الأربعاء، 18 فبراير 2009

برلمان الأردن يرجئ

برلمان الأردن يتراجع عن متابعة قادة الصهاينة
برفع قضية ضدهم كمجرمي حرب أمام المحكمة
الجنائية الدولية

يقول رئيس اللجنة القانونية في البرلمان الأردني الذي كان من المقرر أن يسافر اليوم إلى لاهاي لرفع الدعوى, إن القضية أرجئت لأسباب إجرائية لم يوضحها, وهل بالإمكان فعلا أن يرفع النظام الأردني مثل هذه القضية؟ إذا كانت إسبانيا قد عمدت إلى تغيير قانونها حتى لا تقع محاكمة عصابة الصهاينة على جرائم حرب سابقة في غزة تعتبر بسيطة بالنسبة للمذبحة الرهيبة التي تعرض لها الأطفال والنساء والمدنيون العزل, بالإضافة إلى التدمير الذي لم تنج منه حتى المساجد ناهيك عن المدارس والبيوت والحقول ومدارس هيئة الإغاثة الأممية ومكاتب الصحافة الدولية, بل المستشفيات التي كان أغلب من فيها هم جرحى نفس الحرب. أيعقل وقد عجزت كثير من الهيئات الأوروبية عن رفع دعاوى مماثلة بسبب ضغط حكوماتها التي يقال إنها بدورها وقعت تحت ضغط حكومة الصهاينة, أيعقل أن يسمح النظام الأردني لأي هيئة فيه حتى ولو كان البرلمان أن يرفع قضية ضد قادة الصهاينة باعتبارهم مجرمي حرب؟ إن من يعتقد ذلك واهم, ومجانب لمنطق الأشياء, إن النظام الأردني واقع تحت طائلة اتفاق استسلام أمضاها في وادي عربة, فكيف نصدق للحظة واحدة أنه بإمكانه أن يفلت من المنع الصهيوني لأي مبادرة تعاكس مصلحته؟ يمكن أن نتساءل لماذا تركوا الأمر إلى آخر لحظة ولم يمنعوه في المهد حتى قبل الإعلان عنه؟ الجواب بسيط وهو أن الحسابات النفعية تجعل الطرفين الأردني والصهيوني مستفيدين من تأثيرات مثل هذه المبادرة الإيجابية بالنسبة إليهم, فهي بالغة الأهمية في امتصاص الغضب وتهدئة النفوس, حتى إذا فرغوا من استغلال جانبها المفيد لهم أوقفوها بجعل الطرف القائم عليها يبرر الأمر بالطريقة التي يراها مناسبة, لقد استغلوا المبادرة كاملة وتركوها تخدمهم حتى آخر لحظة, ثم أوقفوها بكل سهولة, وهل يمكن للمستسلم أن يأتي بفعل تشتم منه رائحة التمرد على سيده ومولاه؟ هذا هو المستحيل بعينه, ولا يمكن لعاقل أن يتوقف أمامه للحظة واحدة, أما أن تسمي الاستسلام سلاما ضحكا على الدقون, فإنه يمكن أن يصدقك بعض الناس بعض الوقت لكنك لن تبقى صادقا وأنت لست كذلك طول الوقت, فمن المحال أن يصدقك كل الناس كل الوقت, وأنت مجانبا للصواب والحقيقة, إن الانهيار الذي أصاب النظام العربي على عتبة اصطبل داوود غير قابل للجبر, ولن يفلح معه الترقيع, فلا يستطبع العطار إصلاح ما أفسده الدهر, وما على الشعوب إلا أن تحافظ على الدروس التي كتبتها لها غزة بدماء أطفالها الزكية, وتعرف جيد المعرفة أن مصيرها موكل إليها وحدها, وألا سبيل للنجاة سوى بركوب سفينة المقاومة, فتلك هي الاستراتيجية المتاحة دون غيرها, بسبب الظروف السائدة وطنيا, وخاصة لدى النظم "المعتدلة", وإقليميا ودوليا, إذن المقاومة هي سبيل النجاة, فعلى شعوب العرب والمسلمين المستهدفة من الصهيونية والغرب وحكامها "العتدلين" أن تتحمل مسؤولياتها وتتخلص من الأوهام والضباب الذي تنشره الأنظمة الحاكمة قصد المحافظة على كراسيها والمنافع المرتبطة بها, والتي تتفق تماما مع مصالح الصهاينة والغرب, لذلك لا يمكن لهذه النظم أن تفعل شيئا أي شيء حتى لو أرادت, لأنها متورطة حتى الرقاب, ولأنها مقيدة بمعاهدات الاستسلام العلنية أو السرية, ولأن مصالحها السياسية والمادية مرتبطة تماما بمراكز القوى العالمية الغربية, فلا يمكنها أن تكون ضد نفسها, لذلك فمن صدق حكاية رفع البرلمان الأردني أو نية رفعه لدعوى ضد قادة الصهاينة أمام المحكمة الجنائية هو ضحية وهم كبير, لأن البرلمان حتى في البلدانن الديمقراطية لا يمكن أن يقع في صراع حقيقي مع السلطة التنفيذية إلا في أحوال نادرة تحفظ ولا يقاس عليها كما يقال, فغالبا ما يكون هناك توافق على المسائل الجوهرية وعلى الحدود الفاصلة بين السلطة والبرلمان, لأن مصلحة الفريقين تقتضي ذلك, وإن كان الأمر في البلاد الديمقراطية ليس بهذه البساطة, لأن هناك الشعب والمجتمع المدني يراقبان ويعاقبان من يحيد عن الطريق, وينغمس في مصالحه الشخصية أو الفئوية على حساب المصلحة العامة, أما في النظم الاستبدادية مثل التي تسود في أغلب الأقطار العربية والإسلامية فإن الهيئة التشريعية تحت تصرف ورحمة السلطة التنفيذية تماما من الناحية الجوهرية, حيث إن هامش حركة المجلس التشريعي باستقلالية ضيق جدا وهو لا يتحرك قيد أنملة إلا بإذن وموافقة السلطة التنفيذية, والجميع يعرف قواعد اللعبة وينغخرط فيها عادة لأسباب مصلحية نفعية شخصية, ومقابل ذلك يخضع المجلس النيابي تمام الخضوع للسلطة التنفيذية لا يقوى على معارضتها وهو لا يريد أصلا أن يفعل ذلك, فإذا كان هذا هكذا, فكيف يسمح النظام الأردني لبرلمانه بالتحرك ضد من هو مرتبط معهم كل الارتباط بمعاهدة استسلام. فلك الله يا غزة, ونعم بالله وليا ونصيرا, نعم هناك مراكز عربية ومسلمة قليلة تتعاطف معك ومنها من يمد إليك يد المساعدة قدر المستطاع, خاصة في ظل الحصار الخانق الذي يحيطونك به, غير أن ما يعول عليه بعد الله سبحانه هو صمودك يا غزة المجاهدة, كان الله في عونك وفي عون نخبتك المقاومة الثابتة, وكفانا أوهاما وضبابا, ومغالطات.

ليست هناك تعليقات: