الخميس، 30 أبريل 2009

من دفاتر الأيام/عن الأفلونزا

عن أفلونزا المكسيك

ربما أن العالم على عتبة الفناء، أو بالأحرى الإنسان! إنما علمها عند الله، لكن أولا هذه التسمية التي اقترحها نائب وزير الصحة الصهيوني، تستحق الوقوف عندها، حيث احتج على تسمية هذا المرض السريع الانتشار بأنفلونزا الخنازير، لكون هذا الحيوان محرم لحمه عند المسلمين واليهود، ومن ثم فهذه التسمية تسيء إليهم، أو تخدش مشاعرهم، لذلك يفضل نسبتها إلى البلد الذي ظهر فيه هذا المرض الخطير وحصد عشرات الأرواح، والخوف الآن هو تحوله إلى وباء عالمي، والسؤال هو أين كان هذا المرض في السنين والقرون الخوالي؟ هل هو جديد, مثل السيدا؟ ولماذا ظهوره الآن؟ هل هو طبيعي؟ أو هو من فعل فاعل؟ أسئلة لم تطرح، فالكل منشغل بهواجسه ومخاوفه أو رعبه، والكل مندرج في حمى الرعب والهلع، لكنهم لا يتوقفون لحظة للتحليل والفحص، (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا)، الأمر عادي بالنسبة إلى عامة الناس، يندرجون بطبعهم، في مجرى الحوادث، وليس من عادتهم البحث والفحص والتحليل، لكن أين النخبة المفكرة؟ لماذا لا تسلط الأضواء الكاشفة على الحدث، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، ويعرفون – على الأقل _ الأسباب المحتملة للبلوى التي أصابتهم؟ فقد يكون في ذلك سبيلا للتكيف والمقاومة وربما النجاة، واستغلال الطارئ إيجابيا في الراهن وفي المستقبل، هذه مجرد خواطر أو ردود أفعال على ما فاجأ الناس من تهديد لوجودهم ذاته، وليس ذلك بالأمر الهين. بعد هذا الانطباع العام، نعود إلى الاقتراح الصهيوني عن التسمية، وإلى الموقف العربي المستسلم للخطر، كما هو واقعه العام في هذا الزمن الأغبر.

فيما يتعلق بالاقتراح، علينا أن نعترف بوجاهته، بقطع النظر عن مصدره المشبوه، وذلك من باب فضيلة الاعتراف بالحق، مهما كان منبعه، ولا يهمنا القصد والنية، فذلك مطلب بعيد المنال، ثم إن القدوة مطلوبة حتى وإن صدرت عن العدو الغاشم، إن رد الفعل هذا طبيعي، وحيوي، وينم عن احترام الذات والاعتزاز بها، وفيه عدل طبيعي أو مصطنع عندما أشرك أعداءه المسلمين في الأمر، إما حقيقة أو استهزاءا وذما، بسبب صمتهم الذليل عما يصيبهم، وما لجرح بميت إيلام، ففي جو الرعب المخيم على العالم، لا ينسى هذا الصهيوني هويته، ولا يغفل عن عقيدته، بل ينبري للهجوم في قالب دفاع شرس عن خصوصياته، ويعلن عن وجوده الفاعل في العالم، بحيث لا يفوت أي حركة أو حادث إلا ويضع عليه بصمته، ليعلن عن حياته وحيويته، وعن موقفه، ما دام الإنسان موقفا، ولا شيء غير الموقف، كما يذهب إلى ذلك بعض المفكرين المعاصرين. حتى والعالم في رأي البعض مهدد – في هذه اللحظات – بالفناء، فإن هذه الواقعة الرهيبة لا تؤثر في النفس المليئة بالحياة والحيوية، والتي لا تخاف أن تزول حتى تزول، وهكذا فمن أراد الموت كتبت له الحياة، وإنهم كمشه من الصهاينة يؤثرون أقوى تأثير في مجرى حوادث العالم، بينما ما عداهم، خاصة ضحاياهم، لا حياة لمن تنادي، أو الألف منهم كأف، ولست هنا أمارس جلد الذات، كما تعودنا، أو أمارس عقدة النقص الحضارية، التي ابتلينا بها، منذ أن عرفنا القهر الاستعماري والانحطاط المهين، لكنها الحقائق علينا أن نؤولها موضوعيا، ولا ينبغي تغطية الشمس بالغربال، أو إخفاء الرأس في الرمال، علينا أن نتعود الإشادة بالمواقف الصحيحة الرائدة للعدو قبل الصديق، وذلك لرفع مستوى الوعي، وللاقتداء الواجب بما هو جدي وفعال. إن هذا الموقف المعبر عن حقيقة موضوعية لمجتمع نشيط متوثب، يلخص وضعا وجوديا برمته، منه يمكن استخلاص العبرة مما يدور حولنا إقليميا وعالميا، إنه موقف لا يهادن ولا يلين ولا يستسلم، موقف سيادة وريادة، موقف يعمل لدنياه كما لو كان سوف يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كما لو كان سيموت غدا، أليس هذا هو السلوك الجاهز لفرض إرادته على العالم، ليكون في خدمته؟ هو ذاك، وها هي حادثة خطيرة، لكنها في بدايتها، وقد تحاصر وتقبر في المهد، تكشف عن هذه الحيوية الجديرة بالاقتداء والتنويه، لأنها هي السبيل السالك إلى الرفاهية والمنعة والسيادة، تشهد على ذلك سجلات التاريخ، منذ أن كانت.

فماذا كان الموقف العربي مما يشغل العالم هذه الأيام؟ إنه الصمت المطلق وكأن شيئا لم يكن، وليس هذا من باب الجهل أو التجاهل، بل إنه الاستسلام، وهو أمر موضوعي، لأنه ينسجم مع السياق التاريخي العام، الذي يمر به عالمنا العربي، الاستسلام للعدو، الاستسلام للفقر، الاستسلام للجهل، الاستسلام للمرض، إن الجهات المختصة تدرك تماما عجزها عن مواجهة الوضعية الصحية المتدهورة لمواطنيها، فكيف لها أن تقدر على مواجهة وباء مفترض؟ ومن ثم موقف الصمت، فماذا عسى المستسلم أن يقول؟ وهل له من مبرر مقبول يبوح به؟ وحتى عندما يحاول التخبط العشوائي فإنه يقع – بطبيعة الحال – في تصرفات عدمها أحسن من وجودها، مثال ذلك أن مجلس الشعب للنظام المصري طالب من حكومته أمس إعدام الخنازير الموجودة في مصر، وصدر القرار فورا اليوم، ومن باب المقارنة فإن كندا وكوبا والأرجنتين قررت منع الرحلات الجوية من المكسيك وإليها، بينما منعت الصين استيراد الخنازير من المكسيك ومن الولايات المعنية بالمرض في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك مطالبات في أوروبا بمنع السفر إلى المكسيك ذهابا وإيابا، وأيضا مواقف متعدد عبر العالم، كلها منطقية وموضوعية، ومنها رصد المبالغ المالية، والاستعداد المادي وغيره لمواجهة الخطر، فيما لا يفعل العرب شيئا أو يتصرفون بطريقة النظام المصري الهزيلة، ففي حين أن الإصابتين الاثنتين في الكيان الصهيوني، ضحيتهما شخصين قادمين من المكسيك، ولذلك منع السفر من المكسيك وإليه في بعض البلدان، أو السعي إلى منعه، لأن الناقل للمرض – الآن – هم البشر، وبالطبع الخنازير المستوردة، لذلك منعت بعض الدول استيراد هذا الحيوان من المناطق المصابة بالمرض، بينما يعمد النظام المصري إلى إعدام الخنازير الموجودة على أرض مصر، ولا يتحدث عن منع استيرادها، ما دام هذا الحيوان يوجد لديهم ربما بسبب وجود عدد كبير من المسيحيين، أو يستعمل أيضا لأغراض سياحية، للاستهلاك في المطاعم وغيرها، لكن مهما يكن من أمر، فإن مثل هذا القرار لا يستند إلى منطق سليم، ما دامت العدوى قد أصبحت بين البشر، أو تنقلها الخنازير المستوردة من مناطق انتشار الداء، هذا المثال، يناقض تماما الموقف الصهيوني، ويسير في عكس اتجاهه، وربما أن هذا التصرف العشوائي هو الأفضل في المنطقة العربية، لأن الآخرين لاذوا بالصمت، فلم نسمع عنهم شيئا، مما يعني أنهم مصرون على استسلامهم العام لكل ما يطرأ على العالم من خير وشر، فلا يفعلون شيئا لا بالرفض ولا بالقبول، و:كأنهم غير معنيين تماما بما يحدث على وجه البسيطة، فيسجلون بذلك غيابهم عن الوجود والتفاعل على الساحة العالمية، وهو الموقف الذي يفسر كل شيء في الوضعية التي نحياها، والتي تهددنا – على الأقل – بالفناء الحضاري.

ليست هناك تعليقات: