الخميس، 19 فبراير 2009

النشر والإشهار/الانتخابات الرئاسية(وجها لوجه)

http://publienstext.blogspot.com/(عنوان المدونة الشخصية)
إلى جريدة الخبر الغراء
وجها..لوجه
سيدي مدير التحرير المحترم, تحية طيبة, وبعد/
شكرا على فتح هذا الفضاء الجديد لقراء الجريدة, الذي أقل ما يقال فيه إنه مبادرة بناءة في سياق النضال من أجل حرية التعبير
من قائمتكم المقترحة اخترت
الانتخابات الرئاسية المقبلة .. هل هي انتخابات تعددية أم مجرد استفتاء؟
لماذا هذا الاختيار؟ الأسباب متعددة ومتشعبة, منها أن هذا هو موضوع الساعة, وأن الحديث فيه ذو شجون, بالإضافة إلى أنه موضوع مصيري يلخص وضع الأمة الجزائرية الراهن وآفاق مستقبلها, ثم إن الجزائري بطبعه حيوان سياسي, ينجذب بقوة عجيبة إلى موضوعات السياسة, ربما أن ذلك يعود إلى معاناته التاريخية الطويلة والمريرة, وحساسيته المفرطة لذلك نحو الحرية والمساوة والعدل. وبداية أقول إنه لا وجود لجزائري واحد في نظري يعتقد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تعددية, حتى لو ادعى ذلك وأقسم بالأيمان المغلظة أنها كذلك لأسباب تخصه, فإنه في أعماق نفسه يقر بزيف دعواه, وهنا يطرح سؤال كبير: لماذا ليست هي بتعددية؟ ذلك بكل بساطة لأن الأحزاب التي يمكن أن تشكل نوعا من المنافسة للمترشح الرئيسي أو الحقيقي, إما أنها غير موجودة على الساحة الوطنية تماما, أو أنها خارج اللعبة الانتخابية, إما بالمقاطعة, أو بالمساندة, وهل يمكن أن نتحدث عن تعددية في غياب التنافس بين الأنداد أو على الأقل أشباه الأنداد؟ إذن المسألة محسومة ولا تعدد فيها, وأي كلام غير هذا هو من قبيل تغطية الشمس بالغربال, إن الديمقراطية التي أعلنت ذات يوم من عام 1989 قد ألغيت عمليا, وهو أمر مؤسف, لأنه لا يمكن تصور نهضة حديثة ومجتمع معاصر مزدهر في غياب الديمقراطية, فمهما كانت مثالية الفرد, ومهما بلغت درجة وطنيته, فإنه لا يستطيع أن يحل محل صاحب المصلحة الحقيقية في بناء المستقبل الكريم, الذي هو الشعب وحده دون غيره, والشعب بطبيعة الحال لا يمكن له أن يمارس الديمقراطية المباشرة لأسباب عملية, ولا بد له من أن يتهيكل سياسيا في أحزاب وهيئات للمجتمع المدني, وهذه الهيكلة لا زالت غائبة واقعيا, لأن المعارضة السياسية مرفوضة حاليا, ولأن الأحزاب والهيئات الموجودة صوريا لا بد لها أن تنخرط في اللعبة السياسية كلجان مساندة أو تختفي من الساحة أو على الأقل تتعرض للقلاقل والشلل العملي, ذلك لأن الإرادة السياسية في بناء المجتمع الديمقراطي غائبة, وهو أمر طبيعي بالنسبة لأي نظام حكم, وإذا كان لا بد من اللوم وتحميل المسؤولية, فإن كل اللوم على الأحزاب والهيئات التي تنازلت عن دورها مقابل بعض المنافع المادية لقياداتها, وأيضا النخبة الثقافية وغيرها من النخب الوطية, فهي مسؤولة كل المسؤولية, ومحل لوم أكثر من جهة أخرى, وقد يكون هذا الأمر طبيعي كذلك بالسبة للأحزاب وهيئات المجتمع المدني, لكن لا عذر للنخب أبدا, وحينئذ وبعد النخب, لا بد أن يتوجه اللوم إلى صاحب الشأن, إلى الشعب الذي صار عالما بهذه الحقائق, لكنه لا زال لم يحكم الحكم العادل على هذه الأحزاب المستقيلة من مهمة تمثيله وقيادته للدفاع عن مصالحه الحيوية, ما زال غير رافض لها رفضا قاطعا, ولا زال غير مقاطع لها في المناسبات التي تعود إليه أو بالأحرى في المناسبة الوحيدة وهي الانتخابات بمختلف أنواعها, وليس عدم رفضه لها في اعتقادي راجعا إلى انعدام الوعي, وإنما يعود ذلك إلى أسباب معقدة, أهمها القيادات الاجتماعية والدينية المحلية, المتكونة خاصة من زعماء القبائل والعروش وشيوخ الزوايا, هؤلاء يزكون مرشحين محليين, ويتقاسمون بشكل أو بآخر المنافع مع المترشحين والأحزاب والهيئات التي ينتمي إليها هؤلاء المترشحين, مقابل التأييد والتجنيد المحليين, ويبدو لي أن هذه هي الرابطة الأهم التي تجمع بين المواطن في الولايات الداخلية خاصة وبين المترشحين وقياداتهم الحزبية أو حتى الأحرار, وهي رابطة لا يمكن وصفها بالسياسية وعلى الأخص بالتعددية الديمقراطية, فإن وصفت بالسياسية تجاوزا, فإنها ممارسة متخلفة, قد تصح نسبتها إلى عهد الإقطاع أو شيء من هذا القبيل, وأظن أن هذا هو السبب الرئيسي الذي يفسر ضعف المشاركة الانتخابية في المدن الكبرى, ذلك لأن المواطن فيها أو على الأقل الأغلبية الساحقة من المواطنين فيها, ليست لها قيادات قبلية عروشية أو دينية, وبطبيعة الحال فإن التأثير الحزبي الخالص ضعيف جدا, ومن ثم فهو عاجز عن تجنيد السواد الأعظم من المواطنين للمشاركة في الانتخابات, وحبذا لو وقعت دراسة هذا الموضوع الهام والاستراتيجي دراسة علمية لتعميم الفائدة وتعميقها, وإذا كانت بعد الدراسات العلمية والأطروحات الجامعية قد تمت في هذا المجال, جزئية كانت أو شاملة, فإنني شخصيا أجهل ذلك.وفي الختام أقول إن الانتخابات المقبلة ليست سوى استفتاء, وقد تكون المشاركة فيها هامة من حيث الكم في الولايات الداخلية خاصة, لأسباب عديدة, منها خوف الشعب من المغامرات والفراغ الرهيب, وعلى أي حال فإن الرئيس في غنى عن تأييد من أشباه الأحزاب الموجودة, لأن الشعب يقيم علاقة مباشرة معه, ولا يحتاج إلى أية وساطة وذلك كما كان الأمر دائما منذ فجر الاستقلال, حيث إن الأمور الجوهرية في سياسة الحكم لم تتغير منذ ذلك الحين .
بن سي رابح
أستاذ متقاعد من مدينة الجزائر

ليست هناك تعليقات: