بالتخلف والجهل والذل وغير هذه من الشتائم المرة على قراء العربية وكتابها في الجزائر خاصة, والغريب أنه يؤكد في كل مرة أنه منهم لإبعاد الشبهة عنه, ولمحاولة تمرير إساءاته, فكيف لا نتابع هذا الشخص ولا نقف إلى جنب القراء الشباب والبسطاء الذين وقعوا في حيرة من أمرهم, وهم يقرؤون هذه التهجمات عليهم وعلى كل ما هو أساسي ومقدس ومبدئي لديهم؟ أملنا أن تطوى هذه الصفحة نهائيا, ويريحنا الزاوي ويستريح, آمين يا رب العالمين.

الأحد، 5 يوليو 2009

الزاوي ييمم

الزاوي ييمم شطر الشام



كتب الدكتور الزاوي مقاله الأسبوعي كالمعتاد وفي هذه المرة رحل بنا نحو الموارنة والهلال الخصيب؟



في زاويته أقواس



الشروق- أقلام الخميس- 18 جوان 2009- الموافق لـ 24جمادى الثانية 1430هـ العدد 2640 ص 21


عنوان المقال/ المثقفون العرب

المسيحيون: ظلمناهم أم ظلمتهم النهضة؟



ينطلق صاحبنا من فكرة أن الجزائريين العامة, وأشباه المتعلمين لا يفرقون بين العربي والمسلم, بمعنى أنهم يجهلون وجود عرب مسيحيين (عربي= مسلم) عندهم. ومن هنا يتطرق الدكتور إلى الإجحاف والظلم العربي للمثقفين المسيحيين, وأنه إذا كان التجاهل الجزائري العامي للوجود العربي المسيحي جهلا, وتبريره هو الاستعمار الفرنسي المسيحي الأسود لفترة تجاوزت القرن وثلث القرن, فإن بقية العرب لا مبرر لموقفهم من المثقفين المسيحيين الرواد, يقول: "هناك إجحاف في حقهم وإغماط واضح لدورهم في النهضة العربية على المستوى الأدبي والسياسي والفلسفي واللغوي". ثم يذهب الدكتور إلى تعداد الأسماء الأدبية الشهيرة وإنجازاتها الكبرى، ومنها مشاهير أدباء المهجر, يقول الكاتب: "كما أن مؤرخي الأدب العربي...يتجاهلون النصوص الشامية التي كتبها مسيحيو العرب في مطلع القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر كالشدياق وبطرس البستاني والريحاني وغيرهم". ثم يذكر الدكتور فضل المثقفين المسيحيين الشوام, يقصد بلاد الشام بالمفهوم القديم, في تعريب الطباعة, وفي تأسيس المجلات والدوريات الأدبية الشهيرة, ويواصل في تعداد المناقب, ويوضح مصطلح الشام بـ "لبنان سوريا فلسطين". ثم يعرج الكاتب على الجمعيات العريقة التي أسسها الأدباء المسيحيون الشوام في المهجر خاصة, ولا ينسى المرأة المسيحية الأديبة والمثقفة, فيذكر بعض الأسماء مقرونة بإنجازاتها, ثم يخص هذه المرة المارونيين من الأدباء والمثقفين المسيحيين ويسند إليهم فضل الترجمة إلى العربية انطلاقا من الأدب اليوناني إلى الأدب العالمي المعاصر وعموم الثقافة الغربية, وإنجاز المعاجم اللغوية المعاصرة, وكذا الموسوعات ودوائر المعارف. ثم يذكر الكاتب أن لديه شعورا بتجاهل العرب لدور المسيحيين الشوام في النهضة الفكرية والأدبية الحديثة, والتركيز على الدور المصري, ويقول إن الدور المصري كبير, لكنه مرتبط بالأزهر أساسا, مما جعله كلاسيكيا أو تجديدا داخل المحافظة, أما الدور الحداثي الصميم ففي بلاد الشام, وبفضل مسيحييه: "إني أتصور وبقدر ما كانت المدرسة المصرية في النهضة مدرسة مهمة في طابعها التجديدي داخل الإطار الكلاسيكي المحافظ وربما يعود هذا لارتباطها المباشر والمركزي بالمؤسسة الدينية وهو الأزهر الشريف وهو ما لم يطور أفق مغامرة الكتابة بالشكل الذي وجدت عليه في بلاد الشام..." يقول: " أتصور أن النهضة العربية قامت في بعدها الثقافي الجديد لغويا وموضوعاتيا في بلاد الشام وقامت في بعدها الإصلاحي الديني والأخلاقي في مصر"، ويعلل الدكتور هذا بكون رواد النهضة في مصر كانوا في صراع مع المؤسسة الأزهرية المتشددة, بينما الشوام والمسيحيون منهم خاصة, كانوا يصارعون كيفيات نقل الحداثة من الغرب الذي يحتكون به, ومن أمريكا التي هاجروا إليها, ومن هنا كانت ريادتهم في النهضة اللغوية والأدبية والفكرية وغيرها. يقول الدكتور في الختام: "على ضوء العطب الذي تعيشه النهضة العربية الثانية اليوم علينا أن نعود لقراءة تاريخنا الثقافي بشمولية ودون إقصاء وبشجاعة فكرية مسئولة سعيا لمعرفة الخلل فيه ومعرفة الإيجاب أيضا". في تلميح لضرورة الاعتراف بظلم العرب لمسيحييهم من الأدباء والمفكرين الشوام والمارونيين الرواد، الذين يعود لهم الفضل في النهضة العربية الحديثة.

أولا لمن لم يتابع حلقات هذا الموضوع, أقول إنني أتابع مقالات هذا الكاتب منذ بدأها بالنقد, لأسباب أهمها تجاوزاته غير المبررة في مسائل جوهرية تتعلق بعناصر الهوية, ثم تناقضاته الكبيرة, وتغييره لمسار أطروحاته دون سابق إنذار, لهذا ولأشياء أخرى كثيرة يضيق المجال عن ذكرها, رأيت من واجبي أن أضع الأمور في نصابها, بالمتابعة النقدية الموضوعية النزيهة. أما عن هذه المقالة بالذات, فإنها تتمحور على تباكي الزاوي ودفاعه المستميت عن المثقفين المسيحيين العرب, والموارنة اللبنانيين منهم خاصة, بحجة أن مؤرخي الأدب والثقافة العربية, لم ينصفوا هؤلاء الرواد المؤسسين للنهضة العربية الحديثة، فإليهم يرجع الفضل, دون غيرهم حتى من المصريين في إدخال الثقافة العربية إلى عالم العصر والحداثة. والملاحظ أن الدكتور لم يذكر لنا أي مرجع نعود إليه للتأكد من صحة دعاواه، ثم كيف يمكن أن تتجاهل الأمة رواد نهضتها, ولا تذكر أفضالهم ولا تعترف بها, أو تغمط حقوقهم كما يقول, والحال أنهم هم الذين يضعون أمهات الكتب الحديثة ومنها القواميس ودوائر المعارف والدوريات والتراجم وغيرها, في هذه الحالة يكونون هم الذين قصروا في حق أنفسهم, أو تواضعوا إلى درجة الإهمال والإخلال, ثم لماذا انقلب الزاوي على رواد النهضة من المصريين الذين سبقت له الإشادة بهم كثيرا وبشيء من المبالغة, في الأسابيع الماضية؟ لماذا جعلهم في هذه المرة قائمين بدور ثانوي محدود, لا يكاد يذكر بالنسبة للدور اللبناني الماروني خاصة, وإن كان يتحدث عن الشام, ويوضح بأنه يقصد ما يسمى اليوم لبنان وسوريا وفلسطين؟ ويهمل الأردن لأسباب يمكن التكهن بها بسهولة. إن الخط العام الذي يجمع نقاط الارتكاز لدى الدكتور هو ممارسة المدح المبالغ فيه حيثما بدت له منفعة ما, فهو يعطي الفرنسية وفرنسا أكثر مما لهما في سوق الحضارة المعاصرة بكثير, ويسيء إلى الهوية متباكيا عليها في ذات الوقت، لتغطية مراميه النفعية, ويظهر أن دوائر النشر الفرنسية قد نشرت له رواية, لا أعرف شخصيا غيرها لديه, والمعروف أن تلك الأوساط الاستعمارية والصهيونية لا تنشر إلا لمن يعينها على الإساءة للهوية العربية الإسلامية, وذات الرواية تحدثت الصحف عن نية ترجمتها إلى الإيطالية, وذلك يكون قد ترتب عن اقتراح من ذات الدوائر التي نشرت له في فرنسا. أظن أن السيد وهو ييمم شطر الشام وشطر الموارنة بالذات أصحاب دور النشر العملاقة في بيروت, فإنه لا يفعل ذلك مجانا, وهل هؤلاء حقا بحاجة إلى دفاع الزاوي عنهم, وتباكيه عن ظلم العرب لهم بنكران جميلهم وعدم الإشادة بدورهم الكبير والأساسي في النهضة العربية الحديثة, كما يدعي صاحبنا, وهو ادعاء لا مبرر له من المنطق والذوق السليم؟ لقد انطلق صاحبنا من زعم وضع كتاب أبيض عن الثقافة الجزائرية, مما يفهم أنه يريد أن ينقدها نقدا عميقا يفضح من خلاله خصومه الذين أخرجوه من منصبه السامي كمدير للمكتبة الوطنية الجزائرية قبل شهور قليلة, وقد قيل وقتها بأن ذلك العزل كان بسبب دعوته للشاعر أدونيس, الذي ألقى محاضرة بذات المكتبة, يقال إنه أساء إلى الإسلام والمسلمين فيها, فثارت ثائرة بعض الأوساط, ومن ثم كانت إقالة الزاوي من منصب المدير العام لذات المكتبة, لكن هذا التفسير لإقالته لا يصمد أمام النقد والتمحيص, وقد تكون قضية أدونيس هي القطرة التي أفاضت الكأس وليس شيئا آخر أكثر كما يدعي البعض. غير أن زعم وضع الكتاب الأبيض لم يتحقق في الحلقات التي خصصها لهذا الغرض في مقاله الأسبوعي لصحيفة الشروق الجزائرية, فسرعان ما اتجه إلى الشرق, ثم إلى مواضيع متفرقة من هنا وهناك, وأخيرا هذه الطلعة بالدفاع عن رواد النهضة العربية الحديثة الموارنة خاصة, إن التفكير المتأني وتتبع المسار الذي وضع فيه الدكتور مقالاته الشروقية وما وقع فيه من تناقضات كبيرة بيناها في حينه, تشير بكل وضوح إلى أن صاحبنا لا يتحرك إلا حيث كانت هناك مآرب شخصية, ما ذا يريد هذه المرة بالذات؟ لا بد أنه يبحث عن شيء ما هو أدرى به في بلاد الشام, وفي بيروت منها خاصة, عن تعاملات ما, وعن منافع ما, ذلك ما عودنا عليه في مجموع مقالاته, لأنه – للأسف الشديد- لم يقدم لنا شيئا ذا بال في مجال الأدب أو الثقافة والفكر الحداثي الذي يدعيه ويروج له، وإنما دأب على الارتجال, كما هو فاعل في هذا المقال, الذي لم يزكه بأية مرجعية, ولا أي استشهاد, ولا إشارة عابرة إلى دراسة علمية ما أو غير علمية, تمت في هذا الأمر الذي يدعيه ويفتعله, وهل بمثل هذه الممارسات يكون التنوير ويكون التحديث والصعود إلى مراتب الثقافة والحضارة المعاصرة؟ إن مقاصد الزاوي من التشريق, والاتجاه إلى ما سماه الشام, وتركيزه على المسيحيين الموارنة, سوف تتضح قريبا من مساعيه لدى هؤلاء إذا قدر لها النجاح والإثمار بمنافع هي هدفه من هذه الرحلة المشرقية, وليس الغد لناظره ببعيد, فإما أن ينال السيد مبتغاه من هؤلاء الذين امتدحهم ونصب نفسه محاميا عنهم, وإما أن ينقلب عليهم إن هو خابت مساعيه لديهم, ولله في خلقه شؤون. لكن يبدو أن الدكتور قد أنهى سلسلة مقالاته هذه في الشروق, فلم يظهر له شيء في عدد الخميس الفائت, على أي حال لا زال له مقال في الخميس قبل الفائت سنتناوله قريبا بالدراسة والنقد والتعليق, ومعذرة للمتتبعين خاصة منهم رواد موقع الشروق, إن كنت قد تباطأت هذه المرة في الرد على الكاتب, وذلك لانشغالي بالأحداث الإيرانية, والله من وراء القصد.