الأحد، 5 يوليو 2009

الزاوي ييمم

الزاوي ييمم شطر الشام



كتب الدكتور الزاوي مقاله الأسبوعي كالمعتاد وفي هذه المرة رحل بنا نحو الموارنة والهلال الخصيب؟



في زاويته أقواس



الشروق- أقلام الخميس- 18 جوان 2009- الموافق لـ 24جمادى الثانية 1430هـ العدد 2640 ص 21


عنوان المقال/ المثقفون العرب

المسيحيون: ظلمناهم أم ظلمتهم النهضة؟



ينطلق صاحبنا من فكرة أن الجزائريين العامة, وأشباه المتعلمين لا يفرقون بين العربي والمسلم, بمعنى أنهم يجهلون وجود عرب مسيحيين (عربي= مسلم) عندهم. ومن هنا يتطرق الدكتور إلى الإجحاف والظلم العربي للمثقفين المسيحيين, وأنه إذا كان التجاهل الجزائري العامي للوجود العربي المسيحي جهلا, وتبريره هو الاستعمار الفرنسي المسيحي الأسود لفترة تجاوزت القرن وثلث القرن, فإن بقية العرب لا مبرر لموقفهم من المثقفين المسيحيين الرواد, يقول: "هناك إجحاف في حقهم وإغماط واضح لدورهم في النهضة العربية على المستوى الأدبي والسياسي والفلسفي واللغوي". ثم يذهب الدكتور إلى تعداد الأسماء الأدبية الشهيرة وإنجازاتها الكبرى، ومنها مشاهير أدباء المهجر, يقول الكاتب: "كما أن مؤرخي الأدب العربي...يتجاهلون النصوص الشامية التي كتبها مسيحيو العرب في مطلع القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر كالشدياق وبطرس البستاني والريحاني وغيرهم". ثم يذكر الدكتور فضل المثقفين المسيحيين الشوام, يقصد بلاد الشام بالمفهوم القديم, في تعريب الطباعة, وفي تأسيس المجلات والدوريات الأدبية الشهيرة, ويواصل في تعداد المناقب, ويوضح مصطلح الشام بـ "لبنان سوريا فلسطين". ثم يعرج الكاتب على الجمعيات العريقة التي أسسها الأدباء المسيحيون الشوام في المهجر خاصة, ولا ينسى المرأة المسيحية الأديبة والمثقفة, فيذكر بعض الأسماء مقرونة بإنجازاتها, ثم يخص هذه المرة المارونيين من الأدباء والمثقفين المسيحيين ويسند إليهم فضل الترجمة إلى العربية انطلاقا من الأدب اليوناني إلى الأدب العالمي المعاصر وعموم الثقافة الغربية, وإنجاز المعاجم اللغوية المعاصرة, وكذا الموسوعات ودوائر المعارف. ثم يذكر الكاتب أن لديه شعورا بتجاهل العرب لدور المسيحيين الشوام في النهضة الفكرية والأدبية الحديثة, والتركيز على الدور المصري, ويقول إن الدور المصري كبير, لكنه مرتبط بالأزهر أساسا, مما جعله كلاسيكيا أو تجديدا داخل المحافظة, أما الدور الحداثي الصميم ففي بلاد الشام, وبفضل مسيحييه: "إني أتصور وبقدر ما كانت المدرسة المصرية في النهضة مدرسة مهمة في طابعها التجديدي داخل الإطار الكلاسيكي المحافظ وربما يعود هذا لارتباطها المباشر والمركزي بالمؤسسة الدينية وهو الأزهر الشريف وهو ما لم يطور أفق مغامرة الكتابة بالشكل الذي وجدت عليه في بلاد الشام..." يقول: " أتصور أن النهضة العربية قامت في بعدها الثقافي الجديد لغويا وموضوعاتيا في بلاد الشام وقامت في بعدها الإصلاحي الديني والأخلاقي في مصر"، ويعلل الدكتور هذا بكون رواد النهضة في مصر كانوا في صراع مع المؤسسة الأزهرية المتشددة, بينما الشوام والمسيحيون منهم خاصة, كانوا يصارعون كيفيات نقل الحداثة من الغرب الذي يحتكون به, ومن أمريكا التي هاجروا إليها, ومن هنا كانت ريادتهم في النهضة اللغوية والأدبية والفكرية وغيرها. يقول الدكتور في الختام: "على ضوء العطب الذي تعيشه النهضة العربية الثانية اليوم علينا أن نعود لقراءة تاريخنا الثقافي بشمولية ودون إقصاء وبشجاعة فكرية مسئولة سعيا لمعرفة الخلل فيه ومعرفة الإيجاب أيضا". في تلميح لضرورة الاعتراف بظلم العرب لمسيحييهم من الأدباء والمفكرين الشوام والمارونيين الرواد، الذين يعود لهم الفضل في النهضة العربية الحديثة.

أولا لمن لم يتابع حلقات هذا الموضوع, أقول إنني أتابع مقالات هذا الكاتب منذ بدأها بالنقد, لأسباب أهمها تجاوزاته غير المبررة في مسائل جوهرية تتعلق بعناصر الهوية, ثم تناقضاته الكبيرة, وتغييره لمسار أطروحاته دون سابق إنذار, لهذا ولأشياء أخرى كثيرة يضيق المجال عن ذكرها, رأيت من واجبي أن أضع الأمور في نصابها, بالمتابعة النقدية الموضوعية النزيهة. أما عن هذه المقالة بالذات, فإنها تتمحور على تباكي الزاوي ودفاعه المستميت عن المثقفين المسيحيين العرب, والموارنة اللبنانيين منهم خاصة, بحجة أن مؤرخي الأدب والثقافة العربية, لم ينصفوا هؤلاء الرواد المؤسسين للنهضة العربية الحديثة، فإليهم يرجع الفضل, دون غيرهم حتى من المصريين في إدخال الثقافة العربية إلى عالم العصر والحداثة. والملاحظ أن الدكتور لم يذكر لنا أي مرجع نعود إليه للتأكد من صحة دعاواه، ثم كيف يمكن أن تتجاهل الأمة رواد نهضتها, ولا تذكر أفضالهم ولا تعترف بها, أو تغمط حقوقهم كما يقول, والحال أنهم هم الذين يضعون أمهات الكتب الحديثة ومنها القواميس ودوائر المعارف والدوريات والتراجم وغيرها, في هذه الحالة يكونون هم الذين قصروا في حق أنفسهم, أو تواضعوا إلى درجة الإهمال والإخلال, ثم لماذا انقلب الزاوي على رواد النهضة من المصريين الذين سبقت له الإشادة بهم كثيرا وبشيء من المبالغة, في الأسابيع الماضية؟ لماذا جعلهم في هذه المرة قائمين بدور ثانوي محدود, لا يكاد يذكر بالنسبة للدور اللبناني الماروني خاصة, وإن كان يتحدث عن الشام, ويوضح بأنه يقصد ما يسمى اليوم لبنان وسوريا وفلسطين؟ ويهمل الأردن لأسباب يمكن التكهن بها بسهولة. إن الخط العام الذي يجمع نقاط الارتكاز لدى الدكتور هو ممارسة المدح المبالغ فيه حيثما بدت له منفعة ما, فهو يعطي الفرنسية وفرنسا أكثر مما لهما في سوق الحضارة المعاصرة بكثير, ويسيء إلى الهوية متباكيا عليها في ذات الوقت، لتغطية مراميه النفعية, ويظهر أن دوائر النشر الفرنسية قد نشرت له رواية, لا أعرف شخصيا غيرها لديه, والمعروف أن تلك الأوساط الاستعمارية والصهيونية لا تنشر إلا لمن يعينها على الإساءة للهوية العربية الإسلامية, وذات الرواية تحدثت الصحف عن نية ترجمتها إلى الإيطالية, وذلك يكون قد ترتب عن اقتراح من ذات الدوائر التي نشرت له في فرنسا. أظن أن السيد وهو ييمم شطر الشام وشطر الموارنة بالذات أصحاب دور النشر العملاقة في بيروت, فإنه لا يفعل ذلك مجانا, وهل هؤلاء حقا بحاجة إلى دفاع الزاوي عنهم, وتباكيه عن ظلم العرب لهم بنكران جميلهم وعدم الإشادة بدورهم الكبير والأساسي في النهضة العربية الحديثة, كما يدعي صاحبنا, وهو ادعاء لا مبرر له من المنطق والذوق السليم؟ لقد انطلق صاحبنا من زعم وضع كتاب أبيض عن الثقافة الجزائرية, مما يفهم أنه يريد أن ينقدها نقدا عميقا يفضح من خلاله خصومه الذين أخرجوه من منصبه السامي كمدير للمكتبة الوطنية الجزائرية قبل شهور قليلة, وقد قيل وقتها بأن ذلك العزل كان بسبب دعوته للشاعر أدونيس, الذي ألقى محاضرة بذات المكتبة, يقال إنه أساء إلى الإسلام والمسلمين فيها, فثارت ثائرة بعض الأوساط, ومن ثم كانت إقالة الزاوي من منصب المدير العام لذات المكتبة, لكن هذا التفسير لإقالته لا يصمد أمام النقد والتمحيص, وقد تكون قضية أدونيس هي القطرة التي أفاضت الكأس وليس شيئا آخر أكثر كما يدعي البعض. غير أن زعم وضع الكتاب الأبيض لم يتحقق في الحلقات التي خصصها لهذا الغرض في مقاله الأسبوعي لصحيفة الشروق الجزائرية, فسرعان ما اتجه إلى الشرق, ثم إلى مواضيع متفرقة من هنا وهناك, وأخيرا هذه الطلعة بالدفاع عن رواد النهضة العربية الحديثة الموارنة خاصة, إن التفكير المتأني وتتبع المسار الذي وضع فيه الدكتور مقالاته الشروقية وما وقع فيه من تناقضات كبيرة بيناها في حينه, تشير بكل وضوح إلى أن صاحبنا لا يتحرك إلا حيث كانت هناك مآرب شخصية, ما ذا يريد هذه المرة بالذات؟ لا بد أنه يبحث عن شيء ما هو أدرى به في بلاد الشام, وفي بيروت منها خاصة, عن تعاملات ما, وعن منافع ما, ذلك ما عودنا عليه في مجموع مقالاته, لأنه – للأسف الشديد- لم يقدم لنا شيئا ذا بال في مجال الأدب أو الثقافة والفكر الحداثي الذي يدعيه ويروج له، وإنما دأب على الارتجال, كما هو فاعل في هذا المقال, الذي لم يزكه بأية مرجعية, ولا أي استشهاد, ولا إشارة عابرة إلى دراسة علمية ما أو غير علمية, تمت في هذا الأمر الذي يدعيه ويفتعله, وهل بمثل هذه الممارسات يكون التنوير ويكون التحديث والصعود إلى مراتب الثقافة والحضارة المعاصرة؟ إن مقاصد الزاوي من التشريق, والاتجاه إلى ما سماه الشام, وتركيزه على المسيحيين الموارنة, سوف تتضح قريبا من مساعيه لدى هؤلاء إذا قدر لها النجاح والإثمار بمنافع هي هدفه من هذه الرحلة المشرقية, وليس الغد لناظره ببعيد, فإما أن ينال السيد مبتغاه من هؤلاء الذين امتدحهم ونصب نفسه محاميا عنهم, وإما أن ينقلب عليهم إن هو خابت مساعيه لديهم, ولله في خلقه شؤون. لكن يبدو أن الدكتور قد أنهى سلسلة مقالاته هذه في الشروق, فلم يظهر له شيء في عدد الخميس الفائت, على أي حال لا زال له مقال في الخميس قبل الفائت سنتناوله قريبا بالدراسة والنقد والتعليق, ومعذرة للمتتبعين خاصة منهم رواد موقع الشروق, إن كنت قد تباطأت هذه المرة في الرد على الكاتب, وذلك لانشغالي بالأحداث الإيرانية, والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات: