الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

من دفاتر الأيام

هذا يوم جديد من آخر أسبوع في عامنا الميلادي هذا, فقد درجنا على تسيير حياتنا وفقا لهذا التقويم, لا شك أن ذلك نوع من التبعية الحضارية والثقافية للغرب المسيحي, ثم إنه مفروض بقوة الواقع العملي الذي تصنعه الحضارة السائدة هذه الأيام, أما تقويمنا الهجري فلا نستعمله عادة إلا في المناسبات الدينية, وربما عند الكتابة التي تتطلب ذكره, إنه منطق الأشياء, فالسيادة الحضارية المعاصرة للغرب لا جدال فيها, فكل شيء يتحدث بلغتها, حتى الوسائل التي نستعملها في أخص خصوصياتنا الثقافية ومنها التعبد لا تخلو من الوسائل التي نستوردها من الغرب, وفي حالات قليلة نقلدها تقليدا. على أي حال فإن الجرائد المعربة خاصة تذكر التاريخ الهجري إلى جانب التاريخ الميلادي, أو بعده, وهي تقول إن اليوم يوافق التاريخ الميلادي الذي ذكرته يوم 26 ذي الحجة من عام 1429 للهجرة, فهي مشكورة على هذه الخدمة التي تسهل على من يريد معرفة التاريخ الهجري لليوم الذي يحياه. لكن انظروا مقدار التبعية الحضارية والثقافية التي لا تكاد تترك لنا أي هامش من الخصوصية والحميمية, أما الحديث عن الاستقلال فهو ضرب من الخيال والوهم.
قضيت أغلب أوقات يومنا هذا أمام شاشة الكمبيوتر, أعمل في المواقع والمدونات العديدة التي فتحتها منذ مدة للتدرب بغية الوصول إلى درجة ممارسة نشاط مثل هذا الذي أقوم به الآن, وما زلت أنتظر بشوق كبير مساهمات المبدعين والمثقفين والكتاب في كل المجالات, فهم الذين قد يجودون بمحتوى جذاب لهذه المدونة, التي هي منهم وإليهم, ولا معنى لوجودها بدونهم, وفي الواقع أن حياتنا الوطنية كلها تظل باهتة وعديمة المعنى من غير مساهماتهم المأمولة, فمرحبا بكم سيداتي وسادتي المبدعين والمفكرين والكتاب في كل المجالات, وأهلا وسهلا بالمعلنين عن طريق روابط نشاطهم, إننا في انتظار هؤلاء أيضا الذين سيعطون بمساهماتهم الحياة المادية لهذه المدونة لتسيير شؤونها وترقية أدائها, ومن ذلك تسديد مقابل المساهمات الإبداعية والفكرية التي تكون جديرة بذلك.
في الوطن تحدثت الجرائد اليوم عن شكوى ضيوف الرحمن لهذا العام, الذين يكونون قد اقتربوا من العودة جميعا إلى الوطن, بعد أداء هذا الركن الركين من دين الإسلام, حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا, اشتكوا من سوء التأطير ومن الإهمال, ومن المحاباة التي أوليت لبعض الحجاج, وما إلى ذلك من الصعوبات والمشاكل التي يعانون منها كل عام, والتي تتجدد في كل موسم, إن لم تتفاقم, وعنوان ذلك خاصة هو العدد الكبير من أعضاء البعثة المزعومين, وما هم بأعضاء في الحقيقة, بل هم من أصحاب الجاه والسلطان الذين يتبرع عليهم المسؤولون على تسيير شؤون الحجاج الجزائريين, أو قل إنهم يخصصون لهؤلاء نسبة كبيرة من عضوية البعثة, وطبعا فهم بذلك يتمتعون هم ومن معهم من الزوجات والأقارب بأوامر بمهام كأعضاء في البعثة الرسمية, ومن ذلك المجانية التامة في النقل والإقامة بالإضافة إلى مبلغ معتبر بالعملة الصعبة لكل فرد فيهم على اعتبار أنه يحمل أمرا بمهمة. لقد أفتوا لهم بجواز هذا الحج, ولست أسمح لنفسي بالإفتاء, لكن مثل هذه الفتوى لا تروق لي ولا أهضمها ولا أشعر بالطمأنينة إليها, إن هؤلاء المحظوظين بإمكانهم أن يحجوا مرات ومرات ومرات, دون أن يصابوا بأي إرهاق مالي, إنهم أثرياء, ونفقات الحج لا تمثل بالنسبة إليهم حتة ثمن شراء رغيف واحد من الخبز, فإذا كان للمسؤولين على الحج أن يتبرعوا فليفعلوا ذلك على الفقراء والمساكين!!! وإن كان رب العباد قد وضع شرط الاستطاعة العامة أي المالية والصحية وغيرهما, ولا وجوب للحج على فاقد الاستطاعة الشاملة. هذا سبب هام من أسباب الإهمال والضياع الذي يعانيه الحاج الجزائري المغبون كل عام تباعا, ولا احد يلتفت إليه, فما معنى هذا؟؟؟ غير أن هذا التصرف الغريب الذي يدخل في باب تبادل المصالح بين المسؤولين عن الحج والمستفيدين من أصحاب الجاه والسلطان لا يعني أن باقي اعضاء البعثة الحقيقين يؤدون واجباتهم, ففي العالب لا يراهم الحجاج إلا في المطار عند الذهاب, فإذا بلغوا الأماكن المقدسة لا يجدون لهم أثرا يذكر بعد ذلك إلا من باب الصدفة أحيانا عند أداء مناسك الحج, حيث يجدونهم لا لخدمتهم أو تاطيرهم بل يلتقون بهم كما يلتقون بزملائهم, ونادرا ما يحدث هذا اللقاء غير الوظيفي, لأنهم يتجنبونه ويحسبون لذلك كل حساب, على أساس انهم هم الآخرون مستفيدون, وليسوا موفدين لا نقول لخدمة الحجاج, فهذه عبارة بعيدة بعد السماء عن الأرض عما يجري على أرض الواقع, بل نقول فقط ليتهم يتواضعون بالإرشاد والسهر ولو قليلا على حجاجنا المساكين حتى لا ييقعون في التيه ويتعرضون للهلاك وقد لا يستطيع الكثير منهم أداء المناسك كما يجب أن تؤى, وقد يعجزون لعجزهم أن يقوموا حتى بألأركان قياما صحيحا فيضيع منهم حجهم, إذا لم ينقذهم زملاؤهم ويتحملون مشقة مرافقتهم وإرشادهم, وهي مهمة تكاد تكون فوق طاقة البشر, فيكفي الحاج القادر والعارف بالطريقة الصحيحة لأداء المناسك أن يسير نفسه بنفسه, أما أن يتولى مسؤولية واحد أو أكثر من زملائه, فتلك مهمة اكثر من شاقة وأجره على الله, إن حجاجنا الكبار والأميين كثر, وكثيرا ما تجدهم يبكون بكاء مريرا ويذرفون الدموع الحارة خوفا من عدم استطاعهم أركان الحج بطريقة صحيحة, ويتمنون الموت ويفضلونه على ضياع الحج بسبب العجز عن أداء أركانه كما يجب أن تؤدى, إن حالة الحاج الجزائري اليتيم لا تشبهها حالة أي حاج آخر من البلاد الإسلامية قاطبة, يحدث هذا ويتكرر كل عام, بل يتدهور أكثر, ولا أحد يتصدي لتغيير المنكر!!! فما معنى هذا؟ وما هو الدرس المستفاد منه؟؟؟ لقد اشتكى الحجاج من سوء الإقامة ومن العبث حتى بالعلم الجزائري المفدى المعلق بإحدى فنادق إقامة الحجاج الجزائريين, وقد نشرت الصحف صورة لذلك العبث!!! كما اشتكوا من التمييز الذي تعرضوا له مقارنة بالفنادق الوضيعة التي أقاموا فيها وكثرة الأفراد في الحجرات, بينما خصصت الفنادق الفاخرة للمحظوظين المستفيدين من ذوي الجاه والسلطان, إنه أمر مكرر سنويا, بل يزداد سوءا من سنة إلى أخرى وما علينا إلا أن نستخلص الدرس المستفاد من هذه المهازل التي تحدث في رحلة الحج وما يحدث فيها من عبث وتهاون وإهمال وتجاوزات بل من إهانات التي طالت العلم الوطني ذاته, وأين في مكة المكرمة, وبين حجيج المسلمين من جميع أنحاء العالم, الملايين من الحجيج, ولله في خلقه شؤون!!!
مما جاء في جرائد اليوم أن شركة سونطراك للبترول والغاز قد أمنت على مستخدميها ومن مزايا هذا التأمين أن الذي تدركه الموت قبل 70 عاما من عمره, يستفيد ورثته من مبلغ كبير هو 600 مليون سنتيم
, وذاك يعني ما يعنيه من ظلم اجتماعي لباقي الموظفين في القطاعات الأخرى, ومن تفاوت اجتماعي وسوء تسيير للثروة الوطنية, وإلا ما ذنب الموظف الذي يشتغل بالوظيف العمومي وغيره؟ إنه يموت مجانا دون السبعين, بينما يموت مستخدم سونطراك موتا طبيعيا مقابل هذا المبلغ الذي لا يحلم به أي موظف او عامل في القطاعات الأخرى, وكأن البترول والغاز ملكية لمستخدمي سونطراك, وليس لمجموع الشعب الجزائري؟؟؟ لطلاب البكلوريا ننصح بزيارة هذا الموقع "الفلسفة والتفلسف للطلاب".

الخلاصة: محاباة وامتيازات في الحج لذوي الجاه والسلطان, حيث يكونون بزوجاتهم وربما أعضاء أخر من عوائلهم معتبرين قائمين بمهام, بما يعنيه ذلك من مجانية النقل والإقامة والعملة الصعبة, وها هي سونطراك تحدث المفاجأة وتسن منحة جديدة لا تخلو من غرابة, وهي وقف على مستخدميها دون المستخدمين في القطاعات الأخرى. معنى هذا سياسيا هو التسيب وانفلات الوضع, ومعناه اقتصاديا سوء توزيع الثروة وانتشار الفوارق الضخمة بين موظفي وعمال البلد الواحد, مما يؤشر على فوضى وسوء تسيير وظلم اجتماعي صارخ لا يمكن أن يمر دون إحداث خلل في التوازن العام للوطن وفي الاستقرار والأمن. إنها تجاوزات خطيرة وانزلاقات تقوم بها ويا للغرابة مؤسسات وأجهزة رسمية, إنه الفساد الذي ينخر جسم المجتمع والوطن, مما يعرض كل شيء للانهيار.

ليست هناك تعليقات: