الأربعاء، 4 مارس 2009

مذكرة

مذكرة اعتقال البشير
ها هي مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير, تصدر اليوم عن محكمة الجنايات الدولية بلاهاي عاصمة هولندا, بعد أن قدم المدعي العام لدى ذات المحكمة "اوكامبو" طلبا بهذا الشأن منذ مدة, وهذه المذكرة هي الأولى من نوعها في التاريخ, فلم يسبق أن صدر شيء مماثل بالنسبة إلى رئيس لا زال يمارس مهامه, ومن المفروض أنه يتمتع بالحصانة, لكن يبدو أن هذه المحكمة قد أنشئت لهذا الغرض في بداية هذا القرن الواحد والعشرين, ذلك أن الغرب بعد انتصاره على المعسكر الاشتراكي الذي كان يضمن التوازن في السياسة العالمية, عاد إلى ممارساته الاستعمارية القديمة في ثوب جديد, لكن الجوهر واحد, وفي هذا السياق أنشأ المحكمة العتيدة, التي خولت لنفسها اتهام رؤساء الدول, وها هي تصدر أول مذكرة اعتقال في حق واحد منهم, وهو رئيس عربي, وقد سبق اعتقال رئيس عربي آخر قبله ثم إعدامه, لم يكن ذلك عن طريق ذات المحكمة, بل كان مباشرة عن طريق الاحتلال الأمريكي لبلاد ذات الرئيس وهو العراق, فالهدف واحد هو الاحتلال أو بالأحرى الاستعمار بشكل أو بآخر, إن السياق واضح, ويبقى مصير النظام العربي المشؤوم, الذي فضل الاحتماء بالغرب ضد شعوبه قد اتضح, إنه الاعتقال والمحاكمة الصورية ثم الإعدام, كما وقع تماما لصدام الذي لم يركب نفس الموجة, لكنهم قالوا إنهم قد جعلوا منه عبرة لبقية الرؤساء والحكام العرب, ومن هم في مرتبة مشابهة مثل الحكام المسلمين ثم بقية حكام ما يكان يطلق عليه إسم العالم الثالث. لقد بنى الحكام العرب إيستراتجية سلطتهم على أساس الاحتماء بالغرب ضد شعوبهم التي قد تثور عليهم لتنتزع حقوقها وتصون كرامتها وتتحكم في مصيرها, بعد أن يئست نهائيا من أي خلاص على أيدي حكامها الذين راحوا يتحصنون بالغرب ويستنجدون به عند الضرورة مقابل ضمان مصالحه وإعطائه الامتيازات الاقتصادية وحتى العسكرية ضد مصلحة شعوبهم وأوطانهم, إنه التفريط الذي فهمته الشعوب وادركته حق الإدراك, وراحت تتهيأ لإنهائه مهما كان الثمن, ومن هنا فإن المواجهة قادمة لا شك بين الشعوب والغرب, أما هؤلاء الوسطاء الذين يكونون النظام العربي فإنهم إلى زوال محتوم, سواء على أيدي شعوبهم وهو الوضع الطبيعي أو على يد الاستعمار الغلابي, الذي يتخلص منهم ليأخذ بزمام المبادرة, ويحاول بسط نفوذه على البلدان الثرية خاصة, أو ذات الموقع الاستراتيجي, ثم تأتي البلدان الأخرى في مراتب متباينة تبعا لأهميتها وللفائدة التي يمكن للغرب أن يجنيها منها, إن المواجهة سوف تكون باعتماد استراتيجية المقاومة من قبل الشعوب, ولن يفلح الاستعمار الجديد في مشروعه العدواني والاستغلالي البشع, إذ أن إرادة الشعوب من إرادة الله, وهي لذلك لا تقهر, هذا بشكل عام, لكن القضية شديدة التعقيد دون شك, وسوف تتعدد السيناريوهات والخطط والاستراتيجيات, ثم إن هناك متغيرات قد تحدث ولم تكن في الحسبان, لكن النهاية هي أن الاستعمار الغربي الذي بدأ أفلاسه يلوح في الأفق مع تداعيات الأزمة المالية التي تعصف به والتي هي من صميم ممارساته وأساليب جشعه, سوف تهيئه للانهيار الذي ينتظره على أيدي الشعوب المستضعفة القوية بإيمانها وتضحياتها الجسام, والتي هي بذلك قادرة على أن تجهز عليه إلى الأبد هذه المرة, هذه هي اللعبة الحقيقية, وليس البشير سوى أحد تفاصيل تفاصيلها, ودون شك فإنه يمثل نموذجا لأحد السيناريوهات العملية التي أخذت في التبلور, حيث إن إصابة الرأس قاتلة, إذا أردنا تشخثص الأمور, إلا أن الخطأ الذي يبدو أن المد الاستعماري قد وقع فيه هو أن هذه الرؤوس ليست رئيسا حقيقية, بل مزيفة, ومهما كانت الصدمة التي تحدثها والفوضى الت تتسبب فيها, فإنها لن تقضي على العدو الحقيقي للاستعمار الذي هو الشعب, فسيبقى بالمرصاد وتعويله على الخالق سبحانه وعلى المقاومة التي سوف ينخرط فيها عن بكرة أبيه بشكل أو بآخر, وكل لما هيئ له. إن الذي يحدث لدليل على إفلاس الشريكين الأساسيين: النظام العربي والاستعمار الغربي, ومواجهة الشعوب لهما ستكون مصيرية وحاسمة, وإنها الأطماع الذي تحرك الطرفين في استغلال الشعوب وثروات الأوطان والتمسك بالسلطة وجني ثمارها المادية, وبسط النفوذ على الأوطان واستغلال مواردها البشرية والمادية, لكن هنهات إن الزمن تغير, ولم يعد ذلك الزمان الذي تمت فيه عمليات الغزو وتكوين الإيمبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس على أشلاء الشعوب وعلى حساب الأوطان, إن التجارب التاريخية المكتسبة من صراع الشعوب مع الاستعمار التقليدي, والثورات الحاصلة في ميادين الإعلام والاتصال وغيرها من ميادين المعرفة والعمل, وهي رسميا من إنتاج الغرب, لكنها من الناحية العملية تتيح الفرصة للجميع للاستفادة منها, وما مثال غزة المنتصرة عنا ببعيد, فقد استطاعت الشعوب في العالم كله بفضل هذه الوسائل العملاقة أن تقف صفا واحدا ضد الإبادة والتدمير الذي سلطته العصابة الصهيونية على أهل غزة المجاهدين الصامدين, وعلى مدنهم ومزارعهم وكل شيء في القطاع, لكنهم رغم القوة المادية الغاشمة قد انقلبوا خاسئيس مشيعين باللعنات على مستوى العالم أجمع, وقد كان لوقفة الشعوب الواحدة الموحدة عبر العالم أثرها في هزيمتهم ودحرهم وفشلهم الذريع في تحقيق أهدافهم العدوانية الإجرامية, إن حكاية البشير ما هي إلا نقطة من بحر في الصباع القادم, بل الذي صرنا نعيشه بعض فصوله منذ انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية, وقد زاده تأججا السفاح بوش, وها هو رحيله إلى غير رجعة يؤشر على أن المسألة أكبر منه, بل هي مرحلة تاريخية جديدة كان هو فيها المثال الأسوأ, لكن جوهر الأمر لم يتغير برحاله, لأن القضية هي صراع جديد بين الشعوب المستضعفة عامة وفي مقدمتها الشعوب العربية والإسلامية للأسباب التاريخية والحضارية المعروفة, وإن المواجهة قادمة لا مفر منها بين الشعوب والغرب الاستعماري, وسوف تكون مواجهة عنيفة وصعبة, لكن الانتصار في النهاية سوف يكون للشعوب المظلومة المكافحة التي سوف تسجل بطولات وأساطير يسجلها التاريخة في سجلات المآثر الخالدة.
إن أغرب ما حدث في هذه المناسبة الغريبة هو مطالبة الجامعة العربية بتأجيل تنفيذ المذكرة لمدة عام!!! مما يعني أنها من حيث المبدأ مقبولة في منطق هذه المنظمة المتداعية. بينما تطالب الصين بتعليق هذا الحكم القضائي بمعنى إلغائه أو تعطيله إلى أجل غير مسمى, وتقول روسيا إن هذا الحكم يعد سابقة خطيرة, أما الجامعة المزعومة إياها فتطالب فقط بتأجيل تنفيذ إلقاء القبض على رئيس عربي لمدة عام فقط, دون أن تذكر أسباب هذا الطلب الأغرب من مذكرة الاعتقال, بل الأشنع والأفضع منها, ولله في خلقه شؤون, وإن من أعجب عجائب الدنيا هو حالة الهوة السحيقة التي سقط إليها النظام العربي المتهالك الفالس, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بن سي رابح

ليست هناك تعليقات: