الخميس، 25 يونيو 2009

درس

درس طهران

يكاد الوضع يستقر في طهران, فكل المؤشرات الداخلية والخارجية تفيد ذلك, والمهم الآن هو استيعاب الدرس جيدا, على مستوى القيادة والشعب الإيرانيين, وعلى مستوى الجوار الشعبي العربي, وربما الرسمي بالنسبة إلى الممانعين خاصة. لقد كانت الأزمة خطيرة, وكادت أن تعصف بالثورة الوحيدة في العالم الإسلامي, ونقطة الدفاع الفريدة التي لا زالت تقوم بوظيفتها بشكل فعال, في العالم المذكور. لكن الاستنتاج المنطقي من ألأحداث الأخيرة, يقتضي التقييم والمراجعة الفاحصة والعميقة للوضع السياسي الإيراني. إن الشرعية التاريخية لحكم الملالي بعد ثلاثين سنة, لم تعد كافية, إن لم نقل لم تعد مقبولة, والدليل الأكبر هو الأحداث التي لم تنته بعد, وإن كانت دلائل النجاة بادية للعيان. إن تجارب الثورات العربية والإسلامية، وحتى على مستوى عالمي علمتنا أن استمرارها غير مضمون, بسبب خطئها الرئيسي الفادح, وهو اقتصارها في حكمها على الشرعية الثورية, تلك الشرعية التي تتحول مع تقادم الزمن إلى احتكار للسلطة, والمنع القاتل لتلاقح الأجيال, وتداولها الطبيعي والحيوي على إدارة البلاد بالتدريج المناسب والحكيم والحتمي كذلك. حكام إيران الذين انقسموا هذه المرة, وكادوا يعصفون بثورتهم, والتسبب بذلك في كارثة تاريخية وطنيا وإقليميا وعالميا, قد بلغوا من الكبر عتيا, فالذي كان في سن الخمسين عند اندلاع الثورة قبل ثلاثين سنة, هو الآن في سن الثمانين, وكثير منهم قد تجاوزوا ذلك, فإذا كانوا مصرين على حكم الملالي لإيران, فعليهم أن يعدوا الخلف من الشباب والكهول, غير أن ذلك لم يحدث, وحتى الرئيس نجاد, الذي استثمره سياسيا جناح المرشد الأعلى, ليس من الملالي, وإن كان ينتمي إلى المحافظين - إذا صح هذا التصنيف- من الطبقة السياسية الحاكمة في إيران. إن هذا السلوك السياسي المتجاهل للتجديد الطبيعي لأجيال السلطة, سلوك فاشل وانتحاري على المدى الطويل, وقد بلغ هذا الموعد مداه بعد ثلاثين سنة من الحكم. ثم إن حكاية ولاية الفقيه الدائمة غير منطقية ولا يمكن ضمان استمرارها, وهي ضد التطور الحاصل في المجتمع بفضل الثورة ذاتها, من انتشار للتعليم والتكوين والتأهيل والتثقيف, ومن تنامي الرصيد البشري الباحث والمفكر والصانع والمبدع في جميع المجالات, إن الواقع الجديد المتطور دوما للثروة البشرية أم الثروات جميعا, والتي هي إنتاج إستراتيجي من الطراز الأول, وهو أعظم وأشرف إنجازات ثورة إيران المجيدة على الإطلاق, يفرز بطبيعته علماء ومثقفين في جميع المجالات, فإذا كان الملالي هم علماء دين, ومنهم الفقيه الذي يتربع على عرش السلطة, فإن العلماء في المجالات الأخرى من الشباب والكهول لهم الحق في السلطة, التي لا يمكن الاستمرار باحتكارها في فئة أو طبقة معينة, وحتى هذه الصيغة من اشتراك العلماء في جميع المجالات الدينية وغيرالدينية في السلطة وتقاسمها, غير مقبول, ولا يمكن أن تعمر طويلا, فالوضع الطبيعي السليم والاستراتيجي القابل للاستمرار السياسي الآمن للدولة, هو تحول الشرعية الثورية بالتدريج المعقول إلى شرعية شعبية, على أساس ديمقراطي متين آمن, يحفظ مستقبل البلاد والعباد من المغامرات والهزات المتوقعة وغير المتوقعة, مما يفضي - لا قدر الله - إلى المصير العراقي الكارثي, وهو ما يتمناه أعداء الأمة المتربصين بها. فعلى الشيوخ الحاكمين في إيران أن يستخلصوا العبرة من هذه الأحداث العاصفة, والتي لا تلبث أن تعود, إن هم أداروا ظهورهم لتسليم المشعل تدريجيا إلى الأجيال التي تخلفهم طبيعيا, وفي ذات الوقت إن هم أرادوا دوام العز الذي لهم فضل إرسائه في إيران وما حولها, بل وفي العالم قاطبة, فعليهم أن يسارعوا إلى إرساء قواعد الديمقراطية في البلاد, وإنشاء المؤسسات الديمقراطية القوية, والمجتمع المدني المنيع, فإن هم فعلوا ذلك, يكونوا قد حملوا الأمانة إلى شاطئ النجاة والدوام, وإن هم تقاعسوا عن هذه المهمة الأكثر تاريخية من الثورة نفسها, والتي هي الثمرة الطبيعية لها, فسيعرضون كل شيء للتبديد والضياع بعد حين, وما المثال العراقي البائس عنا ببعيد, وليس هو المثال الوحيد في التاريخ المعاصر, وبئس المصير, هذا هو الدرس الذي لقنته لنا الأحداث المنذرة بالشؤم, والعياد بالله, هذه الأيام في طهران, فلنتعظ به جميعا, وفي مقدمتنا قيادة الثورة الإيرانية المجيدة. والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

ليست هناك تعليقات: