الثلاثاء، 3 فبراير 2009

تهديد تركيا الحرة

تهديد تركيا الحرة
جاءت الأخبار اليوم بما ينذر بحملة شعواء على تركيا بسبب موقفها من العدوان الصهيوني الهمجي المجرم على غزة الجريحة المنتصرة, وبما توج به بطلها رجب طيب أردوغان رئيس حكومتها من إعلاء كلمة الحق في وجه رئيس الكيان الصهيوني والعالم الغربي وغيره في دافوس, تقول التقارير الصحفية اليوم أن مجموعة من وزراء خارجية النظم العربية اجتمعوا في أبو ظبي فجأة, وقيل أن الموضوع هو تدارس الوضع الفلسطيني, لكن مصادر فلسطينية ذكرت أن موضوع الاجتماع هو تنقية الأجواء العربية, أما أحد المجتمعين فصرح بأنه لا يسمح لغير العرب بالتدخل في الشأن العربي, وهناك حديث عن الكونغرس الأمريكي وكونه عازم على معاقبة تركيا على موقفها المبدئي المشرف انتصارا بالطبع للصهاينة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية كلها. من الذين اجتتمعوا في أبو ظبي؟ لا زلنا لم نعرف التفاصيل, غير أن الأنباء ذكرت عددهم وهو تسعة, كما أننا علمنا بالأمس أن الفيصل وأبو الغيط اتجها من القاهرة إلى أبو ظبي, ولم يعلن سبب سفرهما, ومن المكان وتعاقب الأحداث وبعض التلميحات من هنا وهناك, وكون وزيرا خارجية النظامين المصري والسعودي على رأس الحاضرين التسعة, يفهم من هذه المؤشرات أن المتداعين للقاء هم جماعة "العتدلين"! ومما رددته وسائل الإعلام الغربية عن استهداف تركيا, ومما قيل من تدعيم الصف العربي في هذا الاجتماع وعدم السماح لغير العرب بالتدخل في شؤونهم, هذا كله يوحي بأن القوم تلقوا أوامر صارمة ودقيقة من سادتهم المعروفين بأن يدشنوا الحملة ضد الدولة التركية الديمقراطية الحرة الناهضة, ومن هم غير العرب الذين تدخلوا في شأن العرب؟ الكلام واضحا إنه يعني كلا من إيران وتركيا! والسبب هو أنهما وقفتا أثناء العدوان الهمجي الصهيوني المجرم مع غزة الصامدة, في حين أن النظم العربية "المعتدلة", ناصرت بكل ما تملك المعتدي البربري المتوحش, وأنهم لا زالوا يلحون في زمن الحرب الكبرى بعد توقف الحرب الصغرى بعض التوقف, على خنق المقاومة في رفح, وتشديد الحصار عليها أكثر من ذي قبل, ونصب الكاميرات ووسائل الإنذار على طول الحدود لمنع الهواء لو استطاعوا من الدخول إلى غزة بسبب رفضها الاستسلام! وهذا كله منطقي ومنسجم مع مسار الاستسلام من اصطبل داوود حتى اليوم, والمعركة هي معركة حياة أو موت بين الشعب العربي والأنظمة "المعتدلة" وسادتها في فلسطين المحتلة والغرب الاستعماري ومن يسير في ركابه من حكومات العالم. وهكذا بعد إيران التي أقلقتهم اليوم بغزو الفضاء تأتي تركيا المسلمة التي منعها دينها من دخول الاتحاد الأوروبي الصليبي العنصري, إنهم في الحقيقة يحاربون الإسلام وليس المقاومة أو الإرهاب كما يسمونها, والأدلة على هذا لا تعد ولا تحصى, ألم يصرح السفاح المتزمت بوش ذات يوم وهو يعد العدة لغزو أفغانستان أو يوم إعلان العدوان العنصري عليها بأن ما يقوم به هو حرب صليبية؟! إن هذا هو الواقع المر و"المعتدلون" اكتشفوا بعبقرينهم الفذة هذه الحيلة لاتقاء شر الغرب الذي يزعجهم بالدعوة إلى الديمقراطية نفاقا, وهو في الحقيقة إنما يفعل ذلك ابتزازا لهم وضغطا عليهم عندما يحتاج إلى شيء منهم, سواء مواقف أو أموال أو غير ذلك من ممتلكات الشعوب المادية والمعنوية التي يباشر نهبها بهذه الأساليب الماكرة, إنهم يكررون على مسامعه أن الديموقراطية تعني تسلم الإسلاميين السلطة, بسبب انعدام الوعي لدى الشعوب العربية والإسلامية, ولعله من باب الصدف العجيبة أن المقاومة أو معظمها يقوم بها الإسلامييون, وهؤلاء لا يمكنك وضعهم في سلة واحدة, لكنهم لا يختلفون في مسألة المقاومة, بل يتفقون مع التيار الوطني في هذا الشأن, وليس سرا أن المقاومة في غزة كلها بالتقريب إسلامية, , وأن الحكم في تركيا وفي إيران في يد الإسلاميين لحسن الحظ, وإلا من أين للمقاومة بالسلاح والمال وغيرهما, والحال أن " المعتدلين " يشددون الخناق عليها أكثر مما يفعل الصهاينة أنفسهم؟ هذا هو الموضوع الفلسطيني الذي ذهبوا ليتدارسوه في أبي ظبي, ليحاولوا كما تلقوا الأوامر الصارمة بذلك أن يزيلوا المقاومة من الوجود مهما كان الثمن, ويعلنوا الحرب السياسية والديبلوماسية وكل أنواع الترهيب على تركيا بعد إيران, لأن الغرب يريد هذا مدفوعا بالصهاينة ودفاعا عن مصالحه, ولأن "المعتدلين" يرون أن نهاية استبدادهم وتسلطهم تدنو كلما ارتفعت بورصة الإسلاميين, وإن كانت المسألة بالنسبة للشعوب ليست دينية على الإطلاق, وإنما هي وطنية ومصيرية, فلو قادت هذه الأنظمة الخائرة شعوبها إلى التحرر والتطور والنمو لما استطاع الإسلاميون أن يوجدوا أصلا ولما اتبعهم أحد, أما وهم يتولون المقاومة دفاعا عن الأوطان وسعيا للتحرر والتنمية الشاملة وخاصة منها التنمية البشرية كما تفعل كل من إيران وتركيا, ولا وجود لمن يتولى هذه المهام المصيرية الاستراتيجية, فإن الشعوب مرغمة على اتباعهم بحثا عن الحرية والكرامة والازدهار, قبل البحث عن إقامة الحكم الإسلامي الذي هو ذاته مفهوم لدى الشعوب على هذا الأساس أي العدالة والتنمية والازدهار والكرامة, إن المواجهة قد اتخذت بعدا عميقا وواضحا بفضل صمود غزة وبطولاتها الأسطورية, إنها مواجهة قبل كل شيء بين الشعوب وأنظمتها الفاسدة المستبدة وسادتها الصهاينة والغربيين, وللأمر امتداد على مستوى شعوب العالم قاطبة, لقد وضعت غزة المنتصرة شعوب العرب والمسلمين والعالم في مواجهة مباشرة لمصائرهم, وقد اتخذ القرار في غزة المجاهدة بالتصدي للمستغلين مصاصي دماء الشعوب على مستوى عالمي, وماذا يمكن أن تخسره تركيا من النظام العربي "المعتدل"؟ أما الغرب الذي يمنعها من الانضمام إلى اتحاده الأوروبي العنصري, والذي ترتبط به بأشياء كثيرة, من ضمنها عضوية الحلف الأطلسي الاستعماري فإنه هو الذي يحتاج إليها لأسباب استراتيجية ولوزنها الثقيل في المنطقة وللدور المتزن الذي تقوم به جهويا والذي من شأنه تدعيم الأمن والاستقرار الإقليميين, فإنه لا يجد بديلا عن تركيا الشريك القوي الذي لا غنى عنه, وخاصة في غياب إيران الذي فقدها الغرب فقدانا تاما, بعد أن كانت قبل الثورة الإسلامية ركيزة قوية من ركائز الغرب إقليميا, فمهما تعالت الأصوات الصهيونية والمتصهينة ضد تركيا فإن الغرب لن يستمع إليها حتى لو استطاع, لأنه لا يمكن أن يضحي بتركيا بعد إيران مهما فعلت, وهذا ما يدركه أردوغان تمام الإدراك وبقية إخوانه في السلطة وفي الحزب بل وفي الشعب التركي كله, إنهم أذكى من أن يتسببوا في الضرر لأنفسهم كما تريد بعض الأصوات الموتورة أن تفهمنا, بل إن القيادة التركية بالعكس من ذلك تماما ولأسباب مصلحية قبل المبدئية تعتني كل الاعتناء بمصالح شعبها وبمشاعره, وذلك هو سبب موقفها من حرب الإبادة والتدمير وجرائم الإنسانية البشعة المرتكبة في غزة الجريحة, ولنفس الأسباب شمر أردوغان البطل عن ساعد النبل وصفع بيريز المجرم في دافوس صفعة لن ينساها هو ومن معه, وإنها لحادثة تاريخية لا يقوى على إنجازها سوى الذين هيأتهم عناية الخالق جل جلاله ليكونوا في سجل الخلود بين المشاهير والأمجاد على مر التاريخ.

بن سي رابح
أستاذ متقاعد من عاصمة الجزائر

ليست هناك تعليقات: