الاثنين، 13 أبريل 2009

الاندماجيون الجدد3

في الرد على الزاوي
عود على بدء, لأن هناك قضايا لم نرد فيها على الزاوي, منها ما ذكرناه من انقطاع المعربين عن القراءة باستثناء الكتاب الديني, بالرغم من أنه يلجأ إلى الشروق ليقرأه المعربون, والصواب في هذا أنهم لا يقرؤون في غالبيتهم العظمى حتى الكتاب الديني, وحكم الزاوي مبني على أساس المبيعات في المعرض الدولي للكتاب وفي المكتبات, إن أغلب من يشترون المجلدات الدينية الجميلة لا يفعلون ذلك للقراءة وإنما للزينة والتبرك كما قيل, لأنهم ربما من عامة الناس من الميسورين أو الأثرياء. إنها كلمة حق أريد بها باطل, نعم إن المعربين لا يقرؤون لأسباب عديدة, وقد تمت دراسات في هذا الشأن وقدمت إحصاءات للمقروئية الضعيفة جدا في الجزائر, والتي تتمحور حول 6%, أي إن الإدارة العتيدة تحافظ على الأمية النوعية كما تركتها فرنسا بالضبط في الأمية البسيطة المعروفة, أما نسبة المبيعات التي يقرر صاحبنا على أساسها أن المفرنسين يقرؤون كثيرا, وهذا صحيح, غير أن صاحب المقال يجهل أو يتجاهل الأسباب الحقيقية والموضوعية وراء هذه الظاهرة البالغة الأهمية, أولى هذه الأسباب هي النشأة الاجتماعية والتربوية للمعرب, التي لم ترسخ فيه عادة القراءة, سواء إهمالا وقلة وعي أو فشلا بفعل محاولات غير كافية لإحداث هذه العادة وتثبيتها وترقيتها باستمرار, فالأسرة التي نشأ فيها المعرب فقيرة وجاهلة لا تشتمل على الشروط التي من شأنها تنشئة شخص قارئ, ويترتب على ذلك القدرة الشرائية المتدهورة لهذه العوائل, بالإضافة إلى رفع الإدارة الفرنكوفونية الدعم عن سعر الكتاب, وفرض رسوم الضرائب والجمارك عليه, ثم إن البيت القصديري أو المتداعي للسقوط أو الحقير الذي ينشأ فيه المعرب, لا توجد فيه مكتبة ولا يمكن أن تكون لضيقه وازدحامه بسكانه, وبعد ذلك تأتي المدرسة التي طغى عليها التدفق الديموغرافي وضعف تكوين المربين وقلة كفاءة الإدارة وانعدام ميزانية الكتاب تقريبا, ثم الإهمال المقصود للإدارة الفرنكوفونية على المستوى المركزي, والنتيجة هي تكريس الأمية الكيفية المخطط لها مع سابق الإصرار والترصد, هذه بعض الأسباب لا كلها, وهي التفسير لاستحالة القراءة على المعرب في الأحوال العادية, لكن لماذا ذهب الزاوي ليعرض كتابه الأبيض الكالح السواد في الشروق؟ بالطبع لأن الشروق هي الجريدة الأكثر توزيعا في الجزائر, وهي كذلك لأن المعربين هم الذين يقرؤونها, وهم يعدون بالملايين, ثم إنه يستهدفهم لترسيخ العقد الذي يزعم أنها تنخر عظامهم, ومنها الصحيح أو الحق الذي أراد به باطل, لقد قال إن المعرب شديد التعقيد والتذلل أمام المفرنس, وضرب مثلا بواحد منهم يعمل في وزارة فيما يبدو, ويفهم من كلام صاحب المقال أنه موظف سام, وهو هذا الذي بعث رسالة إلكترونية قصيرة لوزيره س. م.س بالفرنسية, ومن أجل ذلك لجأ إلى طلب المساعدة من أحد المفرنسين ليكتب له الرسالة, ويفسر الزاوي هذا التصرف بعقدة المعرب أمام المفرنس, وبذله واحتقاره لنفسه, ذلك لأن الثقافة العربية القروسطية لا يمكن أن تنتج شخصا محترما عزيزا, لقد سبق له أن ذكر ما يشبه هذا قي مقال سابق عندما راح يقارن بين ما تقدمه وسائل الإعلام باللغتين, وفي الرد نقول إن هذا المتزلف لوزيره من أجل نيل رضاه أو طمعا في الترقية أو الحفاظ على المنصب, والذي يريد أن يثبت لوزيره تمكنه من اللغة الفرنسية, أي لغة الوزير, لأن التقنوقراطي في الجزائر مفرنس بالضرورة, وعقدته هو الحصول على مكان في قائمة التقنوقراطيين والمحافظة عليه, هذا الموظف السامي لا يتصرف بهذه الطريقة لأنه معرب ذليل حقير معقد أمام وزيره المفرنس, بل إن كل الموظفين السامين الذين هم في الغالب الأعم مفرنسين يتزلفون لمسؤوليهم من أجل الترقية أو البقاء المريح في المنصب والتمتع بامتيازاته, التي يبدو أن الزاوي لم يتحمل صدمة فقدانها, بالرغم من عدم حاجته إليها ماديا كغيره, الذي ينزل من السماء إلى الأرض إن فقدها, ولا أظن أن صاحب المقال الأبيض ظاهريا يجهل هذه الحقائق, إن سبب عقدة المعرب هي أنه مهدد في خبزه اليابس وسيف الإدارة الفرانكوفونية مسلط باستمرار على رقبته, وليس له من نصير غير المولى سبحانه, هذا لمن يعمل منهم, أما البطال وهو السواد الأعظم فلا حديث عنه أصلا, ثم لماذا تكون الإدارة حكرا على المفرنس؟ أيتطلب التسيير اليومي للشؤون الإدارية خبرة ولغة أجنبية, مما يجعل إقصاء المعرب ضرورة لا مفر منها؟ وهل الإدارة المفرنسة عندنا أكثر كفاءة من أي إدارة معربة في جميع البلدان العربية؟ أم أنها أسوأ من مثيلاتها جميعا؟ أما التقنوقراطية فلا نتحدث عنها, فليس للمعرب المسكين أن يحلم بها, بل إن الأحزاب الموصوفة بالإسلامية ذات القيادات المعربة, قد اقترحت عندما طلب منها ذلك وزراء من مناضليها مفرنسين, ولا أظن أن معربا واحدا تبوأ مكانة الوزارة عن طريق هذه الأحزاب, أما غيرها فلا حديث عنه, والغريب كل الغرابة أن بعض المعربين قد وصلوا إلى الوزارة ولو لأسباب غير لغوية عن طريق الحزب الواحد سابقا!!! هذا قليل من كثير, يا صاحب المشروع الأبيض, عن أسباب سحق المعربين, وليس تعقيدهم فقط, إنهم يعانون الجوع والتهميش وقلة الاعتبار, وكل ما من شأنه أو يورث كل عقد البشرية منذ فجر التاريخ, ثم يأتي صاحب هذا المشروع ليجهز عليهم في خضم حسرته على الإقصاء من قائمة التقنوقراطيين ومن جنتهم الفردوسية, لكن ما ذنب الضحية فيما حدث له؟ أم تراه بصدد الإعداد لمكانة أخرى نجهل طبيعتها وانتماءها؟ نعم يا دكتور إن المفرنس غير معقد ومتعنتر وقارئ, لأنه ينشأ عادة في بيئة وأسرة مثقفة ميسورة الحال, تضمن له الكتاب والوسائط الإعلامية الأخري, وتحسن توجيهه وتدريبه على القراءة, وتضمن له مدرسة أجنبية نموذجية, أو مدرسة حرة لا تقل عنها جودة, وفي أسوأ الأحوال تنشئ له مدرسة في البيت الفسيح المريح المثقف, وهو موعود من البداية بالانتماء مستقبلا إلى الوظيفة التقنوقراطية, التي تبعده عن الفاقة وضيق الحال, والتي تجعل قدرته الشرائية ممتازة, ويالتالي لا مشكلة له مع الكتاب اقتناء وقراءة وتذوقا وحفظا وإسكانا, فتصبح القراءة التي عودته عليها الأسرة والمدرسة ضرورة لا غتى عنها, ولذلك تباع الكميات الكبيرة من كتب أمين معلوف المكتوبة بالفرنسية, وتكسد ترجمتها المعربة, ونفس الشيء بالنسبة إلى الرواية التي ترجمها السيد الزاوي لياسمينة خضرا, وغير هذه وتلك من الكتب المعربة, أو التي هي بالعربية أصلا, ألا يكفي كل هذه المظالم للمعرب المسكين حتي ينبري صاحب المشروع الأبيض للإجهاز عليه نهائيا؟ لكن هيهات فصبر هذا المعرب وصلابة عوده صخرة صلبة سوف تتكسر عليها كل الضربات مهما كانت قاسية, إنه من قوة الصمود بحيث فشلت في معالجته كل حملات الإبادة التي تعرض لها, ولن يكون مصير من يسيء إليه محاولا إلغاءه سوى الفشل الذريع.

ليست هناك تعليقات: