الأحد، 12 يوليو 2009

الزاوي في جاهلية

الزاوي في جاهلية الحكام العرب

عاد الزاوي فعدت مكرها, عاد ليكتشف البارود, ويبشرنا بأن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, ولو فعلوا لتغير وجه العالم العربي تماما, الكارثة التي يعيشها الشعب العربي في نظر الزاوي أصلها وفصلها هي أن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, كنت قد اعتقدت – كما أعلنت لكم – في آخر تعقيب لي على هذا الكاتب- أنه ربما انتبه أو انتبهت الجريدة الكبيرة التي ينشر فيها مقاله الأسبوعي إلى عدم جدوى هكذا كتابة, فتوقفت عن النشر له, أو توقف هو, لكنه غاب في الأسبوع الماضي دون استئذان, وعاد هذا الأسبوع دون اعتذار, وبالطبع فإن من يستخف بالعقول, لا يرجى منه مراعاة مشاعر الناس واحترام القراء, كما يفعل كل الذين يقدمون أنفسهم للناس للاستماع والاستمتاع والاقتداء والنصح والإرشاد, إنه لم يعمل بهذا وعاد ثانية, فلا بد من متابعة ما يقدم للناس, لا على سبيل نقد الأفكار فقط, ولكن نظرا لما قدمه في مقالات سابقة من إساءات غير مبررة لقرائه, الذين أنا واحد منهم, بلغت حد الشتم المباشر والصريح, بسبب كونهم قراءا للعربية, ومتعلمين بالعربية في الجزائر, وأكرر ,وهذه لا تُنسى, أنه اعتبر اللغة العربية العتيدة لغة ميتة, وقال أنعيها لكم وأنا حزين, كما ادعى, وهذه لهجة ليست بريئة, فهي – ما خبرناه بألم كبير في هذا البلد - تنتمي إلى خطاب الثورة المضادة, وهي من أساليب حديث القوة الثالثة, التي تعرفون مهامها في الجزائر, كوريثة مهيأة مسبقا للعهد الاستعماري البائد, لهذا أتابع ما يكتب هذا السيد ضرورة, فقد كتب هذه المرة يقول:

ما ذا لو قرأ الملوك والرؤساء العرب روايات أدباء بلدانهم؟

هذا هو عنوان مقال الدكتور الزاوي, الذي كتبه نهاية الأسبوع الماضي ضمن أقلام الخميس, في ركنه الخاص "أقواس"

الشروق- الخميس 09 جويلية – الموافق لـ 16 رجب 1430 هـ - العدد - 2658- ص 16

مقدمة المقال: ماذا كان سيحدث في هذا العالم العربي لو أن ملوك المملكات ورؤساء الجمهوريات وأمراء الإمارات وشيوخ المشيخات وسلاطين السلطنات قرأوا الروايات التي كتبها ويكتبها أدباؤهم بلغة العرب العاربة أو العرب المستعربة أو العرب المستغربة؟ كان سيحدث الكثير.

قد تكون هناك صيغة تهكم في هذه المقدمة على لغة العرب الجميلة في هذا التنويع الغريب لوصفها وكأنها لغات متعددة, أما تلك التي نعتها بلغة العرب المستغربة, فقد عجزت عن فهم قصده منها إن كان له قصد, اللهم إلا إذا كان يعني أمثاله ممن يتخذون من هذا المقوم الأساسي للغة مطية للعبث والسخرية, وإلا فإن هؤلاء العرب المستغربة لا وجود لهم أصلا ولا للغتهم, ومن ثم – وهو أخف الضرر- أن يكون مجرد حشو وقع فيه الدكتور منذ مقدمته لهذا الموضوع, الذي يبدو من أسلوب حديثه أنه يعتبره اكتشافا خطيرا, وفي الحقيقة أن هذا المقال الغث فارغ بل أفرغ من فؤاد أم موسى, وما قدمته لكم في البداية كاف جدا لعرض مضمونه, لكن فلا بأس أن نقوم بجولة فيه لنقف على بعض التعابير للكاتب نفسه, حتى تكون الأمور أكثر وضوحا وشفافية.

بعد هذا التقديم يشرع الدكتور في تساؤلاته عما ذا لو قرأ هذا الحاكم أو ذاك الأحياء منهم والأموات روايات عدة روائيين من بلده, ويستمر المقال هكذا ليأتي – تقريبا – على كل البلدان العربية, أو أهمها – على الأقل – ويشرع هكذا بكبيرهم رئيسا وبلدا وروائيا, يقول: " تخيلوا معي أيها السادة, مجرد خيال لا أكثر ولا أقل, لو أن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد قرأ روايات نجيب محفوظ مثل الثلاثية و"ميرامار" و"الحرافيش" وأن..." ثم يواصل مع مصر بعد عبد الناصر حكاما وروائيين حتى الآن. ثم يفعل نفس الشيء مع باقي البلدان العربية تقريبا كلها, ما عدا بعض الإمارات أو المشيخات, فقد تركها, ربما لأنه لا يعرف عنها شيئا, كما فعل عندما أراد ذكر رئيس الصومال فلم يجد لا قديما ولا جديدا, فكتب:" لو أن الرئيس الصومالي ( ما اسمه؟) قرأ...", لم يكلف نفسه حتى فتح مرجع, أو طرح السؤال في الإنترنيت عن الاسم المطلوب, ولنفس السبب, فيما يبدو, لم يذكر كل إمارات الخليج, أعني عدم معرفة أسماء الأمراء والروائيين المفترضين. لهذا ينهي هذه السلسلة النمطية من التساؤلات العجيبة بقوله: "لو...لو...ماذا كان سيحدث؟ كان سيحدث العجب؟", ويبدأ الإجابة عن هذا التساؤل بنفس الطريقة التي أجاب بها عن الحكام والروائيين والروايات, وملخص ذلك هو: استغناء الحكام عن قراءة التقارير المزيفة للجهات الحكومية المختلفة, وعن السماع لمغالطات وأكاذيب مستشاريهم, ولو قرأ الحكام الروايات لعرفوا " ما تعيشه أوطانهم وتعيشه الرعية المسكينة المغلوبة على أمرها من واقع حقيقي مر طافح بالفساد والأمراض والخيانات والخوف والإخفاق وأدركوا لكم هو قليل الأمل في بلدانهم وبين ساكنيهم". ويستمر في هذا القبيل من الإجابة المتكررة, فلو قرأ الحكام العرب الروايات لما كذب عليهم الوزراء وزيفوا لهم الواقع وقلبوا لهم الفشل نجاحا زيفا وبهتانا في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية, التي يعددها كما فعل مع البلدان والحكام والروائيين والروايات, وقد كان بإمكانه أن يكتفي بجمل لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة لأداء هذه المعاني التي يريد التعبير عنها. ثم ينتبه الدكتور – فيما يبدو – إلى أن الرواية خيالية أساسا, فيعالج ذلك بطريقة سحرية, إذ يقول: " مع أن الرواية تخييل إلا أنه لا واقع أقرب إلى الخيال من واقعنا العربي". وبعد إجابات أخرى من نفس النمط مع تغيير القطاع الحكومي, يستفيق، ويحس أن الصعوبة لا زالت قائمة, فالرواية والتقارير الحكومية ليسا من طبيعة واحدة, ولا يمكن – لذلك – أن يحل أحدهما محل الآخر, فيضطر إلى تقديم تبرير جديد, كما فعل قبل حين: " ومع أن الرواية الجديدة تنحو نحو الفانتاستيك فليس أقرب إلى الفانتاستيك من واقعنا العربي هذا". ثم ينتقل الكاتب إلى التزييف الذي تقوم به الأحزاب,فيفعل معه مثل ما فعل مع القطاعات الحكومية, لكن باختصار, ويفعل ذات الشيء مع الجمعيات, وأخيرا يؤكد الكاتب أنه لا تقرير عن الواقع أصح من تقرير الرواية, ولا أصدق. ويختم المقال هكذا: لو قرأ الملوك والرؤساء رؤساؤنا الروايات كان سيكون لهم صورة أخرى في الخارج صورة الصدق التي تفرض على الآخر احترامنا وتقديرنا. كان سيحدث أيضا أن يتمرن حكامنا على فن الخيال والتخيل وهما العاملان الأساسيان للسلطة وللتسيير كما قالها الشيخ ماوتسي تونغ ذات يوم".

في الواقع أن هذا المقال غني عن التعليق, وما دامت الضرورة تقتضي ذلك فلنخض في الأمر باختصار, هناك مسألة جهل الحكام العرب الذي يتحدث عنهم صاحبنا بفوقية عجيبة, على أساس أنه هو عبقري والحكام رعاع, ثم قضية الرواية التي لو قرأها الحكام لكان الواقع العربي الآن في أعلى عليين, ولصار الثمانية تسعة, (الدول الصناعية الثمانية الكبرى + العرب), وإذا كان هذا هكذا, فلماذا لا يقرأ الحكام العرب وتنتهي مشكلتنا الحضارية والحداثية, ونخرج من التخلف في رمشة عين؟ وإذا اقتضى الأمر فلنخرج لنتظاهر في الشوارع في مظاهرات حاشدة عارمة جارفة, لم يعرف التاريخ لها مثيلا مطالبين حكامنا بقراءة الروايات التي يكتبها كتاب بلادهم, ويضيفون إليها روايات كثيرة أخرى, حتى تتجذر الرواية في وجدانهم وفكرهم وتصرفاتهم. ثم كيف يمكن لنا أن نتصور هؤلاء الحكام الجهلة السذج بل الأغبياء أخيارا ومصلحين إلى الدرجة التي يكفي معها لينقلونا من جحيم التخلف إلى جنة الازدهار والتقدم والحداثة أن يقرأوا الرواية ويتخلصوا بها من الزيف الذي يتخبطون فيه نتيجة فساد محيطهم من الوزراء والمستشارين وكل الهيئات الحكومية والسياسية والمدنية, الكل أشرار ما عدا الحاكم, فهو صالح وطيب وخير لكنه جاهل وساذج وغبي وكل هذا يزول عنه لو قرأ الرواية, بحيث يصبح محل تقدير وإعجاب الآخرين في الخارج؟؟؟

يتحدث السيد الزاوي كما لو أنه هو هرم العلم والمعرفة والفن والباقي بمن فيهم الحكام لا يفقهون أي شيء, ثم يتقدم معلما للجميع وفي مقدمتهم الحكام العرب, ويقدم لنا دواء سحريا لمشاكلنا الحضارية المعقدة, هو مجرد قراءة حكامنا للروايات التي تكتب عن أوطانهم وشعوبهم ومجتمعاتهم, فينتهي كل إشكال ونرتفع إلى أعلى عليين, ونصبح في مصاف أرقى المجتمعات العصرية. تصوري هو أن الدكتور لم يجد ما يملأ به فراغ مقاله الأسبوعي, ففكر قليلا, ثم جاءت على باله هذه الخاطرة الساذجة حقا, فراح يدبج مقاله, وهو عبارة عن تكرار عدد قليل جدا من الجمل عشرات المرات, إن لم يكن أكثر حتى امتلأ الحيز الذي يكفي مساحة مقاله في جريدة الشروق, وانتهى الأمر. إن المسألة واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من الشرح, وقد كان على الجريدة الكبيرة أن تحترم مئات الآلاف من قرائها وتمتنع عن نشر مثل هذا الاستخفاف بالعقول وبالأذواق وتحمي قراءها الذين جعلوا منها الجريدة الأولى في بلدها من هذا العبث. أما السيد الزاوي فأقول له إذا كنت لا تعلم أن الحكام العرب وغير العرب يعرفون عن واقع بلدانهم أكثر بكثير مما يستطيع خيالك الروائي العبقري أن يتصوره, فتلك مصيبة, وإن كنت تعلم بذلك وتتظاهر بالعكس فالبلاء أعظم. ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ليست هناك تعليقات: