الجمعة، 10 يوليو 2009

عن الديمقراطية2

عن الديمقراطية2

مشكلات جزائرية

أصدقائي وجيراني وإخواني الأعزاء, إن الحديث عن قضية بحجم الديمقراطية, لا يمكن أن ينطلق من فراغ, وإلا وقعنا في الجدل النظري الباهت وعديم الجدوى, من أجل هذا ارتأيت أن أعرض بعض المشكلات الجزائرية, ذات الصلة بالموضوع طبعا, وقد يكون من المناسب استغلال بعض المقالات التي ظهرت لشخصيات ذات مساهمات معتبرة, بمناسبة الاحتفالات بعيد الاستقلال, الذكرى47, ولقد قرأت لكم في هذا الصدد مقالا قيما للأستاذ الدكتور وسعادة السفير السابق/ عثمان سعدي – رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية, لهذا قلت لكم منذ البداية مشكلات جزائرية, نعم إن اللغة العربية في الجزائر في حاجة إلى جمعية تحمل هذا الاسم, والسبب هو طغيان الثورة المضادة, وضعف الديمقراطية, أو انعدام فعاليتها في المسائل الجوهرية والإستراتيجية, لأنها لا تعدو أن تكون ديمقراطية الواجهة, وديمقراطية الشكل والتمويه, وإلا كيف تحتاج اللغة العربية إلى جمعية للدفاع عنها؟ ولماذا دفعت الجزائر – إذن – مليونا ونصف مليون من الشهداء؟ إن لم يكن ذلك من أجل إحياء هويتها وانتمائها وتصحيح وضعها الثقافي والحضاري؟ لكنها القوة الثالثة التي سبق أن حدثتكم عنها, والتي نصبها الجنرال دوغول لتحافظ على فرنسا في الجزائر, ولتفعل ذلك لا بد أن تكون عدوة لدودة للديمقراطية الحقيقية, رغم ضجيجها الكبير ورفعها للافتة الديمقراطية عاليا, لكنها ديمقراطية مزيفة, ديمقراطية ذر الرماد في العيون, ولتوضيح الكثير من هذا الوضع الجزائري الناتج عن الاستعمار الاستيطاني الرهيب, والذي يضرب الهوية الوطنية في أساسها, مع إضافة ملاحظة هامة, هي أن فرنسا لم تفرنس الشعب الجزائري كما يظن الكثير, حيث تركت نسبة الأمية 96 بالمائة, فرنسا نشرت الجهل والبؤس, أما الذي فرنس نسبة كبيرة من أجيال الاستقلال فهي القوة الثالثة, التي استمرت في خدمة رسالة الاستعمار أكثر مما خدمها هو بنفسه, وبأموال الشعب الجزائري المغلوب على أمره, في هذا السياق الشديد الصلة بالممارسة الديمقراطية المنشودة, أقدم لكم مقال الدكتور/ عثمان سعدي, أحد أبرز المناضلين في سبيل العربية والهوية ليوضح لكم بعض الخلفيات الهامة لما هو عليه الحال اليوم, وكون الشعب الجزائري لا زال مطالبا بتضحيات جسام جديدة من أجل استكمال استقلاله وتقرير مصيره نهائيا:

صحيفة الخبر اليومية- الأحد 5 جويلية- 2009م- الموافق لـ 12 رجب 1430هـ- العدد 5688 – ص 24

هل استقلت الجزائر بعد 47 سنة؟

من حق أي جزائري بعد 47 سنة من الاستقلال أن يتساءل هل استقلت الجزائر؟ والجواب لم تستقل بعد...

عرف القرن العشرين أعظم ثورتين قام بهما الإنسان: ثورة الجزائر وثورة الفيتنام. أي ثورة لا يمكن أن تعتبر نفسها ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات (يقصد الإنسان). الثورة الفيتنامية حققتهما الاثنين، أما الثورة الجزائرية فقد اكتفت بتحرير الأرض فقط تاركة الذات الجزائرية مستعمرة فرنسية, ولا زالت كذلك حتى الآن, من خلال هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية, وذلك بسبب سيطرة المتفرنسين على الثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة منذ تأسيس الحكومة المؤقتة بالقاهرة سنة 1958 بالفرنسية, هؤلاء المتفرنسون الذين توجوا الانحراف بالثورة عندما وقعوا اتفاقيات إيفيان بنص واحد وهو النص الفرنسي الذي مثَّل الوفدين وهذا معناه أن الموقعين الجزائريين يقولون لزملائهم الفرنسيين: "نحن نختلف عنكم في الشكل المتمثل في العلم والأرض, أما المضمون فهويتنا ولغتنا واحدة". وقد طبق هؤلاء ذلك عمليا، ففسروا الاستقلال في شكله السطحي المتمثل في قطعة من القماش تسمى العلم. أما اللغة التي تعتبر مفتاح الهوية فقد قرروا أن تبقى الفرنسية لغة الاستقلال مع تهميش اللغة العربية. تربع قطب من أقطاب حزب الشعب الجزائري(حزب وطني في العهد الاستعماري, يعتبر هو مفجر الثورة) وهو عبد الرحمن كيوان على الوظيف العمومي مدة أربعة عشر سنة فعمل على تثبيت هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة وتهميش العربية, خائنا الحزب الذي انتمى إليه والذي يربط دائما الاستقلال باللغة العربية.

الفيتناميون وقعوا اتفاقيات جنيف سنة 1954 التي أنهت الاستعمار بنصين الفيتنامي والفرنسي وطبقوا فتنمة فورية وشاملة, فحققوا الاستقلال الحقيقي وتنمية اقتصادية اجتماعية ناجحة. تقصيت سنة 2006 الإحصائيات, فوجدت أن الفيتناميين صدروا بالفتنمة مواد صناعية وزراعية خارج المحروقات بما قيمته ستة وعشرون مليار, بينما صدرت الجزائر بالفرنسة بما قيمته ستة مائة مليون دولار ثلثها خردة حديد ونحاس, ومقياس تقدم أي بلد هو ما ذا ينتج؟ وليس كيف ينطق الراء غينا...

أحداث الثورة تقام لها مهرجانات يتحدث فيها البعض كلاما عابرا, لكن لا تسجل أحداثها ولا تراثها الشعبي مثلما فعل الفيتناميون بثورتهم, فقد جمعوا مئات المجلدات مما قيل فيها وكتب عنها في الداخل والخارج. عملت سفيرا في قطرين عربيين فجمعت في السبعينيات من القرن الماضي الشعر الذي قيل فيهما عن الثورة(الجزائرية) فكانت الحصيلة 464 قصيدة نظمها 171 شاعر وشاعرة من سوريا والعراق فقط.

ليست هناك تعليقات: