الخميس، 26 مارس 2009

من دفاتر الأيام

مغامرات البشير
بعد زيارته الخاطفة بالأمس للقاهرة, تحدثت الأنباء عن زيارته اليوم لإثيوبيا, تلبية لدعوة من حكومتها للتعبير عن تضامنها معه, وإذا بنا نفاجأ بذهابه إلى ليبيا, ربما لأنه تلقى دعوة منها, مما جعل المدعي العام للمحكمة الجنائية دولية صاحب مذكرة الاعتقال التي تصدر لأول مرة في التاريخ ضد رئيس دولة أثناء ممارسته لمهامه, يصرح هذا المدعي بان البشير يريد أن يثبت قدرته على السفر إلى الخارج, لكنه لن يذهب بعيدا, بمعنى أنه لا يستطيع السفر إلى بلدان خارج محيطه الجغرافي والقومي والديني وربما القاري, وفي نفس الوقت تطالعنا الأخبار بأن ثمانمئة من قافلة للشاحنات, قد لقوا حتفهم بفعل هجوم جوي على تلك القافلة في السودان, بمعنى أن هذا الحادث قد وقع ربما منذ أكثر من شهر, لأنهم لم يحددوا اليوم الذي حدث فيه هذا الأمر, التصريح صدر عن عضو في حكومة السودان, التي اتهمت أمريكا بارتكاب هذا العدوان, إلا أن القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا كذبت قيام الطائرات الأمريكية بهذا الهجوم, وفي ذات الوقت تصرح العصابة الصهيونية بأن تلك القافلة من الشاحنات, كانت محملة بأسلحة في طريقها إلى غزة, وأظهروا صورة لمحتوى واحدة من الشاحنات المدمرة, حيث ظهرت كمية من الخراطيش والبنادق الحربية. من الذي شن الهجوم إذا صدق النفي الأمريكي؟ ولماذا لم تعلن الخرطوم عن وقوع هذا الحادث العدواني في وقته؟ ولماذا أعلنت الآن؟ وكيف عرف الصهاينة أن القافلة كانت متجهة إلى غزة؟ وكيف تعبر إلى غزة؟ ومن أين تمر؟ وهل يسمح لها النظام المصري بدخول مصر واجتياز معبر رفح الرهيب؟ كيف يسمح هذا النظام بدخول أسلحة إلى بلاده, ثم تمريرها عبر معبر رفح الجهنمي إلى غزة؟ هذا هو المستحيل بعينه!!! وإذن فكلام الكيان الصهياني في هذا الوضوع يشبه الهذيان إن لم يتجاوزه إلى الهستيريا, وقد ضاقت به السبل أمام الهزائم المتتالية التي ألحقتها به المقاومة, لقد فقد هذا الكيان العدواني توازنه وصوابه. أمريكا تنفي والسودان يتهمها, كيف يمكن التحقق مما وقع بالضبط؟ لعل الحقيقة الساطعة في هذا السياق هي أن الأجواء العربية قد أصبحت مباحة, يعربد فيها الطيران المعادي بكل راحة واطمئنان, وإلا كيف يحدث ما حدث, ولا أحد من أنظمة العرب تستطيع كشف الحقيقى لعجزها عن مراقبة أجوائها وحمايتها؟ وما دام القيادة الأمريكية المكلفة بإفريقيا تنفي علمها بالموضوع, فهل أن جهات أخرى من الغرب هي التي قامت بالهجوم؟ لكن لماذا لم تعلن ذلك؟ ربما أنها مطمئنة إلى عجز السودان وكل الأنظمة العربية عن معرفة الحقيقة, فما بالك بكشفها؟ لكن لماذا لم تتحدث الحكومة السودانية كل هذه المدة عن وقوع هذا العدوان الذي لم يكن في الحسبان؟ هل هو الخوف والارتباك وعدم وضوح الرؤية؟ أم هناك حسابات أخري لا يعلمها إلا أصحابها. ومهما يكن من أمر فإن هذه الحادثة اللغز قد كشفت عن أمور ذات أهمية قصوى, منها كون الأمن العربي والإفريقي في درجة أقل بكثير من الصفر, وأن أي كان يريد انتهاك تلك الأجاء فإنه يقوم بنزهة رائعة وبكل اطمئنان, سواء أكانت الطائرة مدنية أم عسكرية. ثانيها هو أن النظم العربية عاجزة عن التصرف في أي شيء بنجاح أبسط مراتب النجاح, لقد تمكن الكسل والخمول من أجهزتها المختلفة, ولا مؤشر يقول العكس على الساحة الوطنية, وهذا هو الهوان الذي يفسر تجرؤ المحكمة الدولية على إصدار هذا القرار الغريب ضد رئيس دولة لا زال يمارس مهامه الرئاسية. لكن البشير فقد صوابه واستجاب للضغوط المارسة عليه, وراح يسافر يوميا عبثا, ويبدو أن المدعي العام الدولي قد عبر عن جقيقة هذه الأسفار, الذي يريد بها البشير التعبير عن الشجاعة وعدم الرضوخ للإملاءات, لكنه يسافر يوميا لبضع ساعات إلى واحد من البلدان العربية والإفريقية للتعبير عن رفضه الرضوخ والخضوع والإنزواء, فراح يعرض نفسه لأخطار حقيقية عن وعي أو عن عدمه!!! وأعود إلى موضوع قصف القافلة السودانية, حيث ظهرت معلومات جديدة اليوم, لقد جاء في جريدة نيويورك تايمز أن الذي قصف القافلة هو الكيان الصهيوني, وفي ذات الوقت صدر بيان في هذا الكيان يقول إنهم يقصفون كل الأهداف الإرهابية سواء كانت قريبة أو بعيدة, وهو ما يشبه الاعتراف الصريح بقصفهم للقافلة السدانية, لماذا؟ بالطبع هم يمارسون الإرهاب الدولي وليست المرة الأولى التي يمارسون فيها العدوان, بل ذلك من سماتهم البارزة, لكن لماذا السودان وفي هذا الوقت؟ مسألة تحتاج إلى معلومات مدققة, ليست بين أيدينا الآن, وأي كان الأمر فإن العصابة الصهيونية قد ذهبت بعيدا بهذا العمل الإرهابي الغامض, ولو أن ما يصدر العصابة الصهيونية مفهوم ومفسر بطبيعة كيانها العدواني. لكن لماذا لم تعلن الحكومة السودانية عن الحدث لدة قد تتجاوز الشهر؟ هذا الآخر أمر محير, هل ذلك التكتم مرده إلى العجز عن اكتشاف الفاعل المذنب؟ لكن إلى متى الستر, لقد أعلنوا أخيرا وحملوا الولايات المتحدة المسؤولية على أساس أنها هي الفاعل, أو على الأقل المتسترة على الفعل والراضية عنه والمدعمة له, خاصة إذا كان مرتكب الجريمة هو العصابة الصهيونية, لقد نفت أمريكا ارتكابها للفعل, غير أن أنباء اليوم تحمل المسؤولية للكيان الصهيوني, لكنه قبل أن يقدم على هذا التصرف الخطير لا بد أن يكون قد استشار الجانب الأمريكي حليفه أو حاميه أو على الأقل أخبره بالأمر قبل وقوعه. إن هذه الحادثة الغامضة تؤشر على مدى الانهيار الرهيب للأمن العربي وتجذر العجز في النظام العربي الهش الخائر, وتلك مصيبة كبيرة وتهديد لوجود أو استمرار هذه الأمر في الوجود مجرد الوجود ما دام القائمين عليها يفعلون شيئا من أجل تأمينها, بل يفعلون العكس بتحالفاتهم المشبوهة مع العواصم الغربية, وليغامر البشير بالسودان في صورة المغامرة بحياته أو حريته العرضة للاعتقال على خلفية الأمر الصادر باعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية, وهو ما أفقده صوابه, وجعله يتحرك عشوائيا خارج السودان متخبطا كالذبيحة, لكن ألم يشعر في يوم ما أن الغرب باستطاعته أن يفعل هذا وأشنع منه, لا سيما أن واقعة شنق الرئيس صدام لا زالت طرية لم يمض عليها سوى بضعة شهور, أفلا يكفي ذلك الدرس البليغ لرفع النخبة السياسية العربية المعرضة لنفس المصير قبل إعادة إخضاع بلدانها للاستعمار الجديد؟ وإذا كانت هذه النخبة تدرك الأمر فماذا فعلت من أجل تجنبه وإفشاله؟ وماذا فعل البشير بالذات لمنع إسرائيل من قصف قافلته بكل اطمئنان, لأنها تعلم أن السودان لا يملك ما يشكل خطورة على عدوانها الجوي الخاطف كما تعودت أن تفعل, إن العلاج الناجع لمنع العربدة الإسرائيلية وردعها وهو تكوين القوة المضادة لا يقوم به العرب حتى لو تركت لهم الحرية فيه, لذلك فإن أمن رؤساء هذه الدول ذاته لم يعد مضمونا, وذلك جزاؤهم على قصورهم وتقصيرهم.

هناك تعليق واحد:

abdou blhouitel يقول...

حياك الله - لقد أصبت عين الحقيقة- شكرا جزيلا.