الثلاثاء، 24 فبراير 2009

القرار المنتظر

الآن جاء دور البشير
من يهن يسهل الهوان ...عليه ما لجرح بميت إيلام
بالأمس صدام وكانت هناك مبررات صحيحة أو مزيفة, واليوم البشير, وغدا من؟ هكذا صار حكام العرب يقادون إلى المشانق بأسهل مما يذهب بالمواشي إلى المسالخ. بالأمس كان المتهم هو بوش السفاح, واليوم من هو المتهم؟ لقد ذكرت الأنباء اليوم أن كلا من أمريكا وفرنسا وبريطانيا, تؤيد قرار القبض المنتظر على رئيس السودان, الذي قيل إنه سيصدر يوم 04 مارس, أي بعد حوالي أسبوع, من قال هذا؟ مجرد شائعات تتداولها وسائل الإعلام العالمية, قالت الحكومة السودانية أن القصد منها هو زعزعة الاستقرار الداخلي للبلد, كما قالت إنها لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ولا تتعامل معها لأنها ليست عضوا فيها, غير أن كل هذا غير ذي معنى بالنسبة للمحكمة الغريبة التي استحدثت لهذا الغرض, لتقويض البلدان العربية والإسلامية, فالسودان الآن معرض للتمزق بأكثر مما وقع للعراق, وهذا هو بيت القصيد, إنهاك الضحية قبل الانقضاض عليها بسهولة ويسر. الغريب هو سكوت النظم السياسية العربية, وكأنما على رؤوسها الطير, وكل من قادتها ينتظر دوره المحتوم وهو لا يحرك ساكنا وكأنما هو ممن يتعاطون المخدرات, يحملقون في الخطر ولا يقدرون حتى على الفرار منه, وإنما ينتظرونه ببلاهة حتى يأتي عليهم, ويزهق أرواحهم, كما وقع لصدام, وقد قالوا وقتها إنه هو الذي سعى إلى حتفه بيده بمواقفه وتصرفاته الطائشة والعدوانية, فماذا يا ترى سيقولون عن البشير؟ وماذا يقولون عن مصائرهم, وقد اتضح الآن أنهم جميعا معنيين بحبل المشنقة الغربية؟ التي تسعى إلى العودة لنشر الاستعمار بشكل أو بآخر. صورة لم تكن مألوفة حتى في عز أيام الاستعمار السوداء, لماذا لم يحاكم زعماء المقاومة في القرون الثامن عشر والتاسر عشر والعشرين؟ أيام المد الاستعماري العاتي؟ بكل بساطة لأن تلك الأيام كانت أفضل, ولأن إجرام غزاة ذلك الزمن لم يخطر ببالهم ما يخطر بأدمغة الاستعمار الجديد, ولأن مثل ذلك الفعل كان سيؤجج عليهم شعوب المستعمرات, ويدفع بها إلى المقاومة الشرسة, فتصوروا لو أن الاستعمار الفرنسي البغيض عمد إلى محاكمة الأمير عبد القادر وإعدامه؟ كانت تلك الفعلة ستجلب عليهم متاعب لا تتصور, وربما عصفت باحتلالهم العدواني للوطن الجزائري. اما الآن فإنهم عمدوا بكل بساطة إلى إعدام صدام بعد احتلال بلاده وإسقاط حكمه ثم سجنه, ولم يحدث رد فعل مزلزل ولا حتى محتج, ومر كل شيء بكل يسر, لذلك تشجعوا وها هم يثنون بالبشير الذي قيل إنه أول رئيس يحاكم وهو في السلطة في تاريخ العالم كله! وكل المؤشرات تدل على أن مثل هذا الأمر إذا حدث فلن يؤدي إلى أي رد فعل مخيف بالنسبة للعلاقات الغربية مع النظام العربي, ولا على مصالحهم في البلدان العربية الإسلامية, لكن السودان سوف ينشطر إلى شظايا متناثرة وينمحي من الخريطة كوحدة جغرافية وهذا هو القصد. بعد جريمة غزة النكراء ها هي هذه الحادثة تكشف عن مدى الهوان الذي بلغه الوضع العربي, وعن المأزق الذي انتهى إليه النظام العربي حتى في التضامن بين أعضائه, أما الشعوب العربية والإسلاية فإنها غير مبالية لأن العلاقة بينها وبين معظم قياداتها تساوي الصفر أو ما دون ذلك, وهذه الحقائق مدروسة في الغرب الاستعماري بكل دقة وعناية, فهم من الناحية الاستراتيجية بصدد تفكيك البلدان الثرية ذات الرقعة الواسعة مثل السودان, لأنها تمثل مشروع قوة يجب التخلص منها قبل أن تنهض وتبدأ في طرح المشاكل وتهديد المصالح كما تفعل إيران اليوم, فبلد واحد حيرهم فما بالك لو تكاثر إلى عدة بلدان, وما يمكن أن ينجر عن ذلك من تضامن بينها, ولا نقول اتحاد, لأنهم سوف يعملون المستحيل وإن أعيتهم الحيل يلجأون إلى الحرب كما فعلوا مع العراق, لكن ذلك قد يصبح مسعصيا, ولذلك عليهم أن يستبقوا الخطر قبل أن يصير واقعا. وأيضا هناك الجانب الاقتصادي النفعي العاجل, وهو ثروات السودان الضخمة وخاصة منها مخزون بتروله الذي يبدو أن الصين قد وضعت عليه اليد أو كادت, وهذه هي جريمة البشير وليست جريمة الحرب كما يدعون, جريمته هو أنه شق عصا الطاعة واراد الخروج عن الاحتكار الغربي للثروات العربية, وهو أمر مرفوض بكل المقاييس, وما دام الإعدام ممكنا بسبب تهمة اتخذت ذريعة وهي ارتكابه لجرائم حرب في دارفور, فماذا يمنع من استعمال هذا السلاح والانتهاء من هذا الأمر المزعج؟ إن الحل سهل وميسور, فلماذا لا يستعملونه؟ قد يفعلون وينجحون في عملية الإعدام أو الإزاحة من الحكم بسبب ما يصدر عليه من المحكمة الجنائية الدولية, لآنه يكون مضطرا للاختفاء, ولأنهم سيتطوعون لتنفيذ الحكم بوسائلهم القوية المتعددة, كما يفعل الصهاينة الآن مع اسماعيل هنية والشيخ نصر الله, وسواء أعدموه أو أزاحوه عن الحكم, فسوف يخلو لهم الجو لإحكام القبضة على ثروات السودان وتفكيكه كما يتصورون, غير أنهم ينسون أن المشكلة ليست مع الرؤساء والملوك والأمراء, وإنما مع الشعوب, وقد اختارت هذه الشعوب المقاومة كاستراتيجية لا بديل لها ولا غنى عنها لمحاربة الصهيونية والاستعمار دفاعا عن أرضها وعرضها, وعندها سوف يندمون حيث لا ينفع الندم, ما دامت المقاومات تتكاثر كما ونوعا حيثما وضعوا أقدامهم, وسوف يأتي اليوم الذي تتوحد فيه هذه المقاومات المضفرة, وعندها سوف يعجزون فعلا عن مواجهتها, وقد يرحلون دون أي اتفاق فرارا بجلودهم كما فعلت العصابة الصهيونية في جنوب لبنان, إن المسألة بالنسبة إلى الشعوب جوهرية ومصيرية, ولن تتردد في دفع المهر الغالي في سبيل حماية الأوطان والكرامة, لكن الاستعمار تلميذ غبي, وما عليه إلا أن يقطف ثمار غبائه المفرط. ومن شدة ارتباك النظام العربي وضياعه ووقوعه حتى الرقاب في التيه, ينسى الجرائم الفظيعة التي لا تزال جراحها تنزف في غزة, ولا يضج محتجا على هذه المحكمة المتواطئة مع أكابر المجرمين والمتسترة عليهم, فما هي نسبة حوادث دارفور إذا صح تورط البشير فيها, وإذا كان ليس من حقه كرئيس دولة أن يواجه التمرد الذي صنعه الغرب؟ ماذا ستكون نسبة هذه الوقائع في دارفور إلى جريمة إبادة شعب غزة وتخريبها؟ لم نسمع بصوت يرتفع على الساحة العربية محتجا بهذه الطريقة, ربما لأنهم خائفون من تهم مماثلة, ولقد صدر تصريح اليوم عن أحد المسؤولين الكبار يقول فيه إن الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي يبدلان مساعي لتأجيل تنفيذ المذكرة التي ستصدر باعتقال البشير لمحاكمته, مدة عام, وياللعجب أهذا هو سقف الطموح العربي والإفريقي؟ تأجيل تنفيذ المذكرة وليس منع صدورها, هذا كل ما يطلبون, إنهم مهيأون تماما للتصفية الواحد بعد الآخر, وتنفيذ المخططات الاستعمارية المعدة لكل بلد على حدة, وفي المحصلة المنطقة كلها, أي إعادة هيكلة البلدان كل حدة ثم رسم صورة جديدة تناسبهم للمنطقة كلها, وليس هناك من مانع يقف في وجوههم ما عدا عامل المقاومة التي وإن كانوا لا زالوا يمنون أنفسهم بإنهائها, إلا أنهم في قرارة أنفسهم يعترفون بوجودها وبما تسببه لهم من إزعاج, لكنهم لا يذهبون إلى حد الظن بأنها سوف تهزمهم في نهاية المطاف وتطردهم شر طردة عن جدارة واستحقاق.

ليست هناك تعليقات: