الأحد، 17 مايو 2009

البابا يغادر


انتهى حج البابا وزيارته

كانت آخر محطة له الناصرة، حيث أقام الصلوات، ودعا إلى التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، ونسي أنه داخل الكيان الصهيوني الذي أقامه الغرب المسيحي بمباركة الكنيسة، هذا الكيان العدواني، الذي لا يمر عليه يوم، منذ واحد وستين عاما، دون أن يقتل ويدمر ويعتقل، وغير ذلك من فنون العدوان لديه، الذي لم يسلم منها حتى الشجر والحجر، لقد صرح البابا في عمان أنه إنما جاء إلى المنطقة لزيارة هذا الكيان، وما تلا ذلك من مباركته له، ومن تجاهل تام لمماساته الخطيرة المبيدة والمدمرة، ثم بعد ذلك لسبب غير معروف راح يذكر غزة واللاجئين والدولتين إلخ... أي تعايش سلمي يتحدث عنه البابا؟ وأي تناقضات صارخة هذه التي طبعت زيارته وحجه؟ أفي هذه الأماكن المسيحية والإسلامية المقدسة، وفي أرض الرسالات، يتصرف رئيس الفاتكان, والكنيسة الكاثولوكية بهذا الشكل؟ ويصرح مثل هذه التصريحات المتناقضة المتهاونة في حق الإنسانية المعذبة في فلسطين المحتلة؟ شيء غريب حقا، نعم لقد تعودنا على مثل هذه المواقف المتناقضة من الغرب الرافع لشعارات الإنسانية وحقوق الإنسان ...إلى آخر القائمة الكاذبة المنافقة، أما أن يتصرف رجل الدين الأول بنفس الطريقة، بل بأضل منها، فهذا أمر يثير العجب كل العجب، ويحز في النفس بسبب التدهور الإنساني الخطير, الذي وقع فيه الغرب صاحب الحضارة الكونية المعاصرة, والمتحكم بسبب ذلك في رقاب الناس أجمعين، بل في مصير البشرية المعاصرة قاطبة. ماذا يعني البابا بالتعايش؟ إن كان يعني المسيحيين العرب, فهم في الهم سواء مع مواطنيهم المسلمين, يعانون ويلات التحالف الغربي الصهيوني؟ أما إذا كان يقصد كل المسيحيين في العالم, فإن معظمهم في الغرب, حيث تحاك المؤامرات وتوضع المخططات للتسلط على المسلمين والتنكيل بهم, بمباركة الكنيسة ومساهمتها. لمن يوجه إذن قداسته هذا الكلام؟ هل يريد إيهام الضحية بأنه بريء مما لحق بها من بطش؟ وهل يمكن إخفاء الحقيقة عمن يكابدها في كل لحظات أيامه ولياليه منذ أن أبصرت عيناه النور؟ مثل هذا الكلام الموهم المبهم, يصدر كثيرا عن ساسة الغرب, أما أن يكون البابا مثلهم في أقواله وحتى أفعاله, فهذه كارثة حقيقية. كان على البابا وهو يحج أن يتخلص من مشاعر الكراهية والحقد والعدوان، ويتوجه إلى خالقه صافي السريرة نقي الضمير, أما أن يصر على مؤازرة الممارسات الاستعمارية والصهيونية, فإنه أمر فظيع من زعيم ديني كبير, بل أول على مستوى العالم المسيحي وغير المسيحي, حيث الأقليات في كل البلدان الأخرى على نطاق عالمي, فلا بلد يخلو من أقلية صغيرة أو كبيرة الحجم من المسيحيين, زعيم بهذا المستوى, وأي زعيم إنه رئيس دولة الفاتكان الدينية المسيحية, ورئيس الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم برمته. إلى من يلجأ المظلوم لينصفه ويغيثه؟ وإلى من يفر المقهور المعذب فوق هذه الأرض؟ إلى أين يولي المستضعفون في الأرض وجوههم طلبا للرحمة والشفقة والنجدة يا صاحب القداسة؟ إذا كنت أنت نفسك تقف علنا في صف معذبيهم فوق هذه الأرض البائسة؟ لكن ما الفائدة من اللوم, وقد حسمت الأمر بانضمامك المعلن لصف الجبابرة الطغاة البغاة؟ إنها مأساة عالم اليوم, الذي تفشى فيه الظلم والفساد والاستبداد, الذي يمارسه الغرب المتزعم للعالم بكل مكوناته, بمن في ذلك الكنيسة أو المؤسسة الدينية, التي كان من المفروض فيها, أن تحمل مشعل الحق والصدق والهداية. لقد أعطى البابا دولة شفهية للفلسطينيين, وهو يدرك في قرارة نفسه أنه مجرد كلام اقتضته المناسبة ولا طائل من ورائه, لكنه أراد أن يأخذ منهم المقاومة وينتزعها انتزاعا, عندما دعاهم لنبذ إغراء العنف والإرهاب - كما قال - بمعنى أنه يدعو الفلسطينيين للاستسلام, ومن الذي يلتفت إليهم إن هم وضعوا أسلحتهم البسيطة التي يقلقون بها العدو, ويحافظون بها على بقاء قضيتهم حية بريئة من النسيان. مواقف البابا هذه تسير في غير الطريق الذي دعا إليه, فالتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين, يقتضي قاعدة صلبة من النيات الطيبة والأفعال البناءة, وليس المراوغات والمناورات التي لا تحترم المتلقي لها, ولا تستطيع -لتهافتها- إقناع أحد. ومهما يكن من أمر فإن على البابا أن يدرك تمام الإدراك أن المسلمين على أتم الاستعداد للشراكة النزيهة الإيجابية والمفيدة لكل الشركاء, وهم جاهزون للتعايش السلمي الحقيقي, لكنهم لا يقيمون النيات الصادرة بشأنهم إلا عندما تقترن بالأفعال القابلة للفحص والتقييم ومد جسور الثقة والتعاون في ظل تبادل المصالح والتعايش السلمي الحقيقي, وليس مجرد الكلام المراوغ المضلل.

ليست هناك تعليقات: