الاثنين، 28 سبتمبر 2009

النت يخترق




النت يخترق جدران الحريم




جدران القبيلة المضروبة حول حريمها والمشيدة لدى سادتها بروجا منيعة لا يخترقها الجان فما بالك بالإنس, هناك ظلت المرأة العربية تئن من وجع الاعتقال والاستعباد والتنكيل وغيرها كثير من أصناف الامتهان والإذلال والاحتقار, وما دامت مكانة المرأة المرموقة تؤهلها لأن تكون شريكة برتبة نصف المجتمع, فذاك يعني أن نصف المجتمع مشلول, لا يساهم في شيء, بل إنه يقع تحت نير الاسترقاق, ويكاد يمنع من استنشاق الهواء, فمن أين -والحال هذه- الحديث عن المساهمة؟ كل هذا يقع باسم الشرف, وهو نقيضه تماما, فهل من الشرف وأد البنات؟ وهل من الشرف سجن النساء؟ وهل من الشرف استعباد المرأة؟ وهل من الشرف استعمال المرأة أداة للزينة والمتعة والإنجاب؟ وهل من الشرف تعطيل نصف المجتمع وشله تماما عن العمل والمبادرة والمشاركة في التكفل بوطنه وترقيته وتطويره؟
كان التغيير من الداخل أمرا مستحيلا ولا زال, وكأنه لا أمل في حياة أفضل ما دامت البنية الأساسية لمجتمعنا هي القبيلة, التي لا تقبل التغيير ولا التبديل, بل إن الثبات والجمود يكون حجر الزاوية في هويتها, ولم يبق إلا التطلع للرياح التي تهب من الخارج - رغم محاذيرها - علها تهب بنسمات من عوامل التغيير المأمول, وتجعلنا نتهيأ للشراكة الحضارية المعاصرة أو الحداثة أملنا في الخلاص والانعتاق والكرامة والرقي؟ وبالفعل توالت فتوحات الغرب أو جانبه الإيجابي الإنساني العام, في صورة الانجازات العلمية والتكنولوجية العملاقة, وخاصة منها تلك المتعلقة بالتواصل والإعلام, ذلك أن نوافذ العين والأذن على العالم المتقدم, تجعلنا نشرئب بأعناقنا إلى الحلم بشيء من المماثلة ولو مجرد الحلم, لكن الأمر في الواقع يتجاوز ذلك بحكم التأثير العميق لوسائل الاتصال والإعلام العملاقة إلى بداية مؤكدة للتغيير المنشود, حيث إن جدران القبيلة مثل حدود السلطة ورقابتها الصارمة بدأت تنهار, بل إنها بلغت مرحلة متقدمة من الانهيار. بدأ ذلك بالإذاعة ووسائل الاتصال السمعية والبرقية, ثم جاءت الوسائل المرئية كالتلفزيون والأشرطة المرئية بعد المسموعة, ثم جاءت الضربة القاضية النت وما أدراك ما النت, هذا العملاق الذي اخترق جدران الحريم تمام الاختراق, بحيث لم تعد تصلح للوظائف التي من أجلها شيدها سادة القبيلة العتيدة, لقد صار الحريم وجها لوجها أمام الغرباء من رجال العالم كله, هذا العالم الذي جعلته التكنولوجيا قرية أصغر من صغيرة. المرأة العربية الآن تطلع على ما يجري في العالم بأدق تفاصيله, بما فيها الممنوعات الخطيرة, التي جعلتها القبيلة أخطر من المخدرات, بكل أصنافها القاتلة, المرأة العربية الآن تستطيع الاتصال بالرجال والتعامل معهم في شتى أنحاء المعمورة, ولا حارس لها ولا مانع سوى ضميرها وإيمانها وتقواها, بمعنى أنها تتصرف في علاقاتها بمحض إرادتها, وبإمكانها أن تفعل كل شيء بطريق غير مباشر بالطبع, لكن الأمر قد يتجاوز ذلك إلى لقاء طبيعي مباشر في الحلال أو في الحرام, وليس الاتصال بين الجنسين في الأحوال العادية السليمة والصحية هدفه الوحيد هو الحب والجنس حلالا كان أو حراما, ولا ننسى أن نسجل هنا فتح النت لنافذة هامة يستعملها الجنسان النساء والرجال من أجل الزواج, وفي ذلك تيسير للأمور, وتوفير لإمكانات كبيرة من أجل الارتباط الزوجي السليم. غير أن حصر الاتصال في جانب الجنس يبقى من مخلفات ذهنية القبيلة الآيلة للسقوط بفعل النت وغيره من أساليب التغيير التي تهب رياحها من الخارج, الاتصال بين الجنسين يجب أن يكون في كل ما يستعمله البشر له, في كل جوانب النشاط, وفي شتى مناحي الحياة, وإنه لمن المهم محاربة هذه الذهنية القبلية الممقوتة التي لا زالت تتطفل على النت, بل وتريد أن تحصر الاتصال فيه بين الجانبين في التصورات البالية والمقيدة بالجنس وحده دون غيره. إننا بفضل النت المعجزة التكنولوجية العظيمة, نقف على مشارف التحول الكبرى, ولم يعد للقبيلة المحلية أو الوطنية من نفوذ على ربطنا للعلاقات بمن فينا النساء, بل وخاصة النساء, ولا في المعلوما التي تتعلق بالعالم قاطبة أو بأوطاننا نفسها. لقد تحررت المرأة في سياق تحرر أفراد المجتمع كلهم من رقابة السلطة, وبالنسبة للمرأة من رقابة الرجل, الذي عليه أن يفكر في وسائل جديدة للاطمئنان على أمنه الأسري غير السجن وغلق الأبواب للبروج المشيدة الشاهقة الجران, فلم تعد الجدران العالية قادرة على منع العيون من رؤية الجسد المخزون أو المدفون وراء الجدران, إن ذلك الجسد الطابو صار ملكا لصاحبته وحدها, وبإمكانها أن تظهر به بلا قيود ولا حدود حتى آخر الدنيا, إن الجدران المنيعة لم تعد كذلك بل إنها انهارت تماما, وذلك مدخل إلى الحداثة, فعلى المرأة تقع مسؤولية صيانة الحرية التي منحها إياها النت, فلا حرية بلا مسؤولية, بل إن ضريبة الحرية المشروعة هي المسؤولية, على المرأة العربية أن تستغل هذا الفتح التكنولوجي العظيم أفضل الاستغلال, وتثبت عن طريقه جدارتها وقدرتها على المساهمة في النهوض ببلدها وترقية مجتمعها والمساهمة في ازدهار الإنسانية قاطبة. وعلى الرجل العربي أن يغير نظرته نهائيا للمرأة, فلم تعد نظرة القبيلة صالحة, لقد تجاوزتها الأحداث, وما عليه إلا أن يكون مستعدا للتعامل مع المرأة بذهنية الند للند, حيث إن الفروق لم تعد على أساس الجنس, بل الفروق بين الأفراد بقطع النظر عن جنسهم قد أصبحت تقاس بالجدوى والفعالية, إن العلاقات الجديدة لا يمكن أن تقوم إلا على المساواة والاحترام المتبادل والتنافس في الفكر والعلم والعمل, وربط العلاقات الإيجابية القائمة على الإقناع والاقتناع والكفاءة وعن هذا الطريق السليم وحده يمكن قيام فرص الزمالة والصداقة والحب والزواج, وغيرها من علاقات التبادل والتعامل بين الناس بقطع النظر عن جنسهم أو غير ذلك من الفروق الأخرى العادية الطبيعية بين البشر.
إنها ثورة التكنولوجية العملاقة, وإننا ننعم بثمارها وذلك بالرغم من أنا صانعيها لا يريدون بنا خيرا, غير أنهم لا يستطيعون احتكار كل الاستعمالات الممكنة لإبداعاتهم, وبالطبع فإن النفوذ من أقطار السماوات والأرض لا يكون إلا بسلطان, هو سلطان المعرفة والعلم والتكنولوجيا والعمل, وقد كان الأجدر بنا أن نكون نحن الرواد في هذا المجال ما دام كتابنا الكريم هو الذي يذكر هذه الحقيقة, غير أن القبيلة فضلت ضرب الجدران المنيعة حول الحريم, وحصرت اهتماماتها في هذا الجانب الضيق, وها هي في النهاية تخسر كل رهاناتها الخاطئة ويأتي الغزو من الخارج ليطيح بجدرانها الظالمة القاهرة المانعة من الرقي والتقدم والكرامة والازدهار, وكيف يمكن انتظار أي تطور إيجابي لمجتمع نصفه معطل ومشلول تماما؟ فمرحبا بالتطور أي كان مصدره, وأهلا بالنت مخترق جدران التخلف والجمود, فلقد أصبح باب الأمل بفضله - في سياق الحداثة والتقدم العلمي والتكنولوحي - مشرعا أمام شعوبنا البائسة رجالا ونساء, فلنحمد الله على نعمة التكنولوجيا أي كان مصدرها, وما هي في الواقع سوى استغلال عملي لاكتشاف نواميس الكون التي وضعها فيه خالقه, ثم اختراع وسائل العمل التي تسمح بها الاكتشافات الجديدة, فالكل من عند الله, ولو كنا أجدر باكتشاف نواميس كونه, وها نحن نصبح مؤهلين لفعل ذلك إذا أردنا أن نكون من عباد الله الصالحين الذين وعدهم سبحانه بوراثة الأرض والريادة فيها. ولينصرن الله من ينصره, ولله الأمر من قبل ومن بعد, وسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.

ليست هناك تعليقات: