الجمعة، 30 يناير 2009

RFI - Erdogan salué en héros

RFI - Erdogan salué en héros

الشعوب والأنظمة
درس بليغ من دافوس بقلم البطل رجب طيب أردوغان, وإمضاء الشعب التركي الناهض الأصيل, ما كان بالإمكان لأردوغان أن يسجل هذا الهدف الرائع لولا أن الشعب التركي على درجة رفيعة من الوعي ولولا أن الديمقراطية راسخة على الساحة التركية, وإلا لماذا لم يفعل عمرو موسى وهو معني بالموضوع أكثر من أردوغان بملايين ملايين المرات؟ إن الأمر سياسي, والسياسة معيارها الرئيسي المصلحة, وولي نعمة أردوغان البطل رغم كل شيء هو الشعب التركي الذي انتخبه والذي يبقيه في السلطة أو يزيحه عنها متى شاء, في حين أن ولي نعمة عمرو موسى هو النظام المصري فهو لا يستطيع لذلك أن يتصرف إلا بما يوافق اتجاه هذا النظام وإلا فقد منصبه في أول فرصة مواتية, وربما فورا وقبل عودته من دافوس, فكل شيء متعلق بإرادة النظام الحاكم دون سواه. هذه الحادثة الدافوسية تؤشر على مدى الأهمية القصوى لترسيخ الديمقراطية في بلد ما, إنها الاستراتيجية الأم لحماية ذلك البلد وحفظ مصالحه الحيوية من كل عبث محتمل داخليا كان أو خارجيا, وبدون هذا الحارس الأمين تبقى مقدرات أي بلد على كف عفريت, كما هو حال البلدان العربية اليوم, أردوغان لأنه مسلم ولأنه إنساني وقبل هذا وذاك لأنه سياسي في بلد ديقراطي يغضب على رئيس الصهاينة بيريز, وينسحب من دافوس لأنه لم يعط فرصة الرد الكافي على بهتان الرئيس الصهيوني بشأن غزة, وقد وصف تدخله أثناء الجلسة التي خصصت بالطويل, بينما لم يمكن رئيس الحكومة التركية من الرد الكافي بحجة انتهاء الوقت, أردوغان يغضب لغزة وعلى رئيس عصابة تل أبيب, ويحتج بالانسحاب فورا من منتدى دافوس العالمي الذي يضم الكثير من رؤساء الدول والسياسيين ورجال الاقتصاد والأعمال وغيرهم الكثير من مشاهير العالم, لأنه لم يعط الفرصة ليقول ما يريده الشعب التركي الذي انتخبه والذي يحدد مستقبله السياسي, وما جاء إلى دافوس إلا بتكليف من هذا الشعب مصدر السلطة وصاحب السيادة وحده, وكان بالإمكان أن يفقد الكثير من وزنه السياسي لو لم يتصرف كما يجب عليه أن يفعل, وقد كانت المكافأة في مستوى الموقف حيث استقبله شعبه في اسطمبول استقبال الأبطال الفاتحين, رغم أنه لم يزد على القيام بالوجب, غير أن الشعوب كريمة ولا تغمط حق ساستها في البطولة إن هم أحسنوا التصرف وأجادوا التعبير عن إرادتها الحرة ومثلوها أحسن تمثيلا, فلا تبخل عليهم بالمكافأة إقرارا بصواب أفعالهم وتشجيعا لهم على المضي قدما على درب الحرية والكرامة, وتثمينا لمبادرتهم البناءة السليمة وطلبا للمزيد, وفي ذات الوقت موافقة جديدة وانتخاب طارئ بالمناسبة يثبتهم في السلطة ويؤيدهم ويؤازرهم ويدفعهم إلى المزيد من الخطوات العملاقة على درب المجد والآمال العريضة في المستقبل الزاهر المتحقق دونما ريب بإذن الله الواحد الأحد, فلو تعلقت إرادة ابن آدم بما وراء العرش لناله, كل هذا لا ينفي عن الساسة وطنيتهم ولا صفاتهم الشخصية المميزة ولا عبقرياتهم ولا بطولاتهم, بل بالعكس من ذلك فإن الديمقراطية تجعل شعوبهم تعليهم إلى أعلى المراتب وتحتفل بإنجازاتهم وتعترف لهم بالفضل وتزيدهم بالتثبيت في السلطة محاطين بالثقة الغالية والاعتراف بالجميل, وها هي استقبالات الشعب التركي الحاشدة والبهيجة تشهد على هذا السلوك الشعبي الكريم نحو الزعماء الأوفياء. هذه الصورة الرائعة والخصبة غائبة تماما في عالمنا العربي وواأسفاه, وعلى شعوبنا التي عبرت عن حالة معتبرة من ارتفاع الوعي بمناسبة العدوان المجرم على غزة وصمودها الأسطوري أن تدرك بوعي أكبر عمقا بأن هذا المثل التركي الرائع جدير بالتأمل والحفظ, ذلك لأنه هو الطريق الصحيح نحو المجد والكرامة والانعتاق والازدهار, وبدونه لا يمكن أن ننتظر شيئا جميلا يتحقق في وأوطاننا, إن الوعي الذي أنضجته غزة المجاهدة لا ينبغي أن يتراجع أو يتوقف أو يكون مناسباتيا, بل يجب أن ينمو بأقصى سرعة ممكنة, ولتكن غزة الأسطورة نواة له يرعاها وترعاه ينصرها وتطوره, ولتظل المسيرة قائمة نحو مزيد من الوعي مما يؤسس لديمقراطية تمنع نهائيا العبث والتلاعب بالأوطان وبمصير الشعوب, لتقرر الأمة قرارا آخر أكثر استراتيجية من قرارها اعتماد المقاومة لحماية نفسها من العدوان الخارجي وتحرير ما هو محتل من أوطانها, ذلك لأن قرار الديمقراطية يجعلها تسترجع سيادتها كاملة, وحقها التام في أن تمنح السلطة لمن تشاء وتثبت فيها من تشاء وتسحبها متى تشاء, هكذا هي الديمقراطية وهي الاستراتيجية الأم, من ملكها من الشعوب ملك مصيره ومن فقدها عاش في دوامة لا تعرف قرارا ووضع مصيره بين أيدي المغامرين والانتهازيين والمجرمين وكان مآله البؤس والحرمان والمذلة وعبث العابثين. هذه بعض نتائج درس دافوس البليغ, والتي من بينها انتصار أردوغان لغزة كما لم يفعل الساسة العرب ولا ممثلهم في هذا المنتدى العالمي وقد أحسن تمثيلهم, وليس لهم أن يفعلوا ولن يفعلوا إلا ما رحم ربك ممن دفعتهم خصالهم الشخصية إلى اللقاء في دوحة الكرامة, نعم إن أردوغان غضب لغزة وهذا دافع طبيعي, أما موقفه فنابع من إخلاصه لشعبه الذي غضب لغزة لإسلاه وبفعل الجرائم الصهيونية البشعة, فكان أن التقى الغضب الشخصي بالتمثيل الأمين للشعب الغاضب فصنع الموقف البطولي الرائع, ولا يمكن لأي كان حتى رئيس العصابة الصهيونية إلا أن يعجب بمبادرة أردوغان العبقرية ويحسده عليها أو يمجده بسببها إن كان من بين الأصدقاء وذوي القربى, هنيئا لك شعب تركيا الأبي ببطلك الكبير, وهنيئا لك أردوغان بعبقرية اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب, وهنيئا لشعب غزة وشعوب العرب وأمة الإسلام أن لها من بين ساستها مثل هذا الرجل العظيم, وإننا لنشعر بكل فخر واعتزار لكونك يا أردوغان منا وإلينا, فقد أحييت النخوة فينا وأرجعت لنا الثقة في أنفسنا وفتحت لنا باب الأمل عريضا, فكأن المعتصم يهب من مرقده, ولله الحمد وستكون مرفوقا إن شاء الله عما قريب بأمثالك على امتداد الرقعة الإسلامية الشاسعة, وعندها لن يغمض جفن للصهاينة ومؤيديهم وحماتهم وعبيدهم وسينقلبون شر منقلب جزاء ما أجرموا واقترفوا من مجازر يندى لها جبين الإنسانية, فحياك الله أردوغان وعشت لتركيا الناهضة بخطوات عملاقة ولأمتك الإسلامية المجيدة.

بن سي رابح
أستاذ متقاعد من عاصة الجزائر

ليست هناك تعليقات: