الأحد، 22 فبراير 2009

القافلة البريطانية

القافلة البريطانية الشهيرة
جورج غالاوي في رحلة إنسانية إلى غزة, شيئ جميل, قافلة ضخمة من عشرات الشاحنات العملاقة محملة بالمساعدات العاجلة لضحايا الإجرام الصهيوني في غزة الشامخة الجريحة, هذا السيد الذي اتضح أنه مشارك هام وليس صاحب الشأن دون غيره في قيادة القافلة, فقد وضح بعض القياديين في العملية أن صاحب المبادرة هم مسلمو بريطانيا, هذا توضيح هام, لكن غالوي لا يقل شأنا عن شافيز وأردوغان ونجاد, فليس من السهل الجهر بمعارضة العصابة الصهيونية وفي بريطانيا بالذات, فالرجل يستحق كل تقدير, وقد سبقته شهرته بالإنسانية والعدالة والكرامة إلى كل البقاع التي تسلكها المجموعة, ثم إن السيد/ غالاوي لم يفعل شيئا ينبئ بأنه يحاول استغلال الفرصة لصالحه, وأي مصلحة يمكن أن يبحث عنها الرجل وهو قد انبرى للصهاينة بالاستنكار والفضح والمعارضة, فهذه شهادة حاسمة في كونه ضحى بما يلهث غيره وراءه من المصالح المتعددة المرتبطة بالصهاينة, كونهم يسيطرون على التجارة والاقتصاد العالميين, ومن ثم يخضع لهم الساسة بحثا عن المال والشهرة ودوام النعمة, السيد غالوي فاز بالبطولة الإنسانية دون منازع وخلده التاريخ بسبب مواقفه الإنسانية الخالصة والشجاعة, غير عابئ بالمصالح والأخطار المحدقة به, وما مثال غارودي عنا ببعيد, لقد اختفى نهائيا من الساحة الإعلامية والثقافية, لأنه راهن على الحق وأنكر مزاعم الصهيونية في الهولوكست وغيره, مما أكسبهم عطف الغرب ودوائره المتمسحة به, من بعض بل من الكثير من دول المتخلفين, أو بالأحرى النظم الحاكمة فيها, والتي لها هدف واحد واضح هو التمسك بالحكم وجمع الثروات الطائلة وتبديدها فيما حرم الله. إني أكاد أجزم بأن هذه الحقائق أصبحت واضحة تماما ومن ثم مكتسبة في جميع بلاد العالم الثالث, كما كانوا يسمونه, لهذا وجب على المواطنين أن يحرصوا كل الحرص على الاستقلال الذي أحرزوه بالنفس والنفيس, ويعملون جاهدين من أجل الرقي المتواصل بسرعة مقبولة. لكن ماذا عن هذه الضجة من حول القافلة البريطانية, التي بدأت من بريطانيا ثم عبرت إلى إسبانيا فالمغرب, وقد اجتازت اليوم الحدود التي فتحت لها استثنائيا, وهنا بيت القصيد, لا شك أن مثل هذا القرار الاستراتيجي إنما يكون دون ريب قد اتخذ على مستويات عليا في البلدان المعنية جنوب المتوسط خاصة, حيث إن فتح الحدود المغلق بإحكام بين المغرب والجزائر هو من قبيل الإعجاز, ذلك أنه لا يدور بخلد المواطنين وحتى الساسة على جانبي الحدود بأنه بالإمكان فتح الحدود التي طال أمد غلقها, وهو أمر جيد يدخل في باب قهر المستحيل, لكن لمن يعود الفضل؟ ومن الذي استطاع فتح الحدود بهذه البساطة؟ والسبب هو عبور قافلة للمساعدات البريطانية برا حتى تبلغ غزة, وتنعم بإغاثة بعض الذين نجوا من الموت الصاعق, فلماذا لم تستعمل القافلة باخرة؟ أليست أفضل من الشاحنات من جميع النواحي؟ وما القصد من هذه التظاهرة الإنسانية اللافتة للنظر؟ وهل كان بالإمكان فتح أي حدود عبر المسار الذي رسمه غالوي ورفاقه؟ وهل يمكن تخيل مجرد تخيل أبواب رفح تشرع للقافلة العملاقة لو لم تكن قادمة من الشمال؟ عقدتان من أكبر عقد العصر والظروف, معبر رفح والحدود الجزائرية المغربية المغلقة منذ سنوات عدة, ولا يلوح في الأفق حصول معجزة فتحها, تحلان بقدرة قادر, هل المسألة تتعلق بالجلد الذاتي والشعور المتزايد بالمذلة لدى أهل جنوب المتوسط؟ هذه الجماهير التي كانت يوما تخوض غمار الحروب للانتشار في كل جهات الأرض حاملة معها رسالة الحق والصدق وتشييد حضارة من أروع حضارات التاريخ, هي الآن بحكم الوضع الحضاري العالمي الراهن, تتجرع كأس المرارة في علاقاتها المهينة ببقية الأمم, وفي الكبح القاسي والظالم التي تمارسه عليها حكوماتها المستبدة الهزيلة. هل هذا هو السبب في أن يكون حمارهم أحسن من حصاننا؟ نعم إن غالوي شخص فوق الجدل بفعل احترامه لإنسانيته في تصرفاته مع غيره من الأفراد والشعوب, إنه يصدر عن قناعاته وعن رقيه الحضاري وقيمه الإنسانية النبيلة, لا لأنه صديق للعرب و الفلسطيين أو عدو لليهود والصهاينة, فإن حدثت مواقف ترجمها الآخرون بالصداقة لهم أو العداء ضدهم, فذلك أمر عرضي وليس بجوهري بالنسبة لغالوي, وبيت القصيد في هذا السياق هو لماذا نكيل بمكيالين على المستوى الرسمي خاصة ظالمين أنفسنا بأكثر مما يظلمنا الاخرون؟ إن هذه القافلة لو كانت عربية لما استطاعت أن تفتح الحدود الجزائرية المغربية أبدا, ولما تمكنت من فتح معبر رفح الجهنمي!!! بينما العكس تماما يحدث على الضفة الشمالية, بحيث إذا كانت القافلة أوروبية أو غربية عموما لاخترقت الحدود بكل يسر, أما إذا كانت عربية أو مسلمة أو جنوبية عموما, فربما منعت من العبور, وإن سمحوا لها فإنما يكون ذلك بعد العبور على إجراءات من قبيل الصراط المنصوب فوق الجحيم. أن يصل الهوان بأمة إلى درجة احتقار نفسها في صورة أفرادها أو شعوبها, وتمجيدها إلى درجة التقديس لكل ما هو غربي من أفراد وشعوب, وربما فعلت أكثر من ذلك عندما تتعامل مع عدوها الصهيوني المجرم, إن مثل هذه الأمة تكون قد بلغت الدرك الأسفل من الانحطاط, وهي في مفترق طرق حقيقي, فإما أن تسلك طريق الفناء والاندثار, وإما أن ترفع التحدي وتحدث القطيعة وتنبعث من جديد على أيدي شعوبها وشبابها الذين عليهم أن يسارعوا إلى أخذ زمام المبادرة وقيادة أوطانهم إلى فضاءات جديدة, جديرة بانتعاش الأمل, والسير في الطريق السليم, طريق النمو وخاصة منه النمو البشري وتكديس الثروة البشرية أم الثروات والمضي في اتجاه الانتعاش وإحياء الأمل وارتفاع الروح المعنوية, مما يساعد على تجنيد الشعوب واحتضانها للمسيرة الكريمة نحو المستقبل الآمن المزدهر ونحو مجتمع المعرفة والقوة والمنعة. إن غزة صاحبة فضل لا ينكر, لقد تمكنت بعبقريتها المجاهدة أن تدفع وعي الجماهير العربية والإسلامية والعالمية نحو الأعلى بمقدار مئات السنين, فلها كل الشكر الجزيل, وللمساهمين معها في إيقاظ الوعي الشعبي الخلاق, أمثال غالاوي وأردوغان وشافيز ونجاد, وأيضا وقبل هؤلاء أطراف المقاومة المجاهدة في لبنان والعراق وغيرهما من البلدان المكافحة من أجل التحرر في العالم العربي والإسلامي وفي العالم قاطبة. ولا ننسى المساهمة المترتبة عن أخطاء النظام العربي القاتلة وخاصة منه "معتدليه", وأيضا السلوك العدواني الإجرامي للصهاينة الذين يسعون إلى حتفهم بأيديهم, وكذلك أمريكا وأوروبا ومن سار في ركابهما عبر العالم, كل هؤلائ يساهمون بأخطائهم الجسيمة وبعنصريتهم ونفعيتهم العمياء في رفع وعي الشعوب, ولولا ممارساتهم السلبية لما استطاعت غزة المنيعة أن تدفع الوعي الشعبي العالمي إلى الصعود بهذا الشكل الحاد, وفي الختام نسجل بكل استغراب هذا الدرك الأسفل من الاحتقار الذاتي الذي يمارسه النظام العربي على مواطنيه أفرادا وشعوبا, كما نسجل باستغراب أشد هذا الانحياز الغربي الظالم واللإإنساني للعصابة الصهيونية المجرمة حتى ضد قلة نادرة من مواطنيهم الذين يضطرون تحت ضغط ضمائرهم الحرة إلى استنكار الجرائم الصهيونية ومعارضتهم لها لا لأنها تقع ضد الفلسطينيين والعرب, ولكن لأسباب مبدئية تخصهم وتنبع من ذواتهم, إنه شيء مريع يحير العقل ويجعل المنطق عاجزا عن مؤازرة الفهم مجرد الفهم, غير أن هذا السلوك الغربي على بشاعته الشنيعة, لا يخلو من مساهمة في المساعدة على رفع الوعي الشعبي في عالم الجنوب وفي العالم قاطبة, ورب ضارة نافعة.

ليست هناك تعليقات: