الجمعة، 8 مايو 2009

مقال الزاوي

نقد مقال الزاوي الأسبوعي

كتب الزاوي اليوم مقاله الأسبوعي في الشروق

تحت عنوان: الروائيات العربيات يستعدن لسان شهرزاد

الشروق- الخميس 07 ماي 2009/ الموافق لـ 12 جمادى الأولى 1430هـ/العدد 2604/

ص19



الملفت للانتباه هو أن عنوان الكتاب الأبيض قد اختفى, وظهر الموضوع تحت تسمية جديدة هي "أقواس", هكذا دون شرح, ربما يكون الكاتب قد تخلى عن مشروع الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر, التي كانت الحلقات السابقة تصدر باسمه, أو أن مقال اليوم جملة معترضة, ثم تعود حلقات الكتاب من جديد, أو أن ذلك المشروع كان يترجم عن طموح سياسي تبخر مع بقاء الحكومة القديمة, دون تغيير, بعد الانتخابات الرئاسية, على أي حال, هذه مجرد تخمينات سببها غموض الموقف, وكأن القارئ لا شأن له بالتغييرات الواقعة, لاسيما وقد كان يمني نفسه بالاطلاع الشافي الكافي على حقائق الثقافة الجزائرية كاملة. كما في عنوان المقال, يصف الدكتور المرأة العربية بكونها مرتبطة بما أسماه ثقافة الحكي, حيث براعتها وتميزها, وملاذها الحصين، فيه تحتمي من بطش الرجل وإليه تفر عندما تشعر بخطر مامصدره الرجل، أو كما قال: "إليها تهرب من كل حصار أو قمع أو سلطة ذكورية فاقدة لفحولتها". وهكذا تستعيد المرأة العربية مملكتها بقوة, حيث صدر لها "سيل" من الروايات, في مختلف أركان بلاد العرب, ومع هذه المملكة, تستعيد اللغة, ثم يقرر أن الحكاية هي سبيل المرأة إلى التحرر, والرجل ذاته كان يعتقد أن الحكي شأن المرأة, أما هو فشأنه الدين والحرب والسلطة, حيث يريد الهيمنة, وفي مقدتها السرير, فالسرير رمزيا, هو أكبر ساحات الحرب بين المرأة والرجل, حيث تهيمن المرأة بأقوى سلاح لها, وهو الحكاية, "وبالتالي الهيمنة على رجل بفحولة غير حضارية". والآن تعود هذه الحرب "حرب الحكاية والحرب حول الحكاية تشتد وتعود إلى الساحة العربية التخييلية". المرأة تستعيد "مملكتها الضائعة", تستعيد الروائيات العربيات "أندلس الحكاية", التي أسستها المرأة, ثم يشيد بجرأة الروائية العربية المعاصرة, ويذكر أمثلة كثيرة في طليعتها ثلاثية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد- فوضى الحواس- عابر سرير). تستعيد المرأة سلطة الكلام و"تريد تحرير مملكة الحكي من الرجل المستعمر وهو الذي كان يقول دائما الحكي,شغل النساء. بفضل المرأة المبدعة, تحقق الكثير للثقافة والأدب العربيين, "أولها دخول الرواية العربية تجريب الجرأة المفتوحة على فتنة الجسد وأسرار الليل". جرأة كانت غائبة – تقريبا – "في الكتابة الذكورية المتلبسة بخطابات أخلاقية كاذبة", ثم يحصي النصوص الصادرة عن النساء العربيات في العشرية الأخيرة بحوالي مائة رواية, تريد المرأة من خلالها "أن تستعيد سلطتها على السرير وتستعيد مملكة شهرزاد كسلاح معاصر وحداثي ضد الموت الشهرياري الراهن". فضحت هذه الكتابات النسائية المجتمعات العربية والإسلامية "دون خوف أو تردد", "فضحا شاملا"حيث إن هذه المجتمعات " تتستر في غلالة من النفاق الأخلاقي والديني والسياسي", هادفة إلى "إعادة التوازن للمجتمع وإدانة انتهاك إنسانية المرأة الممارس بصيغ وتبريرات متعددة". أعادت هذه الكتابات كذلك " للرواية سلطة القراءة ", بعد مقاطعة القارئ العربي لها, فالرواية النسوية في المعارض العربية هي الأكثر طلبا, وهي أيضا الأكثر تعرضا للرقابة والمنع, ثم يذهب الكاتب إلى أن الروائيات السعوديات هن الأكثر جرأة, وهي "ظاهرة جديدة في الأدب العربي تتمثل في بروز صوت أدبي خليجي جارح". ربما يكون لتكنولوجيات الاتصال دور في الموضوع, حيث اطلعت المرأة على الواقع العالمي, مما جعل وعيها بمحيطها يرقى " وبالتالي تعود إلى الرواية مستنكرة مجتمعا فاسدا ورجلا أنانيا وثقافة منافقة". هذه الروايات الجريئة والمتعددة هي رسالة – في نظر الكاتب – لإرادة التغيير في المجتمع, ويكون للنساء فيه بالأدب والرواية مساهمة معتبرة "في التغيير والانقلاب الاجتماعي والسياسي والثقافي". يقول الكاتب أن هذا الوضع يذكره بالتجربة المجرية في مقاومة الدكتاتورية الشيوعية, قبل انهيار الاتحاد السوفيتي عن طريق أعمال أدبية مناضلة ورائدة, ثم يختم بتساؤل عن إعادة توازن المجتمع العربي, "بعودة التوازن إلى السرير الذي عليه قامت الحروب وعليه نفذت الاغتيالات وعليه بدأت المرأة فتنة الحكاية؟".

صراحة يصعب تناول كل هذا المزيج من كل شيء, من الانطلاقة غير المتوقعة, والتحول المفاجئ من انتقاد الثقافة الجزائرية إلى مدح الرواية النسائية العربية بما فيها الجزائرية, هذا المدح الذي بلغ درجة غير متوقعة أيضا, ما دام حكم الدكتور قد صدر في مرات سابقة على أن الإنتاج الثقافي بالعربية في الجزائر, وفي مرة لاحقة لدى العرب جميعا رديء, في حين أن نظيره بالفرنسية في الجزائر بالطبع, يتربع على عرش الجودة والمعاصرة, ثم يفاجئنا اليوم بأن الرواية النسائية ممتازة, بل تمثل مقدمة لثورة اجتماعية جذرية في المجتمع العربي برمته, بقيادة روائيات عربيات, والمسألة كلها تتلخص في السرير الذي استعادت المرأة سلطتها عليه عن طريق الحكي أو الرواية, وبذلك تكون قد استعادت مملكة شهرزاد التي أضاعتها مطولا؟ ما هي سلطة السرير هذه ومملكة الحكي؟ لم نعرف عنهما شيئا في المقال المكرس لهما, فالعنوان يوحي بتطور أدبي روائي حاصل على الساحة العربية بفضل النساء المبدعات أو الروائيات كما قال الدكتور, لكن المسألة كلها تسبح في سديم معتم لا يكاد المرء يتبين منه شيئا, فلا أحد قال بأن "ألف ليلة وليلة" عمل نسائي, وأن "شهرزاد" هي امرأة حقيقية وليست شخصية خيالية روائية, بل يتفق كل الناس على أن الكتاب الشهير من تأليف رجل أو عدة رجال, وهناك من يذهب إلى أن تلك الرائعة التي تدور أحداثها – خاصة – في العراق وسوريا ومصر, قد وقع تأليفها على مراحل, ووقعت فيها إضافات في هذه الأقطار الثلاث, وفي غيرها مثل فارس والهند, ومن قائل بأن أصلها فارسي أو هندي بدليل وجود أشياء من تلك البلدان فيها, وقد تكون هناك مساهمات فيها من هذين البلدين وغيرهما, فماذا يستعيد نساء اليوم حقا من تلك السلطة الخيالية الحكواتية؟ التي وضعها رجل أو عدة رجال في زمن غابر, تهيأت فيه ظروف حضارية وثقافية, سمحت بإنجاز الروائع في الأدب وفي غير الأدب؟ أم أن الدكتور الزاوي يستعمل هذا العمل التراثي كأداة تعبير عن الوضع النسائي والاجتماعي الراهن؟ كان عليه في هذه الحالة أن يصرح بذلك, حتى لا يلتبس الأمر على القارئ, ولا يظن أن مؤلف ألف ليلة وليلة امرأة, وأن النساء في ذلك الوقت كن متحررات, يتمتعن بحقوقهن كاملة, ويعشن مساواة شاملة مع الرجال, ثم جاء زمان الانحطاط المتبوع بالاستعمار ثم بسلاطين مستبدين, وقد شرعن الآن عن طريق الطلائع من الروائيات في الانبعاث والنهضة والرقي مجددا, هذا إذا صح أن الرواية العربية النسائية لها كل هذه الأهمية؟ أو أن العمل الأدبي يمكن أن يكون – وحده – سببا كافيا للثورة والتحرر؟ إن هذه مبالغات بعيدة عن الإقناع المنطقي الحاسم, ويبدو أنها مرتجلة ومجرد خواطر عابرة, وكان لا بد منها لسبب من الأسباب, بقطع النظر عن شكلها ومضمونها, لقد كان على الكاتب أن يسجل معطيات فنية نقدية روائية كافية, وكان من الأفيد والأجود أن يتناول نموذجا معينا من هذا الإبداع ويتعمق في تحليله, وربما مقارنته بغيره من الإبداع الروائي العالمي الراقي, حتى يستفيد القارئ فائدة فنية حقيقية, يمكن أن يضيفها إلى رصيده المعرفي والذوقي الأدبي, أما أن نسوق أخبارا هكذا, دون تناولها بالدراسة والتحليل والنقد, فهو أمر لا طائل من ورائه, ولا كبير فائدة ترجى منه. وهكذا فلا الازدهار الأدبي كان بما يفهم من المقال في ماضي الأمة لدى النساء, ولا النهضة الحالية وقع تشخيصها وتقويمها بما يقدم صورة عنها واضحة ومرجعية, وقد حاولت تقصي الأمر في بعض المراجع, فوجدت بعض الإحصائيات عن شاعرات, بلغن حوالي أربعين في الجاهلية, منهن أسماء معروفة: كالخنساء ورابعة العدوية وسكينة بنت عرف, وهناك ربما عددا أكثر في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية, منهن شهيرات: ليلى العامرية وولادة بنت المستكفي،,وليلى الأخيلية, كما تذكر المصادر عن العصر الحديث, حوالي مائتين وخمسين ربما بين أديبة وشاعرة: كنازك الملائكة وعائشة التيمورية ولميعة عباس عمارة وسلمى عريض وسعاد الصباح وفدوى طوقان ووردة اليازجي. ويذكر الدكتور الزاوي كثيرات من الروائيات العربيات المعاصرات, وبعض رواياتهن الشهيرة. أما عن واقعة السرير والجرأة ونفاق الأدباء الرجال وعدم جرأتهم ومراعاتهم لأخلاق كاذبة, إلى غير هذا من كيل التهم المجانية للرجل عموما وللأديب خصوصا, فهذا هو الجانب الأكثر غموضا وبعدا عن الإقناع في هذا المقال, فهل الأدب الحقيقي هو الذي لا يراعي مشاعر الناس؟ وهل أن الأخلاقيات المجتمعية في الخطاب الروائي واجبة الانتهاك, ليكون الأدب راقيا؟ وهل الموضوع, حتى ولو كان هو السرير , هو الذي يعطي للحكاية أو الرواية شهادة الإبداع؟ أم أن الشكل هو الأمر الحاسم في التعبير الروائي, أي كان موضوعه؟ ثم ما المعيار في هذا السياق؟ هل هو مثلا الرواية الغربية الأمريكية والأوروبية؟ نعم إن الرواية الغربية تصلح لا جدال في ذلك معيارا من الناحية الشكلية الفنية, لكنها لا تصلح بتاتا أن تكون معيارا للموضوع, ذلك أن الحديث عن السرير عندهم أمر عادي, بينما هو عندنا ليس بالعادي أبدا, ولا يمكن أن يكون رمزا للرقي, كما يريد الدكتور أن يفهمنا, فالمسألة هنا تعود إلى خصوصيات اجتماعية لا سبيل إلى القفز عليها, ولا مبرر لذلك إطلاقا. هذا من حيث الرقي الأدبي, والأمر ذاته عن تحرر المرأة عموما, قد نتفق على أنه لا أحد يمكن أن يحرر المرأة غير المرأة, وهذا التحرر إنما يكون من خلال ممارسات عملية واقعية, من بينها الممارسات الأدبية والروائية, لكن على أساس رقي التعبير, وليس على أساس موضوع السرير, على أهميته في التوازن النفسي والاجتماعي, لكن المجتمع يجعله أمرا حميميا خاصا, ولا داعي للبوح بملابساته وأسراره الشخصية البحتة؟ أليس من الحرية حماية الخصوصيات؟ إنه أمر لا علاقة له بالجرأة والعبقرية والحرية إطلاقا, حتى لو سلمنا جدلا بأن يحكي بعض الناس عن أسرّتهم, إن كانت لهم أسرة حقا. إن إعطاء مسألة الجنس الجوهرية كل هذا التأثير لشيء يثير الاستغراب, فلم نسمع إطلاقا – في مجال السياسة – أن السرير كان سببا في حروب واغتيالات وما إلى ذلك من الجرائم السياسية الشنيعة, بالرغم من أن التحليل النفسي قد يذهب إلى هذا, لكنه يبقى افتراضيا, وليس من المسلم به أن يكون السلوك كله دافعه الجنس, ومهما كان من أمر, فإن هذه المسألة غير محسومة علميا, وبالتالي لا يمكننا أن نتخذ منها معيارا جادا لتأويل السلوك الفردي والاجتماعي خاصة، بالرغم من اعترافنا – بالضرورة- بما لها من دور قد يكون كبيرا أو صغيرا في السلوك, إلا أن ذلك لا زال بعيدا عن الموضوعية العلمية الملزمة, لذلك لا يجب أن نذهب بعيدا في نقد وتحطيم عاداتنا وتقاليدنا في هذا الجانب الذي يبقى حساسا مجانا, لا لشيء إلا لأن الغرب المتحضر يفعل ذلك, لا ليس من المقبول ولا من المعقول أن يكون للغرب واجب الاقتداء عندنا إلا فيما هو عام, أي فيما هو علمي وتكنولوجي, ومن ذلك قواعد الفن الروائي, أم موضوعاته المفضلة, فذلك من خصوصياتنا, وحتى في الغرب فإن مسائل السرير هذه تبقى محدودة, وذلك مثل المنشورات والأفلام الجنسية, وما إلى ذلك مما يعرف بالإباحية, والتي ليست مقياسا للتحرر ولا للتطور عندهم أيضا, وإنما هي مباحة, لمن يريد. إن المثل الحي لتحرر المرأة العربية المعاصرة, هو بامتياز المثل الجزائري, وهو مثل لا من الرواية ولا من السرير, وإنما من الثورة, من الكفاح المسلح, لقد استطاعت المرأة عن طريق المشاركة الفاعلة في الكفاح أن تنتزع حريتها, وتفرض على المجتمع تغيير نظرته إليها جذريا, وتطيح بكل القيود التي كانت تكبلها, وذلك من خلا ل تغيير اجتماعي عميق وقهري, إذ أن الذي تغير هو المجتمع ذاته بقيمه وبعاداته وتقاليده, تحت ضغط الثورة القاهر, وهكذا فإن المرأة التي حملت السلاح أو اضطلعت بمهمة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو عسكرية في سياق الكفاح المسلح, تكون قد حطمت كل القيود التي كانت مفروضة عليها كامرأة, وصارت مناضلة ومسبلة وفدائية ومجندة, وغير ذلك من المهمات الثورية, لقد أصبحت مجاهدة ولا أحد له سلطة عليها بصفته رجلا, بل هي التي قد تفرض عليه تعليماتها كمقاتلة وثائرة في سبيل الحرية, وليس لأنها امرأة, وينبغي أن نشير هنا إلى أن المرأة الجزائرية قد فقدت الكثير من حريتها, التي اكتسبتها بفضل مساهمتها في الثورة, وذلك لأن الثورة قد وقع اغتيالها, حسب تعبير أحدهم, وما أن جاء الاستقلال, حتى وجدت المرأة نفسها, في ظروف اجتماعية تقليدية, لم يبق منها من التغيير الثوري سوى ظلال باهتة, لكنها كانت تضمن – رغم ذلك - فضاء مهما للتحرر, بما أتاحته من فرص التعليم خاصة, مما جعل المرأة تتفوق في العدد بكثير عن الرجل, في مقاعد الدراسة, وبالتالي في الوظيفة, خاصة في قطاعا معينة, مثل التعليم والصحة, والسبب هو أن البنت تناضل من أجل التحرر عن طريق الفرصة الاجتماعية المتاحة لها, وهي التعليم, بينما الولد يلهو في الشارع, الذي يمكن له ارتياده بحرية تامة, وبالتالي يضيع وقته فيه, ويهمل دراسته, فيكون مصيره التسرب المدرسي والفشل والبطالة. إن القضية قضية المرأة, وعليها أن تقوم بواجبها نحو نفسها, وذلك من خلال قيامها بمهمة في المجتمع تحتم تحررها, بنفس الدرجة التي تساهم فيها في تغيير المجتمع وترقيته, فلا أحد يمنع الطبيبة أو المهندسة أو الصحافية من الخروج أو التصرف بحرية تامة في إطار الضوابط الاجتماعية المفروضة بطبعها على الجميع, باعتبارهم ينتمون إلى مجتمع معين, وهم يفعلون ذلك عن قناعة, أو ربما عن ميول والتزام لا يتطرق إليه الشك أو التردد, باعتبار أن تلك القواعد الاجتماعية ضرورية للحياة السليمة في مجتمع معين, وفي إطاره يمكنهم أن يمارسوا كل الطموح اللازم لبناء مجتمع معاصر من النواحي الواجبة العصرنة, أي فيما هو عام, والمتفق عليه في هذا المجال هو العلم والتكنولوجية, أما ماعدا ذلك فأوربا ذاتها رفضت المس بخصوصياتها, عندما أرادت الهيمنة الأمريكية أن تمحو كل شيء في العالم عدا ما هو أمريكي, بما في ذلك اللغة والثقافة والتقاليد, وذلك باسم العولمة, أو وهم العولمة, التي أرادت "البوشية" أن تفرضه بقوة الحديد والنار, لتحول العالم إلى إمبراطورية أمريكية فقط, إن المجتمع بدون خصوصياته المتطورة بطريقتها الخاصة, لا يمكن أن يستمر في الوجود, وهذا هو معنى العولمة المستحيل التجسيد, أو ما كنا قد عرفناه في تاريخنا بالاندماج, ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن المجتمعات العربية الإسلامية بخير, وخصوصياتها سليمة معافية, فلو كانت كذلك لما وصفت بالتخلف, ولما عانت الهوان والذل والسيطرة الاستعمارية القديمة والجديدة, والإرهاب الصهيوني المجرم, غير أن العالمية المطلوبة وليس العولمة, لا يمكن لأي كان في الشرق أو في الغرب أن يصل إليها في الرواية وفي غيرها, إلا عن طريق ترقية خصوصياته, لتصل إلى مستوى العالمية, التي تنتزع الاعتراف بها انتزاعا, وتساهم – بجدارة - في ترقية الإنسانية جمعاء في مجال معين, أو في جميع المجالات, عندما يبلغ المجتمع برمته مرحلة الرقي والحضارة المعاصرة بالطبع, لكن بخصوصياته وعن طريقها, واستيعاب أيضا ما هو عام متفق عليه بين جميع البشر والمجتمعات, مثل العلم والتكنولوجية كمعرفة, أما كاستعمال فمسألة أخرى. يبقى أن أشير إلا أن نقدي هذا, يتناول المحتوى, لأن الشكل يخص أهل الاختصاص, من نقاد الرواية, لكن مثل هذا الشكل, أو نظرية الرواية, غائبة تماما في مقال الدكتور الزاوي, مما يعني أن الأمر يتعلق بانطباعات عامة, اعتمد فيها صاحبها على مخزون الذاكرة, ولم يكلف نفسه عناء البحث, ليقدم للقارئ شيئا من الإضافة الفنية النظرية في مجال الرواية, حتى يستفيد وينمي معارفه في هذا الشأن الهام, وقد يكون صاحب المقال قد بلغ درجة من الاعتداد بالنفس, تجعله يعتقد في أن كل ما يصدر عنه أدبا وفنا وعلما في هذا الباب, وربما في غيره, فالمسألة حينئذ فيها نظر, ولا أظن أن فائدة ما ترجى منها, وليس هذا هو المطلوب من المشاهير وحتى العباقرة, الذين لا يسمحون لأنفسهم بالخروج على الناس إلا بما ينفع ويضيف أفضل الإضافات, التي يعجز عنها غيرهم.

ليست هناك تعليقات: