الجمعة، 20 مارس 2009

المصالحة

فشلت المصالحة الفلسطينية
أعلن اليوم في القاهرة عن انتهاء جلسات المصالحة التي دامت أياما مطولة, بيت الفصائل الفلسطينية التي جيء بها رغما عنها, وحتى لاتتحمل أي منها مسئولية انهيار الوحدة الفلسطينية, كان الفشل متوقعا وأيضا مستحقا, وقد توقعنا هذا منذ البداية, ذلك أن جوهر المناسبة ليس المصالحة كما هو معلن, وإنما هو فرض الاستسلام على المقاومة, بعد أن فشلت الحرب التي كان هذا هو هدفها الأساسي, ومثل هذه المحاولة التي يراد فرضها عبثية تماما, وضد منطق التاريخ, وتتناقض مع طبيعة الأشياء, إن المقاومة انتصرت على العدوان الهمجي الإجرامي للصهاينة والمدعوم بالقوى الكبرى الغربية كلها دون استثناء, وبمن يدور في فلك الغرب من أشباه الدول في العالم, ومن ألأنظمة العربية الموصوفة بالاعتدال, كل هذا الحلف غير المقدس انكسر على صخرة مقاومة شعب غزة, فكيف يعقل أن تفرض الهزيمة على المنتصر بالحرب السياسية والديبلوماسية والحصار الجائر؟ حتى إذا عدنا إلى الفصائل في ذاتها, اتضح لنا أن هناك في واقع الحال فريقان أحدهما يقاوم ويصر على المقاومة مهما كانت التضحيات ثقيلة لأنه لا يوجد خيار آخر أمام الوطنيين الشرفاء, ومن واجبهم وحقهم كذلك أن يضحوا في سبيل بلدهم المغتصب, وفريق آخر استسلم للعدو البغيض, وراح يعيش في أوهام لا طائل من ورائها, سواء هو بصدد ذلك عن وعي أو عن غير وعي, وكلاهما ذنب لا يغتفر. وباختصار هناك فريق مقاوم وآخر مستسلم لا سبيل إلى الجمع بينهما, إن الذين يتحدثون عن المصالحة المستحيلة, لا يفعلون ذلك بدون تلقي مكافآت سخية, ممن سخروهم لبناء قصور من رمال, إن المقاومة تنتصر وتتمكن في الأرض يوما بعد آخر وعلى امتداد الساحة العربية والإسلامية, وهي بصدد إحياء أمة لا يمكن أن تموت, لما لها من مؤهلات البقاء والازدهار والسيادة, ومن تراث حضاري وعقيدي راسخ, ومن كونها خير أمة أخرجت للناس, وعليها أن تفعل المستحيل من أجل تبوإ هذه المكانة المرموقة التي وهبها الله جل وعلا وأثبتها في الذكر الحكيم, وها هي الهجمة الاستعمارية الصهيونية البربرية تتحطم على صخرة المقاومة الشريفة الصامدة, فكيف لمن هم في مقام الخدم والعبيد للقوى المعتدية الظالمة أن ينجحوا فيما فشل فيه أولياء نعمتهم الطغاة المفسدون في الأرض؟ وها هي زعيمة العولمة الاستعمارية أمريكا تعترف بأخطائها في عهد السفاح بوش وتتجه نحو إصلاح ما أفسده من أجل نفسها والغرب أولا, ثم من أجل أن تكون الحياة على الأرض ممكنة كما كانت على الأقل قبل مجيء بوش الطاغية وعولمته المتجبرة الطامعة في الاستيلاء على خيرات الأرض كلها, ولو كان الثمن هو إبادة شعوب كاملة عن بكرة أبيها, فعن أي مصالحة يتحدثون سواء كان ذلك على المستوى الفلسطيني أو على المستويين العربي والإسلامي, بل وعلى المستوى العالمي؟ إن المطلوب هو العودة إلى الصواب, وإعطاء كل ذي حق حقه ولا طريق غير ذلك سالك, لأنهم جربوا البديل بكل شناعاته وفظاعاته وفشلوا الفشل الذريع كلهم أمريكا والغرب والعصابة الصهيونية والتبع من المعتدلين وأمثالهم في العالم, انهزمو في حروبهم وانهارت عولمتهم وكسد اقتصادهم وفقدوا التحكم في شؤون بلدانهم المترنحة تحت وطأة الأزمة المالية الخانقة التي صنعوها بظلمهم وطمعهم, وهم الآن في حيرة من أمرهم بما سببوه من بؤس وبطالة وتعاسة لشعوبهم, وبما ألحقوه من أضرار جسيمة بالبشرية كلها, وبما ارتكبوه من جرائم الإبادة لشعوب عديدة, ومن تدمير لبلدان كاملة, إنهم يتخبطون من أجل الخروج من الورطة التي وقعوا فيها ومن الدرك الأسفل الذي انحدروا إليه, والغريب أن أتباعهم لا زالوا هائمين على نفس النهج السابق, ولم يشعروا بالتغير العميق الذي يسعى إليه سادتهم بكل ما يملكون وبكل طاقاتهم! ولا زال هؤلاء الضالون لم يدركوا بعد هول الصدمة التي أصابت أمريكا والغرب, إلى درجة أنهم اعترفوا على لسان أوباما بجسيم أخطائهم, وها هم يطمئنون إيران الشامخة بانتهاء عهد التهديد والوعيد وبفتح صفحة جديدة معها تقوم على أساس الاحترام المتبادل والحوار الديبلوماسي والصداقة, هكذا مرة واحدة, إنهم لا يتبرعون وليس من طبيعتهم ذلك, وإنما يحاولون إنقاذ أنفسهم قبل إنقاذ غيرهم, لكن أتباعهم لا زالوا يجتهدون في تقديم الخدمات والولاء كما كانوا يفعلون في الحقبة الماضية المظلمة التعيسة, ويا للعجب, إنهم لم يدركوا معنى سعي بريطانيا لربط صلة مع حزب الله المنتصر, وسعيهم جميعا للاتصال بحماس, ويتظاهرون بوضع شروط لذلك, غير أنهم في واقع الأمر إنما يحاولون حفظ ماء الوجه, ذلك لأن المقاومة على حق وهم على باطل, وقد حان الوقت الذي أجبروا فيه على العودة إلى سواء السبيل, وها هو داعية الحرب الجديد في الكيان الصهيوني يفشل الفشل الذريع في مجرد تكوين حكومة العدوان والإبادة والتدمير التي يحلم به, فربما لن تستطيع أن ترى النور, أو أنها لن تعمر سوى وقت قصير جدا وتسقط سقوطا مدويا, ذلك لأن الوضع العالمي قد تغير تماما, وليس باستطاعة أمريكا ولا الغرب مواصلة السير في طريق الطيش والانتحار, ولا تمويل الحروب من جديد, وهم أصلا في وضعية عجز تام عن ذلك, أكل هذه المؤشرات الحادة لم تستطع أن تنبه عبدة أمريكا والغرب؟ المهم أن المصالحة لا يمكن أن تكون بهزيمة مصطنعة للمقاومة المنتصرة باستحقاق وجدارة لأنها ببساطة تدافع على حرمة الأوطان وكرامة شعوبها المهدورة, وإذا كانت هناك من مصالحة فالسبيل الوحيد الوحيد إليها, هو توبة المستسلين والمفرطين في حق أوطانهم وشعوبهم, وليس من الغريب أن يحدث ذلك أمام زهد أمريكا والغرب في خدماتهم, وفي التغيير السريع الذي سوف يقود العالم إلى جو جديد من الهدوء ومحاولة الاستقرار والتقاط الأنفاس من جديد, إذا اصطدم المستسلمون بهذا الواقع العالمي الجديد الذي يتجسد يوما بعد آخر, ربما استفاقوا من ضلالهم المبين وعادوا إلى حقيقة خدمة أوطانهم وشعوبهم, ففي هذه الحالة فإن باب المصالحة يكون مشرعا على مصراعيه, وليس ذلك على الله بعزيز.

ليست هناك تعليقات: