الاثنين، 13 أبريل 2009

الاندماجيوون الجدد

حرق المحروق على صفحات الشروق

تطلع علينا جريدة الشروق الغراء صباح كل خميس بباقة من المقالات الهامة عادة, وقد انضم مؤخرا إلى المجموعة الدكتور الزاوي, بعد إقالته من المكتبة الوطنية, لينشر مشروع " كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", ويتضح من العنوان ومن المحتوى خاصة أن الدكتور جاء منتقما بعد إقصائه من منصبه, أو أنه ينطق باسم جهة معادية للهوية الجزائرية العربية الأمازيغية المسلمة, ذلك أنه شرع فيما هو بصدده بنعي اللغة العربية,ويقول إنه حزين على ذلك, ثم انتقل إلى مهاجمة المعربين بوصفهم بالذل والهوان وأوصاف كثيرة بشعة, ثم رفع من شأن المفرنسين وجعلهم في قمة التقدم والعزة والسمو, وفي المقالة الأخيرة طلع علينا بادعاء أخطاء جسيمة وقع فيها مالك حداد حينما قال قولته الشهيرة " اللغة الفرنسية منفاي ", وقرر أن يخرج من منفاه ما دامت الجزائر قد استقلت, واتخذ قراره الشهير باعتزال الكتابة لكونه لا يعرف غير الفرنسية, ثم من يقول عنهم الزاوي أنهم أساتذته أمثال الدكتور/ عبد الله الركيبي,وأظن الدكتور/ عبد المالك مرتاض, هؤلاء أخطأوا في تنبئهم بموت الكتابة باللغة الفرنسية في الجزائر, بدليل الازدهار المطرد الذي تسجله باستمرار, وقد استدل على ذلك بمجموعة من الكتاب المتأخرين بلغة فرنسا, من أمثال ياسمينة خضرا الذي يقول إن مبيعات كتبه من أعلى المبيعات عالميا! وليبرهن على أن المعربين لا يقرؤون يذكر أنه ترجم إحدى روايات يا سمينة هذا وبقيت مكدسة, بينما الطبعات المفرنسة تلقى رواجا كبيرا, وهذا أمر صحيح , لكنه حق أريد به باطل في سياق الاندماجية الجديدة الشديدة الغرابة, ومن بين المعجزات المفرنسة التي يعرضها صاحبنا هي عثوره على فتاة في السابعة عشرة من العمر في معرض الكتاب الدولي الفارط في الجزائر, كانت فيما يبدو تعرض كتابها في جناح دار النشر التي قامت بنشر رواية لها باللغة الفرنسية, وبرهان آخر يسوقه في كون المعربين لا يقرؤون, هو أن روايات أمين معلوف بالفرنسية تلقى رواجا في الجزائر بينما ترجمتها إلى العربية تصادف كسادا تاما, والنتيجة التي ينتهي إليها هي أنه إذا لم يقع تدارك الأمر فإن الهوية الجزائرية مهددة بالشرخ وسوء المنقلب, أي بالانشطار إلى شطر معرب وآخر مفرنس, وقد سبق له, كما لم يتجرأ أي واحد من قبل أن يزعم (حتى الاستعمار ذاته على حد علمي) بأن هناك شعبان في الجزائر أحدهما معرب ذليل حقير محتقر إلى آخر السلسلة النابية من الكلمات الحاقدة التي أطلقها على هؤلاء البؤساء أصلا, يقول وهناك شعب مفرنس راقي عزيز شامخ إلى آخر الأوصاف التي رفع بها هذا الشعب الثاني إلى أعلى عليين, ولست أذكر بالضبط الألفاظ التي استعملها في الحالتين, لكنها من هذا القبيل. والخطير في الأمر هو زعم هذا الدكتور بوجود شعبين متمايزين في الجزائر, وما كنا لنعرف أي كان بلغ هذا الحد من التطاول على الحقائق الوطنية, لقد كنا نسمع أو نقرأ عن وجود نوعين من المثقفين معرب ومفرنس, أما وجود شعبين فهذا ما لم يزعمه أي زاعم على حد علمي. يبقى أن نقول لهذا السيد الذي لا نفهم دوافعه أن الاندماجيين القدامى فشلوا في مسعاهم بالرغم من وجود الاستعمار الغاشم على الساحة الوطنية وقتها, ومن أسباب فشلهم-بعد رفض الشعب الجزائري لشطحاتهم- رفض الاستعمار ذاته للمبدأ المستحيل في عرفه, فكيف يتساوى الأنديجان مع سيده ومولاه المحتل النوراني؟ مما جعل أولئك الضالين يصطدمون بصخرة الواقع ويراجعون حساباتهم, بل يتراجعون بعد مجزرة الثامن من ماي 1945الرهيبة, ويتوبون نهائيا عن ضلالاتهم, ويلتحقون بصفوف الثورة بعد اندلاعها, ويصل " فرحات عباس " بفضل ثقافته الفرنسية المتميزة وتكوينه السياسي الرفيع إلى مرتبة رئيس حكومة الثورة, ويترك بعد وفاته في عصر الاستقلال كتابه الشهير " ليل الاستعمار الفرنسي في الجزائر". أما عن معجزة بقاء الكتابة بالفرنسية فهذا أمر أكثر من العادي, بدليل أن بلدانا لا علاقة لها بالفضاء الفرانكوفوني من قريب أو من بعيد, يوجد فيها كتاب باللغة الفرنسية من شعراء وروائيين إلخ...أما عن الفتاة المعجزة التي ألفت رواية, فمن هن في سنها وأقل من بنات الأحياء القصديرية والأحياء البائسة والقرى والبوادي والأرياف هناك الألوف المِؤلفة من الفتيات اللواتي يكتبن بالعربية لكنهن, لا يجدن الناشر الذي يهتم بما يكتبن, ولا زاوي لهن يتغنى بأمجادهن, فيقعن في جب النسيان ولا أحد يعرف عنهن شيئا, ولو وجدن الفرصة المتاحة لبنات البورجوازية الصغيرة أو الكبيرة لبلغن عنان السماء. وللسيد الزاوي في سياق عرض أدلته على خلود الفرنسية في الجزائر, وعلى أن الشعب الجزائري مسرع الخطى في اتجاه تغيير هويته والاندماج, كما يفهم من السياق, يذكر أن الشباب الجزائري المعرب يحبذ الكلام بالفرنسية, ويعمل بعد تخرجه من الجامعات المعربة بالفرنسية إلخ... وكأنه وجد العمل بالعربية ورفضه! وللرد السريع على مثل هذا الكلام المتهافت نقول إن فرنسا سلمت بعد رحيلها إلى غير رجعة مقاليد الإدارة الجزائرية إلى أتباعها الذين أطلقت عليهم للتمويه إسم " القوة الثالثة ", وقد أعدت لهذا الأمر بإحكام, بحيث إن الدولة الجزائرية الناشئة لن تستطيع التخلص من هذه التركة المسمومة, لأنها لا تملك البديل ولا يجب أن تملكه إلى الأبد, حتى تقع في شرك الاستعمار الجديد أو حتى يعود القديم ذاته, فكان أن عملت هذه الإدارة على نشر التعليم بالفرنسية طيلة حوالي عقدين من الزمن, وهو ما لم تفعله فرنسا نفسها, طوال قرن وأكثر من ثلث القرن, لأنها لم تكن في يوم من الأيام تريد فرنسة الشعب الجزائري, بل كانت دوما تصر على تجهيله إلى الأبد, لقد أحكمت تلك الإدارة قبضتها وراحت تفرنس أجيال الاستقلال, ولم تنطلق المدرسة الأساسية المعربة إلا في عام 1979, بعد رحيل صاحبها الرئيس هواري بومدين, وبذلك ولدت ميتة, بل إن الجانب الأهم منها لم ير النور إطلاقا, حتى إذا بلغت طلائعها الأولى أبواب الجامعة, وتوقعنا أن التعريب سيدخل الجامعة حتما, بل إن الكتب الجامعية المعربة طبعت في سوريا الشقيقة, وهي البلد العربي الوحيد الذي عرب - بنجاح منقطع النظير - الدراسات الجامعية العلمية والتكنولوجية, وقد كان الحديث أيامها جار عن مشروع وحدة بين الجزائر وليبيا, لكن الإدارة العتيدة كانت للأمر العظيم بالمرصاد, وجاءت أحداث أكتوبر 1988, لتعصف بتعريب الجامعة وبالوحدة مع ليبيا في آن واحد, بل كادت أن تزيل من الوجود نهائيا حزب جبهة التحرير الوطني الذي وجهت إليه ضمنيا تهمة تدبير الجريمتين, وعلى الأخص جريمة نية تعريب الجامعة, أما الكتب التي طبعتها سوريا بسعر التكلفة, فقد تحدث شهود عيان عن رميها في المزابل بعد استيرادها من البلد الشقيق, ومن يقول العكس فليطلعنا على المكان التي حفظت فيه هذه الكتب القيمة الراقية, التي دفعت الخزينة العمومية ثمن إنجازها, نعم رميت تلك الكتب في المزابل, ولم يسمحوا بوضعها في المكتبات الجامعية ولا الوطنية ولا غيرها, لأنهم كانوا يستعملون عدم وجود الكتاب والأستاذ كحجة دامغة لمنع تعريب الفروع العلمية والتكنولوجية, ومن ثم فإن هذه الكتب يجب أن تعدم تماما, وقد فعلوا ذلك, بل الأدهى والأمر هو أن نخبة من الأساتذة السوريين قد جاءت في الدخول المدرسي حسب الاتفاق المعقود, وقد وقع اختيارهم على أساس الكفاءة العالية وإتقان اللغة الفرنسية, فما كان من المتآمرين إلا أن كلفوهم بالتدريس باللغة الفرنسية في مجالات تخصصهم في المعاهد والكليات العلمية والتكنولوجية. هذه هي الإدارة ببقاياها من الحرس القديم وبمحدثيها من الذين أعدتهم وورثتهم المهمة, هي التي أذلت المعرب واحتقرته واضطهدته حتى أصبح الزاوي يعتبره حقيرا بطبعه, واقعا -من فرط اندفاعه وحماسه - في أطروحات التمييز العنصري بشكل غريب دون أن يدري, وهي النظرة ذاتها التي كان يكيلها المستعمر الغاشم لمجموع الشعب الجزائري بمن فيه تلك الشريحة الضيقة جدا التي خلقها من البورجوازية الصغيرة لضرورات تتعلق بإحكام سيطرته على الأنديجان, وفي هذا الصدد هناك أمثال شعبية عبرت عن هذا الواقع تعبيرا بليغا, منها قولهم على لسان الاستعمار: "العربي عربي حتي ولو كان الكولونيل بن داود". إن الحديث طويل ولا يمكن أن نلم به في هذه العجالة, وحتى هذا التعريب الذي كان من نصيب أبناء الكادحين وحدهم بشكل أو بآخر, حتى بعد تعريب المدرسة, والكل يعرف المدارس الخاصة التي نشأت وانتشرت في السنوات الماضية, والتي وضعوا فيها أبناءهم ليتابعوا تعليمهم باللغة الفرنسية ووفقا للبرامج الرسمية الفرنسية, وقبلها تهريب الأبناء للدراسة في فرنسا وغيرها من البلدان الفرانكوفونية, أما الديبلوماسيون منهم فإنهم يضعون أبناءهم في مدارس البعثات الفرنسية حتى في أمريكا, نعم ليدرسوا بالفرنسية بالذات وليس غيرها من لغات العلم والتكنولوجيا, فلا إنكليزية ولا ألمانية ولا إسبانية, لا شيء غير الفرنسية, قلت هذا التعريب المشوه الهزيل ذاته, لم يكن من الممكن أن يعمم أبدا لولا قرار فرنسا بسحب متعاونيهاعام 1971 انتقاما للتأميمات الشهيرة للبترول والغاز والمناجم وغيرها, مما اضطر الإدارة العتيدة إلى التوجه إلى المصدر الوحيد للمعلمين وهو المشرق العربي, لكنها أبدا لم تسمح بترقية ذلك التعليم ولا لغته ولا أصحابه من الجزائريين والمشارقة الذين لاقوا كل العراقيل والاحتقار وقلة الاعتبار والمظالم. أما العباقرة الذين يتحدث عنهم السيد الزاوي وباللغتين لا بالفرنسية فقط كما يزعم, فهم لا يحتاجون لأحد ليأخذ بأيديهم, وفي الغالب فإن المقررات الدراسية لا تناسبهم, وقد كانت هناك محاولات متعددة لإنشاء نظام تربوي خاص بهم, غير أن الإدارة الموقرة منعنت ذلك المشروع الاستراتيجي من التجسيد وأصرت على ذلك بكل ما تملك, وهي تملك كل شيء. ولنتوقف هنا هذه المرة وحكايات الزاوي لا زالت متواصلة في محاولته اليائسة لحرق المعرب المحروق على صفحات الشروق. ومما يثير التساؤل حقا هو ذهابه للشروق للترويج للاندماج الجديد, ربما لكي يتهجم على المعرب المسكين في عقر داره بغية الإجهاز عليه نهائيا, فمن المفروض أن هذه الأفكار النورانية إنما تنشر في صحيفة من صحف الأنوار مثل ليبيرتي أو ما شابهها, غير أن ذلك ربما لا يؤدي مهمة تمهيد الطريق لإزالة المعرب نهائيا من الطريق, أو لأن الشروق هي الجريدة الأولى رواجا في الوطن, بالرغم من أن المعربين لا يقرؤون, أما الجرائد التنويرية فهي محدودة الأنتشار للغاية, بالرغم من أن المفرنسين يقرؤون كثيرا, أو لأن الهدف هو المعرب لتعقيده أكثر مما هو معقد تمهيدا لإبادته نهائيا, لكن هيهات ثم هيهات, إن المعرب بائس يائس كما قال الزاوي, لكنه ليس أكثر بؤسا من شعبه أيام الاستعمار الكالحة, وليصفه بالحقارة والانحطاط والعجز والجبن, وما إلى ذلك من شتائم الزاوي الغريبة, لكنه لن يسمح أبدا لآي كان أن يمس هويته ولا وحدة وطنه وشعبه, فدون ذلك الفداء بكل ما تحمله الكلمة من معانى, وإذا كانت الثورة قد حررت الوطن, فإن الأجيال الجديدة, أجيال الاستقلال تتطلع إلى استكمال التحرير بإنجاز أهم مراحله, ونعني بها مرحلة تحرير الإنسان.

ليست هناك تعليقات: