الجمعة، 17 أبريل 2009

ضيافة سحرية

ضيافة الزاوي السحرية

الحلقة السابعة من الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر

في عدد الشروق اليوم, الخميس 16 أفريل 2009, الموافق لـ 20 ربيع الثاني 1430هـ , العدد 2586, صفحة 19, كتب الزاوي مقاله الأسبوعي, تحت عنوان: في فلسفة الضيافة الثقافية, وملخصه أن الجزائر كانت دائما, كما قال, "بلادا للضيافة الأدبية والثقافية والسياسية", لجأ إليها مثقفون كبار من مختلف بقاع الأرض عندما ضاقت بهم السبل, وتعرضوا للاضطهاد والملاحقة في بلدانهم, بسبب أفكارهم, أو انتماءاتهم السياسية, سواء كان ذلك من قبل الاستعمار, أو الأنظة الدكتاتورية والفاشية, ويذكر صاحب المقال قائمة طويلة من مشاهير هؤلاء الضيوف من كبار المثقفين والمفكرين والسياسيين, عربا وأفارقة وغيرهم من أمريكا الجنوبية وخاصة منهم الشيليون, يقول: "مثقفون ومبدعون ومناضلون وسياسيون كلما ضاقت بهم أوطانهم كانوا يجدون في الجزائر الفضاء الرحب والمضافة السياسية والثقافية." عاش هؤلاء ردحا من الزمن في الجزائر وعملوا بها في مجالات شتى, إلى أن يقول: " ثم غادروها فإما استقروا في بلدانهم أو واصلوا جحيم المنفى في بلدان أخرى كم هو حال بعض الكتاب والمثقفين العراقيين ولكنهم جميعا يجمعون بأن الأنظمة السياسية في الجزائر لم تكن تتدخل أبدا في شأنهم الخاص ولم تكن تملي عليهم أو تستعملهم أداة ضد أنظمتهم أو ورقة يناصيب في لوطو السياسة...كلما كانوا يشعرون بأنهم مهددون في تنظيمهم أو في عناصرهم, في بلدان أخرى, بظاهرة المقايضة السياسية بما فيها من بيع وشراء فإنهم ييممون شطر الجزائر وبها يحطون الرحال.", يقول مما يشرف تاريخ الجزائر بالنظافة السياسية والمواقف النبيلة, وطبيعة الجزائري الذي يتذكرها هؤلاء الضيوف "الصراحة والقسوة والحسم", وهم يجمعون على صفاء سريرة الجزائري, كل هذا في زمن الحزب الواحد والاشتراكية, لكن الجزائر حينها كانت أكثر انفتاحا على الآخر وأكبر من الديمقراطة يقول, ربما يقصد الديمقراطية الشكلية الموجودة الآن, لأنه يتساءل فيما بعد عماذا تغير؟ هل السبب هو خلاف الأجيال؟ حيث إن الجيل الأول وهو جيل الثورة كان أعمق تجربة وأرسخ قدما في كل ماهو عظيم من الأمور, أما جيل اليوم فلم يمارس تلك الأفكار والقيم الكبرى وعظائم الأمور, بل سمع عنها أو قرأها في الكتب, أو درسها في الجامعات إلخ... ثم يضيف:"أشعر أننا اليوم بدأنا نفقد ثقافة الضيافة, والشعب الذي يفقد هذه الثقافة معرض للانغلاق ومعرض أيضا لأن يكون ضحية التطرف وثقافة الخوف من الآخر." ثم يمر إلى المثاقفة بين الضيف والمضيف, كما عرفها جيل السبعينيات في علاقاته مع الآخر, من ضيوف الجزائر, الضيافة بمعناها الفلسفي وليس السياحي أو غيره, يقول."الحوار مع الآخر في الفضاء الشخصي العيني وفي الفضاء المتخيل أو الافتراضي للضيف, لأن كل ضيف يحمل معه وطنه.", وهذه الضيافة الكبيرة لاتتحقق في غياب ثقافة المضيف, ولم يكن للجزائر آنذاك ثقافة كبرى "إلا أنها كانت تحمل كثيرا من الحلم والصدق والعفوية وهي الأشياء التي أدهشت الضيوف وجعلتهم يؤمنون بما كان يتأسس في الجزائر الجديدة.", غير أن الدكتور ينسى أن يقول لنا ما سبب انهيار كل شيء فيما بعد؟ يضيف أن الضيافة الكبرى الحضارية لا يمكن أيضا أن تكون في غياب ثقافة الضيف, وقد كانت هذه حاضرة في زمن الضيافة الكبرى في السبعينيات في صورة أفلام وكتب ومجلات وجرائد وغيرها, منها العربية والفرنسية والعالمية أيضا, وقد ذكر صاحب المقال عناوين كثيرة كانت توزع في الجزائر, ثم يتساءل: "واليوم ...لماذا جفت الضيافة؟" ويجيب جفت, لا لأن جزائري اليوم بخيلا بالمعنى السطحي للكلمة, كما قال, لكن للضيافة الثقافية شروطها, أولها "انسجام الضيف مع محيط ثقافي وإعلامي يجعله يعيش بلده ويعيش العالم من خلال بيت المضافة", ثم يقرر أن الضيافة بمفهومها الفلسفي! لا تعني توفر الشروط المادية والحرية السياسية فقط, لكن تشترط في المقام الأول "توفر الفضاء الثقافي العام", ثم يذكر وهذا هو بيت القصيد أن " لاريب أن الإرادة السياسية لرئيس الجهورية واضحة في دعم قطاع الثقافة دعما ماديا ومعنويا لم تعرفه الجزائر الثفافية بل لم تكن لتحلم به منذ الاستقلال, يشكل هذا الدعم في أساسه البحث عن عودة الجزائر إلى زمنها العالي الذي كانت فيه مضافة المثقفين وقبلة الأفكار التي تغير وتدفع العالم إلى الحرية والتقدم والحلم." انظروا إلى هذا التناقض العجيب, واستغفروا الله العلي العظيم. ثم يعرج على أن فائدة الضيافة يشترك فيها كل من الضيف والمضيف, فعندما تتوفر شروط الضيافة, تتحول هذه إلى مدرسة كبيرة, يقول:"فإن الضيافة تتحول إلى مدرسة كبيرة يتربي فيها المضيف, فهو بقدر مايصنعها تصنعه بدورها وتنحت منه إنسانا كونيا.", ثم يتمنى الزاوي ويتطلع إلى استرجاع مجد الضيافة, لأنه بالرغم من تغير الظروف الوطنية والدولية "إلا أن الضيافة تظل قيمة إنسانية كبيرة", في غيابها ينعدم التواصل مع الآخر, إن غياب الضيافة بمفهومها الفلسفي, تجعل الجيل الحالي يعيش الانكسار والعزلة, والبحث عن زوارق الموت وفنون الانتحارات, وهو ما يحدث الآن, ثم يختم مقاله بتساؤل: " ألسنا في مستوى الضيافة الديمقراطية كما كنا في مستوى الضيافة التحريرية؟".
هذه خلاصة لمقال الزاوي الذي هو الحلقة السابعة من كتابه الأبيض عن الثقافة في الجزائر, والذي شرع في نشره على صفحات الشروق منذ سبعة أسابيع, بعيد إقالته من إدارة المكتبة الوطنية, ولينتقم من تلك الإقالة - فيما يبدو - قرر كشف حقيقة الثقافة السوداء بوضع كتاب أبيض عنها, كما هي العادة في ميدان السياسة خاصة, فلم أسمع قبل هذا عن كتاب أبيض عن الثقافة, ومقال اليوم بالذات كنت سأتغاضى عنه, لو لم يكن مسبوقا باعتداء غريب من هذا الدكتور على العربية والمعرب, لذلك وجب علي كمعرب أن أتابع خطوات هذا السيد إلى أن ينتهي كتابه الأبيض المجلل بالسواد, أما ما يلفت النظر حقا من تهافت المقال الذي بين أيدينا هو نسبة الازدهار الثقافي في السبعينات, وهي العصر الذهبي للجزائر المستقلة إلى ظاهرة الضيافة التي يسميها فلسفية, وإني شخصيا لم أسمع عن وجود هذا المصطلح, ولا أظنه مستقيم المعنى, ومهما كانت هذه الضيافة فلسفية, فهل هي أكبر من كل إنجازات السبعينيات العظيمة, ومنها الثقافية بالطبع؟ كأن الشعب الجزائري برمته ودولته ذات الصيت العالمي وقتها لا يستطيعان التواصل مع العالم ولا يحققان الازدهار الثقافي وغير الثقافي, لولا وجود ظاهرة الضيافة الفلسفية كما يسميها, بل الازدهار العام, كما يريد السيد الزاوي أن يشعرنا أو يقنعنا؟ إذن كان هناك ازدهار ثقافي في السبعينات من القرن الماضي في الجزائر, هذا أمر لا نجادل فيه, لأن طموح الجزائر البومديينيه لم يكن يعرف الحدود, والغريب أن الزاوي لم يذكر إسم هذا الزعيم العظيم الذي أعلن الثورة الثقافية وجعل من الجزائر ما كان يسمى قلعة الأحرار ومقر الثوار من كل بقاع الأرض, وهو ما يسميه الزاوي " الضيافة الفلسفية", بالرغم من أن هذا البناء الشامخ, الذي ليست هذه الضيافة فيه إلا قطرة من بحر, هو من تشييد الزعيم الراحل بومدين, رحمة الله عليه, فقد كان هو مهندسه وهو منفذه على الأرض, والدليل هو أن البناء انهار عندما غاب صاحبه, وتناولته معاول الهدم والتخريب لتطرح الجزائر أرضا وتنتقم من كل أمجاد ثورتها المسلحة الكبرى ونهضتها التي كادت تبلغ عنان السماء, وذلك هو سبب اغتيال بومدين العظيم, وهي الأطروحة الأرجح لسبب وفاته المفاجئة, كل هذا لم يثر انتباه الزاوي فراح ينسب بشكل غريب نهضة الجزائر في السبعينات إلى ضيافته الفلسفية على ما فيها من معاني إيجابية, لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل محل سببها العظيم, وهو ثورة البناء والتشييد الشعبية/البومديينية, وما كان لذلك الصرح الشامخ أن ينهار لولا النقطة السوداء في سياسة بلدان العالم الثالث قاطبة, ومنها الجزائر البومديينية - للأسف الشديد - وهي أن الزعيم كان هو المحور الأساسي والوحيد, لقد كان على الزاوي الذي يبكي على ضياع الضيافة الفلسفية أن يندب على ضياع المؤسسات العتيدة التي حلم بها بومدين عندما قال في أول عهده إنه عاقد العزم على بناء دولة لا تزول بزوال الرجال, لماذا لم يفعل, هل هو القصور أو التقصير؟ أم أن الرجل كان يصادف مقاومة شرسة داخلية وخارجية حتى لا تنطلق الثورة من جديد, بعد أن كانوا قد اطمأنوا إلى أنهم قضوا عليها قضاء مبرما قبل الإستقللال؟ لقد كان هم فرنسا الوحيد مع أتباعها هو ألا تستمر الثورة بعد الاستقلال, وحتى قبله, حتى يضمنوا استمرار مصالحهم, ويمنعوا الشعب الجزائري من اختراق جدار التخلف الذي لا يمكن أن يتعايش مع الثورة, لقد هادنهم بومدين وداهنهم في البداية, لكنه عندما تمكن من الحكم, وشعر بخطورتهم عزم على حسم الأمور معبرا عن ذلك في خطبه الشهيرة في كل من تلمسان وقسنطينة وتيزي وزو, هذه الحقائق الكبرى نسيها الزاوي وراح ينسب مجد الثقافة الجزائرية في السبعينات من القرن الماضي إلى "الضيافة الفلسفية" التي لا وجود لها أصلا, وإنما كان هناك بعض اللاجئين السياسين لا شك أنهم يشكلون مفخرة للجزائر, لكنها مفخرة جزئية جدا, وليست هي سبب التواصل بين الشعب الجزائري وشعوب العالم قاطبة, ولا يمكن لها أن تكون كذلك ابدا بالرغم من معناها التحرري والثوري والإنساني العظيم, غير أنها كانت من نتائج الازدهار الثقافي والعام للجزائر -آنذاك- وليست سببا فيه على الإطلاق, أو سببه الأوحد, كما يريد السيد الزاوي أن يفهمنا بكل قطعية, لماذا يختزل الزاوي الحقيقة بهذا الشكل المشوه لها؟ يبدو أنه لايبحث عنها, وإنما هدفه هو من قبيل ما أعابه على المعرب من قبل, أو قل ما شتم به المعربين من شتائم مرة, إنه يتذلل ويتزلف ويتصاغر من أجل العودة إلى حضن التقنوقراطية الدافئ, التي استغنت عن خدماته بسحب إدارة المكتبة الوطنية منه, وهو لذلك ملتاع لوعة من طرد من جنات النعيم, ولا بأس أن نستطرد بعض الشيء هنا, فلقد هيأت لي الظروف أن شهدت يوما ما مفرنسين في مستوى رفيع من الوظيف, يتعرضون لعجرفة وإذلال واحتقار مسؤولهم المعرب, كما لم أشهد ذلك من قبل أبدا, وقد كانوا كلما زاد في احتقارهم وإهانتهم وسحقهم سحقا, يزيدون في طاعتهم له بل خضوعهم الجبان الذي بلغ درجة إظهار التقديس نفاقا وتصاغرا, وإني لأسباب مبدئية وإنسانية ضد هذا التصرف المتغطرس, ولا أسمح لنفسي باستنتاج سقيم من هذه الواقعة بأن المفرنس ذليل وضيع حقير ومحتقر أمام المعرب كما فعل الزاوي في التعبير عن حقده الكبير على المعرب, إن المسألة تتعلق بسلوك بعض المسؤولين سبل الاستبداد من أجل ممارسة عملهم في منتهى الراحة والتفرغ للتمتع بمزايا المسؤولية دون أي مكدر, ثم إن هناك خللا في نظام الوظيف السامي, حيث يكون البقاء في المنصب والاستفادة من امتيازاته رهن إشارة الوزير أو المسؤول الأول في جهة ما, ولا حماية للموظف السامي, فبالإمكان لمسؤوله أن يقيله أو يهمشه كما يحلو له, وكما يمليه عليه ضميره أو نزواته إن كان من المستبدين, لذلك ترى الأغلبية من هؤلاء الموظفين وهم في معظمهم مفرنسون, يخضعون الخضوع التام, ويقبلون الاحتقار والتسلط والاستبداد, وكل المعاملات اللاإنسانية, للمحافظة على امتيازات هذا النوع من الوظيف, وعدم العودة - مهما كان الثمن - إلى جحيم الوظيف العمومي, وها هو السيد الزاوي ذاته يكتب هذا المقال في هذا الاتجاه ويخرجه علنا على صفحات الجرائد باحثا عن عودة ذليلة إلى جنة التقنوقراطية التي فجعه فقدانها المفاجئ .
نعود إلى ما كنا فيه, بعد هذا الاستطراد الواجب, فنقول أما التناقض الصارخ الآخر الذي يقع فيه صاحب المقال فهو ما ينسبه لرئيس الجمهورية من الإرادة السياسية الواضحة في دعم قطاع الثقافة ماديا ومعنويا دعما لم تعرفه الجزائر الثقافية ولم تكن تحلم به منذ الاستقلال, وقد يكون هذا الكلام صحيحا - ربما - على مستوى البرنامج الرئاسي, أو الحملة الانتخابية الجديدة, لا أجزم بالمصدر إن كان موجودا, أما الواقع على الأرض فشيء آخر, وليس هذا فقط هو مجال التناقض, بل ذلك يتضح بشكل فاضح عندما يضيف الزاوي بعد هذا الإدعاء بالازدهار الذي لم تعرفه الجزائر ولم تكن تحلم به أصلا منذ الاستقلال, أن الرئيس يريد من هذا الدعم الذي فاق الحلم العودة إلى زمن الجزائر العالي, الذي كانت فيه مضافة إلخ... عجبا, من جهة الرئيس يحقق للجزائر ما لم تكن تحلم به منذ الاستقلال ثقافيا, ومن جهة أخرى يريد الرئيس العودة بالجزائر إلى زمنها العالي ثقافيا بسبب الضيافة, يعني أن كل طموح الرئيس هو العودة بالجزائر ثقافيا إلى ما كانت عليه في السبعينات, لا أن يسمو بها إلى مالم تكن تحلم به في أي يوم من الأيام منذ الاستقلال, مهلا يا هذا, تقرب من الرئيس كما شئت, لكن عليك أن تحترم القارئ بمن في ذلك الرئيس بمراعاة قواعد المنطق, ولا تستخف بالعقول إلى هذه الدرجة العابثة, لك أن تستعمل كل الأساليب من أجل بلوغ مآربك الشخصية, أو حلمك بالعودة إلى جنتك التقنوقراطية المفقودة, غير أن هذا لا يمكن أن يكون بتسويق مثل هذا الكلام المتهافت على حساب القارئ المعرب المسكين, أنت تقول إن الجزائر الثقافية وغير الثقافية بلغت عنان سماء المجد في السبعينيات بسبب "الضيافة الفلسفية", هكذا بطريقة سحرية, ثم تهاوت الأمور إلى درجة أن شبابنا بسبب العزلة والانغلاق نتيجة فقدان "الضيافة الفلسفية", قد وقع في التطرف, فراح يرمي بنفسه في عباب البحر ويمارس فنون الانتحارات, ولم تذكر حمل السلاح! عجبا هذا كله بفعل غياب "الضيافة الفلسفية", لا أظن أنك تقصد هذا أو تعتقده, وإنما هي مقدمة اعتباطية لم تهتم بإحكام صياغتها منطقيا لأنك تريد الوصول سريعا إلى الإعلان عن الإرادة السياسية للرئيس في دعم الثقافة كما لم يقع ذلك أبدا, وكما لم تحلم به الجزائر الثقافية منذ الاستقلال, هذا هو مربط الفرس, أما غيره فتفاصيل إلى درجة أنك سرعان ما تلغي هذا الإطراء الكبير دون أن تشعر, عندما تقول بأن الدعم الثقافي العظيم للرئيس يهدف إلى عودة الجزائر إلى زمنها العالي، حيث كانت معقل كبار المثقفين وقبلة الأفكار التي تدفع العالم, نعم العالم برمته, إلى الحرية والتقدم والحلم, كما قلت. مهلا يا هذا لقد هدمت ما بنيت, ومسعى الرئيس الثقافي الذي لم تحلم به الجزائر منذ الاستقلال قد انحدر إلى أنه يحلم هو ذاته بالعودة إلى زمن "الضيافة الفلسفية" التي رفعت الجزائر الثقافية, بطريقة سحرية, إلى سماء ما طاولتها سماء. وفي نهاية المطاف تتساءل عما إذا كنا لسنا في مستوى الضيافة الديمقراطية, كما كنا في مستوى الضيافة التحريرية؟ بمعنى أنك مصر على ألا موقع لنا تحت شمس الازدهار والنمو إن لم نتخذ من "الضيافة الفلسفية" نهجا وسبيلا! في الواقع أن هذا الادعاء لا يستحق التعليق, ويكفي أن نلقي نظرة بسيطة على تاريخ الثقافات والنهضات, وسبل نمو النامين, فإننا لا نجد إطلاقا هذا المصطلح الزاوي الغريب, نعم هناك التفتح على التجارب والثرات الثقافي العالمي وضرورة استيعابه, قبل الوصول إلى مرتبة الانطلاق الثقافي والحضاري أو بالتزامن معها, لكن أن يكون ذلك "بالضيافة الفلسفية" أو غير الفلسفية, وباستقدام الأشخاص مهما كانت ريادتهم للإقامة بيننا, وليس لمجرد تبادل الزيارة معنا بغرض الاحتكاك والتلاقح والتفاعل, هذا ما أنزل الله به من سلطان, وإنها لمقاربة غريبة من أجل التقرب إلى الرئيس بإقحامه في الموضوع بعد التمهيد بهذه المقدمة المتنافرة مع الهدف المنشود, إنها هفوة كبيرة لا أظن أن المعرب الرديئ الثقافة والذليل أمام المفرنس بمرتكبها بمثل هذه الغفلة وعماء البصيرة مدفوعا بالطمع والوصولية, ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وبالمناسبة لا يفوتني أن ألفت النظر إلى أن هذه الهجمة على العربية والمعرب, ليسر فعلا معزولا- فيما يبدو- فقد كتب أحدهم أخيرا في الخبر أيضا شيئا من هذا القبيل بمناسبة تنويهه بكتابات جزائرية يقول إنها راقية باللغة الإيطالية, وهؤلاء الكتاب من المقيمين في هذا البلد, لكنه يهاجم من يسميهم المحتكرين للعربية والمصرين على العزلة والجمود, أو شيء من هذا, ولم أفهم ما علاقة هذه الكتابة الجزائرية - الإيطالية باحتكار العربية؟ نعم يفهم من السياق أن هؤلاء المحتكرين يرفضون نسبة مثل هذه الكتابات إلى الأدب الجزائري, قياسا على رفضهم الانتماء الجزائري للأدب المكتوب بالفرنسية, ربما هذا هو قصده, لكن لنتمهل حتى تتضح الأمور, وسبب إشارتنا المسبقة هو أن هذا السيد مثل الزاوي يكتب بالعربية وبالفرنسية وأظنه يتولى مهمة التدريس المؤقت أو الدائم في جامعة فرنسية, ومن ثم فقد يكون كلامه هذا في نفس الاتجاه الذي يروج له الزاوي لكن لاداعي للتسرع, فالأيام كفيلة بكشف المستور, ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ليست هناك تعليقات: