الخميس، 12 فبراير 2009

من دفاتر الأيام

الحرب المنسية

أسدلت ستائر النسيان على حرب لا زالت دموعها لم تجف بعد, فما بالك بالدماء, ذلك لأن الإعلام العالمي صهيوني, أو شبيه بذلك, في حين أن قسا شكك في الهولوكست فطردته الكنيسة واعتذر الفاتيكان لليهود, بل للصهاينة, وديبلوماسيا بريطانيا رفيع المستوى عبر عن شعوره اتجاه هولوكست غزة فوجد نفسه في قفص الاتهام أمام القضاء, وربما فقد عمله, وحلت به اللعنة إلى يوم ينتهي الكابوس الصهيوني من هذه الدنيا المدنسة, شيء غريب حقا, بينما المقاومة المنتصرة في غزة تتعرض للابتزاز والمضايقة والمحاصرة وكل الشرور بسبب عجز الصهاينة عن تفكيكها والتنكيل بمن بقي على قيد الحياة من أبطالها الصناديد, ولأنهم لم يستسلموا طواعية للمجرمين من الصهاينة ومناصريهم وعبيدهم, فما عليهم إلا أن يتداركوا شنيع فعلهم ويستسلموا الآن مرغمين بالحرب الأكبر التي وجدوا أنفسهم داخل أتونها, وإلا هددوهم بمنع الهواء عنهم بعد الغذاء والدواء, والحال أن شبه الأحياء من شعبهم الصامد يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في عز الشتاء, هكذا هو الجزاء من أمة العرب على الانتصار المدوي, عفوا من "المعتدلين", أما عرب الدوحة الفيحاء فليس في أيديهم الكثير, فلا معبر لهم ولا حدود مع غزة المجاهدة, ولا حديث لهم مع الصهاينة والغرب ومن سار في ركبه من الهامشيين في مختلف قارات العالم, نفاقا وخوفا وطمعا, لكن عرب الدوحة المنيعة لا يخلون من اللوم الإعلامي على الأقل, فما بالهم يفوتون هذه الفرص الثمينة, ولا يتحركون إعلاميا وديبلوماسيا وشعبيا أيضا؟ لماذا لا يشهرون هذه الوقائع الغريبة, والمفيدة لتبيان الكيل بالمكيالين, وكشف السلوك العنصري والحقد الديني والحضاري؟ لماذا لا يفضحون الفاتكان والقضاء البريطاني وغيرهما؟ إن المشكلة تكمن في انعدام التنسيق والاستراتيجية الإعلامية والسياسية والديبلوماسية, ولن يذهب هؤلاء بعيدا بمجرد حسن النية التي تفرش كما يقال الطريق إلى جهنم, إن أخطاء الصهاينة بل جرائمهم اليومية تكفي لتسويد وجوههم أكثر مما سودها الأبطال الرضع والأطفال الأبرياء في ملحمة غزة الخالدة, لا بد من تثبيت هذه الفظائع كما يثبتون هم الفظائع الخيالية, فظائع العدوان المجرم وهي حقيقة موثقة سكت عنها رئيس الفاتكان وقادة الغرب المتحضر والإنساني حتى النخاع, ولماذا لا نقتدي بإستراتيجيتهم الإعلامية والديبلوماسية الماكرة, التي تجعل الناس في الغرب ذاته, ليس مجرد الناس, بل الشخصيات المرموقة تلاحق وتضايق بل قد تعدم معنويا على الأقل بتهم غريبة جدا؟ مثل التشكيك في المحرقة أو معاداة السامية, لقد وجهت إلى الديبلوماسي المسؤول البريطاني تهمتيا معاداة السامية, وإثارة الكراهية بين منتسبي الأديان, ويا للغرابة, إنهم يجاهرون بعنصريتهم وكراهيتهم للإسلام ويقولون إنهم يفعلون ذلك بدافع حرية التعبير, ويا لها من حرية مخزية! أما عندما يتعلق الأمر بالصهاينة فإن عرش البابا يهتز, وتهرع العدالة البريطانية العتيدة للتنكيل بأحد المسؤولين من مواطنيها, لأن ضميره اهتز وهو يرى أطفال غزة ورضعها يذبحون بكل برودة دم, وتحرق أجسادهم الغضة بقنابل الفسفور والنابالم, بل وبالقنابل الذرية الأمريكية الصغيرة, وتدق عظامهم وتنثر أعضاؤهم في الهواء بالقنابل الانشطارية الحارقة الممزقة, فعندما استنكر هذا الشخص ما شاهده عبر وسائل الإعلام والاتصال, وهو جهنم أين منه الهولوكوست المزعوم؟ هبت العدالة البريطانية العريقة لتلف حبل المشنقة حول عنقه إذا رغب الصهاينة في ذلك, ودون أدنى شفقة أو حتى مجرد تحر! إن عرب الدوحة يتحملون المسؤولية الجسيمة على تفويت هذه الفرص الثمينة دون استغالالها إعلاميا وديبلوماسيا, وإن لهم من الوسائل ما يكفي لينشروا ما يشاؤون في العالم من أقصاه إلى أقصاه, إن العالم أصبح أصغر من القرية الصغيرة, وليس هناك عدو للقضايا مثل النسيان, إنه السم القاتل الذي يبذر التضحيات ويقبرها وهي لا زالت على قيد الحياة, فكيف تنسى جريمة غزة يا عرب الدوحة؟ ثقوا أنه لن يكون لكم تأثير في الأحداث إذا أنتم لم تسارعوا إلى التنسيق المحكم ووضع استراتيجية إعلامية واضحة المعالم سديدة الخطى و دقيقة المنهج, إن عدوكم الصهيوني ومن والاه يهدي لكم يوميا كنوزا لا تقدر بثمن, إنه يهبكم الوقائع والحوادث, فما عليكم إلا أن تترصدوها وتحسنوا استثمارها معالجة ونشرا على أوسع نطاق ممكن, إن جريمة فظيعة مثل جريمة غزة النكراء, لا يمكن أن تمر مر الكرام, ولا ينبغي أن يلفها الظلام, فالأنوار الموقدة بدماء أطفال غزة الزكية, لا يمكن للمجرمين مهما علا كعبهم أن يطفئوها بأفواههم, ولا ينبغي لنا أن نغفل لحظة عن محاولاتهم المجرمة لزرع النسيان فوق الجثث وركام المنازل والمدارس والمساجد, انظروا كيف يستغلون هولوكوستهم الزائف؟ وكيف يديمونه سيفا مسلولا فوق الرقاب في كل أرجاء المعمورة؟ ألا يحق لنا, بل ألا يجب علينا أن نثبت إجرامهم الحقيقي الفظيع ليظل صورة حية كما لو أنها حدثت اليوم طوال تاريخنا الحافل بالتضحيات والبطولات؟ يبقى لنا عبرة ولغيرنا تحذيرا وتعزيرا كما هم فاعلون, بل لماذا لا ننصر من ينصر الحق منهم ويتمرد على الباطل كما يفعلون هم مع الضالين من أبنائنا؟ الذين يتاجرون في الدين والوطن؟ فيحتضنوهم بكل رعاية وحماية ومؤازرة؟ إنهم يرسخون الباطل وهم على بينة من أنه الباطل, بينما نهمل نحن الحق الذي نتيقن من أنه الحق, والذي يصدح بعض الصالحين منهم به, مما يردع غيرهم, فينأى عن الاعتراف جهرا بالصوا ويمتنع عن إعلاء كلمة الحق, هم يظهرون الباطل ويمكنون له في الأرض, ونحن نخذل الحق ونتركه فريسة لفتك الأشرار دون سند ولا نجدة, إن هذه واجهة وجبهة من أهم الجبهات وأخطرها, فلا يمكن تصور المضي قدما في طريق التحرير والكرامة دون الوقوف بعزم وحزم وتخطيط سديد على هذه الجبهة الإعلامية الديبلوماسية, التي هي دون جدال حرب أكبر من الحرب, أو القتال الشرس الضاري بوسائل أخرى, انظروا كيف يهاجمون تركيا وبطلها أردوغان يوميا باستغلال صحافة وإعلام المتطرفين الموتورين من الأرمن, الذين ينبشون ما يسمى بإبادتهم في العصور الغابرة على يد السلطة التركية وقتها, ولا يتوانى الإعلام الصهيوني الغربي عن استعمال هذه الورقة البالية في كل مطلع شمس لتشديد الخناق على أردوغان الفارس, ومن خلاله تركيا المسلمة لأنها كذلك, وها هم يلوحون بأن الكونغرس سيدرس هذه القضية, قضية إبادة الأرمن ذات يوم من الأيام الخوالي, لكنهم لا يذكرون مجرد الذكر هولوكست غزة الحقيقي, الذي لا زالت المعاناة الأليمة منه تشهد بالدليل الحي على أكبر جريمة عرفها تاريخ البشر, وها هي المعابر مغلقة لتمنع الدواء والغذاء والغطاء عن الأطفال والرضع الجرحى الذين لا يملكون سقفا يأوون إليه, فقد سووا كل شيء بالأرض وتركوا غزة المباركة خرابا يبابا, لم تسلم من أياديهم الآثمة حتى الأشجار والأحجار تخريبا وتجريفا وتدميرا. أينسى هذا والمعاناة لا زالت مجسدة يبلغ أنينها عنان السماء آناء الليل وأطراف النهار؟ إن النسيان في هذه الحالة المأساوية تفريط وخمول وتقصير وقصور, بل هو العجز الذي يجعل الإنسان في مرتبة الجماد, الذي يظل ساكنا ما لم تتدخل قوة خارجية لتهبه الحركة أو تسلط عليه تأثيرها ليسير إلى حيث تريد له السير. ثم إننا لا نتحدث عن مسألة الانتخابات الصهيونية بالمعنى الذي يظهر ارتباكها ومتاهتها وأسباب ذلك المرتدة إلى انتصارات المقاومة منذ عام ألفين, والذي أفقد الكيان الصهيوني توازنه, حتى أنه لم يستطع أن يبلور رأيا ولا موقفا في الانتخاب وبه, وهي ظاهرة لم تحدث أبدا في تاريخه, لأنه لم يسبق له أن واجه الهزيمة إلى أن أذاقته علقمها المقاومة المجاهدة في جنوب لبنان وفي غزة, إن هذا التيه وهذا الهوان, رغم ما يحيط به من نصرة غرب وعرب, لا يقلون عنه ضلالا وتيها, هو بداية النهاية لمهزلة تاريخية, لا يمكن لها أن تصمد طويلا أمام التاريخ والجغرافيا وطبيعة الأشياء, لكن هذا حديث آخر, سوف نعود إليه بعد اكتمال فصول انتخاباتهم, المهم هنا هو ألا نضيع ثروة التضحيات, ولا يجب أن نترك النسيان يأتي على جريمة الصهاينة في غزة الأسطورة, إننا لو فعلنا نكون قد بذرنا أهم ما لدى الفلسطينيين والعرب من رصيد لا مثيل له, وعلينا إن أعيتنا السبل أن نتعلم من العدو المجرم في هذا الميدان الحساس, ميدان الإعلام والديبلوماسية.

بن سي رابح
أستاذ متقاعد من عاصمة الجزائر

ليست هناك تعليقات: