الاثنين، 20 أبريل 2009

من دفاتر الأيام

عن الانتخابات

تحدثوا كثيرا, وأعطوا وعودا كبيرة, وجالوا وصالوا على الساحة الوطنية الفسيحة, وهم يعلمون ألا حظ لهم في المنصب العظيم الذي ترشحوا له, ماذا كانوا يريدون؟ امرأة وأربعة رجال, نسبة غير مقبولة من وجهة نظر العدالة والديمقراطية, نسبة المرأة 1/5 منظورا إليها في إطار هؤلاء الذين نجهل أسباب ترشحهم, أما بالنسبة لعدد المرشحين جميعا, بمن فيهم المرشح الحقيقي, تكون نسبة ترشح المرأة1/6 وهي نسبة أكثر إجحافا, لكن مهلا فالأمر يعكس الواقع الموضوعي على الساحة الاجتماعية, سنعود لهذا الأمر لاحقا, ولنستمر فيما بدأنا قبلا, وهو حملة هؤلاء الخمسة بعد ترشحهم لمنصب لا طمع لهم فيه, هم متيقنون من هذا, والشعب كله على قناعة تامة بذلك, ربما أنهم قاموا بمقايضة ما, لكن ماذا عساها أن تكون؟ هل تلقوا وعودا بمناصب مثلا, مقابل ترشحهم الشكلي, الذي هو ضرورة فيما يتعلق بتنشيط حملة الانتخابات عامة لفائدة المر شح الموثوق بفوزه؟ هل فعلوا ما فعلوا مقابل المبلغ المالي المعتبر الذي يصرف لهم لتنشيط حملتهم الافتراضية؟ ربما, في الواقع أنهم ليسوا وجدهم في العالم الذين يترشحون, وهم واثقون من غياب أي حظ لهم في الفوز, حتى في الديمقراطيات العريقة, وفي الدول الكبرى, لكن الأمر هناك يختلف تماما, فالمرشحون لهم أهداف أخرى, يعمدون للترشح خدمة لها, منها تنشيط أحزابهم وتمرين مناضليهم على العمل السياسي والانتخابي, واكتشاف الكفاءات داخل صفوفهم, ومحاولة إقناع قطاعات من شعوبهم بالانضمام إليهم, وذلك عن طريق التعريف ببرامجهم وشرحها وبذل قصارى الجهد لإقناع ما أمكن من فئات الشعب بها, على أساس طرق كل الأبواب, للبرهنة لأكبر عدد من الناس على أن طموحاتهم إلى حياة أفضل, إنما تجد تلبيتها في تلك البرامج, التي يتحتم حينئذ مؤازرتها, وانتخاب المرشح باسمها مستقبلا, وغير هذا من الأهداف الكثيرة, التي يسعون إلى إنجازها بمناسبة الانتخابات, رئاسية أو تشريعية أو محلية أو سواها, وفي نهاية المطاف يقيمون نشاطهم في المناسبة تقييما موضوعيا دقيقا, ما أمكنهم ذلك, مما يسمح لهم بممارسة النقد الذاتي, وما يترتب عنه من الإثراء والتعديل وربما التغيير الشامل للخطط والتكتيك والاستراتيجيات, وما إلى ذلك من الأعمال الكثيرة, ذات الأهمية القصوى, التي من أجلها يترشح هؤلاء وهم على يقين من انعدام حظوظ الفوز أمامهم, يقدمون على الترشح لأسباب أخرى عظيمة الشأن بالنسبة للنضال السياسي وما يتصل به من وجود لأحزابهم ونموها على الساحة الوطنية والشعبية. قد يكون هناك الشيء القليل من هذه الأهداف لدى المرشحين المرافقين للمرشح الفائز دون نزاع عندنا, لكن ذلك الشيء البسيط لا يبرر الإقدام على الترشح, ولا يصلح لخدمة تلك الأهداف البسيطة التي قد يكونوا قصدوها, وربما أنهم لا ينوون بتاتا خدمة أي هدف يتعلق بانتشارهم السياسي, وتدريب مناضليهم على الممارسة السياسية الانتخابية خاصة, يبقى أن ننتظر من هؤلاء أن يقدموا لنا مبررات مقنعة لما أقدموا عليه, وإلا خسروا كثيرا مما قد يكون لهم من سمعة سياسية وتأييد شعبي, غير أنه لو كان لهم مثل هذا التأييد بدرجة معتبرة لما غامروا به بهذه السهولة, مما يجعل مبرراتهم سريالية, غير مفهومة سياسيا ومنطقيا, وهم مطالبون بالتوضيح المقنع لكل من يهمهم الأمر من مناضليهم ومن المواطنين عامة.

نعود الآن إلى قضية اختلال العدالة والديمقراطية في نسبة الترشح النسائي في هذه الانتخابات الرئاسية, ليوم التاسع من أبريل عام 2009م, إنها نسبة الخمس مع غيرها من المرشحين الثانويين, والسدس إذا نظرنا إلى مجموع المرشحين, وربما لو قارناها بغيرها لوجدناها مرتبة ممتازة, قد تكون أكثر بكثير من مرتبة المرأة في العمل بصفة عامة, ونسبة وجودها في مواقع المسؤولية, وفي الهيئات المنتخبة والتنفيذية والقضائية وغيرها, وربما تكون أكثر غيابا في قطاعات السيادة والاقتصاد, وقد تكون مثل هذه النسب موجودة لدى الهيئة الوطنية المكلفة بالإحصاء, وأيضا لدى المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي, ولدى جهات أخرى محتملة. لكن لنأخذ هذه النسبة مرجعية مؤقتة نمارس على أساسها بعض التأمل في الموضوع, ومنذ البداية نقول إن هذا الأمر بالغ الخطورة, ليس فقط لكونه يمثل اختلالا في العدالة والديمقراطية والمواطنة, وهي قيم تتطلب المساواة المطلقة, لكن إذا نظرنا إلى بعض القواعد الشرعية باعتبارها أقرب إلينا فكرا وسلوكا, فإننا نجد المرأة تتمتع بسبة النصف في الميراث وفي الشهادة, حيث إن الرجل يعوض بامرأتين, أي بنسبة 1/2, أو واحد مقابل اثنتين, بينما في واقعة الانتخابات الأخيرة, مثلت المرأة مرتبة أقل من هذه بثلاثة أضعاف, وهو واقع مختل وخطير, وذلك لمكانة المرأة المكينة في المجتمع, ولكون المسألة على مستوى العمل مثلا, تمثل بطالة وتبعية اقتصادية وما يترتب عن ذلك على المستوى الشخصي والأسري للمرأة ومحيطها القريب والبعيد, أما على المستوى الاقتصادي فإن هذه النسبة المتدنية تعكس مؤشرا مخيفا, كون المجتمع يعمل بما لا يزيد كثيرا عن نصف طاقته. وقديما كان ابن رشد إن لم تخني الذاكرة, قد ذكر هذه الظاهرة بكثير من الإلحاح على خطورتها, ما دامت المرأة تمثل عدديا نصف المجتمع أو أكثر في الغالب, خاصة بعد فترات الحروب وما شابه ذلك, وبالمناسبة نذكر ما هو أهم وأكثر تدنيا في الحضور لدى المرأة وهو المجالات العسكرية والأمنية. رغم هذا فإننا لا نسمع ولا نقرا الكثير حول هذه الظاهرة الخطيرة وكأنها غير موجودة, وتجدر الإشارة هنا إلى النسبة المرتفعة للبنات في الثانويات والجامعات, بسبب اجتهادهن وفوزهن في البكالوريا, ثم في الجامعة بأعداد أكبر بكثير من زملائهن الذكور, ومثل هذه النسبة لا شك موجودة لدى الجهات المشرفة على التربية والتعليم والتكوين, ورغم ذلك الفوز المستحق, فإنه لا يعكس التجسيد العملي العادل في مجال العمل مجرد العمل, ولا حديث عن مواقع المسؤولية بكل أنواعها, وفي كل قطاعات النشاط الوطني, ولا ندري ما هي نسبة مشاركة المرأة في التصويت؟ فقد كانت هناك عراقيل في هذا الموضوع وصعوبات, تتعلق خاصة بتخصيص مكاتب للنساء, وأظن أن هذه المعضلة قد حلت, وأيضا كان هناك موضوع الوكالة, وهذه مسألة أخرى, تمس – ربما – بحق الممارسة الديمقراطية, حيث إن الذي يقوم بالتصويت هو الوكيل, وهو يتصرف – عادة – كما يشاء, بمعنى أنه يمارس حق موكلته كما يحلو له, وهذه مسألة في منتهى الخطورة. وفي الختام نسجل أن هذا الموضوع الاستراتيجي, يتطلب العناية كل العناية من النواحي الدراسية العلمية, ومن جهات التطبيق العملي على أرض الواقع, لا من أجل تجسيد العدالة والإنصاف والديمقراطية فقط, ولكن من أجل أن يعمل المجتمع بكل طاقاته الإنتاجية والإبداعية التي تضاعف فرص لحاقه بمصاف التقدم والرفاهية والرقي.

ليست هناك تعليقات: