الجمعة، 24 أبريل 2009

عن الترجمة


الترجمة في مفهوم الزاوي

يتابع الزاوي حلقاته الأسبوعية في جريدة الشروق
وقد أضاف اليوم الحلقة الثامنة من مشروعه
الكتاب الأبيض عن الثقافة في الجزائر
الشروق/ اليوم الخميس 23 أفريل 2009/ الموافق لـ 27 ربيع الثاني 1430هـ / العدد 2592
عنوان الحلقة: ماذا يترجم عند العرب وكيف يترجون؟
ارتجال وقرصنة وفوضى
بداية, نلخص المقال الحلقة: خلال الخمسين سنة الماضية, لم يترجم العرب سوى عشرة آلاف كتاب, في كل الطبوع والفنون, أربعة آلاف منها ترجمته هيئات أجنبية.
هذا العدد المخجل البئيس - كما يقول – تميز بالفوضى والارتجال والقرصنة.
هذا الحال يكشف عن العلاقة المبتورة والمتخلفة مع الآخر, ومع الفكر والإبداع, وعلاقة العرب بالكتاب.
الترجمة تكشف عن ذوق القارئ وأيضا عن الانشغالات الأساسية للأنتلجانسيا
مقياس التطور الشامل الترجمة, واللغة بدون ترجمة منها وإليها تموت
سبب عزوف العربي عن الترجمة, هو تدهور تعليم اللغات الأجنبية في البلدان العربية.
سبب هذا العزوف إحساس مريض, يسكن الذات العربية, هو" الشعور بالاكتفاء الذاتي", وثقافة النخوة الموروثة, من عهود "الفكر الفروسي"!, هي التي تتحكم في سلوكنا, وفي تعاملنا مع الآخر فكرا وإبداعا.
لا اكتفاء ذاتي في الفنون والآداب، حتى لدى الأمم المتطورة, لا بد من اكتشاف الآخر, مما ينقذ البشرية من أمرين: تخلفنا والتنميط عند الغرب.
ليدخل العرب التاريخ, عليهم بالترجمة.
الترجمة في حاجة إلى خطة, ويقدم صاحب المقال اقتراحا, يتمحور حول تشخيص واقع الترجمة لدى العرب حاليا, واقتراح حلول للمشكلة.
هناك مجهودات معتيرة بذلت, غير أنها غير كافية, لذلك لم تحدث النهضة الثانية.
والنتيجة هي: "تبدو صورة الترجمة عند العرب...رهينة العمل -الهاوي- والارتجالي ولم تدخل بعد عالم الاحترافية".
التعليق
نلاحظ أن مجمل مقالات الزاوي, تسودها وثوقية مفرطة, كما لو أنها فصل المقال, ثم إن علاقة ما يكتب, تدور حول دافعين ظاهرين, هما الانتقام لنفسه من الإقصاء التقنوقراطي, الذي لا زال يكابده, نتيجة إقالته من إدارة المكتبة الوطنية, ثم محاولة إظهار عبقريته بمناسبة التغيير الحكومي المرتقب, وقد كان هذا الأمر الثاني شديد الوضوح في الحلقة الماضية, حيث أطنب في مديح الدعم الثقافي الكبير, الذي قام به رئيس الجمهورية, وقد رأينا في الرد عليه, مدى التناقض الفاضح الذي وقع فيه نتيجة مبالغته في الإطراء والإشادة.
أما أهم ما يؤخذ عن مقاله اليوم, هو مفارقتان أساسيتان:
الأولى, هي أن الدكتور بصدد وضع كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر, فما الذي جعله يقحم الترجمة عند العرب كلهم في كتابه هذا؟ ربما أنه لم يجد معطيات جاهزة عن حال الترجمة في الجزائر, لكن هذا ليس عذرا, كان عليه أن يذكر هذا ضمن نقده, ولكن لا مبرر لخروجه عن الموضوع, وإدراج حال الترجمة الكارثي – كما قال – في البلدان العربية مجتمعة, اللهم إلا إذا أراد من خلال هذا إظهار قصور الثقافة العربية وتقصيرها, ومن ثم فلا مستقبل يرجى في سياق هذه الثقافة, والحل الحتمي هو الاندماج في الثقافة الفرنسية بالذات, هذا أمر وارد جدا, بدليل نعيه في إحدى مقالاته السابقة للغة العربية, وإظهار حزنه على ذلك, ثم هجومه الكاسح على المعرب, ووصفه بأبشع الأوصاف, وبكون الإنتاج الثقافي بالعربية رديء جدا في مقابل الإنتاج المفرنس الراقي جدا, هذا – طبعا – في الجزائر, لكنه هذه المرة يتجاوز الحدود, ليلحق اللغة والثقافة العربيتين بوضعهما في الجزائر, بمعنى أنه لا مفر من الاحتماء بثقافة وبلغة أخرى إذا أردنا الخروج من التخلف, هي بالضرورة اللغة والثقافة الفرنسية, دون سواها, وهذا معناه الدعوة مجددا إلى الاندماج, بعد فوات الأوان, وتبقى الأهداف الخفية التي لا نستطيع التكهن بها واردة كاستنتاج منطقي لا مفر منه.
الثانية, هي أن الدكتور, من جهة يحصر الترجمة في الفنون والآداب "كل الطبوع والفنون", ويمكن فهم هذا من اهتمامه الأدبي, لكنه من جهة أخرى, يتحدث عن النهضة الثانية, ولم يوضح لماذا هي ثانية؟ هل الأولى هي الحضارة العربية الإسلامية الميتة في اعتقاده؟ لكن الذي يعنينا هنا هو أن النهضة هدف التنمية شاملة, ولا تقتصر على الفنون والآداب, ولعل ما يعنينا أكثر, هو مجال العلم والتكنولوجيا, حجر الزاوية في الحضارة المعاصرة, غير أن الترجمة في هذه النقطة بالذات, بالرغم من ضرورتها القصوى - على الأقل - لتطوير اللغة, غير كافية, ذلك أن الأمم الأخرى المعتبرة متقدمة, عجزت عن الاعتماد على الترجمة وحدها, بسبب كون الإنتاج العلمي والتكنولوجي والتقني, يحدث بكميات هائلة يوميا, ومن ثم لا يمكن مواكبته واستيعابه للمتخصصين, بغير اللغة التي يصدر بها وهي اللغة الإنكليزية, لا في أمريكا أو بريطانيا وحدهما, بل في كل دول العالم حتى المتقدمة منها, فإن علماءها يساهمون ببحوثهم واكتشافاتهم باللغة الإنكليزية, وهذا لسببين على الأقل, أولهما أنه لا يمكن انتظار اللغة الوطنية الفرنسية أو الألمانية أو الروسية حتى تضبط مصطلحاتها, عن طريق الترجمة, لأسباب عملية, واحتراما لعامل الزمن, وغير ذلك من الاعتبارات ذات الأهمية القصوى. وثانيهما هو أن النخبة العالمية للعلم والتكنولوجيا, تتواصل فيما بينها, وتعرف بآخر المساهمات, ومن ثم فمن أراد من العلماء والتكنولوجيين أن يواكب المستجدات العلمية والتكنولوجية والتقنية، فعليه باللغة الإنكليزية لغة هذه النخبة على مستوى العالم, ومن هنا فإن بؤس الفرنسية ذاتها, ليس ببعيد عن بؤس العربية.
إن أهمية الترجمة لا جدال فيها, لكن هناك أولويات, والأولوية القصوى للعلم والتكنولوجيا, ولا يفوتنا ملاحظة كون الترجمة الآن, بالرغم من وسائل الإنجاز الهائلة في عصرنا, ليست بالسهولة التي كانت أيام الترجمة العربية للثرات العالمي, قبل الانطلاقة الحضارية الرائدة في وقتها, وهو القرون الوسطى الذهبية, التي يشتمنا بها الزاوي استلابا منه لواقع أوروبا آنذاك, واعتبارها اليوم لتلك القرون عنوانا للتخلف, إن الأمر عندنا معكوس تماما. لكن الذي لا جدال فيه أيضا, هو أن الحضارة لا يمكن أن تحط رحالها ببلد إلا بعد أن يكون قد استوعب التراث الحضاري الإنساني كله, ودور الترجمة هنا شديد الوضوح, وحيث إن إشكال الترجمة قائم حتى لدى المتقدمين كما وضحنا, فإن المسألة في حاجة إلى تفكير عالمي جاد في الموضوع, وقد وقع الخوض فيه بالفعل, وبرزت في وقت ليس ببعيد فكرة اللغة العالمية, والتي أطلق عليها اسم "السبيرينتو", غير أن الحديث عنها قد انقطع أو كاد مع التطورات العالمية الحالية, ومحاولات العولمة, بمعنى الأمركة محو كل الهويات الأخرى, وفرض الهوية الأمريكية, بما فيها اللغة, بكل الوسائل, ومنها القوة, وإذن فالإشكال عالمي, وبالمناسبة نقول للدكتور إن ترجمة الآداب إلى العربية ومنها, ليس بالأهمية المبالغ فيها, التي يذهب إليها, بدليل أن المأمون لم يفعل ذلك, وقد فسر الأمر كما تذكر "بالاكتفاء الذاتي", في مجال الأدب والشعر خاصة, لكن يبدو أن الأمر موضوعي, رغم عدم تشكيكنا في أهمية الترجمة في هذا المجال, نعم إن المأمون, ومن معه من مؤسسي الحضارة العربية الإسلامية, لم يقوموا بترجمة الآداب الإغريقية الرائعة, غير أن عملية النهضة انطلقت, والحضارة ترعرعت, وسادت العالم لقرون اقتربت من العشرة, ومن هنا فإن ما تتحدث عنه من ترجمة, إن كنت تقصد الفنون والآداب وحدها, فهي ليست بالأهمية إلى درجة أنها من شروط النهضة إن لم تكن هي الشرط الوحيد, كما يفهم من كلامك, اللهم إلا إذا كان غرضك من إخفاء الجانب الأهم في الترجمة بالنسبة لأي نهضة مأمولة, الترجمة العلمية والتكنولوجية, هو أنها تخرجك ضرورة من مجال العموميات, وتقصيك حتما عن الفرنسية, كون الترجمة في هذا الميدان الأهم مقصورة على الترجمة من الإنكليزية, وأكاد أقول وإليها, هذا هو الواقع, دون لف أو دوران, أو الوقوع في متاهات لا مخرج منها, أي الترجمة من الفرنسية, لما يترجم من الإنكليزية. أما كون الغرب يخاف من العرب وهؤلاء يخافون منه, فذلك ليس لضعف المستوى في اللغات, ولا لأن الترجمة كارثية كما تقول, بل لأن العلاقة القائمة منذ قرون, ولا زالت, هي علاقة استعمارية, وسبب الكراهية فيها والخوف واضح, لا يحتاج إلى أي بيان, والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

ليست هناك تعليقات: