الخميس، 22 يناير 2009

من دفاتر الأيام/ تداعيات انتصار غزة ورحيل بوش

تداعيات انتصار غزة المجاهدة
ولهجة جديدة يمكن وصفها بالعادية والمعتدلة التي كنا قد نسيناها أيام السفاح بوش الذي ألهب العالم حروبا وتوترا ورعبا وهمجة, ها هي قد ولت دون رجعة وقد استمعنا بكل هدوء لأول مرة منذ ثمانية أعوام مشئومة إلى خطاب سلفه بأعصاب هادئة
وقلوب مطمئنة, كما كنا تستمع إلى خطب الرؤساء الأمريكين قبل غير المأسوف عليه بوش بدون تشنج ولا حقد ولا ضغينة.


الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين أوباما


تداعيات انتصار غزة الصامدة


لا زالت إسرائيل تقصف من البحر وتصيب خمسة فلسطينيين اليوم, أما الرئيس الأمريكي الجديد فقد عين مبعوثاجديدا للسلام في الشرق الأوسط, والتزم بالدفاع عن إسرائيل وحمايتها من الخطر, وأمر حماس

بالاعتراف بإسرائيل, وهي لهجة بوشية, لكنه لم يطلب منها الاستسلام, ولم يصفها بالإرهاب, وهو خطاب مختلف بالرغم من رفض حماس له, حيث اعتبرته يكرر نفس الأخطاء الأمريكية, ما دام لم يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني واكتفى بالتعاطف مع ضحايا العدوان الهمجي من الأبرياء. وهو على كل حال أفضل مما جاء به الاستراتيجي الكبير "هيكل" الذي لم يكمل حديثة في الجزيرة هذا المساء بسبب انتقالها إلى واشنطن لنقل خطاب أوباما, لقد رسم هذا الصحفي الذي كان عبقريا صورة قاتمة للوضع الفلسطيني والعربي, وإلى هنا يمكن الاتفاق معه, لكنه توقع بعد الدمار الفظيع غير المسبوق في التاريخ كما قال أن يكرس الأمر الواقع, الذي هو التسوية, لأن الوضعين الفلسطيني والعربي في حالة من الضعف بحيث لا يمكن لهما التأثير في مسار الأحداث, ويبقى أن الطرف الفاعل هو إسرائيل ومعها أمريكا وأوروبا وأداتهما الحلف الأطلسي الذي جيء به لفرض التسوية, ومهندس كل هذا في نظر هذا الاستراتيجي السابق هو "طوني بلير" الموصوف بعمالته لإدارتي بوش وإسرائيل!!! أما المقاومة فلا وجود لها وإن وجدت فلا أثر لها في المستقبل, ولا مكان يذكر إلا للأمر الواقع الذي تريده إسرائيل والغرب وأداة التنفيذ هي الحلف الأطلسي ومهندس العملية كما قال هو "طوني بلير" ولا شيء غير هذا في المستقبل عدا هذا الأمر الواقع الذي هو التسوية أي الاستسلام الذي سخرت له إسرائيل وبوش و"المعتدلون" كل قواهم وكانت الهزيمة هي جزاؤهم المستحق, وقد تجاهلها " هيكل" تماما في حديثه بل إنه لم يذكر العدوان المجرم باسمه, وإنما قال الدمار غير المسبوق في التاريخ.

أما في الكيان الصهيوني فإن استطلاعات الرأي تضع الليكود في الصدارة متبوعا بكاديما ثم حزب العمل في المرتبة الثالثة, حيث يعتبر الليكود أن "ليفني" زعيمة كاديما قد فشلت في سياستها الخارجية أثناء العدوان لكن الجيش انتصر, وكان الأحرى بهم أن يقولوا أجرم وخرب ودمر, ورغم هذا الانتصار يرتب حزب العمل الذي يرأسه وزير الدفاع باراك في المرتبة الأخيرة من بين الأحزاب الثلاثة المتنافسة. وهذا معناه أن الحكم سيؤول في إسرائيل لليكود المتطرف بزعامة العنصري الكبير ناتنياهو, والذي وضع هذا الترتيب هو الشعب الصهيوني, مما يعني أنه يريد المزيد من الدماء والتدمير, وأنه لم يضع الحزبين القائدين للعدوان على غزة في المرتبة الأولى لأنهما لم يشفيا غليله!!! ولعل ما يرضيه هو الإبادة التامة لشعب فلسطين على غرار الهنود الحمر, وهذا هو الواقع, وليس الأمر الواقع كما يقول صاحبنا والتأثير الوحيد عليه بل قهره لا يكون إلا بوسيلة واحدة ووحيدة هي المقاومة ولا شيء آخر غير المقاومة, التي ينفي السيد وجودها أو انعدام دورها تماما في أحسن الأحوال, والحلف الأطلسي قادم لمحوها نهائيا, وينسى أن هذا الحلف الاستعماري لم ينتصر ولا مرة واحدة في تاريخه, خاصة عندما يتصدي لمحاربة المقاومة, فإن الفشل الدريع كان يلازمه دوما, حدث ذلك في الجزائر ويحدث الآن في أفغانستان, والأمثلة كثيرة في تاريخه الحافل بالهزائم أمام الثورات والمقاومات الشعبية حيثما حل وارتحل, وهل هناك ثورة أو مقاومة واحدة أمكن قهرها في التاريخ, بما في ذلك المقاومة الفرنسية والأمريكية والهندية الغاندية والقائمة طويلة وحافلة بانتصار المقاومة دوما وانهزام عدوها الظالم المعتدي؟؟؟

هذه هي اللوحة العامة اليوم, وهناك مبادرة جديدة للرئيس اليمني المتخلف عن قمة الكرامة والمقاومة في الدوحة, بعد موافقته على الحضور!!! يدعو فيها لحوار جديد بين حماس وفتح برعاية سورية مصرية تركية هذه المرة, وحديث في الجزيرة للسيد/ نايف حواتمة, خلاصته أنه من المبكر الحكم على سياسة الرئيس الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط, وإن كان التغيير الكبير لهذه السياسة لصالح العرب لن يكون إلا بقيام الوحدة الفلسطينية وبتوحيد الصف العربي كما أضاف.

صحيح أن الوقت مبكر جدا للحكم على سياسة الرئيس الأمريكي الجديد, لكن الذي يغير سياسته إيجابيا ليس وحدة الفلسطينيين ولا وحدة الصف العربي أبدا, لأن غزة المقاومة والصمود والنصر قد دفعت دم أطفالها ونسائها وأبريائها الزكي القاني من أجل الفرز والحسم, وقد فعلت ولا رجعة في ذلك, والذي يفرض التغيير على الرئيس الأمريكي الجديد هو الشعوب العربية المتحدة والمتضامنة فعلا , ووسيلتها إلى ذلك المقاومة التي سوف تجبر إسرائيل جبرا على استجداء الإدارة الأمريكية الجديدة والإلحاح عليها للتدخل من أجل وقف الصراع وإيجاد حل يرضي المقاومة وبالتالي شعوبها, هذا هو الأمر الواقع وليس ذلك الذي يتحدث عنه "هيكل" وكأني به أصبح ناطقا رسميا باسم الكيان الصهيوني و"المعتدلين" للأسف الشديد. أما رفض حماس لخطاب الرئيس الأمريكي فمن حقها ومن واجبها أن تفعل ذلك, ما دام شعبها لا يرضى بغير تلبية حقوقه المشروعة والمسجلة في قرارات دولية معروفة. لكن من الإنصاف القول بأن مؤشرات مسيرة محو العار في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة واضحة, منها أن التهديد اختفى وحلت محله الدعوة إلى الحوار حتى مع الأعداء, وهناك قرارت ذات دلالة كبيرة اتخذت في اتجاه إصلاح ما أفسدته الإدارة السابقة في الخارج والداخل, وفي السياسة الخارجية والعلاقات الدولية تحديدا, ثم لا ننسى أن الرئيس الجديد قد نصب البارحة فقط, أي منذ حوالي أربعة وعشرين ساعة.

أما عن مصيبتنا في "هيكل" فعزاؤنا الوحيد فيها هو ما قيل من أن العباقرة يقضون نصف عمرهم الأول في الاكتشاف والاختراع والإبداع, أما نصف حياتهم الأخير فينشغلون فيه بمحاربة كل تطور جديد, وتلك سنة الحياة التي فطرها عليها بارئها سبحانه "ولن تجد لسنة الله تبديلا".

ليست هناك تعليقات: