السبت، 29 يناير 2011

تونس تؤجج الصراع المصيري العربي

مقال الاثنين
تونس تؤجج الصراع المصيري العربي





الحراك السياسي يحتد في العالم العربي باندلاع بركان الثورة الشعبية في تونس, كان المحرك الرمزي هو البطل الشهيد محمد البوعزيزي, مما يفسر الحوار الساخن الدائر حوله بين المفكرين الشرفاء ومثقفي السلطان المتكسبين ومفتييه ووسائل إعلامه التي أدانتها الثورة التونسية وهي الآن بصدد تطهير البلد من نجاستها بعد أن حاولت التأثير سلبا على الزحف الشعبي الهادر, كما أن التقارير الإعلامية تنبئ برعب يهز الكيان الصهيوني من امتداد عدوى التغيير إلى جيرانها وسقوط حلفائها العملاء, وأمريكا ذاتها والغرب كله في حمى متزايدة خوفا على النظام العربي صديقها وعميلها وخاصة منه "المعتدلون" عملاءها وحلفاءها أعداء المقاومة والشعوب ومصير الأمة المزدهر مقابل حماية كراسيهم المسوسة المنحوسة. لأول مرة في تاريخ العرب المعاصر المهين ينتعش الأمل بقوة جارفة وينبعث من حيث لم يتوقع أحد من تونس الخضراء وشعبها الهادئ المسالم الذي كان الجميع مطمئنا إلى أنه لن يتحرك أبدا وسيبقى ولو ثار الناس كلهم في بقية أقطار العرب والمسلمين فإنه لن يتحرك بحكم طبيعة الاستكانة المعروفة لديه, غير أن هذا الحكم خاطئ كما بينت الأحداث الجارية الآن وفاسد منطقيا كون الشعب التونسي العريق متصفا بالأصالة العميقة والثقافة المنتشرة والمتنوعة والاندراج في المعاصرة إلى حد كبير والاستغراق في التواصل التكنولوجي والإعلامي بشكل واع مدرك لمجريات الأمور في العالم, مما جعل درجة الوعي التونسي من أرقى ما وصل إليه العرب, فكان لزاما على المتتبع الحاذق أن يدرك أن نقطة الانتصار وبدء الصراع مع العدو الداخلي والخارجي ستكون حتما من تونس الفيحاء, في هذا السياق النوعي التاريخي جاءت حادثة البطولة التي جسدها واحد من شباب تونس الذي يرمز بكثافة إلى الوضع القائم, محمد البوعزيزي شاب تونسي في مقتبل العمر متخرج من الجامعة بطال لم يجد أمامه سوى الاعتماد على عربة يبيع فوقها الفاكهة ويدفعها أمامه بقواه البدنية ليعيل أسرته المتكونة من ثمانية أفراد يتهددهم الجوع والبؤس, وحتى هذه العربة المهينة لم يتركها له النظام المستبد فنزعها منه بطريقة مذلة حيث تعرض للشتم والصفع من "شرطية", مما جعله يشعر بوضوح أنه لم يبق بعد هذا مجال للحياة فأضرم في نفسه النار صارخا أنكم أيها التونسيون ستعيشون بكرامة بعدي, لقد كان واعيا باللحظة التاريخية التي خطا ببطولة على عتبتها أول خطوة, فكان أن اشتعل لهيب الثورة الشعبية العارمة وقذف بالطاغية خارج البلاد في ظرف شهر واحد, وهو الآن يواصل بإصرار منقطع النظير وعزم وثبات تنظيف الجيوب المتبقية للنظام المتعفن الفاسد العميل, إن فرائص النظام العربي الفاشل المفرط المتخاذل المشبوه ترتعد ومعه العدو الصهيوأمريكي غربي, فكلهم يشعرون بانطلاق المارد الشعبي العربي الذي يناصبهم العداء وقد ثبت لديه الان ألا كرامة له مادام هذا الحلف غير المقدس يجثم على صدره وأن المنهج قد اتضح وخطه وسطره بوضوح ودقة متناهية البطل الشهيد محمد البوعزيزي وشعبه العظيم, وأدرك بقية الشعوب كل الإدراك أن القدوة ظهرت وما عليهم غير الاتباع والكل مستعد إذ كان ينتظر لحظة التنوير هذه بفارغ الصبر, وهكذا جند النظام العربي الفاشل في محاولة يائسة كل قنواته الدينية المأجورة فصارت كلها ترفع أصواتها النشاز من المحيط إلى الخليج في موضوع واحد هو الانتحار, موجهين كلامهم خاصة إلى الشباب أمل الأمة في التغيير المصيري الحتمي, متوعدين أياهم بجهنم وبئس المصير وبكون المنتحر حرقا بالتحديد كافرا لا يصلى عليه ويدفن في أطراف مقابر المسلمين باعتباره ليس منهم. ذلك أن الاستشهاد حرقا ظهر ولا زال ينتشر في بلدان عربية كثيرة, ولم يستطع الشيوخ المستهلكون والذين اكتسحهم الوعي الشعبي العربي حتى أنهم في تونس الآن محل متابعة وطرد مهين من كثير من المساجد لما كانوا عليه من عمالة للطاغية يدعون له على منابر بيوت الله في خطبة الجمعة وغيرها, لم يقدروا على وقف انتشار ظاهرة الاستشهاد حرقا لأن الشهيد البطل محمد البوعزيزي هو شيخ الشيوخ ومفتي المفتيين ورمز الوطنية والخلاص والتحرير والتنوير فأين منه شيوخ النظام الفاشل الضال المضلل الفاسد؟. نقاط الاشتباك تنتشر وبؤره تتعدد, وفي الصدارة الآن تونس ولبنان, حيث قمة الصراع بين الشعب والنظام الفاشل الفاسد العميل المدعم بالقوى الصهيوأمريكية غربية, ففي تونس يكاد الأمر يحسم لكون الأمور واضحة ولا مخبأ فيها لرموز النظام ولا سند غير العدو الخارجي والشعب التونسي وشبابه وقياداته النقابية والجمعوية والسياسية على دراية تامة بما يجري من محاولات للالتفاف على الثورة الشعبية وفرض فلول النظام البائد لتسرق من جديد السلطة وتحاول الثبات عن طريق المناورة والتخويف وإثارة القلاقل والفوضى حتى تعود من باب الإنقاذ, لكن الخطة مكشوفة ومن حسن الحظ أن الجيش يقف لهم بالمرصاد معلنا موقفه المؤيد للثورة الشعبية والحامي لها والمطارد لعصابات النظام المجرم, وهو موقف يشبه إلى حد بعيد موقف الجيش اللبناني الوطني المؤيد دوما للمقاومة الشريفة, ولو أن الأمر في لبنان أكثر تعقيدا لكون الرؤوس العميلة المعادية للمصالع العليا للشعب والوطن والأمة تتمترس وراء حصن الطوائف المنيع إلى حد كبير, وهو الخطر الحقيقي الذي يقف في وجه انتصار الوطنية على العدو الخارجي في لبنان, فالعميل اللبناني لا يلفظ من طائفته التي تعتبر وجودها أهم من وجود الوطن والأمة, ومن ثم تحمي زعيمها العميل وتبرر عمالته بالدفاع عن وجود الطائفة ومصالحها أمام العدو المباشر الذي هو الطوائف الأخرى أو الطائفة التي يركز عليها العدو الخارجي لخطرها على مصالحه ووجوده في لبنان وحتى في داخله كما هو الأمر بالنسبة للكيان الصهيوني البغيض, غير أن رياح التغيير أقوى بالتأكيد من هذه المعضلة الطائفية, والسياق العام للخلاص الذي انطلقت شرارته من تونس الخضراء سرعان ما يكتسح هذه الملابسات الداخلية المحلية ويطيح بها, وأيضا فلبنان شبيه بتونس في أشياء كثيرة منها ارتفاع درجة الوعي وانتشاره والاندراج الرأسي والأفقي بقوة في استيعاب الحداثة علما وتكنولوجيا, فضلا عن عراقة لبنان وأصالته ومكانته الجهوية والعالمية, وأحد الأدلة على ما أقول هو قوة المقاومة التي استطاعت هزم العدو الصهيوني أكثر من مرة وهو ما لم تسجله الجيوش العربية الجرارة منذ أكثر من ستين عاما هو عمر الاحتلال الصهيوني لفلسطين الحبيبة, هذا الانتصار الأسطوري للمقاومة ليس لأنها فقط مدعومة ومحتضنة من جميع القوى الوطنية الواعية بقطع النظر عن الانتماء الطائفي بل لأنها بالإضافة إلى ذلك لبنانية متحضرة ومثقفة ومستوعبة لتكنولوجيا العصر ومتجذرة في الحداثة يشهد على ذلك استيعابها للأسلحة المتطورة وإظهار عبقرية خاصة في استعمال السلاح والخطط الحربية وأساليب الصراع والاشتباك العسكري وهو ما شهد به العدو قبل الصديق, ومن أراد التعمق في الموضوع فليرجع إلى شهادات الضباط والجنود الصهاينة قبل غيرهم ممن تحدثوا عن حرب تموز 2006. ولأن الحرب التي يلوحون بها ضد لبنان مستحيلة لأسباب موضوعية في مقدمتها قوة المقاومة وحلفائها في الداخل والخارج, واستحالة خوض أمريكا لحرب جديدة كونها تذرف الدم على تورطها في العراق وافغانستان, ولولا ذلك لكانت قد هاجمت إيران, والأمر ذاته بالنسبة للكيان الصهيوني الذي أصيب بعقدة النقص عسكريا بفعل انتصارات المقاومة عليه في لبنان وفي غزة أيضا, وأكثر من ذلك خوفه بل رعبه من سقوط الآلاف من مواطنيه في كبريات مدنه على رأسها تل أبيب, وهو الأمر المستحيل بالنسبة إليه لأنه سيكون كارثة تسقط بسببها الحكومة والقيادة العسكرية والمخابراتية وقد يؤدي الأمر إلى نهايته وفرار شعبه نهائيا ليعودوا من حيث أتوا. نعم قد تقع كوارث وربما استعمل الكيان المنهار السلاح النووي في آخر لحظة, لكن ذلك لن ينقذه من الانهيار نهائيا, ولهذا لن يحارب أصلا لا لبنان ولا غير لبنان, وقصارى ما يمكن له هو غزو غزة مجددا وهذا أيضا احتمال ضعيف جدا, كون هذا الكيان المجرم قد انهار نفسيا وأصبح محكوما بعقدة الهزيمة فضلا عن انفضاح أمره أمام العالم واتصافه أمام الجميع بالإجرام. في نهاية المطاف تكون الثورة الشعبية قد انطلقت في تونس ولبنان بوضوح لكن إرهاصاتها واضحة في كل البلدان العربية حتى تلك المحكومة بأعتى الديكتاتوريات التي هي مهما كانت أضعف من استبداد بن علي بكثير. ومن ثم فإن الصراع بين الشعوب العربية وأنظمتها وحلفاء هذه الصهيوأمريكيين غربيين قد انطلق ولن يوقفه أي شيء كونه على حق بالإضافة إلى أن وعي الشعب العربي قد بلغ عتبة الرفض ولم يعد للقمع من سلطان عليه مهما بلغ من جبروت وإجرام وكل الدلائل تبشر بنصر قريب إن شاء الله, حتى إذا ما اكتمل النصر وتكتل العرب ومعهم المسلمون لا ريب فإن عصرا جديدا يكون فجره قد لاح على الدنيا وستعرف البشرية توزيعا جديدا لقوى النفوذ العالمي ستكون منها أو على رأسها الكتلة العربية الإسلامية, ولا ننسى في هذا السياق التاريخي الأمل أن شعوب الغرب ونخبه تعتنق الإسلام بغزارة وتلك إحدى سمات عصر الأنوار التي بدأت بشائره تلوح في أفق العالم المعاصر الجديد الحر العادل المزدهر الإنساني المنتظر قريبا بإذن الله.



عبدو المعلم




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو ارسل رسالة ارسل رسالة بالبريد الإكتروني http://elsoumoudelcharif.mescops.com elmouallim@live.fr ibnelhakim@yahoo.fr malek_h2 متصل
روزانا
مديرة
مديرة


عدد المساهمات: 4346
نقاط: 9705
السٌّمعَة: 158
تاريخ التسجيل: 02/03/2010
الموقع: http://elsoumoudelcharif.mescops.com

مُساهمةموضوع: رد: تونس تؤجج الصراع المصيري العربي الثلاثاء 25 يناير 2011 - 19:27شكراً رد مع اقتباس نص المساهمة تعديل/حذف هذه المساهمة حذف هذه المساهمة استعرض رقم الإيبي IP للمُرسل ارسل تقرير عن هذه المساهمة لمدير أو مشرف قفل تقارير هذه المساهمة

----
مقال جميل اخر تضيفه علينا استاذ عبدوو المحترم من مناهل فكرك
واطلاعك على مجريات الامور وتحليلك لها من وجهة نظرك حسب المعطيات والمؤشرات
اتمنى ان تكون لدي وجهة نظر تفائلية كالتي امتعتني بها بمقالك
ولكن الحقيقة للان لا استطع ان افرح ولا استطع ان احدد كيف ستكون مسار الامور
بالرغم من زلزال التغيير ونهضة الشعوب بكافة الاوطان العربية
لا يهمني الان الا الدعاء لشعبنا بمصر الحبيبة ان يحظى بثورة شعبية يستعيد بها امجاده وبطولاته
التي سطرها التاريخ على مدى عصور ,واندحرت واصبحت بالحضيض من تسلم الزعيم الدكتاتوري زمام السلطة
ومعه زباينته المتأمرين من كافة الهيئات ووصل الامر للازهر الشريف,
لقد ان الاوان ان ينتفض هذا الشعب الطيب ويخرج من بؤسه ومعاناته .
واليوم نادت هيلاري كلينتون تطالب كل الأطراف في مصر بضبط النفس وتقول إن الحكومة المصرية مستقرة لكنها ستستجيب للمطالب الشعبية...
اما الوضع لدينا بلبنان فكما تفضلت امر معقد وشائك وصعب الوصول للحلول المرضية لكافة الطوائف
والان نمر بوضع حرج وغير مفهوم, وارى بالافق مخطط جديد ربنا اعلم فيه
اكرر شكري لحضرتك سيدي المحترم
ودمت لمنتدياتنا منارة نقتدي بها
ولك مني ارق تحية واطيب سلام

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو ارسل رسالة ارسل البريد الإلكتروني http://elsoumoudelcharif.mescops.com
عبدو المعلم
المدير العام
المدير العام


عدد المساهمات: 2262
نقاط: 5341
السٌّمعَة: 6
تاريخ التسجيل: 26/02/2010
الموقع: http://elsoumoudelcharif.mescops.com

مُساهمةموضوع: تونس تؤجج الصراع المصيري العربي الأربعاء 26 يناير 2011 - 2:00رد مع اقتباس نص المساهمة تعديل/حذف هذه المساهمة حذف هذه المساهمة استعرض رقم الإيبي IP للمُرسل ارسل تقرير عن هذه المساهمة لمدير أو مشرف قفل تقارير هذه المساهمة

التاريخ قطار وحيد الاتجاه لا رجعة له أبدا, وهذه حقبة تاريخية قد انطلقت ولا يمكن بأي حال العودة إلى ما قبلها, التاريخ كالنهر الذي قال عنه أحد فلاسفة الإغراق قديما إنه لا يمكنك أن تستحم فيه مرتين, يقصد أن المياه تكون قد غادرت مكان وقوفك دون رجعة أبد الدهر, أتذكر أنك كنت تقولين لي ذات الكلام منذ ما يقرب من العام, غير أن الأحداث متسارعة بشكل مذهل, وهي تشير بما لا ريب فيه إلى أن التغيير بدا في الأفق بوضوح, ذلك أن أمتنا تملك شروطه الموضوعية وهي ليست بالأمة التي يمكن أن يتعاملوا معها بذات الطريقة التي استعملوها مع الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين, التململ الحاصل الآن ممتدا بدرجات متفاوتة من المحيط إلى الخليج وإلى أبعد من ذلك, والنظام العربي الفاشل المهترئ لا ضمانة له في الاستمرار غير من نصبوه ووعدوه بحمايتهم من الثورات المحتملة لشعوبهم, غير أن ابن علي عندما اتصل بهم طالبا استقباله رفضوه كلهم دون استثناء والبلد الذي استقبله بشروط كبيرة قيل إنه تلقى الأمر بذلك من هيلاري كلينتون. بالطبع إن التغيير كان يبدو مستحيلا لكنه الآن بدأ يتحقق على الأرض, ولنفرض أن ثورة تونس قد وقفت عند حد معين من الإنجازات التاريخية المنوطة بها فإنها مع ذلك تكون قد قطعت أشواطا في اتجاه الكرامة والتقدم يستحيل الرجوع عنها. المهم أنك سيدتي الفاضلة روزانا مديرة المنتديات كما تعودنا منك في تدخلاتك لا تقفي عند السطح بل تتعمقين في الموضوع وتضيفين له أبعادا وإثراء وتلك هي ميزة التواصل الراقي المتلاقح. دمت متميزة سيدتي الكريمة.

ليست هناك تعليقات: