السبت، 2 مايو 2009

القدس عاصمة للثقافة

القدس عاصمة للثقافة العربية في نظر الزاوي

جريدة الشروق – أقلام الخميس – العدد 2598 – بتاريخ 30 أفريل 2009 – ص 19

كتب الزاوي في حلقته الأسبوعية بالشروق، في صفحة من أقلام الخميس، ضمن مشروع كتابه الأبيض عن الثقافة في الجزائر، تحت عنوان:

.. وتحتفل إسرائيل بالقدس عاصمة للثقافة العربية؟

خلاصة المقال احتفاء إسرائيل بالشعر والشعراء, وفرض الأمر الواقع في القدس، ومنع الاحتفالية عن الفلسطينيين والعرب، وتصادر مزيدا من الأرض والأملاك، وتهدم بيوت المقدسيين، وتنتخب اليمين المتطرف، وتوسع الحفريات حول المسجد الأقصى ومن تحته؛ وتدنيس الحرم وإهانته وتهيئته للاندثار، ويسمي الكاتب المسجد بالمسجد الحرام. يقول: "هكذا تحتفل إسرائيل بالقدس عاصمة للثقافة العربية فعل وفعل وفعل وفاعل.هذا عن الجانب الصهيوني، فماذا عن الجانب العربي من الاحتفال؟

العرب العاربة والمستعربة، يقول الزاوي، يحتفلون بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، بصرف الأموال على الحفلات، حفلات الراي والراب والروك والتكنو، كما يحتفلون بالمناسبة بالأنخاب وبالكلام الكثير والتنديد العظيم وبرفع الشعارات الكبيرة المنفوخة، مثل "القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية"، وغير ذلك، يقول: " وتضحك إسرائيل علينا كثيرا "، يقول: وحين يحاول العرب العاربة والمستعربة إقناع بعضهم بعضا بأن القدس عربية فكأن في هذا الأمر شكا". ثم يواصل، يحتفل العرب بالمناسبة بالرقص، ويذكر أنواعا كثيرة منه، ثم لأنهم رومانسيون، يحتفلون بالبكاء، وما يعبر عنه من مواويل وغيرها، يحتفلون بأموال تهدر، وكل هذا يقول: "تضييع مال وتضييع وقت". ثم يقترح بدائل عن الاحتفال ما دامت إسرائيل قد منعته، مثل القيام بتظاهرات ثقافية تحسيسية في بلدان أجنبية، قصد التعريف بالقضية الفلسطينية، وجلب التعاطف معها، يقول بعد أن يذكر تفاصيل لاقتراحه: " لو فعلوا هذا لكانت الاحتفالية أعظم وأكبر وأنفع وأشرف ".

التعليق:

القصد من هذه المتابعة، هو رصد مسار هذا الموضوع البالغ الأهمية، لا سيما أن صاحبه يدرجه تحت عنوان كبير، هو كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر، ثم البداية غير الموضوعية التي انطلق منها، بنقد بل بانتقاد كل ما هو عربية أو معرب أو عربي، إلى درجة تفوح بالكراهية والتعصب والتعسف، وفي ذات الوقت تمجيد كل ما هو متفرنس إلى درجة الانبهار والتحيز والاستلاب، لذلك فإن هذا المسار المؤسف، ينبغي أن يوضع تحت المجهر، في محاولة للتنبيه إلى الفلتان الواقع على الساحة الثقافية الوطنية، والمساهمة قدر المستطاع في إعادة الانضباط الضروري لهذا المجال الاستراتيجي الحساس. إن حرية التعبير لا تعني أبدا إطلاق الأيدي لممارسة الإساءة المجانية التي لا تخدم أي قضية، لا سيما عندما تكون تجنيا وعارية عن الموضوعية، وعلى أي حال فإن حق الدفاع عن النفس لا مفر منه ولا أحد يستطيع شطبه.

أما ما كتبه الدكتور الزاوي في هذا المقال، والذي يثمن منع إسرائيل للاحتفالية، وعبثية ما يقوم به العرب في هذه المناسبة، ففيه الكثير من الحق، لكن هناك ملاحظات عليه، منها أن هذا الطرح معروف، يمارسه عامة الناس، في إطار مكابدة عقدة النقص الحضارية، ومذلة المغلوب، وما اصطلح عليه بجلد الذات، إلى جانب أن الكاتب انزلق – فيما يبدو – كما فعل في الحلقة الماضية، من الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر، إلى نقد الثقافة العربية أو انتقادها، لا لأن الجزائر غير معنية بالاحتفالية كونها عربية، وتساهم في ميزانية المناسبة، وهي مشاركة في مسؤولية الأداء العبثي لهذا الموضوع، كل هذا صحيح، لكنه ليس لب القضية التي هي نقد الثقافة أو الممارسة الثقافية الرسمية في الجزائر، أم ترى الدكتور قد استنفذ بسرعة مواطن النقد لما هو وطني من الثقافة فاضطر إلى توسيع الرقعة إلى كل ما هو عربي منها، في هذه الحالة عليه أن يغير عنوان مشروع كتابه، لينسجم مع موضوعه الجديد.

إن من يتصدى لنقد الثقافة، بل يتجاوز ذلك إلى نقد سياسة الثقافة في بلد ما، لأن مشروع كتاب أبيض يحمل المعنى السياسي، عليه أن يتناول أشياء إستراتيجية، تتجاوز هذه المظاهر التي تتناولها العامة، كما سبقت الإشارة، إذ أن نقد الإستراتيجية، وبالتالي تقديم البديل، يتطلب تحليلا معمقا للواقع بمنهجية علمية صارمة، وبمعطيات دقيقة وواضحة، حيث إن المظاهر في متناول جميع الناس ولا تصلح لأن تكون موضوعا لكتاب أبيض أو أسود. وحتى الانطباعات العابرة والمرتبطة بالأحداث الراهنة، ومهما كانت درجة ثقافة صاحبها، لا يمكن أن تكون مادة لنقد سياسة الثقافة وإستراتيجيتها، وإنما يتعين على المتصدي لهذه المهمة الخطيرة أن يعمد إلى ضبط جانب نظري ضروري بالاستناد إلى أحدث ما توصل إليه البحث العلمي في هذا المجال، مما يؤدي إلى مساهمة جادة بتقديم خلاصة مفيدة لمنهجية البحث في هذه المسألة، وقد يحتاج إلى وضع هذه المنهجية العلمية العالمية في صيغة مناسبة تنسجم مع الظاهرة الثقافية محل البحث، وهو الأمر الذي قد يدفعه إلى إجراء بعد التحويرات المنهجية، قد تبلغ مستوى الاكتشاف والإبداع والإضافة، ومن ثم يلج باب العالمية بكل جدارة، وهذه فائدة عظيمة شخصية ووطنية وعالمية.

ومن الناحية الموضوعية أيضا هناك بعض الهفوات في المقال، مما يدل على أن صاحبه يرتجل ارتجالا، منها قوله عن المسجد الأقصى المبارك " المسجد الحرام "، وهو خطأ لا تقع فيه العامة، فكيف بمتصد لنقد إستراتيجية الثقافة الوطنية؟ بالإضافة إلى أن مثل هذه الهفوة ذات مدلول عميق عن الخلفية التي ينطلق منها صاحب مشروع الكتاب الأبيض.

نحن مع الدكتور عندما يقارن بين السلوك الصهيوني ومثيله العربي، هذا أمر ضروري على كل المستويات، لكن ما قدمه لنا صاحب المقال معروف ومتداول عند عامة الناس وخاصتهم، ولا يشير البتة إلى مجهود مبذول ولا يبرر الادعاء بالطرح العلمي للسياسة الثقافية وإستراتيجيتها لدى الجانبين، لقد كان على صاحبنا أن يذهب بعيدا، ويقدم لنا الجديد، مما يمكن وضعه في لائحة الاكتشاف والإبداع الثقافي والعلمي، وهنا تكمن مشروعية القيام بوضع كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر أو الثقافة العربية، لا يهم هذا كثيرا، لما يوجد من تداخل طبيعي بين الجزء والكل، لكن لا بد من تحديد الموضوع ، بأن يكون الجزء أو الكل هو المعني بالبحث، ثم التصدي الموضوعي والعلمي للدراسة، وما دون ذلك هو تكديس للكلام المعاد، ولا طائل من ورائه، فالثقافة قبل كل شيء إبداع، ومن ينتمي إليها مبدع بالضرورة، وهذا هو الحد الفاصل في القضية، أما من يتصدى لنقد إستراتيجية الثقافة، فهو مطالب بإبداع من نوع خاص، قد يدعى الإبداع الأسمى، لأنه يتصدى لنقد الإستراتيجية، التي تتطلب نقد الإبداع ذاته، ولذلك يتعين أن يكون نوعا رفيعا من الإبداع. ولا تفوتنا الإشارة إلى بعض الهفوات اللغوية أو النحوية فهي واضحة في المقال، وهو أمر غير مقبول على هذا المستوى من الممارسة الثقافية، التي تُشرّح الإستراتيجية، وتشخص عيوبها، وتضع البدائل، وما إلى ذلك، إنه لا يمكن غض الطرف عن الجانب اللغوي في هذا المستوى، لا سيما أن صاحب المشروع كاتب مبدع، فعليه أن ينتبه إلى ما يكتب ويدقق مراجعاته له، وإذا لزم الأمر فليكلف من يراجع له ما يخطه لمراقبة الجانب اللغوي منه، فلا ينبغي لمن ينقد الثقافة أن يمارس الفلتان الثقافي الذي يحاول القضاء عليه، وتجدر الإشارات إلى أن هذه الملاحظة تنسحب على مجموع المقالات التي كتبها السيد الزاوي لحد الآن، فمن أراد التفاصيل فليعد إلى تلك المقالات في أقلام الخميس لدى الشروق.

ليست هناك تعليقات: